![]() |
سأنام في ظل مسماري!
سأنام في ظل مسماري! ربما كان ذلك إيمانا من أمريكا بأن العرب هم منبت الحضارة الإنسانية، ومن فضاءات عقولهم نشأت العلوم، حتى دفن ساسة أمريكا المحنكون وجوههم في قصص ونوادر جحا، واستخلصوا منها قصة المسمار التي تحكي أن جحا أراد يوماً بيع داره دون أن يفرط فيها تماماً، فاشترط على المشتري أن يتركله مسماراً في أحد جدران المنزل، فوافق المشتري دون أن يلحظ الغرض الخبيث لجحا من وراء الشرط، وفوجئ بعد أيام بجحا يدخل عليه البيت، فسأله عن سبب الزيارة؟ أجاب جحا: جئت لأطمئن على مسماري، فرحب به الرجل، أجلسه وأطعمه، حتى حل الليل، فخلع جحا جبته وفرشها على الأرض متهيئا للنوم، لم يطق المشتري صبراً وسأله: ماذا تنوي أن تفعل، أجاب جحا بهدوء: سأنام في ظل مسماري. تكرر هذا كثيراً، وكان جحا حريصاً على اختيار أوقات الطعام ليشارك الرجل طعامه، فلم يستطع المشتري الاستمرار على هذه الحال، فترك لجحا الدار بما فيها وهرب. لكن أمريكا أشد مكراً من جحا، إذ امتدت أطماعها خارج ممتلكاتها باحثة عن مسمار تأخذه إلى أي مكان ترى فيه ما لذ وطاب من الأطعمة النفطية والثروات المعدنية حاملة معها مطرقة من عصر الهنود الحمر الذي عرف عنهم حب الدق لتمارس هوايتها في دق المسامير على الجدران الاستراتيجية، بينما يقف العالم في صمت العاجز، يتعالى إلى مسمعه بين الحين والآخر صوت دق مسمار هنا وخلع آخر هناك. وما بين الدق والخلع تتنامى خبرة أمريكا في المسامير، الأمر الذي يحتم عليها ضرورة البحث عن مسمار طويل الأجل لا يمكن خلعه. بعد البحث والتنقيب توصلت إلى مسمار غير قابل إلى الخلع أو الكسر أو الصدأ، مسمار بحروف خمسة "إرهاب" يتكيف مع مختلف أنواع الجدران، لا يحتاج مطرقة الهنود الحمر لتثبيته، يكتسب قوته من فشل سوبرمان البشرية المدعوة "الأمم المتحدة" لعام آخر في إيجاد تعريف للإرهاب، مما أدى إلى تأجيل صياغة معاهدة جديدة لمكافحة الإرهاب، وكيف لا تعجز 191 دولة في الوصول إلى تعريف مشترك للإرهاب، وتتعارك الأفكار فيما بينها إذ ما طرحت إحدى تلك القضايا للنقاش: القصف.. القنبلة.. الرصاص….. فإذا اقترن القصف بالإرهاب فهذا يعني أن ما تقوم به إسرائيل يقع تحت طائلة الإرهاب، لكن يجب ألا توضع إسرائيل، خليلة أمريكا، في مطب الإرهاب، إذن القصف لا يسمى إرهابا، هذا يعني أن ما حدث في 11 سبتمبر ليس إرهابا، لكن أحداث 11 سبتمبر وضعت في دائرة الإرهاب، إذن فالقصف إرهاب.. هنا تتضارب المحاكمات المنطقية والمعادلات الرياضية والفلسفات الكلامية ويصل المجتمعون إلى حال الصمت والإقرار بالإجماع على تأجيل صياغة تعريف محدد للإرهاب إلى وقت آخر. وتترك أمريكا مؤتمرات الأمم المتحدة و191 دولة في تشاجر أفكارها وصراع المتناقضات لتمارس بنزعة القوة والتفرد مكافحة الإرهاب وفق منطق النظام العالمي الجديد الذي يقضي بأن القصف لا يعد إرهابا إذا ما أطلت قنابله من فوهة مدفع إسرائيلي أو أمريكي، فهي كمدفع العيد والألعاب النارية، تفيض بهجة وسرورا على كل من يراها ويصاب بها. أما إذا خرجت من فوهة مدفع عربي يعلن بدء شهر رمضان فهو الإرهاب بحروفه الخمسة، وان تلألأت رصاصة من مسدس إسرائيلي أو أمريكي، فهي تعبير عن الفرح بخطبة أو زواج، أما إذا خرجت من فوهة بارودة صيد عربية فهو عمل إرهابي يستهدف ضرب الثروة البيئية كلها. وما تختزنه أمريكا من أسلحة نووية والترسانة النووية الإسرائيلية ليست إلا درهم وقاية، لكن إن وجد برنامج نووي في إحدى الدول العربية أو الإسلامية فهو مدعاة للقلق الشديد ويجب إنهاؤه وإنهاؤها على الفور. ولعل الفيصل في تحديد تعريف الإرهاب وفق أبجدية أمريكا هو ذلك الشيء الصغير المتناثر في كل مكان، إنه الحجر ذو الاستخدام أحادي الجانب، ذلك أن أمريكا لا يمكن أن تتورط في عمل إجرامي مناف للإنسانية فتستبدل بقنابلها الحجارة، ولم ينتهك الجندي الإسرائيلي حقوق الإنسان الفلسطيني بضربه بالحجارة بدلاً من الرصاص! على هذا الأساس تنطلق أمريكا في مكافحتها للإرهاب واجدةً لها في القاعدة مسماراً آخر تنقله إلى المكان الذي تود ملء معدتها منه، فألبستها جنسيات عربية وإسلامية مختلفة لتتمكن من النوم في ظل مساميرها بأي بلد عربي أو إسلامي تشاء وهي تحلم بأن يصل حال تلك البلاد إلى ما آلت إليه حال المشتري في قصة جحا. وها هي الآن تنام في ظل أحد مساميرها، بعد أن احتلت العراق ونحت صدام عن الحكم كما نحى جحا المشتري من بيته، مدخلة أحد مساميرها في جدران العراق النفطية. ولعل تصريح مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الاقتصادية (لورانس لينزي) لصحيفة (واشنطن تايمز) في 17/9/2002م الذي أجاب فيه عن سؤال حول الكلفة الاقتصادية التي تقدر بـ (200مليار دولار) للقيام بعمل عسكري ضد العراق كان اعترافاً صريحاً وواضحاً بأطماعهم؛ حيث أجاب بما نصه: "في ظل أي سيناريو فإن التأثير السلبي سيكون بسيطاً نسبياً مقارنة بالمزايا الاقتصادية إذا نفذنا الحرب بنجاح؛ القضية الأساسية هي أن النفط وتغيير النظام في العراق سيسهل زيادة إنتاج النفط العالمي مما يساعد على خفض الأسعار، وبالتالي يمكن تدبير التكاليف الباهظة..". أحلام ليست ببعيدة، فهاهو العالم يراقب جدرانه المثقوبة والمسامير المعلقة منتظراً بدء محاولة جديدة لإيجاد تعريف محدد للإرهاب قد يبنى على أساسه كيف وضد من يكافح الإرهاب، وحتى ذلك الحين لا نعرف كم من الجدران ستثقب وتحت ظل أي من المسامير ستنام أمريكا؟! من ايميلى |
امريكا تدق المسامير في كل انحاء العالم ولا تدقه على جدران من جدرانها
مشكور احمد على الموضوع الرائع |
طرح قيم اخي الفاضل احمد وامريكا عرابة الدول العربية هكذا تعتبر نفسها
سلمت الايادي |
جميل ما نقلته لنا اخ احمد
هناك وجه للتشابه ما بين مسمار جحا ومسمار الاستيطان في فلسطين هي نفس الفكرة الاستيلاء على متر ارض مربع ثم تصبح الارض كاملة للمستوطنين اما امريكا فان النظام العربي البائد هو من اعطها كل المبررات التي ذكرتها ولكن اعتقد ان هناك نور في نهاية النفق امل ان يحقق كل امانينا سلمت بروعتك تحيات لك |
اقتباس:
تشرفت بحضورك العطر بنت فلسطين تحياتى |
اقتباس:
أخى العزيز مرورك العطر تحياتى |
اقتباس:
أخى الرائع شريف العرب هم من تهاونوا فى حقوقهم وفرطوا فيها مما سمح لأمريكا ومن على شاكلتها بالطمع فى مقدرات الشعوب وخيراتها.. شكرا لك مرورك المميز تحياتى |
شكرا وبارك الله فيك يا احمد معروف
يعطيك العافية على الطرح |
يا أخي الفاضل علمناهم كل شئ ومن مخزوننا العامر في كل الحقول
وأخذوا عنا وسرقونا ومازالوا وسبقونا بمراحل تحتاج إلي دهور كي نلحق بهم لهم الحق يا أخي وبجدارة نحن أمة كسالي لاتصور لنا ولا معيار ولاصوت يعلو فوق المصلحة الذاتية الضيقة والباقي يرحل لايخصنا أحييك علي نصك المميز مودتي وإحترامي |
|
الساعة الآن 05:51 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |