الموت بوابة الخلود

من يكره الموت ؟

د. مأمون فريز جرار


ليس الجواب عن هذا السؤال : كل الناس يكرهون الموت ، لأن المؤمن الذي يعلم أن ما عند الله خير وابقى وما عند الله خير للأبرار
وأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر
لن يكره الموت ولن يؤثر حب الدنيا على الآخرة
ذلك أنه يعلم أنه مهما يعش فإنه ميت ومهما يجمع فإنه تاركه وأيا كان من يحب فإنه مفارقه ،
إنه لا يتمنى الموت كراهية في الحياة بل يجعل الحياة مزرعة لما بعدها ويتزود منها التقوى ويحب الموت طمعا في ما عنده من خير ،
وقد بين القرآن الكريم أن كره الموت وحب الدنيا والتعلق بها من علامات الكفر والنفاق ،
ففي حديث القرن الكريم عن بني إسرائيل بين ما هم فيه من ضلال يمنعهم من تمني الموت ويدفعهم إلى التشبث بالحياة ، قال تعالى في سورة البقرة:
(قل إن كانت لكم الدار الآخرة خالصة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين).

وجاء التعقيب على هذا الطلب ببيان أنهم لن يتمنوه والسبب سوء أعمالهم :
(ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) .

وما داموا لا يتمنون الموت لسوء أفعالهم فإنهم حريصون على الحياة الدنيا لا يريدون مغادرتها
ويشارك بني إسرائيل في ذلك المشركون الذين لم يكن لهم كتاب يرجعون إليه قال تعالى:
(ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة و ما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون).

وتكرر هذا الطلب أو التحدي بتمني الموت في سورة الجمعة :
(قل يا ايها الذين هادوا إن زعمتم أنك أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين )

وقد أتبع القرآن الكريم هذا التحدي ببيان أنه لا بد من الموت ولا مهرب منه فلعلهم إن آمنوا بذلك يصلحون أحوالهم :
(قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).

وقد بين القرآن الكريم أن المنافقين هم كذلك يكرهون الموت ولذلك يهربون من القتال حذر الموت وجاء الجواب على فرارهم من المواجهة في سورة الأحزاب :
(قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا).

وقد جاءت مواقف عتاب في القرآن الكريم لبعض المؤمنين الذين غشيتهم غاشية ضعف من الموت في غزوة بدر حين خرج المسلمون والمتوقع الاستيلاء على القافلة وكان القتال مستبعدا لدى بعضهم فلما نجت القافلة وتأكد القتال جاء وصف القرآن الكريم لهم هكذا :
(كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ہ يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون).

وكذلك ما كان من بعض المؤمنين في غزوة أحد من فرار وهرب من الموت الذي تمنوه قبل المعركة فلما وقع القتال واشتد ولوا الأدبار ذلك لضعف في إيمانهم واستزلال الشيطان لهم ببعض ما كسبوا فجاء القرآن الكريم ليقوم ما كانوا عليه من حال ويرفع من درجة إيمانهم قال تعالى :
(ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون).

في مقابل هذه الصورة نجد المؤمن يحب الموت ولذلك يقدم على الجهاد في سبيل الله ويقاتل بشجاعة لأنه يعلم أن للشهيد الذي يقتل في سبيل الله منزلة عالية ، ولذلك كان رد المؤمنين على المنافقين الذين كانوا يتربصون بالمؤمنين الدوائر ما أمرهم به ربهم :
(قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون) .

ولو رجعنا إلى آيات الأمر بالقتال لوجدناها تحض المؤمنين عليه وتدعوهم إلى نيل درجة الشهادة وتحبب إليهم القتل في سبيل الله ومن ذلك قوله:
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) ، وانظر جمال التصوير لما هم فيه من حال يدفع إلى اللحاق بهم:
(فرحين بما آتاهم من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

بعد هذا أعيد السؤال وأقول : ترى من يخاف الموت ؟؟.


منقووووووووووول عن مدونة الدكتور مأمون فريز جرّار