![]() |
الماوردي - مُنَظِّراً سِيَاسِيّاً
الماوردي
مُنَظِّراً سِيَاسِيّاً ساءت الأحوال بالخلافة العباسية في أخريات أيامها بعدما ضعف الخلفاء واستبد بهم وبأمر الحكم المماليك والوزراء ، ولم يجد حكام الأقاليم غضاضة في أن يستقلوا عن هذا الخليفة كلياً ، أو أن يبقوا على رابطة الاسم فقط بينهم وبين تلك الخلافة الضعيفة . في هذا الجو نشأ الماوردي ، معاصراً خليفتين من أطول الخلفاء بقاء في الحكم : الخليفة العباسي القادر بالله ، ومن بعده ابنه القائم بأمر الله الذي وصل الضعف به مبلغه حتى إنه قد خُطب في عهده للخليفة الفاطمي على منابر بغداد . ولد علي بن محمد البصري الماوردي في البصرة عام 364 هجرية ، لأب يعمل ببيع ماء الورد فنسب إليه فقيل الماوردي . ارتحل به أبوه إلى بغداد ، وبها سمع الحديث ، ثم لازم واستمع إلى أبي حامد الإسفراييني . ولما تشرب وتضلّع من العلم تصدّى للتدريس ، مرة ببغداد وأخـرى بالـبـصرة . ثم استقر به المقام ببغداد ، فدرّس الحديث وتفسير القرآن ، وألف بها كتبه . وفي سنة 429هـ تلقب بأقضى القضاة ، وكانت مرتبته أدنى من قاضي القضاة ، ثم بعد ذلك تولى منصب قاضي القضاة كان الماوردي ديّناً ، وله علاقة طيبة مع الخليفة العباسي ورجال الدولة في زمانه . وكان الخليفة يثق به ، ويجعله سفيراً ووسيطاً بينه وبين بني بويه ، وبينه وبين حكام دولة السلاجقة . ولقد كان لقربه واتصاله برجال السلطة ، فضلاً عن ثقافته العالية ، أكبر الأثر في اتجاهه للكتابة فيما يسمى الآن الفقه السياسي . ومن كتبه في هذا المجال : أدب الدنيا والدين ، الأحكام السلطانية ، قانون الوزارة . ومن كتبه الأخرى : سياسة أعلام النبوة ، الحاوي في الفقه ، النكت والعيون ، كتاب الأمثال ، معرفة الفضائل .. وغيرها . يعد تفسير الماوردي النكت والعيون من أوجز التفاسير التي عنيت باللغة والأدب ، ونقل فيه الآراء التفسيرية السابقة له ، ولم يقتصر على نقلها بل نقدها . والتفسير يندرج تحت مدرسة التفسير بالرأي ، حيث أعمل الماوردي جهده ورأيه في شرح وتفسير الآيات ، نافياً أن يكون فعله مما يعدّ تفسيراً بالهوى والرأي المنهي عنه وفي هذا يقول : تمسك بعض المتورعة ممن قلّت في العلم طبقته ، وضعفت فيه خبرته ، واستعمل هذا الحديث على ظـاهره ، وامتنع أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده عند وضوح شواهده ، إلا أن يرد بها نقل صحيح ، ويدل عليها نص صريح . وهذا عدول عما تعبد اللّه تعالى به خلقه في خطابهم بلسان عربي مبين ، قد نبه على معانيه ما صرّح من اللغز والتعمية التي لا يوقف عليها إلا بالمواضعة إلى كلام حكيم أبان عن مراده ، وقطع أعذار عباده ، وجعل لهم سبلاً إلى استنباط أحكامه ، كما قال تعالى : "لعلمه الذين يستنبطونه منهم" ولو كان ما قالوه صحيحاً لكان كلام اللّه غير مفهوم ، ومـراده بـخـطابه غير معلوم ، ولصار كاللغز المعمّى ، فبطل الاحتجاج به ، وكان ورود النص على تأويله مغنياً عن الاحتجاج بتنزيله . وأعوذ باللّه من قول في القرآن يؤدي إلى التوقف عنه وقد نال تفسيره هذا عناية المفسرين المتأخرين عنه ونقلوا عنه ، كابن الجوزي في زاد المسير ، والقرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن . ولعل من أهم كتب الماوردي كتاب أدب الدنيا والدين ، الذي تناول فيه موضوعات أخلاقية ووعظية وإرشادية وفضائل دينية تناولاً عملياً لا نظرياً . والكتاب يشتمل على ملاحظات قيمة وأفكار وخطط وبرامج إصلاحية خلقياً واجتماعياً وسياسياً وتعليمياً ، سواء كان ذلك للفرد أم المجتمع . وهو في تناوله لهذه الموضوعات لا يفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي ولم يكن هذا بالأساس في ذهنه ، حيث ذكر أن ما يستقيم به الدين تستقيم به الدنيا ، وما يكون به صلاح الآخرة يكون به صلاح الأولى ، ففي الكتاب مثلاً إشارة إلى ما يسوق الناس إلى الكد والبحث عن الغنى ، ويوضح الماوردي من خلال ذلك أن المسلم لا يبحث عن المال لذاته ولكن لأنه وسيلة تساعده في دنياه وتزيده حسنات في أخراه . وقد تناول الكاتب هذه الموضوعات تناولاً عقلياً مازجاً بين النقل والعقل ، محاولاً بكتابته وأسلوبه القرب من حياة الشريحة العظمى من الناس وجمع الماوردي ما سبقه من إشارات وتلميحات في مسائل الفقه السياسي في كتاب الأحكام السلطانية . والكتاب ليس مجرد تتبع لهذه الإشارات والتلميحات ، بل إن صاحبه ينطلق من هذه الإشارات مؤسساً لنفسه إطاراً فكرياً سياسياً ، مستنداً في ذلك إلى المقارنة بين حجج وأدلة سابقيه ، محاولاً أن يكون عملياً في كتابه لتسير عليه السلطة التنفيذية . ويبدأ الكتاب بتعريف الإمامة وشروط تقلدها ، وكيفية انعقادها ، وتوضيح العلاقة بين الدولة والإمامة ، والعلاقة بينها وبين الشعب ، مع توضيح ما يؤدي إلى عزل الإمام . وبعد ذلك يتطرق الماوردي في كتابه إلى الوزارة والإمارة ، مبيناً المهام التي تُسأل عنها أجهزة الدولة سواء المالية أو العسكرية أو القضائية . ولم يكن تأليف الماوردي للكتاب تأطيراً لما هو موجود من نظم بقدر ما سعى إلى أن يؤطر من خلال وجهة النظر الإسلامية ، مستنداً في ذلك إلى النصوص التي ساقها من القرآن والسنة ومن كتب الماوردي السياسية أيضاً كتاب قوانين الوزارة ، وفيه تناول كل ما يخص الوزارة ، ابتداء من تعريفها وأنواعها ، إلى مؤهلات الوزراء وعلاقتهم ببعضهم وبمن يرأسهم . وأشار في هذا الكتاب إلى أن أهم أهداف الوزراء هي تحقيق الأمن العام ، والنماء والخصب الدائم ، وسيادة العدل . لقد عاش الماوردي حياة ملؤها العلم والتعليم . عاش منظراً للساسة ومرشداً للتلاميذ في حلقات العلم ، وحاول جاهداً أن تكون علاقته بالساسة نابعة مما دعا إليه في كتبه ، ولذلك أجلّه الساسة وأكرموه ، حتى وافته منيته ببغداد عن عمر يناهز 86 عاماً . |
سلمت الايادي على الموضوع
وجزك الله عنا كل خير تحيات لك |
مشكور شريف على المرور والرد
|
راائعة باختيارك يسلموو ..~ |
موضوع رائع ومعلومات قيمة جداً
جعلها الله في ميزان حسناتك |
sha@
طرح جميل ومفيد دمت بودّ شكرا أخي أصدق إحساس sha@ |
مجهود رائع وموضوع قيّم وبانتظار المزيد من هذا العطاء لك مني ارقّ تحية وأعذبها |
الاخت الفاضله سما
بارك الله فيك موضوع جميل شدني إليه كوني دوما متألقه |
هلا وغلا بــ الآخوة والأخوات الغاالين شاااكرة لكـ مروركـم العطر لكـم وووووودي |
الساعة الآن 08:14 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |