منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   النقد الأدبي والفني (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=107)
-   -   دلالات الشيئية في (موج الظنون) لـ القاص محمد الصديق بغورة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=18914)

المفتش كرمبو 6 - 10 - 2011 02:59 PM

دلالات الشيئية في (موج الظنون) لـ القاص محمد الصديق بغورة
 
مدخــــــل
يبدو الأمر فلسفيا في التساؤل عن (الشيئية) و قد يكثر استعمال بعض الألفاظ لما تحمله


من دلالات تصلح أن تكون رمزا مرة ، و تفسيرا مرات ، و يصبح لدى البعض ميزة خاصة ، يوظفها الكاتب أو الشاعر بنيّة التعبير أيضا ، و كان لابد من التعرف على كلمة (شيء) كما اقتضته الضرورة اللغوية ، و لابد من التعرف على المعنى الثاني لها كما اقتضته الضرورة الابداعية في مختلف السياقات و الصيغ ، و لذلك فقوله تعالى :(ليس كمثله شيء) لنفي دلالة المشابهة ، أو في قول القائل (شيئا فشيئا) للدلالة على التدرج و الانتظام ، فإنّ مفهوم هذه الكلمة تحدده الجمل و التراكيب التي تضمنتها و الأغراض التي رسمها الكاتب أو الشاعر بعيدا عن دلالتها المعجمية ، فأحيانا تصبح صورة الحقيقة مفهومة من دلالة اللفظة داخل هذا السياق ، و الصورة الذهنية التي يتركها لفظ "شيء" قد تساهم في بنائه جملة التراكيب القبلية و البعدية غير أنّها تبقى نسبية الدلالة ، لأنّ المتلقي يشارك العملية البنائية ما تبقى من جزئيات غائبة قد تكون مقصودة لذاتها ...فكثير من النصوص التي تعتمد الأساليب الصريحة أو المجازية في ربط المعاني و تكثيفها يأتي من هذا القبيل ، و نلاحظ لزوم صورة هذا اللفظ "شيء" تتكرر بصيغ مختلفة و أحيانا متشابهة و لكنّها تحمل دلالات مختلفة انطلاقا من المفهوم الذاتي Compréhension subjective الذي تتعدد مقاصده من الجانبين ، قراءة الكاتب ومدركات المتلقي ، ولعل القارئ يتساءل لم التركيز على لفظة "الشيء" ؟ ببساطة هي قراءة لمجموعة قصصية للقاص محمد الصديق بغورة الموسومة بـ " موج الظنون " الصادرة عن منشورات الاختلاف / 2006 ، لفت انتباهي ما ورد فيها من قراءات مختلفة للواقع و الذات و أحيانا سخرية حادة من سلوكات مختلفة و متناقضة في حياة الأفراد و المجتمعات ، اعتمد في طرقها على أدوات بسيطة لكنّها تتطلب التركيز و الوقوف عند مجمل معانيها بتتبع أجزاء الصور و المشاهد التي لا تلتقي دفعة واحدة ، و توزيعها في تفاصيل نصوصه محسوب بأسلوب تقريري يعتمد التعميم لا التخصيص .

المفتش كرمبو 6 - 10 - 2011 03:00 PM

دلالة لفظ(الشيء) في مجموعة (موج الظنون) :
تتضمن هذه الجملة (وحين عبثت الريح بكل شيء)(01) إسنادا حقيقيا للحدث في علاقة العبثية بعموم معنى "شيء" ، لم يصرح السارد بخصوصية الدلالة أي العاقل وغير العاقل ، و من المؤكد "بكل شيء" نفي الاستثناء و سقوط قرائن التصنيف إلا من مدركات مشتركة بين السارد و المسرود له ، و هي علاقة موضوعية و طبيعية ، عادة لا نلقي بالا بما نقول فتأتي صياغات مختلفة تعبر حقيقة عن تراكمات الذات وتضيف جزئيات أخرى ، و إذا نظرنا إلى عتبة عنوان المجموعة الرئيس "موج الظنون" نكتشف مدى حرص السارد على تبليغ فكرة / المنطلق تتوزع بين مجموع قصصه الأخرى توزيعا محسوبا ، فـ "موج الظنون" تشبيه مقلوب و التقدير المعقول "الظنون موج" و الحالتان تأخذ كل منهما دلالة مزدوجة نفسية / عقلية وهو ما يسمى عند البلاغيين بإضافة المشبه إلى المشبه به ، و من هنا فالشيئية في هذا السياق تتضمن شيئية الموج و شيئية الطنون ، و ستبقى هذه القرينة قارة كلازمة متجددة المعاني محددة الدلالات ، و الإنسان شيء متضمن في هذه الشيئية بكل تأكيد ، و الدليل استحضاره لرؤية الأشياء بمنظار واقعي يستند إلى الحركة و السكون ، خضع للرمزية أكثر منه إلى الواقعية (كان أعجب ما استحدث في حياتنا : يحرك الأشياء كلها)(02) ففعل الحدث ورد بمعنى طلب التجديد في كلّ شيء ، و هي تمثل "رؤية فكرية وجدانية انفاعلية و شعورية لعالم الأشياء و التفاصيل و الجزئيات من منظور إنساني و عصري و مثقف "(03) ، و تأكيده لنشاط الحركة (كلّها) ، مثير للتعجب من أمر غير متوقع (كان أعجب) ، هل هي المفارقة التي تكشف عن منظور إنساني نوعي و هو الأمر الذي يجعل المتلقي عنصرا فاعلا في البحث عن الحقيقة المشتركة بينه و بين السارد ، و مجمل ما يرد في النص إشارات و علامات موزعة بتفصيل متتال عادة تنتهي صوره بمواقف مختلفة و متباينة بالرغم مما يحاوله السارد من التوفيق بين رؤيته وبين رؤية الآخر ، يظل مجال التساؤل و التفكر قائما على حدود " الوضع النفسي الذاتي و الموضوعي للتجربة ، و مستجيبة في السياق ذاته للحال الإنسانية المعذّبة "(04) التي دوما ترتكز في تفكيرها على ما يسمى بـ الالتباس/الحادث ، و يشكل القلق أحد أهم هذه الالتباسات ، و تعميق النظر في طبائع الأشياء يثير تساؤله ككل مرة ، ما الشيء الذي يكون مثله ؟ و فيم ؟ (يغيظه أنّه " كمثله شيء" و أنّه فان مع "كل من عليها فان")(05) ثلاث فواصل بين هذه الحدود علاقة المشابهة بينه و بين الشيء الذي لم تحدد طبيعته و من هنا فلفظ (شيء) في هذا التركيب يفيد التعميم، فقوة الإشارة تكمن في دلالة اللفظ ضمن هذا السياق و كل سياق تحكمه مجموعة من المؤثرات الذاتية و الموضوعية ، و لفظ (يغيظه) يعكس رغبة باطنية ، و هي رفض المماثلة (كمثله) ، فإعادة بناء المعنى في هذه الجملة اقتضته حالة شعورية خاصة قد نعتبر هذا السلوك اللغوي من الوجهة البلاغية تنشيطا جديدا للمتلقي بصورة قديمة/ جديدة ، تبدو مألوفة و لكنها تعزف على هذه الألفة المغرية ، و في أكثر من نص في هذه المجموعة يستمر أسلوب السارد على هذه الوتيرة مكثفا للمعنى مختزلا للفظ منشغلا بلفظ (الشيء) معتبرا إياه قالبا منتجا و دالا على كثير من الصور و المشاعر التي تحمل دلالات أخرى لم يبح بها السارد للمتلقي واعتبر العلاقة الحقيقية بين ما تصوره و ما يتوقعه متروك للآخر ، يقدره بما يمتلكه من أدوات حاضرة و فاعلة (قال لي : لا بأس ، كل شيء على ما يرام)(06) قد نفهم من هذه العبارة بلوغ حدّ الرضا وإنّ العالم الذي تحققت فيه هذه الرغبة تبدو عامة و لكنّها ذات خصوصية ، فمجازا أطلق الكلّ (كلّ شيء) و هو على مستوى ذاتي لا أكثر ، و أراد الجزء وهو الكون الحقيقي الذي يشعر به دون سواه و بدا عاما (كلّ شيء) و من هنا فالتعميم حادث لأسباب موضوعية و مقصود لذاته و معلوم أنّ الاسم ليس كالفعل في دلالات الألفاظ و التراكيب و الجمل باعتبار الابتداء بالاسم ليس كالابتداء بالفعل لاعتبارات زمية ووصفية و اقتضت الضرورة أن يكون محمول الجملة الفعلية أوسع من الجملة الاسمية لسكون هذه الأخيرة و حركية الأولى ، و فضاء الأولى أرحب من حيث قابلية القراءة و التحليل و التقدير و حتى الاستمرار

المفتش كرمبو 6 - 10 - 2011 03:00 PM

بينما قد يكتنف بعض التراكيب عند استعمال (شيء) الغموض في الصورة و التعقيد في التركيب (و أحسست بلذة و أنا أستسلم شيئا فشيئا للنعاس)(07) دلالة (الشيء) في هذا التركيب (شيئا فشيئا) تبدو بسيطة وواقعية باعتبار النعاس و الاستسلام و اللذة ظواهر طبيعية ، لكن اجتماعها في هذه الوضعية له دلالة أخرى قد لا يقصدها السارد نفسه ، و تحمل معنى الانتقال من وضعية إلى أخرى ، و من الوعي إلى اللاوعي ، و للاستسلام صور أخرى عبّر عنها السارد بتوظيفه للفظة (شيء) مرة أخرى (لكني لم أقو على شيء)(08) ، نفهم من هذه العبارة اتخاذ السارد موقفا معينا كما لو أنّ الضعف بات أمرا مسلما به في الحالات الطبيعية و غير الطبيعية ، و مقاومته عملية صعبة ، ليس من السهل إدراكها ، و لذا نلاحظ اجتماع كل القدرات ، ضعفا وقوة ، تطابقا و تناقضا ، النفسية منها و الذهنية باعتبار الحالة الشعورية التي تهيمن على هذه الصور و الأفكار و المواقف منبثقة من ذاتية السارد و خلفيته الفكرية و الاجتماعية و التفسية ، و هي مستويات تسحب على جميع النصوص التي وردت في هذه المجموعة (موج الطنون).
خلاصة:
الفكرة التي وصلت إليها في هذه القراءة لمجموعة (موج الظنون) اختيار السارد لموضوعاته بدقة و معالجتها لم تكن مجرد عرض أفكار و خواطر بقدر ما كانت تعبيرا حقيقيا عن موقف إنساني و تحليل مشاهد و سلوكات يرفضها العقل و يمقتها منطق الأشياء ، عبّر عن ذلك بلغة بسيطة امتزجت فيها الواقعية بالمجاز في كثير من المواضع ، تدفع المتلقي إلى تقديرها بدراية و نباهة و حذر ، تجنب فيها السارد مواضع اللبس و ترك مجال التأويل و التحليل عملية اختيارية للمتلقي مع إبقائه على قدر كبير من العلاقات الحوارية المهذبة .
هوامش
(01)- موج الظنون / قصص محمد الصديق بغورة / منشورات الاختلاف / ط 01 – 2006 ، ص 10.
(02)- المصدر نفسه : ص 11
(03)- التجربة و العلامة القصصية ، رؤية جمالية في قصص (أوان الرحيل) لعلي القاسمي أ.د محمد
صابر عبيد عالم الكتب الحديثة ط 1 ، 2011 ، ص: 103
(04)- المرجع نفسه : ص 107
(05)- موج الطنون : ص 12
(06)- نفسه ص 18
(07)- نفسه ص 19
(08)- نفسه ص

سما 7 - 10 - 2011 02:30 AM

سلمت الايادي المفتش كرمبو على مواضيعك الهادفة والراقية
رائع ما تطرحه لنا

عاشق تراب الأقصى 7 - 10 - 2011 02:41 AM

يعطيكـ ألف عافيه كرمبو وبارك الله بك على مواضيعك المختارة بالمنتدى
بارك الله بك


الساعة الآن 01:10 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى