منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   النقد الأدبي والفني (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=107)
-   -   رشا فاضل ترد على المجزرة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=22114)

المفتش كرمبو 2 - 2 - 2012 05:01 PM

رشا فاضل ترد على المجزرة
 
ناظم السعود

http://www.adabfan.com/thumbnail.php...article_medium



لي ملاحظة عامة اذكرها الآن، كما ذكرتها مرارا من قبل، مؤداها ان النص الأدبي العراقي لا يكاد يطول موجات الأحداث وتوالي الوقائع والفجائع مع انها ( الوقائع / الأحداث ) أغرقت خريطة البلاد ببحور الدماء وأشكال الحتوف منذ اكثر من خمسة الاف عام ويزيد، وبرغم من هذا التاريخ المعفر بالوجع والموات الا اننا لم نلمس كثيرا ان النص الأدبي بأشكاله ومتونه استطاع ان يحايث الحدث وينتزعه من أنيته ليثبته في آصرة الزمن وقادم العهود ليصبح حافظا وفاضحا لما كان ومنبها ودالا لما سيكون، نعم قد يكتب النص ويدون ما جرى ولكن المنتج له يدونه إما متأخرا كثيرا بحيث يفقد تماسه الزمني او يخرجه بلبوس هلامي لا يصلح ان يكون شاهدا فيوسم بأنه من النصوص اللاتاريخية وما اكثر هذه النصوص في التاريخ الشعري العراقي .
ملاحظتي الأنفة لم تحل من ظهور نصوص كثيرة كان لها استجابة رائعة
لشرطها الزمني ومقاربتها الخصبة للحدث وقدرتها على رفع الواقع الى مرتبة الواقعة من خلال التناغذ معه واسطرنه، ومن منظور شخصي قدر لي في حياتي المهنية الطويلة ان أتابع وأبادر للكشف عن بعض النصوص ودفعها لمركز الضوء والتعريف، حصل هذا مع نص (عبدئيل) لموفق محمد ومع رواية (انه الجراد) لطه حامد الشبيب وقصيدة (سوبرمان) لسلمان داود محمد، ونصوصا أخر لأحمد حسون ورعد زامل وعدنان الحيدري وناظم ألعبيدي وآخرين لا استطيع تذكرهم، كان لي الإشارة إليهم وانتشال نصوصهم من سكون النمط ووضعها في تيار الاطلاع العام، وهذا لم يتحقق لولا ان نصوصهم اخترقت الراكد وحققت
فرادتها من خلال الاشتباك مع اليومي والزائل لتثبيت تاريختها .
هذا التمهيد جئت به لاعلن غبطتي الشديدة وأنا اكشف عن نص من تلك النصوص التي أشرت إليها ووسمتها بالفرادة لجهرها بالخصوصية حين تناولت حدثا راهنا لتدفع به الى أفق ألغرائبي والاسطرة فيصبح بالتالي قادرا على تكييف الزمني لمتطلبات المرجعية التاريخية ، بمعنى ان النص هنا لا يسعى لإثبات أهميته في الراهن ولا حتى جر النص لدائرة الملاحقة التوثيقية للفاجعة ولكن أهميته الكبرى تتاتى من كونه سيكون مرجعا وشاهدا للقادم من الزمن، وأظن ان نص (قيامة اللهب) للأديبة العراقية المتميزة (رشا فاضل) مؤهل بالكامل لان ينتقل وفق مستندات نصية وجمالية وتاريخية من كونه مدونة شعرية عن حدث عابر (ولكنه لن يكون عابرا أمام العين اللماحة والانتماء الضميري) ليتجلى ويرتقي مرتبة النص التاريخي الصالح للبقاء والتشهيد والدغم بالإثبات .
ان نص (قيامة اللهب) ينجح في التقاط الحدث الفاجع، الهجوم على مبنى صلاح الدين في ما عرف بثلاثاء المجزرة اذ سقط مئات العراقيين بين قتيل وجريح، ومعالجته رؤيويا ودراميا ليحقق المأمول في هكذا نصوص أي الجهر بواقعة الجريمة ومحاصرتها بجدل السؤال والكشف وصولا الى حالة الإدانة الجمعية التي ترجمها بها وتودعها قفص الحساب التاريخي القادم، وهناك تسريب واع من الشاعرة لبعض الشواهد المنتقاة من يوم المجزرة: صور، ضحايا، استرجاع دموي ، حوار مضمر واخر مهموس.. وسوى ذلك من تسريبات اقرب ل (لائحة اتهام) صريحة مما يدفع بالمتلقي للتفاعل مع مجرى الحدث الساخن بل والمشاركة في تحفيز الإدانة الفردية بعد ان هيأت له الشاعرة المستمسكات الثبوتية كاملة..
أرى ان الشاعرة رشا فاضل قدمّت لنا نصا ليبقى طويلا في الذاكرة الجمعية ولا بد للنقد ( الكسول والعاطل حاليا ) من التحرك ضد سلبيته وموجهاته ويشابك هذا النص من نواح عدة ليسترد حضوره وايجابيته
ولكن هذا الحديث سيبقى مقطوعا وغير قادر على تجسيد ما يطالب الاخرين به ، ولهذا حقّ علي ان أعود اليه في العدد القادم لاستكماله.
من الضروري ، في مستهل حديثي الثاني ، عن الأديبة والإعلامية العراقية رشا فاضل ان أتوقف سراعا عند اللحظة التي سمعت باسمها اول مرة ، كان ذلك في عام 997 او 98 حين كنت اشرف على القسم الثقافي في مجلة ( الشباب ) البغدادية (أم كانت جريدة الرافدين ؟ ذاكرتي مخرومة الآن) فقد وصلتني رسالة من الناقد العراقي الكبير الدكتور محمد صابر عبيد يعرفني من خلالها باسم أدبي واعد ما زال يغذ طريقه في كتابة القصة القصيرة، هكذا تعرفت برشا فاضل كاتبة تحمل موهبة القص فنشرت لها القصة التي أرفقها الدكتور محمد صابر مع رسالته وكنت أحدس أنها ستحقق شيئا في قابل الأيام .
ولئن أعلنت غبطتي بنص قيامة اللهب لرشا فاضل وكتبت عنه ونشرته
كاملا في صحف ورقية فان هذا لا يعني انقطاعا او عدم متابعة لما أنجزته رشا طوال السنوات الماضية بل أنني كنت متابعا بشئ من الدهشة ما كانت تنشره في الصحف الورقية وفي مواقع الانترنيت فكأنني أمام موهبة متشظية بين عدة أجناس: قصة / شعر / مقالة / مسرحية / وأخيرا قرات ان لها رواية لم تطبع بعد ، وهذا يشير إلى ان
ذات الأديبة تفصح عن انشغالات شتى بعضها يشف عن محنة الفرد في عالم يتداعى في حين ان الآخر يتطاحن في عذابات وطن مبتلى ولهذا يصبح مسوغا لي هذا التعدد الاجناسى بوصفه مظهرا من مظاهر القلق النفسي والإبداعي والأخلاقي لأديبة شابة متواشجبة مع قضايا الهم الجمعي بعد ان انفلتت من أسار الانوية الجامحة .
في نصها الجديد ( قيامة اللهب ) تباغت رشا فاضل احدث مجزرة عراقية ما زالت جروحها نازفة وانين ضحاياها يخرق كبد السماء اذ تعمد الشاعرة الى رسم مرثية مخنوقة بتفاصيل الموات والدم :

ينهض الرأس المثقل ببقايا الأضغاث ..

يتلفت بحيرة طفل نافثا بقايا النعاس :

أكل الكوابيس لي ؟

تجيبه الزوايا بصمتها المعتم ..

تجيبه الشوارع المحزومة بالتوجس ورحمها الآهل بالديناميت ..
تجيبه أشلاء الجسد والروح
وتتراكم الصور والآهات المنبجسة من مدارات السحق والعدم فكأن الشاعرة تحمل مبضع جراح تاريخي يحصي مدونات القيامة :

تتبارى الوجوه الآفلة عن مدينة الخراب ..
وجه يبتسم بوجه الغروب..
واخر يلوح بغنائه الوحيد ..
واخر بلا ملامح لكني اعرف صوته
فهو الوحيد الذي بقي عالقا به بعد التشظي
ولن يكوون مستغربا بعد هذا ان اشّرت الشاعرة على دالة الخراب :

هذه بلاد .. تنزع بهرجة الفرح من المدن الناعمة
وتفخخ كل ما حولك برائحة فقدٍ
ما يحسب للشاعرة هنا انها انتزعت نصا من أحشاء الفقد والندب ، هي وثّقته ونشرته أمام الضوء كجريمة كاملة الأركان ولم تعمد الى الصمت الذي يختبئ خلفه كثير من الشعراء في حالات نظيرة هاربين من أنّات الجوعى وصرخات الضحايا ، صمت كهذا لا يعني الا انخذالا وفضحا لمواقف اقرب لأن تكون مباركة للقتلة وتزيين المجازر بأكاليل الزهو !.
والحقيقة تدفعني لان اقول ان هذه القصيدة الصادمة والصادقة تعكس مواقف جادة ألتزمتها الشاعرة إنسانيا وثقافيا واجتماعيا طوال عقدين او أكثر مهدت خلالها الموهبة الصافية لان تشتبك مع قضايا عصرها وفجائع وطنها متبرئة من كل حالات الدنس والجريمة وسمسرة الأوطان ،
ووضح ذلك من البراهين التالية :
انضواؤها في الهلال الأحمر باختصاص الإسعافات الأولية وكمدربة للوقاية من مرض الايدز ، وعملت كناشرة للوعي الصحي في المدارس والقرى ، و مسؤولة في البحث والتحري عن الأسرى والمعتقلين في السجون الأمريكية والحروب إضافة الى انها كانت مسؤولة عن استلام الجثث من قوات الاحتلال وتسليمها لذويها ، ومن اليسير ان نعي الآن لماذا تندغم رشا بجزئيات الماسي الاجتماعية والسبب الذي يدفعها لعرض الجرح العراقي ساخنا وواخزا وقادرا على إحداث فعل التبئير في منطقة الضمير ؟.
رشا فاضل ، بما قدمته في متونها النصية ، مؤهلة تماما لدور ( المثقف العضوي ) حسب توصيف ( غرامشي ) فلها حق أن تكون في مركز التذكّر بعد ان جسدت نبذها لزمن تحفه القيامة المبكرة !!



shreeata 10 - 4 - 2012 11:17 PM

سلمت الايادي اخي كرمبو
جميل ماادرجت
تحيات لك


الساعة الآن 09:51 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى