![]() |
الدرس السادس من فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني
[6]الحديث عن علم مصطلح الحديث . فقد ذكرت في مرة سابقة عندما أكون في المسجد وأدرس مثل هذا الكتاب فإنني من مواجهتي للناس إن كانوا يفهمون أم لا ، وقد استفهمت وقلت آنذاك أنا لا أدري إن كنتم تفهمون كلامي أو أنه أتى ثمرته أم لا ، ولا أدري ما هي الوسيلة التي أعلم بها إن كنت قد وفقت في عرض المادة أم لا ؟ . وفي الأسبوع الماضي جاءتني عشرات الرسائل ومئات المكالمات كلها تثني على هذا الدرس وطريقة الطرح ، لا سيما في علم الحديث الجامد الذي تولينا فيه شرح بعض علوم الحديث مما زاد من اغتباطي وفرحتي بفهم الناس لهذا العلم الجديد ، وفي كل مرة إن شاء الله تعالى أعيد شيئًا يتعلق بالأصول ، علم الحديث وعلم أصول الفقه وطبعًا محل علم الحديث أنما يكون من خلال الإسناد علي الطريقة التي درجنا عليها وأذكر بها إن شاء الله اليوم وفي كل مرة حتى يستوعبها من يسمعها . طريقتي في الشرح:- أولاً: أقرأ نص الحديث سندًا ومتنًا قراءة صحيحة . ثانيًا: ننظر في علاقة الترجمة بالحديث وهل الترجمة مناسبة للحديث أم لا ؟ والمناسبة إما أن تكون جلية وإما أن تكون خفية جلية(لا خفاء فيها) كهذا الحديث الذي نشرحه الآن حديث بن عباس_ رضي الله عنهما_لأن البخاري رحمه الله بوب عليه بقوله (باب ما جاء في الصحة والفراغ). ومتن الحديث كلام النبي _عليه الصلاة والسلام_: ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) فتكون الترجمة مناسبة وجلية كأن البخاري ترجم بنص الحديث جعل الترجمة هي الحديث . خفية: مثل الحديث الذي ذكرناه في المرة السابقة في باب المنديل ، أن ميمونة _رضي الله عنها_أعطت النبي _ﷺ _منديلاً أو خرقة أو ما يشبه في زماننا هذا الفوطة حتى ينشف بها بعد الوضوء فردها وجعل ينفض بيديه. فهذا الباب عندما نقول( باب المنديل )ونذكر مثل هذا الحديث لا ندري ماذا يريد الإمام؟_ رحمة الله عليه _من هذا الحديث ، يريد أن يتنشف أم لا يريد ألا يتنشف . فلو كان يريد ألا يتنشف لكانت الترجمة خفية ، لأنه كما قلنا في المرة الماضية لولا أن ميمونة _رضي الله عنها_ رأت النبي _صلي الله عليه وسلم _يتنشف ما دفعت إليه المنديل ، لكن يكون غالب أمره_ ﷺ_ لا يتنشف إنما ينفض يديه للعلة الذي ذكرناها في المرة الماضية وهي أن الذنوب تسقط مع قطر الماء أو مع آخر قطر الماء كما جاء في الحديث . ثالثًا: أن ننظر هل الإمام البخاري ذكر هذا الحديث في مواضع من صحيحة أم لا ؟ فإذا كان ذكرها في مواضع على عادة البخاري أنه قد يذكر الحديث الواحد في عدة مواضع لأنه يلتمس الفقه الذي فيه فإن كان البخاري ذكر الحديث في عدة مواضع نذكر المواضع كلها ونذكر تبويب البخاري على هذه المواضع ، فإذا كان لم يكرر الحديث ننبه أنه لم يكرر الحديث مثل حديث بن عباس الذي نشرحه الآن . ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) لم يذكره البخاري _رحمه الله إلا في هذا الموضع من صحيحه . رابعاً :ثم بعد ذلك ننظر هل أخرج هذا الحديث أحد غير الإمام البخاري أم لا ، فإن كان أحد خرج الحديث غير البخاري لا سيما الإمام مسلم نذكر مواضع الحديث في كتب السنة الأخرى وطبعًا لن نستقصي في المسألة إنما سنذكر على الأقل الكتب الستة ومسند الإمام أحمد ونضم إلى هذه الكتب صحيح بن خزيمة وصحيح بن حبان والمستدرك الحاكم وإذا كان الدار قطني والبيهقي وسنحاول بالقدر المستطاع ألا نطيل في مسألة التخريج ، إلا لو كان أحد ا المخرجين ذكر زيادة على المتن الذي ذكره البخاري _رحمه الله_ وكان يتعلق بالزيادة معني ، فهذه سننبه عليها ونقول الزيادة زادها فلان وإسنادها صحيح أم لا . خامساً :ثم بعد ذلك نذكر شيئًا من علم الحديث قواعد المصطلح من خلال السند لأن هذا هو المحضن الطبيعي لعلوم الحديث الإسناد ، وعلم الحديث كله إنما وضع لتصحيح الإسناد وتضعيفه ومن ثم يقبل المتن أو يرد . النافذة الوحيدة لنا لنتكلم عن علم الحديث الذي أنا مغتبط شديد الاغتباط أنه دخل قلوب الجماهير وسيزيد ونحن لا نزال على شاطئ البحر إنما إذا دخلت وأحسنت السباحة فهذا موضوع أخر . سادساً :ثم بعد ذلك نذكر المتن أي كلام النبي_ صلي الله عليه وسلم _أو كلام الصحابي أو كلام التابعي على حسب ما يذكر الإمام البخاري ونذكر المعاني الذي اشتمل عليها هذا الكلام والمتن هو المحضن الطبيعي لعلم أصول الفقه أيضًا ، لأن علم أصول الفقه هو الذي يسدد لك الفهم ، وهؤلاء الذين يتخبطون عشوائيًا ويعملون كل شيء ، ويتكلمون على الأحاديث بجهل ويقولون هذا مردود وهذا مكذوب وغير ذلك .العلة التي عندهم لم يدرسوا . ديننا دين محكم متين كل شيء مربوط بقواعد ، وسنبين هذه القواعد ونبين كيف استللنا هذه الفائدة ، وعلى أي قاعدة بنيناها ، ونحاول بالقدر المستطاع ألا نكثر من ذكر القواعد حتى لا يمل المستمع . لكنهم طلبوا مني طلبًا لا أدري كيف أوفيه وهو أن أتحدث عن تاريخ الحديث وكيف بدأ هذا العلم الجليل وكيف يمكن أن يصل المرء إلى مراتب في هذا العلم ، فأنا أقول أن هذا الموضوع يحتاج إلى حلقات مفردة ، وأنا لا أريد أن أخرج عن موضوع الكتاب لأن الكتاب طويل وحتى لا يطول الأمر بنا . لكن أنا بدا لي أن أسلك خطة وسطًا وهي أن أوزع الكلام على تاريخ الحديث إذا جاءت مناسبة من خلال الإسناد ، ولأبين الجهد الكبير الذي بذله علماء الحديث مارجوليوس وعلم الحديث. لدرجة أن أحد المستشرقين المحترقين على الإسلام وأهله وهو مارجوليوس قال: ليفخر المسلمون بعلم حديثهم فإننا لا نعلم في الدنيا كلها أمة وفقت إلى ضبط كلام نبيها أو كلام أي إنسان كما وفقت هذه الأمة التي سددها الله تبارك وتعالي وابتكرت هذا العلم الجليل . قال الذهبي رحمه الله عن علم الحدبث [ لولا أصحاب المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر ] . وقال الإمام المبارك عبد الله بن المبارك [ لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ] . فالإسناد هو الذي يفضح القائل ، سمي لنا من أي جهة أخذت هذا الكلام ونفحص هذه الجهة وننظر إذا كانت هذه الجهة ثقة أم لا ؟ لأن الأخبار يدخلها الصدق والكذب بخلاف الإنشاء, كيف تعرف أنه صدق ؟ إذا كان الذي أخبرك به من الصادقين ، نضع هنا قاعدة : :من الأصل ومن الفرع ؟ عندنا راوي وعندنا رواية واحد قال لك كلام ، من الأصل ؟ هذا الإنسان المتكلم ولا الكلام ؟ بالطبع الأصل المتكلم ، فالراوي هو الأصل والكلام أو الرواية هي الفرع . أنا لا أنظر في الفرع إلا إذا نظرت إلى الأصل ، فلا أنظر إلى الكلام ولا إلى الرواية إلا إذا نظرت إلى المتكلم ، هذا المتكلم جدير بأن يستحوذ على تصديقي إياه أم سأطرح كلامه . فلذلك نشأ علم كبير جليل اسمه علم الجرح والتعديل ، فهؤلاء العلماء الكبار الذين رحلوا إلى سائر الأقطار وباعوا الحمار والدار واستدانوا وأجر بعضهم نفسه مع نبله ومكانه عند بعض الجمالين والحمالين كأبي حاتم الرازي . الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: لأجل أن يشتري الورق كان يرهن بعض أساس المنزل ، ولأجل أن يشتري الدقيق كان يرهن بعض ما يملك مع جلالة أحمد ، البقال الذي أعطى له أحمد بن حنبل الدلو كرهن نحن لا نعرف من هذا البقال مات يوم مات وبقي أحمد بن حنبل رحمه الله اسمه يسير كالشمس عبر القرون ، أتى إلينا اسمه زكيًا كسائر علماء الملة رحمة اله عليهم أجمعين . |
فعلماء الحديث بذلوا جهودًا جبارة في ضبط هذا العلم :
وأنا ليس هناك مجال لأتكلم لكنني وأنا أفتش ماذا أقول لأبين الجهد الذي بذله علماء الحديث في تقريب هذا العلم وتهذيبه وضبطه فتذكرت منظومة لأحد علماء الحديث قرب بها هذا العلم ، لأن هذا العلم العلماء كتبوه نثرًا ونظموه شعرًا ، فمنهم من نظم ومنهم من اختصر ومنهم من اعترض ومنهم من انتصر ، كل هذا العلماء يعترضوا علي بعض لتحرير المادة العلمية . كل هذا جيد لكن أن يتفنن بعض علماء الحديث في عرض المادة العلمية الجافة عن طريق قصيدة غزلية فهذا هو عجب العجاب ، علم جامد يسبقه في قصيدة غزليه لرجل محب أرسل رسالة إلى حبيبه يتوجع من ألم الفراق ، ويبين له أنه على العهد في المحبة وأنه مشتاق إليه بل إنه يهيم به . هل يخطر على بال أحد أن يسبك العلم الجامد علم الحديث المقصود بالعلم الجامد علم الآلة في قصيدة غزلية وبأرق لفظ يكون ، وقد رأيت في هذه المرة أن أتحفكم بهذه القصيدة الغزلية التي ذكر فيها هذا العالم عناوين علم الحديث ولم يدخل في القواعد ، إنما ذكر العناوين . وهذا العالم هو أحد مشايخ الإمام الذهبي وهو معروف بابن فرح الأشبيلي الأندلسي ، وأنا سأذكر لكم القصيدة وأبين لكم مواضع علم الحديث فيها لتعرف كيف وفق هذا العالم ولانت له الألفاظ كأنها عجينة ، استطاع أن يصرفها كما يحب ، فيقول هذا المشتاق المحب يتكلم مع حبيبه فيقول: يقول ابن فرح الأشبيلي الأندلسي: غرامي صحيحٌ والرجا فيكَ مُعضَلُ هذه قصيدة من عشرين بيتًا كما ترى في أرق لفظ يكون ولا يشعر المستمع أو القارئ أن فيها علم أو أن فيها كلام جامد ، فانظر إلى موهبة هذا العالم وكيف أنه تحايل في تقريب هذا العلم بكل ممكن فانظر أين علم الحديث في هذه القصيدة كلها .ودمعي وحزني مرسلٌ ومسلسلُ ووجدي فيك يشهد القلبُ أنــهُ ضعيفٌٌٌ وموضوعٌ وذليَ أجمـلُ ولا حَسنٌٌٌ إلا استماعُ حَدِيثُكُمُ مشافهةً يُمليَ عليَ فأنقــــلُ وأمريَ موقوفٌ عليكَ وليس لـي علي أحدٍ إلا عليكَ المُعًوَلُ ولو كان أمريَ مرفوعًا إليك لكنتَ لي على رغم عُزَالي تَرِقُ وتعدِلُ وعزل عزولي منكرٌ لا أُسِيغُهُ وزورٌ وتدليسٌ يُردُ ويُهملُ أُقضي زماني فيكَ متصلَ الأسيَ ومنقطعًا عما به أتوصـــلُ وها أنا في أكفانِ هجركَ مدرجٌ تُكَلِفُني ما لا أُطِيقُ فأحمِلَُ وأجريتُ دمعيَ بالدماءِ مُدَبجًـاً وما هي إلا مُهجتي تتحلـــلُ فمُتَفِقٌ جفني وسُهدي وعبرتـي ومفترقٌ صبري وقلبي المبَلبلُ ومؤتلفٌ وجدي وشجوي ولوعتي ومختلفٌ حظي وما فيك آمُــلُ خذ الوجدَ عني مسندًا ومُعَنعناً فغيري بموضوعِ الهوى يتجملُ وذي نُبَذٌ من مبهمِ الحب فاعتبر ً وغامِضُهُ إن رُمتَ شرحًا مُطولُ غريبٌ يقاسي البعدَ عنكَ ومالَهُ ورَبِكَ عن دارِ القِلى مُتَحَوَلُ عزيزٌ بكم صبٌ ذليلٌ لِعِزِكُم ومشهورُ أوصافُ المُحبِ التذلـلُ فرفقًا بمقطوعِ الوسائلِ مَالَهُ إليك سبيلُ لا ولا عنكَ مَعدِلُ قلا زلتَ في عزٍِ منيعٍ ورفعةٍ ولازلتَ تعلو بالتجني فأنزِلُ أوري بُسُعدَيَ والرباب وزينبَ وأنت الذي تُعنيَ وأنتَ المُؤَمَلُ فخذ أولاً من أخرٍثم أولــاً من النصفِ منه فهو فيه مُكَمِلُ أَبَرُ إذا أقسمتُ أني بحبــهِ أهيمُ وقلبي بالصبابةِ مُشعَلُ فالذي قصده هذا العالم أن يذكر عناوين الأبحاث الحديثية ، صحيح ، ضعيف ، منقطع مرسل شاذ ، معل ، معضل ، معلق ، مدلس ، فهذه كلها عناوين وتحت كل عنوان من هذه العناوين فيه علم ، فيه قواعد |
وأنك إذا أحببت هذه القصة تذهب إلى كتب مصطلح الحديث وتدرس الحديث فيقول:
غرامي صحيحٌ والرجا فيك مُعضَلُ ودمعي وحزني مرسلٌ ومسلسلٌ غرامي( صحيحٌ ) إشارة إلى الحديث الصحيح .والرجا فيك( مُعضَلُ) إشارة إلى الحديث المعضل . ودمعي وحزني ( مرسلٌ ) ، إشارة إلى الحديث المرسل . ( ومسلسلُ) الحديث المسلسل . ووجدي فيك يشهد القلبُ أنــهُ ضعيفٌٌٌ وموضوعٌ وذليَ أجمـلُ ( ضعيفٌ ) الحديث الضعيف ( ومتروك ) هذا الحديث المتروك ، ولا حسنٌٌٌ إلا استماع حديثكــم ولا( حسنٌ ) هذا الحديث الحسن . مشافهةً يُملى علي فأنقــــلُ إلا استماع حديثكــم ( مشافهةً ) هذه المشافهة ، كما أكلمك الآن فأنا الآن أشافهك . (يُملى) علي فأنقل هذا الإملاء وهناك سنة تسمى الإملاء عند المحدثين وأمريَ موقوفٌ عليك وليس لـي علي أحد إلا عليكَ المعـــولُ وأمري( موقوفٌ) هذا الحديث الموقوف أي كلام الصحابي .ولو كان مرفوعًا إليك لكنت لي على رغم عزالي ترق وتعذلُ ولو كان ( مرفوعًا) وهذا الحديث المرفوع وهو ما يعزى إلى النبي _ﷺ_ من قول أو فعل أو تقرير ، .وعزل عزولي منكرٌ لا أسيغُهُ وزورٌ وتدليسٌ يردُ ويُهملُ ( منكرٌ) هذا الحديث المنكر ، ( وتدليسٌ) هذا الحديث المدلس (ويُهملُ وهذا المهمل ، وسيأتي المهمل بعد ذلك . أقضي زماني فيكَ متصلَ الأسى ومنقطعًا عما به أتوصـــلُ ( متصلٌ ) وهذا الحديث المتصل ، و( منقطعًا ) وهذا الحديث المنقطع وها أنا في أكفانِ هجركَ مدرجٌ تكلفني ما لا أطِيقُ فأحمِلَُ ( مدرجٌ ) هذا الحديث المدرج ، الكلام الذي يضيفه الراوي على الحديث من جهة التفسير . وأجريتُ دمعيَ بالدماءِ مُدَبجًـاً وما هي إلا مهجتي تتحلـــلُ وأجريت دمعي بالدماء ( مدبجًـا ) فهناك ما يسمى بالحديث المدبج ورواية الأقران .فمُتَفِقٌ جفني وسُهدي وعبرتـي ومفترقٌ صبري وقلبي المبَلبلُ فـ ( متفقٌ ) جفني وسهدي وعبرتـي و( مفترق ) صدري وقلبي المبلبل ، المتفق والمفترق والبيت الذي بعد المؤتلف والمختلفومؤتلفٌ وجدي وشجوي ولوعتي ومختلفٌ حظي وما فيك آمــلُ و( مؤتلفٌ) وجدي وشجوي ولوعتي و( مختلفٌ ) حظي وما فيك آمــلخذ الوجدَ عني مسندًا ومُعَنعناً فغيري بموضوعِ الهوى يتحللُ. خذ الوجد عني (مسندًا ومُعَنعناً ) هذا الحديث المسند والحديث المعنعن الذي هو عن فلان عن فلان عن فلان ، .وذي نُبَذٌ من مبهمِ الحب فاعتبر وغامِضُهُ رُمتَ شرحًا مُطولُ وذي نبذ من ( مبهمِ) الحديث المبهم الذي فيه راوى مبهم .غريبٌ يقاسي البعدَ عنكَ ومالَهُ وحقِكَ عن دارِ القِلى مُتَحَوَلُ ( غريبٌ ) هذا الحديث الغريب .عزيزٌ بكم صبٌ ذليلٌ لِعِزِكُم ومشهور أوصاف المحب التذلـلُ ( عزيزٌ) الحديث العزيز . ( ومشهور) الحديث المشهورفرفقًا بمقطوعِ الوسائلِ مَالَهُ إليك سبيلُ لا ولا عنكَ مَعدِلُ فرفقًا بـ( مقطوعِ ) هذا الحديث المقطوع وهو ما قاله التابعي .هكذا هو قد انتهي من ألقاب الحديث ولكنه عمل لنا مفاجأة في الأخر أنه ذكر اسم من يحب لكنه فرقه وجعله بطريقة ألغاز ، فأنت أنظر اسم من يحبه في هذه الأبيات فهو يقول: أوري بُسُعدَيَ والربابِ وزينبََ وأنت الذي تُعنيَ وأنتَ المُؤَمَلُ وقد انتهى بذلك ولكنه أراد أن يجعلك كيف تعرف أن تعثر على اسم حبيبه في هذه الأبيات ، فيقول: فخذ أولاً من أخرٍثم أولــاً من النصفِ منه فهو فيه مُكَمِلُ ( فخذ أولاً ) البيت الذي سيأتي بعد هذا من أخر ثم أولــاً ، من النصف منه فهو فيه مكمل أَبرُ إذا أقسمت أني بحبــه أهيمُ وقلبي بالصبابةِ مُشعَلُ أَبَرُ) اسم حبيبه في أول البيت أول الشطر الأول وتكملته في أول الشطر الثاني ( أهيمُ ) فيكون اسمه إبراهيم . أَبَرُ إذا أقسمت أني بحبــه أهيمُ وقلبي بالصبابةِ مشعــل علم الحديث علم مر لا يصبر عليه إلا الأحرار وهو كأي علم في الشريعة ولكن علم الحديث له إشكالية ، هذه الإشكالية ربما لا توجد في سائر العلوم |
وهي أي تاجر عندما يكون له رأس مال كبير ، ورأس المال هذا موزع في مائة مشروع فمن أجل أن يراقب رأس المال في هذه المشاريع المتعددة يتعب كثيرًا جدًا ، ثم يستعين بإدارة قوية وكبيرة لأجل أن يلاحق رأس المال في مائة مشروع ، على خلاف أن يضع رأس المال وإن كان كبيرًا في مشروعين أو ثلاثة أو أربعة فيقدر أن يُتابع رأس المال .
رأس مال المحدث هو الأسانيد : هذه الأسانيد لا أبالغ أن قلت أن لها مئات الألوف ، لاسيما الأجزاء الحديثية وكتب التواريخ والمعاجم والمشيخات ، كل هذه عبارة عن أسانيد . إذا أردت أن تنظر في أي حديث من الأحاديث وتحتاج أن تعرف أهو صحيح أم لا: تجمع كل الأسانيد التي روي بها هذا الحديث وتسلط الأسانيد بعضها على بعض وترى المتابعات والمخالفات والزيادات والنواقص في المتون والأسانيد وغير ذلك وتعمل عملية موازنات وترى الرواة من خالف من ، ومن تابع من ومن انفرد قصة كبيرة . فأنا إذا أردت أن أحكم على حديث واحد ومطلوب مني أجمع الأحاديث بقدر ما أستطيع ، فإذا افترضنا أن الكتب المطبوعة مثلاً أربعين ألف كتاب مسند ، فلنجعل هذا الحديث موجود في عشرة ألاف كتاب ، فيكون مطلوب أن يكون عندك عشرة ألاف كتاب ويكون عندك فهارس لهذه العشرة ألاف كتاب ، لأنه ليس من الممكن أنك تقرأ الكتاب ورقة ورقة لترى هل الحديث موجود في كل جزء أم لا ، وإلا بذلك يضيع العمر ، فلابد أن يكون هناك فهارس ، وهذه الفهارس تعرف كيف تتعامل مع الكتاب . بعدما صار عندك العشرة ألاف وجمعت الحديث من كل هذه الكتب تبدأ ترتب أسانيد الحديث كلها وترى من تابع من ومن خالف من وترى المتن إذا كان هناك راوي زاد كلمة ، وهذا الراوي ثقة أم غير ثقة ، نقبل الكلمة منه أم نردها عليه ، بعد هذه القصة كلها تكتب كلمة واحدة إسناده صحيح ، إسناده ضعيف ، ممكن تغيب خمسة عشر يومًا تبحث في أسانيد حديث . عندما يكون رأس مال المحدث هو الإسناد وهو موزع في مئات الألوف أو عشرات الألوف من الكتب ، فانظر إلى الذل الذي يعانيه من يتعاطى علم الحديث حتى يصل في الأخر إلى أن يقول إسناده صحيح فأنت بمنتهى البساطة تعتقد أن إسناده صحيح أنه يجلس ويشرب الشاي ويضع قدم على الأخرى وأن المسألة مسألة ذوق وغير ذلك وأنا لست مقتنع بهذا الحديث ، هذا لا يعجبني ، وهذا شكله غير طيب ، ويقول نكتب ونرفع قضايا نريد أن ننقي البخاري ومسلم من الأحاديث والباطلة والموضوعة وغير ذلك ، وهؤلاء جميعهم لا يستطيعون فك الخط ، فهذا هو عجب العجاب وقل ما شئت من ألفاظ العجب . علم الحديث علم جليل وممتع ولكنه لا يذل إلا لمحب من شعر رأسه إلى أخمص قدمه: ولا يستكثر أي جهد يبذله . وكما قلت هذا العلم انفردت به أمة جليلة وهذا دليل على عظمتها وأنها أمة لن تموت: ، يفعل أعداؤنا ما يريدون فيها ، لكن ما بقي هذا العلم والعلوم الأخرى ، علوم الآلات ، مثل علم أصول الفقه ، وعلم أصول العربية وهذه العلوم التي يضبط بها دين الله تبارك وتعالي . وبقي لهذه العلوم حراس يقفون على الرصد ولا يسمحون لأي متلاعب أن يتلاعب بهذه الأصول ويردون عليه ردًا قويًا مفحمًا ما بقي حراس الحدود على هذه العلوم فإن هذه الأمة ستظل هي خير الأمم وهي كذلك ولا يغرنكم فترات الضعف التي تمر بها هذه الأمة الجليلة فإنها أمة لا تموت . مراجعة لماسبق في الحلقة الماضية: ذكرنا في المرة الماضية ما يتعلق بعلم الحديث ذكرنا الإسناد ، معنى الإسناد وأنا اذكر في كل حلقة ما يتعلق بعلم الآلة لأن المعاني التي ذكرتها لا أكررها ثانية ، لكن أكرر القواعد لماذا ؟ لأنه كلما جاءت القاعدة أكررها حتى على سبيل الاختصار ، ممكن القاعدة عندما أذكرها لأول مرة أطول قليلًا حتى تستطيع أن تفهم معي ، وعندما أريد أن أعيدها في المرة الثانية ٍسأذكر كلمة ونصف حتى لا أطيل ولكن تذكرك بالقاعدة . ولا نزال نذكر في كل مرة بالقاعدة حتى تحفظ العلم حتى ولو لم تنظر في الكتاب ، ونحن ذكرنا في المرة الماضية ما معني الإسناد ، وقلنا أن الإسناد له معاني وأنا اخترت منها( أن كل راو يسند عهدة ما سمع إلى من فوقه ). من الذي حدثك ؟ فلان ، وأنت من الذي حدثك ؟ فلان ، البخاري رحمه الله يقول: حدثنا المكي بن إبراهيم عندما أسأل الإمام البخاري وأقول له حديث ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ) من الذي حدثك ؟ من أين أتيت به؟ ، فيقول أنا ما أتيت به من عند نفسي إنما حدثني المكي بن إبراهيم وأنا أقول لإبراهيم من الذي حدثك ؟ أم أتيت به من رأسك ؟ فيقول لا حدثني عبدا لله بن سعيد ، وأنت من حدثك قال حدثني أبي سعيد بن أبي هند وأنت سمعت مِن مَن ؟ قال حدثني بن عباس |
فالإسناد: عبارة عن أن يرفع كل رجل الكلام إلى من فوقه حتى يصل الكلام إلى منتهاه ، سواء كان منتهاه الرسول صلي الله عليه وسلم أو كان الصحابي أو كان التابعي أو ما دون التابعي ، والإسناد أيضًا أضيف شيء وسيكون سهل عليكم جدًا .
الإسناد معناه ، الإسناد عليه الاعتماد ، أي كلام مهما كان جليلاً وجميلاً لا يقبل نسبته إلى قائله إلا إذا صح الإسناد ، فيكون العمدة على الإسناد الأول ، عندما تقول فلان سندي ، فما معني سندي ؟ هذا المسند الذي ارتكن عليه أليس اسمه مسند ، وأنا أعتمد عليه ومركون عليه . فهذا الإسناد أحد معانيه أن عليه الاعتماد : وقلنا في المرة الماضية الإسناد له طرفان :، الطرف الأول: من عند البخاري. الطرف الأخير: عند بن عباس . عندما نقول أول الإسناد وأخره فأول الإسناد من عند البخاري وإياك أن تخطيء وتقول أول الإسناد عند بن عباس . خذها قاعدة آخر الإسناد أو أعلى الإسناد من عند الصحابي فيكون الطرف الثاني أوله إذا كان الصحابي آخر واحد في الإسناد فيكون أوله من عند الإمام البخاري ، فدائما أول الإسناد من تحت وأخر الإسناد من فوق . فالإسناد: أن يسند كل إنسان كلامه إلى قائله وشيخه يسنده إلى قائله ويظلوا يصعدوا إلى أعلى حتى يصلوا إلى الصحابي ، فيكون معني الإسناد الارتفاع وهذا معني الإسناد الذي ذكرناه في المرة الماضية . ثم قلنا الحديث المعلق: وقلنا أن الحديث المعلق هو ما حذف من مبدأ إسناده راوي ، ونحن قلنا أن بداية الإسناد من أين ، وإياك أن تخطيء وتقول من فوق من عند الصحابي ، أول الإسناد من تحت . وأنا أريد أن أمثل لكم الحديث المعلق ، نحن قلنا المرة السابقة أن أي إسناد في الدنيا له طرفان ، الطرف الأول الذي هو أول الإسناد من عند الإمام البخاري ، وأخر طرف في الإسناد الصحابي ، ولو قلنا هذه المسافة كلها نقسمها إلى مسافة زمنية البخاري من هنا عند أصبعي هذا ثم إلى هنا المكي بن إبراهيم ثم هنا عبد الله بن سعيد ثم هنا سعيد بن أبي هند ثم هنا بن عباس فأنا الآن لما أحذف راوي من أول الإسناد أحذف من بن عباس ؟ وإياك أن تقول بن عباس ، لأن بن عباس أين ؟ بن عباس فوق ، ونحن نشترط في الحديث المعلق أن يكون الحذف من أول الإسناد فنحذف شيخ البخاري ، ولو حذفنا شيخ البخاري وحذفنا مسافته التي قدرناها فيكون الإسناد هكذا معلق ، لأننا حذفنا أول راوي من رواة البخاري نعملها على اللوحة ، أنظر عندنا الإمام البخاري ، عندنا الإمام الدارمي ، عندنا أحمد بن حنبل ، كل هؤلاء رووا الحديث عن نفس الشيخ المكي بن إبراهيم بنفس الإسناد وأنت طالع ، فسنقول الإمام الدارمي هذا أول الإسناد طرف الإسناد ، وأنا أريد أن أعلق الإسناد فماذا نعمل ؟ نحذف المكي بن إبراهيم . الحديث المعلق قلنا ما حذف من مبدأ إسناده راوٍ وهذا رقم واحد أو أكثر فيكون اثنين أو ثلاثة بشرط على التوالي ، أن يكوموا وراء بعض فهذا الحديث الآن صار معلقًا أم لا ، نعم معلق ، لماذا ؟ حذف الراوي الدارمي هذا طرف الإسناد وهذا أول الإسناد ، حذفناه ، عبد الله بن سعيد هذا ، الدارمي هل أدرك عبد الله بن سعيد ؟ لا ، لم يدرك عبد الله بن سعيد ، فماذا يقول الدارمي ، سيقول أخبرنا ، لا يستطيع أن يقول أخبرنا لأنه لم يسمع منه ، إنما سيقول (عن) فهذا معلق . فإذا محونا هذا أيضًا عبد الله بن سعيد فنكون حذفنا اثنين من الرواة فكل هذا معلق أم لا ؟ معلق ، ثم حذفنا ذلك ، ما يقي من الإسناد إلا بن عباس رضي الله عنه ، ولو حتى حذف بن عباس فماذا يقول الدارمي ، سيقول قال رسول الله_ ﷺ . نحن الآن لما واحد منا يقول قال رسول الله ﷺ _صورة هذا الحديث أنه معلق ، حذفنا الإسناد كله ، أنت يمكن أن تحذف الإسناد كله لكن بشرط أن يكون على التوالي ، لكن إذا لم يكون على التوالي فيأخذ أسماء أخري. مثل أحمد بن حنبل إذا قال حدثنا المكي بن إبراهيم ثم حذف هذا ، لو البخاري قال حدثنا المكي بن إبراهيم فهذا اسمه إسناد معلق ثم حذفنا سعيد بن أبي هند وتركنا عبد الله بن سعيد ، فهل هذا اسمه معلق ؟ لا طبعًا هذا ليس معلق ، أخذ اسم أخر اسمه منقطع ،. لأننا اشترطنا في الحديث المعلق شرطين:- الشرط الأول: أن يكون الحذف من أول الإسناد. الشرط الثاني: أن يكون على التوالي . إذا لم يكون على التوالي مثل ذلك لا يسمى معلقًا . الحديث المعلق :هو: ماحذف من أول إسناده وقلنا أن أول إسناده من تحت وليس من فوق ليس من عند الصحابي ، من أول إسناده أن يحذف راوي أو اثنين أو ثلاثة بشرط أن يكون الحذف على التوالي. وأخذنا الحديث العالي والنازل الذي هو عدم الوسائط وحتى لا تكون الحلقة كلها في علم الحديث وأنا لا أريد أن أخوض ، لكن أنا قلت كلامًا مجملاً استشكله بعض الذين اتصلوا فمعذرة هذه أخر حاجة أقولها في علم الحديث ثم ندخل على متن الحديث . أنا قلت هنا على اللوحة الإمام البخاري لما قال هنا حدثنا المكي بن إبراهيم عبد الله بن سعيد ثم عن أبيه عن بن عباس ، كم واحد بين البخاري وبين الرسول ، هذا واحد ، اثنين ، ثلاثة ، أربعة ، فهذا يسمى إسناد رباعي عند البخاري . والبخاري هنا بعد ما روى هذا الحديث بهذا الإسناد المتصل قال وقال عباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا صفوان بن عيسى عن عبد الله بن سعيد عن سعيد بن أبي هند قال سمعت بن عباس ، قال هنا عن بن عباس ، وقال هنا سمعت بن عباس ، وأنا قلت في هذا الكلام كلم طويل جدًا وبحث كبير ، مسألة السماع وعدمه . وأنا أريد أن أوضح هذه القصة بمثال بسيط نفهمه كلنا ،. هل المعاصرة تقتضي السماع ؟ أنا وأنت الآن متعاصرين أم أنا من قرن وأنت من قرن ؟ نحن متعاصرين ونعيش في عصر واحد وممكن أن نكون في بلد واحد ، هل معنى أننا الاثنين في بلد واحد أننا لابد أن نكون التقينا ؟ لأ طبعًا ، فضلاً على أن يكون أنا من بلد وصاحبي الأخر من بلد أخرى . سُكنى البلد الواحد لاسيما إذا كان متسعًا مثل القاهرة ، هناك ناس من أهل الفنون سواء كان من علوم الشريعة أو كان في علوم الطب والهندسة والصيدلة وغير ذلك يعرفوا بعض فقط بالاسم لكن لم يلتقوا ولكن كل واحد يعرف الثاني ، هم متعاصرين في مكان واحد أم لا ؟ نعم متعاصرين ، هل التقوا ؟ لم يلتقوا ،. لذلك المعاصرة لا تعني اللقاء: وهذا الذي أردت أن أقوله ، واحد قال فلان عن فلان ، هل يلزم أن يكون قد سمع منه ؟ لا يلزم أن يكون سمع منه ،. والإمام البخاري لأن عنده موضوع إثبات اللقاء وغير ذلك وأنه يلزم أن من يروي عن أحد أن يكون قابله ولو مرة في العمر فيقول أنا لا يكفيني أن يكون جميعًا في عصر واحد ، لأنه يمكن أن يكونوا في عصر واحد ولم يتقابلوا . وطالما لم يتقابلوا فمن أين أخذ الحديث ومن أين سمعه ؟ لا بد أن هناك واسطة وقعت في المنتصف ، فمن هذه الواسطة ؟ الله أعلم ، ممكن أن يكون رجل صادق ، ممكن أن يكون رجل كاذب ، ممكن أن يكون أي حاجه ، وهذا حديث النبي عليه الصلاة والسلام وسنلزم الأمة بهذا الحديث ، وأنا لا أقدر أن ألزم الأمة كلها بخبر رجل مجهول أنا لا أعرف عنه شيء ، فلابد أن يكون الذي روى الحديث رجلاً صادقًا لكي ألزم الأمة كلها بالحديث . |
والبخاري رحمة الله عليه كان سماء ، وليس كما يقول الجهلة أن البخاري كان رجلاً طيبًا ويقصدون مغفلاً لا يعرف كيف يختار ولا كيف يأتي بالحديث وغير ذلك ، لا ، شرطه كالمسمار في الساج ، شرط البخاري من أمتن الشروط أو هو أمتنها على الإطلاق .
لذلك البخاري أتى بالحديث الثاني ونزل درجة لأن الحديث هذا رباعي وحديث عباس العنبري عن صفوان هذا خماسي ، فكيف ينزل البخاري من رباعي إلى خماسي وهم جميعهم كانوا يحاولون أن يقربوا من النبي صلي الله عليه وسلم بتقليل عدد الوسائط والرواة . إنما نزل ورضي أن ينزل من أجل أن يأتي بكلمة سمعت بن عباس وليثبت أن عبدالله بن سعيد بن أبي هند سمع هذا من بن عباس ، ونحن جعلنا الحلقة كلها حديث وأنا كنت وضعت في رأسي أن أتكلم كلمتين عن الحديث وحتى لا يهرب الناس سنتكلم شيئًا في متن هذا الحديث . قال البخاري رحمه الله حدثنا المكي بن إبراهيم قال أخبرنا عبدالله بن سعيد أي بن أبي هند عن أبيه عن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) زاد الدارمي وهو أحد مشايخ البخاري وروى هذا الحديث عن المكي بن إبراهيم فكأن البخاري وشيخه أقران في هذا الحديث ، زاد الدارمي في متن هذا الحديث لفظة ( نعمتان من نعم الله مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ فزاد ( من نعم الله ) . وهذا ترجمة لقوله تبارك وتعالي:﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53] فكل نعمة تأتينا فهي من الله تبارك وتعالى وهذا أتى إنما لتبيين المعني ولمعنى آخر كقول النبي عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) وهذا هو المتن المشهور عند الناس كلها وزاد مسلم ( من الخير ) ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير) . فإذا قال واحد لماذا هذه الزيادة هل هناك من يتمنى الشر ؟ نعم هناك ناس تكره نفسها ، فيه ناس من أجل يوقع الضر بآخرين يضر نفسه فاشترط زيادة من الخير وربطها بالإيمان ، فالذي يكره نفسه وممكن يضر نفسه ، كالذين يشتكون ضرب واحد فجرحه وقبل أن يذهب المضروب إلى القسم لكي يشتكي فيأتي هو بمطواة ويضرب نفسه بها ويذهب ويبلغ ويشتكي ويقول ضربني بالمطواة ، هل هناك أحد في الدنيا يجرح نفسه . وأنا أريد أن أقول أن هناك بعض الناس قد يتمني أن يقع الضر به ليقع بالآخرين ، لذلك جاءت( زيادة من الخير )، بعض الناس قد يقول أن هذا حشو كما نسمع هذه الأيام هذا حشو زائد لا يلزم ، لا ، لكنها تحتاج إلى متأمل ، فزاد الإمام الدارمي ( نعمتان من نعم الله مغبون فيهما كثير من الناس والغَبَنُ :بتحريك الباء يقع في الرأي والفكر الغَبنُ : هو الخسارة فالغَبنُ بتسكين الباء الخسارة في البيع والشراء ، أنك تشتري بأعلى من السعر وتبيع بأقل مما اشتريت به ، فأنت في هذه الحالة خسرت لما اشتريت وخسرت لما بعت فتكون الخسارة في الحالتين . ورأس مال الإنسان نحن قلنا أنه العمر ، والحديث هنا أجراه النبي ﷺ على عادة ما يفهمه الناس ، ما الشيء المتصور عند الناس ، الشيء الحسي هو الشيء المتصور ونحن رأينا في الكتاب والسنة مثلاً في القرءان آيات حسية تبعتها آيات تدل على المعني لا اشتراكهما في معنى ما . الإيمان بالشيء فرع عن تصوره: لا تستطيع أن تؤمن ولا تصل إلى قناعة إلا إذا وقع هذا الشيء تحت حواسك وحدث لك تصور به وهذا معني الإيمان بالشيء فرع عن تصوره ، وما الشيء الذي أنت متصوره ؟ المكسب والخسارة في البيع والشراء لأنك مارست هذا بنفسك وذقت حلاوة الربح وذقت مرارة الخسران ، لما ننقل هذا الشيء للمحسوس للملموس إلى المعاني يحدث لك تصور بالمعني ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول( نعمتان من نعم الله مغبون فيهما كثير من الناس ) والغبن لا يكون إلا في البيع والشراء ، الصحة والفراغ فيحدث لك تصور في الغبن في الصحة والفراغ لأن عندك تصور حقيقي في أصل البيع والشراء . أنظر مثلاً إلى قول الله تبارك وتعالي:( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [ النحل:8] فهذا شيء محسوس نركب الخيل والبغال ونحمل عليها الأثقال التي لا نستطيع أن نحملها على أكتافنا ، فهذا شيء محسوس ملموس ، وبعد ذلك مباشرة أشار الله عز وجل إلى طرق الإيمان والكفر وهذه معنوية وليست عرضًا ، أي ليس لها جسم وهذا معني العرض شيء تستطيع أن تمسكه . بعد أن قال ربنا عز وجل ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) قال:( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) (النحل:9). فأعقب الطرق الحسية بطري ق معنوية حتى يحد ث لك دورًا من التصور للطريق المعنوي ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) قصد السبيل: أي يقيمك على طريق الهدى والإيمان ومن هذه الطرق جائر ، جائر عن الحق ، جائر عن الخير كما قال تعالى:﴿ وهديناه النجدين ﴾ [البلد: 10] ، النجدان طريقا الخير والشر . |
فجاء ذكر طريق الإيمان والخير بعد ذكر الطرق الحسية وكما قال تعالى:
( وَتَزَوَّدُوا) هذا هو الشيء الحسي وأنت تذهب إلى الحج أو مسافر إلى أي سفر لابد أن تتزود وأن تأخذ معك زاد ولا تكن كما قال الأولون الذين نزلت الآية لأجل التنبيه على خطأ فعلهم أنهم مضوا بغير زاد وقالوا نحن المتوكلون ، التوكل لا ينافي أن نأخذ بالسبب ، لأن السبب جزء من التوكل لا ينفصل عنه . كما خرج النبي من مكة إلى المدينة فلماذا اختبأ في الغار ؟ وكان يمكن أن يقول أنا متوكل على الله وأطلع هكذا ، لماذا اختبأ في الغار ؟ سبب وهذا جزء من التوكل . فالإنسان إذا توكل ليس معناها أن يترك الأسباب ، لا ، قد يأخذ بالسبب ويكون متوكلاً فربنا تبارك وتعالى قال لهم ( وَتَزَوَّدُوا) وهذا هو الزاد الحسي ثم قال لهم ( فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )( البقرة:197) وهذا شيء معنوي ، التقوى شيء معنوي مثل ما أنت تتزود وتعرف أنك إذا مضيت بغير زاد هلكت كحديث أنس وهو في الصحيحين ولكن أذكر لفظ مسلم رحمة الله عن الجميع ، لأن فيه الشاهد الذي أريده عن النبي ﷺ قال:( لله أفرح بتوبة عبده _ أي العاصي _ من أحدكم بأرض فلاة كان معه راحلة عليها طعامه وشرابه أي الزاد ، ثم نام هذا الرجل تحت شجرة استظل بها ونام واستيقظ من نومه لم يجد الراحلة فبحث عنها حتى يأس منها ، فلم يأس منها قال هذا هو الموت محقق . واحد في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء ولا إنس ولا جن لولا يرى شيئًا سيموت ، ليس معه زاد ، فأيقن بالهلاك فقال أرجع إلى مكاني وأموت فلما رجع إلى مكانه الأول تحت الشجرة فإذا به يجد راحلته وعليها طعامه وشرابه ، فمن شدة فرحته بنجاته من الهلاك حيث وجد الزاد ، أراد أن يشكر الله تبارك وتعالي فقال_( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ،) _قال صلي الله عليه وسلم ( أخطأ من شدة الفرح انظر غلب عليه الفرح ، لماذا ؟ لأن عدم وجود الزاد معناه الهلاك المحقق فمن فرحته بنجاته غلط هذه الغلطة وهو معذور فيها لغلبة الفرح عليه . إذن( وَتَزَوَّدُوا) هذه حاجة نحن جميعًا نعرفها ، ليس معه زاد سيموت في صحراء ، فلما تسمع ( فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) تعلم أن نجاتك في الآخرة لا تكون إلا بالتقوى كما أن نجاتك في الدنيا لم تكن إلا بالزاد ، فيمكن أن يحصل لك تصور أم لا ؟ ممكن يحصل لك تصور وكذلك قول الله عز وجل ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ) [ الأعراف: 26]وهذا هو الشيء الحسي ، أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم فالإنسان يلبس الملابس حتى يواري عورته . لأن العورة اسمها سوءة ، أي يسوء المرء أن ترى لذلك اسمها سوءة وربنا عز وجل يمتن على بني أدم أنه علمنا كيف ننسج ثيابنا وكيف وارينا سوءاتنا ، ولا يلزم أن تكون السوءة هي العورة ، ممكن الإنسان يكون عنده برص ، ممكن يكون عنده شيء منفر في جسمه ، إذا لبس ملابسه فقد ستر عيوبه عن الخلق ، وهذا حاجة نعرفها جميعًا ، ونقول أن الملابس تستر ما تعرفون . الإنسان يتجمل للناس وقد لا يكون جميلاً وأنت إذا نظرت إلى جسمه تعطيه ظهرك لأنك لا نستطيع أن تنظر إليه ومع ذلك قد يلبس الثياب الجميلة الذي أنت أول ما تراه يخطف قلبك على الفور ، وأنت لا تعلم ما الذي تحت الملابس ، فها شيء أنت متصوره أم لا ؟ نعم أنت متصوره . ﴿ قَدْ أَنزلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ ، أتى بالمعني بعد هذا العرض بعد أن حصل لك تصور ، جاء بالتقوى لأنها هي التي تستر فضيحة المرء إذا لقي الله عز وجل يوم القيامة . فكما أنك واريت عورتك عن الناس أو سوءاتك عمومًا عن الناس فاجتهد ألا تظهر سوءتك أمام ملايين البشر أو مليارات البشر في يوم الفضيحة الكبرى في يوم القيامة ، كيف يستتر الإنسان في هذه الدنيا عن الناس وهو يفعل المعصية والله عز وجل يراه فاستقل نظر الله عز وجل إليه وأقدم على المعصية ، وهو يعلم أنه مستتر ممن لا يملك له موتًا ولا حياة ولا نشورا ، وكيف أظهر سوءته لربه تبارك وتعالى . يوم القيامة هذه السوءة التي أنت تسترها اليوم ستظهر ، يحشر الناس عرايا يوم القيامة كما في حديث عائشة رضي الله عنها ، ولذلك عائشة رضي الله عنها استغربت المسألة يحشر الرجال والنساء عرايا ، فقال لها النبي صلي الله عليه وسلم يا عائشة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ليس عنده قلب لا يرى كما قال تعالي:( وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ )[ الأعراف:198] ، ساعات تجد واحد ينظر بشدة لهدف من الأهداف في حائط في لمبة ، في أي شيء وسرحان ولا يري وأنت تأتي وتعمل له بيديك أمام عينيه لا يرى . أين ذهبت عينه ؟ قلبه مشغول والقلب ملك البدن إذا انشغل القلب بالشيء بالكلية نزع قوة الجوارح يسحبها على طول ، لذلك لا تتعجبوا من الأثر الصحيح الذي حدث لعروة بن الزبير أحد الفقهاء السبع وابن الزبير بن العوام حواري رسول الله صلي الله عليه وسلم لما دبت الأكلة في رجله حدث له شيء كالغرغرينا في رجله وبدأت تزحف على بقية البدن قال له الأطباء لابد من قطع رجلك ، وكان في الماضي لا يوجد مخدر ولا غير ذلك ، فقالوا له اشرب خمر حتى تسكر حتى عندما نقطع رجلك بالمنشار لا تشعر ، لأنه كيف سنقطعها وأنت مستيقظ وتشعر بالموضوع ، فقال عروة ما كنت لأستعين على دفع بلاء الله بمعصية الله ولكن دعوني حتى إذا دخلت في الصلاة فاقطعوها فلما دخل في الصلاة قطعوها ونشروها وحسموها بالزيت ، لأنه لو قطع رجله وتركها فإنه سينزف حتى يموت ، فلابد أن يوقف النزيف ، وكان وقف النزيف أن تغلي الزيت ثم تضعه على رجله حتى يمسك اللحم في الشرايين وتنسد الشرايين بذلك . فانظر الأول قطعها ثم حسمها بالزيت المغلي ، واحد يقول أنا لست مصدق هذه العملية ، هذا الكلام لا يمكن يحدث هذه خرافة ، لماذا ؟ لأن هذا الإنسان يقيس قدرات عروة بقدرات نفسه . ونحن هنا نعطي مثل حسي أنت تنظر لهدف من الهداف وواحد يكلمك فأنت لست تسمع ولست ترى ، يا فلان يا فلان يا فلان ، فيقول هل أنت تنادي ، فيقول لك يا عم أنا منذ خمس دقائق أنادي عليك ، فيقول لك معذرة لم أسمع كنت سرحان ، ما معني سرحان ؟ أي استغرق القلب في معنى من المعاني فسحب قوة الجارحة ، كأن الجارحة مشلولة ،. هذا القلب ملك البدن ، فلما يقبل بالكلية على شيء كل الجوارح تتعطل . يوم القيامة قال الله عز وجل في بعض الناس( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) [ إبراهيم:43] ، أي لا يوجد قلب ، طار ، القلب طار ترك هذا الصدر وطار فإنسان بلا قلب هل يمكن أن ينظر إلى واحدة بجواره عارية يوم القيامة . هذا اليوم كما قال النبي ﷺوهو يتكلم عن الأنبياء عندما ذهب الخلائق إلى الأنبياء يستشفعون بهم يوم القيامة وبعد أن حميت الشمس والعباد في كرب عظيم ، فيقول بعضهم لبعض ألا تنظروا ما نحن فيه أليس هناك من يشفع لنا ؟ يقولون ليس هناك أفضل من الأنبياء , .النبي أي نبي صلوات الله وسلامه عليهم إنما هو في مضمار الحياة فقط لكن ليس هناك حيلة ، يذهبون إلى الأنبياء كل نبي من الأنبياء يقول نفسي نفسي ويقول عبارة إن الله غاضب اليوم غضبًا ما غضبه قبل ذلك قط ولا يغضبه بعد ذلك قط ، فلما يكون رب العالمين غضبان غضب الأنبياء أنفسهم يشفقون على أنفسهم وكل نبي يذكر ذنبه ما عدا عيسى عليه السلام ، وما عدا نبينا _صلي الله عليه وسلم _، كل نبي يذكر ذنبه ، كأنما نسي أنه نبي وخشي أن يعاقبه الله عز وجل لما استوفى غضبه يوم القيامة أن يعاقبه بذنبه فهو يبحث على نفسه .غاضب غضب ما غضبه قبل ذلك قط. |
لأن الله عز وجل لو استوفي غضبه في الدنيا ما قبل توبة تائب: ، إنما أخذ كتابًا على نفسه إن رحمتي تغلب غضبى ، لذلك سبقت الرحمة غضب رب العالمين عز وجل ولأجل هذا يقبل توبة التائبين .
قلنا أن الله تبارك وتعالى لم يستوفي غضبه في الدنيا وإلا لم يقبل توبة تائب . ففي هذا اليوم العظيم الذي عاين الناس فيه أعمالهم وفقدوا كل سبب يمكن في الدنيا الأعمال الصالحات سبب أنك أنت تنجوا ، وأما في الآخرة انتهت قصة الأعمال وخُتِمَ على عمل كل إنسان يوم مات ، في هذا اليوم العظيم ممكن أحد أن ينظر إلى أخر ، لذلك النبي _عليه الصلاة والسلام_ قال لعائشة لما تساءلت_رضي الله عنها _كيف يحشر الناس عرايا قال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه . هذا الإنسان العريان في الآخرة ما الذي سيستره وما الذي يغطيه ؟ التقوى أن يجعل بينه وبين مساخط الله وقاية ، ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ) هذا الذي أنت متصوره وهذا الذي تعرفه ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ أي خير من لباس الدنيا ، أنت إنما سترت سوءتك عن الناس وهم لا يضرونك ولا ينفعونك ، وظاهرت لله عز وجل وبارزته بالعصيان ، فهو يقول لك ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ أي إنك لو تدثرت بلباس التقوى ستنتفع به في الدنيا قبل أن تموت . أفضل ما يُحرزه المرء أن يكون تقيا ، فيكسب في الدنيا السمعة الحسنة التي سأل إبراهيم_ عليه السلام_ ربه_ عز وجل_ إياها فقال عليه السلام: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾ [ الشعراء: ٨٤]أي كل من يأتي بعدي لا يذكرني إذا ذكرني إلا بخير. فهمنا من ذلك أن ذكر الأشياء الحسية قد يعقبه ذكر شيء معنوي القصد من هذا أن يتبع هذا ذاك أن يكون هناك تصور صحيح وحقيقي عند الإنسان . فلما نأتي للصحة والفراغ الرسول _عليه الصلاة والسلام_ ذكر الغبن الذي لا يكون إلا في البيع ومن المسائل المعنوية التي دخل فيها البيع مثلاً قوله وتعالي: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) [ الصف:١٠ – ١١]هل الإيمان بالله ورسوله هذا تجارة ؟ التجارة في عرفنا بيع وشراء ، لكن أنت كإنسان عندك تصور عن التجارة أنها تكون في العرض ، حاجة تتمسك ، حاجة تبيعها وتشتريها . الإيمان بالله ورسوله هذا معنى أم عرض ؟ الإيمان بالله ورسوله معني وحتى يحدث لك تصور صار الإيمان بالله ورسوله تجارة . التاجر المفلح لما يكون عنده تجارة أو يريد آن يعمل تجارة ، ماذا يعمل أولاً ؟ أول شيء يفعله التاجر أن يعمل دراسة جدوى ، وأي إنسان ليس عنده دراسة جدوى فهذا ليس تاجر ، لا ينفع ، دراسة الجدوى لها أكثر من جهة ، جهة تتعلق بالمكان وجهة تتعلق بالبضاعة . أنا مثلاً لو ذهبت في بلد أرياف وأحضرت أطقم أطباق للمطبخ وأشياء ثمن الطقم خمسة ألاف جنيه وعملت محل في بلد أرياف وعملت ديكور بثلاثمائة ألف وأضواء وغير ذلك ، فهل هذا يكسب أم يخسر ؟ بالطبع يخسر ، لماذا ؟ أين المشتري الذي يشتري طقم مثلاً بخمسة ألاف جنيه وأنا لا أستطيع أن أعمل هذا في حي من أحياء القاهرة العادية ، لازم أعمل في حي متميز ، الجماعة الذين يدخلون في هيئة عالية ليس للفلوس عندهم قيمة ، المبلغ الذي في جيبه للمصاريف حوالي مليون جنيه أو ما شابه ذلك ، أنا لما أكون في حي من الأحياء الراقية أعمل ذلك وأحلى من ذلك ، لماذا ؟ لأنه سيدخل يشتري فأنا الأول أرى المكان الذي أعمل فيه البضاعة ، وأرى المشتري ما قدرته ، الأرياف مثلاً يقول أعمل كشك عبارة عن غرفة ، لا تعمل أي ديكور وبيع أحذية بلاستيك يكسب ذهب مثلاً . يقول لك هذه البضاعة تمشي ، أنا اليوم أريد أن أتاجر ، ونحن نقرأ الآية( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) ونجعل الإيمان بالله ورسوله تجارة كرأس مال ، ونريد أن نرى كيف نكسب برأس المال هذا ( تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) ،. فأي إنسان يريد أن يعمل جدوى يراعي شيئين ، يراعى نوعية البضاعة ويراعي المكان ويراعي المشتري ، فهذه ثلاثة جهات ثم يبدأ يشتغل . عادة أي تاجر أنه يبحث عن أعلى هامش ربح ولا يوجد أحد يأخذ الربح القليل إلا لعلة ، يقول لك أنا أريد أن أتاجر في هذا الصنف ، هذا الصنف الجنيه يكسب مائة ، ولكن عندما يخسر تكون الخسارة كبيرة جدًا ، الجنيه يخسر مائة وزيادة ، فيقول واحد أنا لا أقدر أن أجازف برأس المال ، أكون في الجنيه الذي يكسب عشرة لكن الخسارة ليست واردة أو تكون الخسارة خارج إرادتنا . فإذا جنح إنسان إلى هامش ربح قليل فيكون لعلة ، وإلا إذا لم يكن هناك علة فلا يوجد إنسان عاقل يفهم في التجارة ممكن يأخذ هامش ربح قليل ويترك الكثير والكثير مضمون أيضًا . الصحابة أفضل من تاجروا بأعمالهم : كانوا يسألون النبيﷺ سؤالاً دارجًا يسألونه باستمرار وأنا خطر ببالي الآن أن أجمع عينة من هذه الأسئلة ، أذكر مثالاً توضيحيًا لكم لكن من الممكن أن نجمع هذه الأحاديث كلها كنوع من عرض سلعة على الجماهير ،لأجل أهل الخير والبر الذين لا يعرفون كيف يتاجرون في رأس المال نعينهم بذكر النصوص الصحيحة التي إن فعلوها تاجروا تجارة حقيقية رابحة |
ما هو السؤال الذي كان الصحابة يسألوه كثيرًا للنبي عليه الصلاة والسلام ؟
كانوا يقولون يا رسول الله ما أحب الأعمال إلى الله ، أحب في مقابلها حبيب أي أخير وخير ، أفضل وفاضل ، ما أحب الأعمال إلى الله ؟ مثلاً: حديث بن مسعود في الصحيحين أنه سأل النبي _عليه الصلاة والسلام _ما أحب الأعمال إلى الله ؟ قال: ( الصلاة على وقتها ، قلت ثم أي ؟ قال بر الوالدين قلت ثم أي ؟ قال: الجهاد في سبيل الله ) . هل تعرف لو أن بن مسعود ظل يقول للنبي عليه الصلاة والسلام ثم أي ، ثم أي ، ثم أي ، لكان يقول له ، مثل حديث الذراع واحد دعي النبي _صلي الله عليه وسلم _على شاه والشاه لها كم ذراع ؟ اثنين ، الشاة تمشي على أربع ، الاثنين اللذين في الأمام يسموا يدين ، والاثنين اللذين بالخلف يسموا الرجلين ، فالشاة لها ذراعان . والنبي صلي الله عليه وسلم كان يحب الذراع فقال له أعطني ذراع ، أعطاه ذراع ، أعطني ذراع ، أعطاه ذراع ، أعطني ذراع ، أعطاه ذراع ، قال يا رسول الله الشاة لها كم ذراع ؟ فقال والذي نفسي بيده لو وافقني فيما أقول لوجد كلما طلبت ذراعًا لوجد ذراعًا ، لكنه وقف وقال الشاة لها كم ذراع ، لو ظل يقول له مائة مرة ، أعطني ذراع ، لو وضع يده في الإناء لأحضر ذراع الصحابة يقولون أي ثم أي ثم أي ، فلماذا يقولون أي ثم أي ؟ ، لأنه ربما يعجز عن تحقيق الخصلة الأولى لأي سبب شرعي فيبادر ويأخذ الثانية لأنها أحب إلى الله سبحانه وتعالى . فلما يقول الصحابة أي الأعمال أحب إلى الله ؟ أي أن حاجة تكسب مائة وأخري تكسب خمسين وأخرى تكسب عشرين ، كله مكسب وكله جيد ، وما الذي يجعلني أكسب عشرين وأنا أستطيع أن أكسب مائة لاسيما مع قصر أعمالنا ، لاسيما مع كثرة ذنوبنا ، لاسيما أنه قد يُحَال بين المرء وبين ما يريد وبين ما يشتهي ، فيكون عندي بدائل أقدر أن أعمل هذه أو هذه أو هذه إلى أن أصل . هؤلاء هم الصحابة الذين استثمروا أعمارهم ، هنا حققوا هذه الآية ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) فيكون عندي الإيمان هو رأس المال وأريد أن أحقق الإيمان وأحصل أعلى مكسب بهذا الإيمان ، فهناك مسارب وهناك طرق كثيرة يمكن للمرء أن يحصل بهذا الإيمان أعلى الدرجات . مثلاً: كما قال النبي صلي الله عليه وسلم لما سأل عن أفضل الجهاد قال:( كلمة حق عند سلطان جائر) وهذه لا يقف فيها إلا أفراد من بني أدم ، بعض الناس قد يرى أن يقول كلمة حق وقد يؤذي ويقول أنا أقدر أعمل هذه ، واحد أخر لا يقدر أن يعملها فيقول أنا لا أستطيع أن أعمل هذه ، اجعلني في أحب الأعمال إلى الله حاجة ثانية . مثلاً ما أفضل الإسلام ؟ قال: ( أن تطعم الطعام وتفشي السلام وتصلى والناس نيام ) فهذا أيضًا واحد يقدر أن يعملها ، فكل الأفضليات ، ما أفضل ؟ ، ما أفضل ؟ التي وردت في الأحاديث الصحيحة نحاول أن ننشرها على الناس ، لأن هذه أنا أقدر أن أعملها ولا أقد أن أعمل الأخرى ، فخذها وأنت تقدر أن تعمل هذه ولا تقدر أن تعمل هذه فخذها . لكن أكثر الناس لا يعرفون النصوص ولذلك نحن سنحاول فيما يأتي إن شاء الله حتى لو نعمل عشرة دقائق فقط نتلوا الأحاديث على الناس وليكتبوها وراءنا حتى يكون عند كل واحد رأس مال يستطيع أن يتصرف فيه ، بشرط الصحة طبعًا ، لأننا لا يمكن أن نكون نتكلم ونشرح البخاري وندرس علم الحديث وفي الآخر نأتي بأحاديث باطلة أو ضعيفة أو منكرة أو شاذة . كل ما سأذكره بشرط الصحة ، وإذا كان هناك حديث مختلف فيه بين أهل اعلم فأنا أتبنى ما أعتقد صحته إن شاء الله تعالى . س: كيف أعرف في الحديث المعلق أنه سقط راوي ؟ الجواب: هناك حاجة تسمي الطبقات للرواة ، ومعروف كل راوي عمن أخذ ومن أخذ منه ، ترجمة أي عالم من العلماء مثل الإمام البخاري مذكور في كتب الرجال سمع ممَن أو روي عن من ومن الذي روى عنه ، فنحن عارفين أن هذا تلميذ البخاري ، وهذا شيخ البخاري ، فإذا مثلاً في أي سند من الأسانيد ، كيف نعرف أن الإسناد منقطع ؟ ، بأننا ننظر في تراجم كل راوي فنعلم من خلال الكتب الخاصة بتراجم الرواة أن هذا الرجل لم يدركه فلان . فلو قلنا مثلاً الإمام البخاري، فننظر في ترجمة الإمام البخاري وننظر هل في شيوخه راوي اسمه عبدالله بن سعيد ، فلا نجد هذه القصة نهائيًا ، فنحكم بالانقطاع ما بين البخاري وبين عبد الله بن سعيد ونقول لم يدركه أو أدركه ولم يسمع منه ، ونحن في هذه الأزمنة المتأخرة لا نستطيع أن نفتي من رأسنا إنما هناك كتب دونها أهل العلم معروفة بكتب الرجال وهي التي تحل لنا هذا الإشكال . وطبعًا لابد أن يكون الرجل عالم بالحديث وعالمًا بطبقات الرواة أن هذه الطبقة أدركت هذه وهذه أدركت هذه ، وكما قلت هذا علم جليل ولا يستغني عنه طالب حديث . إجابة الأسئلة: |
س: ما حكم الرجل الذي سرق مالاً من ستة سنوات ثم ثمره ونماه ، هل يرجع القيمة النقدية بعدما تاب أم يرجع رأس المال والأرباح ؟
الجواب: يرجع المال والأرباح إذا كان صادقًا ، لماذا لأن هذا الرجل قد يكون تاجرًا ممكن يقلب رأس المال وفي قصة أصحاب الغار الرجل الثالث الذي قال اللهم إنك كنت تعلم أنه كان عندي أجراء استأجرت أجراء على فرق من أرز أو فرق من ذرة ، وهؤلاء الأجراء كانوا على أجر معلوم وكان من بينهم واحد عمل عمله بالكامل وعندما أراد أن يوزع الأجور قال له لا ، أنا عملت عمل اثنين ، قال له لا أنا اتفقت معك على أنك لن تأخذ إلا أجر معين ، مبلغ معين فسخط الرجل وترك المال . هذا الرجل ثمر المال واشترى بقر ورعاءها واشترى راعي غنم وراعي بقر وغير ذلك وامتلأ الوادي بالبقر ، فلما أفلس الرجل .وجد أن له مال عند فلان فقرر أن يذهب إليه ليأخذهم ، فذهب إليه وقال يا فلان اتق الله ولا تجحدني حقي ، قال له اطلع السطح معي ، فلما صعد معه قال له هل ترى هذا البقر والغنم وكل هذا كله لك ، فثمر له المال . البخاري وضع فائدة" باب إذا ثمر المال بغير إذن" ، أي واحد أخذ مال من أخر وبدون هذا الأخر ما يطلب منه شغل له الفلوس وكسب بها ، فماذا يعمل ؟ فهذا لم يعطه واحد ، هذا سرق وعطل مال الواحد ، فأقل حاجة حتى يكون هناك صدق في التوبة ، يعرف رأس المال كم كسب وتأخذ رأس المال والربح وتعطيه لصاحبه حتى تكون صادق في دعوى التوبة ربما يقول أنا لا أستطيع أن أعطيه المال حتى لا أفضح نفسي ، فنحن نقول له بأي وسيلة وأي واسطة من الوسائط ، واحد يذهب إلي صاحب رأس المال المنهوب أو المسروق يقول له فيه واحد من الناس أنا قابلته وقال لي تعرف فلان ، قلت له نعم أعرفه ، فقال لي لو سمحت أعطيه هذا وقل له أن هذه كانت أمانة عند واحد ، ويأخذ الرجل الأمانة ويكون بذلك أدي الأمانة وفي نفس الوقت لم يظلم نفسه . س: الرد على من يقول أن الإسلام كالاستعمار كلاهما انتشر بالسيف ؟ الجواب: بالنسبة للفتوحات الإسلامية والاستعمار ، أنا أريد أن أقول حاجة مختصرة ، قال صلى لله عليه وسلم ( عجب ربك من قوم يدخلون الجنة في السلاسل ) تعجب الصحابة من ذلك ، هذه الجنة البطالون يسبقون المؤمنون على أبوابها ، يأتي وقد عمل كل المصائب ويعتقد أنه سيدخل الجنة ، بل إذا ترك المسألة هو يسبق المؤمنين على باب الجنة ، من الذي يمكن أن يجر إلى الجنة بسلاسل ؟ من الذين يدخلون الجنة في السلاسل ؟ هؤلاء الذين أسلموا بسلاسل الحرب ، الفتوحات الإسلامية كانت خيرًا وبركة على العلم ، نعم يسترق الرجال والنساء ، لكن نحن عندنا كفارات مرتبطة بالعتق ، بل هناك أحاديث رغب النبي صلي الله عليه وسلم فيها أن يعتق الرجل مجردًا بدون أن يكون هناك ذنب وقال:( إن الله ليعتق الرجل بالرجل واليد باليد .. حتى قال والفرج بالفرج ) وفيه أحاديث كثيرة تحض على عتق الرقاب . الإسلام لما دخل هذه البلاد وغزاها ما قصد أن يسترق الناس لكي يأخذهم سبايا ويأخذهم عبيد ، لا ، هم لما أخذوا بسلاسل الحرب وجاءوا ديار المسلمين ورأوا سماحة الإسلام ورأوا خلق المسلمين أسلموا ، ولو لم يكن هناك حرب لعل هذا لا يسلم ، فما أسلم هذا إلا بسلاسل الحرب ، يعيروننا بالرق ، الرق عند المسلمين مصلحة لهؤلاء . الذين يتكلمون عن الرق ويقولون أن الفتوحات الإسلامية كانت عبارة عن استعباد كالاستعمار ، فليذكروا لنا بلدًا دخله الإسلام ولم ينعم أهله بالإسلام ن اليوم البلاد المستعمرة البلاد الغاشمة تسترق الدول ، لا أقول تسترق الأفراد ، إنما تسترق دولاً بأكملها ، الذي يجري بالعراق الآن والذي يجري في أفغانستان الآن ، أكثر من مليون عراقي قتل بسبب هذه الحرب الفاسدة المفسدة ، ثم يقال الرق وأن الإسلام يدعوا إلى الرق ، لا ، والله كان الإسلام ولا يزال وسيزال خيرًا وبركة علي كل بلد يدخل فيها والكلام متشعب وليس عندنا متسع من الوقت ، وإذا مر بنا في صحيح البخاري أستطيع أن أضع مثل هذه المعاني في مواضعها . انتهي الدرس السادس * * * |
الساعة الآن 01:22 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |