منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   النقد الأدبي والفني (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=107)
-   -   اللا أخلاقي والمسكوت عنه في " قبل القيامة بقليل " لـ ممدوح رزق (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=18451)

المفتش كرمبو 15 - 9 - 2011 02:43 PM

اللا أخلاقي والمسكوت عنه في " قبل القيامة بقليل " لـ ممدوح رزق
 
ما مدى استجابة القاريء لأعمال يحترمها . هذه القضية التي فجرتها القراءة للمجموعة القصصية " قبل القيامة بقليل " للكاتب " ممدوح رزق " . وجدتني للوهلة الأولى إزاء موقف جد خطير : ما الذي تحدثه القراءة فينا ؟ هل هي قائمة على ضرورة تنمية المشاعر الفاضلة في النفوس ؟ .. أو هل من الضروري أن تتضامن ضد أوزار المجتمع ، وتعضد المحبة ، والتعاطف مع البشر أيا كان لونهم ن أو جنسهم ، أو ديانتهم ؟ .
على طريق إعلاء المادة ، اتخذها الماديون بابا للمعرفة .. كانوا يؤكدون أن الكاتب هو الذي يرى أن جسدك لا يقل أهمية عن روح الإنسان وعقله ، ولهم في ذلك تفسير : " إذا كنت قسا فستتحدث عن الأرواح التي في الفردوس ، أما إذا كنت روائيا فستعرف أن الفردوس في كفك وعلى طرف أنفك ، لأن كلا منهما حي وجزء من الإنسان الحي ، وذلك ما لم تستطيع أن تجزم به عن الفردوس .. وإذا كنت فيلسوفا فستتحدث عن اللانهائية ، والنفس الخالصة التي تعرف كل شيء .. أما إذا التقطت رواية فستدرك حالا أن اللانهائية مجرد يد لهذا الوعاء بعينه الذي هو جسمي ، ذاتي الحية .. أما حصيلة المعرفة كلها ، فلا يمكن أن تكون أكثر من تراكم جميع الأشياء التي أعرفها بجسمي " * .
إن قضية تناول الجنس في الأدب تختلف من كاتب لآخر ، فالجنس لدى نجيب محفوظ يرتبط بشكل وثيق بالدلالات السياسية والاجتماعية ، وإن كان البعض يمارسونه بمنطق التمرد البعيد عن الثورية .
في ساحة الأدب الغنية بحدائق الإبداع ، قد يتساءل أحد النقدة : هل يمكن أن يقرأ المرء " آنا كارنينا " لتولستوي ، أو " البحث عن الزمن الضائع " لبروست دون أن يدرك ضعفا جديدا أو انبعاثا جديدا في لب مشاعره الجنسية مثلا ؟ .



المفتش كرمبو 15 - 9 - 2011 02:43 PM

بالطبع هناك مختلف الاحتمالات ، والتأويلات المستنبطة من شتى المدارس الفكرية والنقدية ، خاصة بعدما فتح الحقل الثقافي صدره على ما صار يطلقون عليه : " أدب النسوة " وكأن الأدب ـ كما يبدو من ظاهر التعريف ـ ينقسم إلى نوعين من الكتابة : نوع يتميز به الرجال ، ونوع آخر يتميز به النسوة عمن سواهن ، وهذا لغو فارغ بالطبع .
تحت هذا الزخم من المزاعم ، اعتبر ما يسمى بأدب النسوة أنه المسؤل والمهموم بسبر أغوار خارطة الجسد ، بما تنطوي عليه من غرائز ومشاعر متضاربة ، لم تفض مغاليقها أقلام الرجال بعد .
والحقيقة أن كما من ذلك النوع الأدبي ، اعتمد على ابتعاث مشاعر الاثارة وتحريك سواكن الأخيلة المريضة ، والاهتمام بمساعدة كل عابر سبيل حتى يستوعب لغة فتح الأفخاذ على اتساعها قتنفك عقده الجنسية ، ويتحول من عابر سبيل إلى شخص يهدر قواه حين تهتز مؤخرته ـ من غليان الكبت ـ على حافة السرير .
يأخذنا هذا الحديث إلى القول : ليس من الأدب ولا من فن القصة أن تأخذ علاقة الرجل بالأنثى شكلا يسيغ تصوير الممارسة بأسلوب يثير غريزة المتلقي ، وإنما يمكن القول لمن يشتغل بالأدب أن يكتب ما يعن له ، شريطة أن يكون على دراية بأن فن القصة يقوم على " المجاز " ولست أعني بالمجاز تركيب المفردة ، أو تشكيل العبارة ، بل في بناء العمل كله بالانجذاب إلى تفاسير جديدة وغير مسبوقة .
لهذا فإني زعيم بأن معظم صور الجنس التي تأتينا عبر الكتابة ، إنما تعبر عن الهفوات السايرة لما ينقل لنا انطباعيا من حياة الغرب ، ولتشكل واقعا يدعم الثقافة الاستهلاكية القائمة على قاعدة رأس المال ، ذات الصلة الوثيقة بمغريات التقنية المعاصرة ، في نقل الكلمة والصورة المتحركة وتحويلهما إلى أداة تحيل المجتمع إلى نوع من القطيع المنبهر بحياة المتعة الرخيصة حتى تصبح سلعة تدخل في حياتنا الضرورية .
لقد أثبتت الأعمال التي تعتمد على الثقافة المادية ، أنها تمارس نشاطاتها دلاليا وتشكيليا وإيقاعيا ، ومن خلال التكثيف والاتكاء على إفرازات شبقية الجسد ، حتى تندلع منها شرارة تفضي إلى انطفاء وهج الروح .
وفي هذا الخضم لا يتطلب الحال من كاتب القصة القصيرة إلا أن يكون ملما ببحور اللغة وتيارات الحياة وعراكها اليومي على مستوى الذات والمجتمع مع التيقن بأن المجال الذي يتحرك فيه من حيث الزمان والمكان والشخصيات مجال ضيق ومحدود في زمن بلغت فيه التقنية المعاصرة حدا قد يساعد على اكتشاف منابع الابداع الصافية ، وفي مرحلة أفعمتها تجارب الوجودية بالابتذال .

المفتش كرمبو 15 - 9 - 2011 02:44 PM

إن تصديرا كهذا كان لابد أن أبدأ به قبل الولوج إلى خارطة الجسد التي آثر الكاتب ممدوح رزق العمل على رقعتها بعد انهيار ايدولوجية الحزب الوطني وسقوط نظام مبارك .
والسؤال : هل يعتبر الفكر الغائي أساس التعبئة في عالم الصداقة والحب على اعتبار أنهما أصبحا كشيء ما قضت عليه ما تنبكت به النفوس ، فلا الصداقة بمفهومها القديم ظلت هي الصداقة المثلى في الفداء والتضحية ، ولا الحب البعيد عن الأثرة والأنانية صار هو الحب الذي يرتفع بحواس الإنسان عن الدنايا والقبائح .
في قصة " بوك ستور " ذهب بطل القصة الحقيقي إلى يوم إجازته الأسبوعية ، ونسى أن يرتب صفا من صفوف كتب المكتبة .. ترك حبيبته مع صديقه الذي طلب إليها أن تهتم بإعادة ترتيب الكتب ، عند حدود هذه الحركة كانت الأمور تمضي على سطح ساكن ، تحت ظلال مكان يفترض أن يكون نظيفا ، معبقا بأنفاس المعرفة والطهارة .. لكن ما حدث على أرض المكتبة من أشياء تسفل بالحب وتزدري بالصداقة الأمر الذي جعل نصوص الحكمة والفضائل المنتفخة ببطون الكتب ، جعلها تتحول إلى نوع من الإشارة بالكلمات الخرساء العاجزة .. مجرد كلمات صامتة تجعل القاريء يقف أمام وقود جسدي يحترق ، تحت فحيح من أنفاس أفعوان ، ارتبط مصيره ـ كصديق ـ بالزحف على بطنه والعيش على حثو التراب وابتلاعه .
حينما كانت فتاة صديقه تنحني على ترتيب الكتب ، كشفت الجيبة القصيرة عن مؤخرتها ، ( لاحظ أن الجيبة صناعة أجنبية مثل الموديلات والأفكار الكثيرة المستوردة ) . رأى الأشياء التي كانت مدفونة بين تلافيف المخ تظهر في وضوح دون أن يكون هناك تدخل من أخيلة الرغبة ، فالشيء الماثل تحت ناظريه شكل من تدفق الأحداث وجعل البطل يخرج من عنق أزمته في انفجار لا يهتم بالتفاسير الغيبية ولا في كنه الصداقة .
ما الذي كان يرجى منه ، وهو جالس يراقب من وراء صفحات الجريدة ؟ .. لم يملك وهو يطل على آتون فاغر فاه سوى أن يقوم ملتصقا به . لم تكن هناك أية مساحة زمنية للصراع بين الفكرة المجردة وبين انتهاب الحياة الناشطة بالنبض وتدفق الحيوية . ليس ثمة وقت للتفكير سوى الانصياع للاستجابة العضوية وامتهان مشاعر الصديق المطعون في حبه ، إنه يمارس عضويته في الحياة نيابة عن صديقه ومأساته على ما يبدو ، إنه لا يستطيع الحصول على سعادته الخاصة بدونها إلى درجة أنه قد بلغت به القحة وعدم التقدير لمشاعر صديقه ، إذ شرع في الحديث إليه عن ما أهاجته مؤخرتها في نفسه من كوامن .. ارتفعت نبرة صوته وهو يقول في شبه تقريع : " لوكنت خبيرا بالنساء يا صديقي لفهمت بسهولة ماذا يعني هذا ، ولقمت على الفور برد الفعل المناسب " ص 42 .

المفتش كرمبو 15 - 9 - 2011 02:44 PM

يقول كاتب مادة " الأدب " في الموسوعة العربية العالمية " عن الأدب " تعبير راق عن المشاعر والأفكار والآراء والخبرة الإنسانية عامة ، وهو في معناه العام يشمل كل ما كتب عن التجارب الإنسانية عامة .. فالأدب هو أحد الفنون الجميلة ، أو ما يمكن أن يشار إليه بالكتابة الجميلة .
ولعل هذا وراء السبب الذي لفت انتباهي إلى أن كاتبنا لم يغص في نفسية بطليه حتى يأخذنا معه في رحلة الغوص فنطالع ما يدور في تلافيف المخ وشغاف القلوب وإنما قصر جهده على إبراز ما يطفو على سطح مشاعر بطلي القصة .. ربما يكون قد أراح رأسه من الابتعاد عن الأخذ بأساليب النزعة التحليلية والتأسيس على الأبعاد المفتوحة كثمرة متنوعة بتناقضات تغتني بجدل الأضداد .. لقد كانت بين يديه المواد الأولية القابلة للتشكيل الإيجابي ، كان هناك الزمان الكافي والمكان الذي تشغله المكتبة بما فيها من مصنفات وأسس ونظريات وفصول من تاريخ الإنسان في سموه وانحداره .. هذا ما يمكن رؤيته للمرة الأولى وهي تضاف إلى الأشياء التي لا ترى بالعين المجردة ، ولكننا نشعر بها ، إذ تتكاثف فيما يشبه الحقد والحسد في قلب الراوي " المثقف " على صديقه الذي غادر المكتبة ليوم واحد ، وآثر الارتماء على مؤخرة بجسد يشتعل ، وعدم التعاطي مع المفاهيم المجردة ، لأن التجربة الجسدية كانت لديه غاية أفضل من أي كتاب يوضع في خزينة الكتب أو على الرفوف .
كأنه كان يود أن يقول لنا : أن التجربة أساس الحياة وهي عين الحكمة وأن الأفكار التي ترشحها الكتب التي نسى الحبيب الغافل أن يصفها بعناية فجاءت حبيبته لتعدل مقامها فانطرحت على وجهها ، وإذ بها يقع لها ما لم يكن يدور في بالها أو ربما أن الذي وقع لها لم يكن سهوا ، بل كانت بنية غض الطرف والإيهام بأن الظروف هي التي فرضت عليها الخيانة .

المفتش كرمبو 15 - 9 - 2011 02:44 PM

ولسنا هنا ننادي برفع شأن الأخلاق ، ولا نطالب بأن يكون " ممدوح رزق " كاتبا أخلاقيا فهذا شأن الفلسفة والدين . أما مسألة أن يسحبها صديق حبيبها ـ وهي تمشي معه طائعة ـ إلى ورشة النحت ثم يحاول أن يغرر بالقراء في محاولة لتخفيف وطأة الخطيئة على صدره فلن يصدقه أحد وهو يقول : " كنا نعلن استسلامنا لقدر لا يمكن مقاومته ، ونتصرف وفقا لخضوعنا التام لسلطته ومشيئته المطلقة بعد أن استحوذ على روحينا كليا وامتلك وحده القدرة على تحديد المصير الذي ستنتهي إليه لحظاتنا معا " ص 43
هكذا نراه ـ في خبث ـ يحاول التخفيف من أوزاره وحتى لا يرمى بجرم أو بالتأثيم ، اجتهد " الراوي المثقف " في إغلاق أبواب النجاة والفرار من استمراء الرذيلة إذ هي واقعة لا محالة بعد أن استسلمت هي وهو إلى " قدر لا يمكن مقاومته "
وحين يشاء الكاتب أن تتعطل آيات السمو عن لعب دورها للحظات ويجعل للأهواء فرص السيادة ، يكون من الطبيعي أن الغواص كلما أمعن الإيغال والغوص في أعماق هذا البكابورت فلن يجد الدر في أعماقه كامن ، وفي عماء جنسي يعيد بطل القصة على صديقه ما دار بينه وبين فتاته ، حين شرع جسدها تند عنه التأوهات الخافتة السعيدة ، وفي لزوجة يذكره أن ذلك حدث حينما : " أعطتني ظهرها وانحنت بذراعيها على المنضدة الكبيرة الواطئة التي تتراص فوقها منحوتاتك الخشبية .. منحوتاتك الجميلة التي طالما امتدحناك كثيرا ... " ص 44
إن الفلاحين والدراويش الذين كانوا هناك على المنضدة يتابعون ما يجري دون أن يحركوا ساكنا لأن الكاتب أودعهم ذمة التاريخ ، وبدلا من أن يروا مناديل الأحبة تلوح بها الحبيبة لحبيبها وهي مطرزة ومضمخة بعبير الدموع تحولت إلى مناديل ورقية ملوثة بإفرازات عضوية .. وفي طقس شيطاني يسترعي الانتباه قال بطل القصة : " أخرجت كيس المناديل الورقية الصغيرة من جيب قميصي وأخذت منه منديلا لأمسح به مؤخرتها التي بدت كقبة كبيرة ناعمة ، مشقوقة ومتماسكة ببهاء اغتسل بياضها ببريق العرق والمني والضوء .. هذا المنديل أصرت هي على الاحتفاظ به " ص 45
* د. انجيل بطرس سمعان " نظرية الرواية في الأدب الانجليزي الحديث " الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1971 ص 60 ، 61

shreeata 15 - 9 - 2011 05:48 PM

مشكور اخي كرمبو على روعة الادراج
سلمت بروعتك
تحيات لك


الساعة الآن 09:30 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى