![]() |
في ذكر شيء من العِبر و الفوائد التي اشتملتْ عليها قصة يوسف عليه السلام
في ذكر شيء من العِبر و الفوائد التي اشتملتْ عليها قصة يوسف عليه السلام :
فمن ذلك: أنّ هذه القصة من أحسنِ القَصص و أوضحِها، و أبينِها ، لما فيها من أنواع التّنقّلات من حالٍ إلى حال، و من محنةٍ إلى محنة، و من محنةٍ إلى منحة و منَّةٍ، و من ذُلٍّ إلى عِزٍّ و من رِقٍّ إلى ملكٍ، و من فُرقة و شتاتٍ، إلى اجتماعٍ و ائتلافٍ، و من حزنٍ إلى سُرور، و من رخاءٍ إلى جدب،و من جدبٍ إلى رخاءٍ، و من ضَيقٍ إلى سعة، و من إنكار إلى قرار، فتباركَ من قصَّها، فأحسنَها، و وضَّحها و بيَّنَها. و منها: أنّه ينبغي البُعد عن أسباب الشّر، و كتمانِ ما تخشى مضرّته لقول يعقوب عليه السلام:"لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا". و منها: أنه يجوز ذكر الإنسان بما يكره على وجه النّصيحة لغيره لقوله:"فيكيدوا لك كيدا". و منها:أنّ العدلَ مطلوبٌ في كل الأمور، لا في معاملة السلطان رعيّته فقط، و لا فيما دونه، بل حتى في معاملة الوالد لأولاده، في المحبّة و الإيثار، و غيره، و أنّ في الإخلال بذلك، يختلّ عليه الأمر، و تفسد الأحوال و لهذا، لما قدّم يعقوب يوسفَ في الحبّة، و آثَرَه على إخوتِه، جرى منهم ما جرى على أنفسهم و على أبيهم و أخيهم. و منها: أنّ العبرة في حال العبد بكمال النهاية، لا بنقص البداية، فإنّ أولاد يعقوب عليه السلام،جرى منهم ما جرى في أول الأمر مما هو أكبرُ أسباب النّقصِ و اللوم، ثم انتهى أمرُهم إلى التوبة النّصوح، و السّماح التام من يوسف، و من أبيهم، و الدّعاء بالمغفرة و الرحمة،و إذا سمحَ العبدُ عن حقِّه، فالله خيرُ الراحمين. و منها: أنّ بعض الشّرِّ أهونُ من بعض، و ارتكاب أخفّ الضّررَين أولى من ارتكاب أعظمِهما، فإنّ إخوة يوسف، لما اتّفقوا على قتل يوسف، أو إلقائه أرضاً و قال قائل منهم"لا تقتلوا يوسف و ألقوه في غيابة الجبّ" كان قوله أحسنَ منهم و أخفّ، و بسببه خفّ عن إخوته الإثم الكبير. و منها: أنّ من دخلَ الإيمانُ قلبَه،و كان مخلصاً لله في جميع أمورِه، فإنّ الله يدفع عنه ببرهانِ إيمانه،و صِدْقِِ إخلاصِه من أنواع السوء و الفحشاء و أسباب المعاصي، ما هو جزاءٌ لإيمانه و إخلاصه لقوله:"و همّ بها لولا أنْ رأى برهانَ ربه، كذلك لنصرف عنه السوءَ و الفحشاء إنه من عبادنا المخلصين" على قراءة من قرأها بكسر اللام، و من قرأها بالفتح، فإنه من إخلاص الله إياه، و هو متضمِّن لإخلاصه هو بنفسه، فلما أخلصَ عملَه لله، أخلصه اللهُ، و خلّصه من السوء و الفحشاء. و منها: أنه ينبغي للعبد إذا رأى محلاً فيه فتنة و أسباب معصية، أن يَفِرَّ منه، و يهرب غاية ما يُمكنه، ليتمكَّن من التخلُّص من المعصية، لأنّ يوسف عليه السلام-لما راودته التي هو في بيتها-فرّ هارباً، يطلبُ البابَ، ليتخلصَ من شرِّها. و منها:أن يوسف عليه السلام اختار السجنَ على المعصية، فهكذا ينبغي للعبد إذا ابتُلي بين أمرَين- إما فعل معصية، و إما عقوبة دنيوية- أن يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا و الآخرة، و لهذا من علامات الإيمان أن يكرهَ العبدُ أن يعود في الكفر، بعد أن أنقذه اللهُ منه، كما يكره أن يُلقى في النار. و منها: أنه ينبغي للعبد أن يلتجئ إلى الله، و يحتمي بحماه عند وجود اسباب المعصية، و يتبرّأ من حوله و قوته، لقول يوسف عليه السلام"و إلا تصرف عني كيدهنّ أصبُ إليهن و أكُنْ من الجاهلين". و منها: أنه كما على العبد عبودية لله في الرخاء، فعليه عبودية له في الشدة، ف"يوسف" عليه السلام لم يزل يدعو إلى الله، فلما دخل السجنَ، استمر على ذلك، و دعا الفتيين إلى التوحيد،و نهاهما عن الشرك، و من فطنته عليه السلام، أنه لما رأى فيهما قابلية لدعوته، حيث ظنا فيه الظنَ الحسن و قالا:"إنا نراك من المحسنين" و أتياه ليُعبر لهما عن رؤياهما، فرآهما متشوقين لتعبيرها عنده، رأى ذلك فرصةً، فانتهزها ، فدعاهما إلى الله تعالى، قبل أن يعبر رؤياهما ليكون أنجحَ لمقصوده ، و أقربَ لحصول مطلوبه، و بين لهما أولا أنّ الذي أوصله إلى الحال التي رأياه فيها من الكمال و العلم، أيمانُه و توحيده، و تركه ملة من لا يؤمن بالله و اليوم الآخر، و هذا دعاءٌ لهما بلسان الحال، ثم دعاهما بالمقال، و بيّنََ فسادَ الشرك، و برهنَ عليه، و حقيقةَ التوحيد، و برهنَ عليه. و منها: أنّه ينبغي و يتأكّد على المعلّم استعمالَ الإخلاص التام في تعليمه و أن لا يجعل تعليمَه، و سيلة لمعاوضة أحد في مال،أو جاه، أو نفع، و أن لا يمتنع من التعليم، أو لا ينصح فيه، إذا لم يفعل السائلُ ما كلفه به المعلّم، فإن يوسف عليه السلام قد قال، و وصّى أحدَ الفتيَين أن يذكرَه عند ربه، فلم يذكره و نسي، فلما بدت حاجتهم إلى سؤال يوسف، أرسلوا ذلك الفتى، و جاءه سائلا مستفتيا عن تلك الرؤيا، فلم يعنّف يوسف، و لا وبّخَه لتركه ذكره، بل أجابه عن سؤاله جوابا تاما من كل وجه. و منها :أنه لا يُلام الانسانُ على السعي في دفع التّهمة عن نفسه، و طلبِ البراءة لها، بل يحمد على ذلك، كما امتنع يوسف عن الخروج من السجن حتى تتبيّن لهم براءتَه بحال النسوة اللائي قطّعن أيديهن. و منها: فضيلة العلم، علم الأحكام و الشرع، و علم تعبير الرؤيا،، و علم التدبير و التربية، و أنه أفضل من الصورة الظاهرة، و لو بلغت في الحسن جمال يوسف، فإنّ يوسف-بسبب جماله- حثلت له تلك المحن، و السجن، و بسبب علمِه حصل له العزّ و الرفعة،و التمكين في الأرض، فإن كل خير في الدنيا و الآخرة من آثار العلم و موجباته. و منها: أنّ استعمال الأسباب الدافعة للعينِ و غيرها من المكاره، أو الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع، بل جائز، و إن كان لا يقع شيءٌ إلا بقضاء الله و قدره، فإنّ الأسباب أيضا من القضاء و القدر،لأمر يعقوب بنيه، حيث قال:" يا بني لا تدخلوا من باب واحد و ادخلوا من أبواب متفرقة". و منها:جواز استعمال المكايد التي يتوصّل بها إلى الحقوق، و إنّ العلم بالطرق الخفية الموصلة إلى مقاصدها، مما يحمد عليه العبد، و إنما الممنوع التحيل على إسقاط واجب، أو فعل محرّم. و منها: هذه المحنة العظيمة التي امتحنَ الله بها نبيَّه و صفيـَّه، يعقوب عليه السلام، حيث قضى بالتفريق، بينه و بين ابنه يوسف الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة، و يحزنه ذلك أشدّ الحزن، فحصل التفريق بينه و بينه مدة طويلة، لا تقصر عن ثلاثين سنة، و يعقوب لم يفارق الحزن قلبَه في هذه المدة "و ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم"، ثم ازداد به الأمر شدّةً، حين صار الفراق بينه و بين ابنه الثاني، شقيق يوسف، هذا هو صابرٌ لأمر الله،محتسبٌ الأجر من الله، قد وعد من نفسه الصبرَ الجميل، و لا شكّ أنه وفّى بما وعد به، و لا ينافي ذلك، قوله "إنما أشكو بثي و حزني إلى الله" فإن الشكوى إلى الله، لا تنافي الصبرَن و إنما الذي ينافيه الشكوى إلى المخلوقين. و منها: أنّ الفرج مع الكرب، و أنّ مع العسر يسرا، فإنه لما طال الحزن على يعقوب، و اشتدّ به إلى أنهى ما يكون، ثم حصل الاضطرار لآل يعقوب،و مسّهم الضرّ، أذنَ اللهُ حينئذ بالفرج، فحصل التلاقي، في أشدّ الأوقات إله حاجة و اضطرارا،فتمّ بذلك الأجر، و حصل السرور، و علم من ذلك أنّ اللهَ يبتلي أولياءَه بالشدة و الرخاء، و العسر و اليسر، ليمتحِنَ صبرَهم و شكرَهم،و يزداد-بذلك- إيمانُهم و يقينُهم و عرفانُهم. و منها: جواز أن يُخبر الإنسان بما يجد، و ما هو فيه من مرض، أو فقر و نحوهما، على غير وجه التسخّط، لأنّ إخوة يوسف قالوا:"يا أيها العزيز مسّنا و أهلنا الضر" و لم ينكر عليهم يوسف. و منها: فضيلة التقوى، و أنّ كل خير في الدنيا و الآخرة، فمن آثار التقوى و الصبر، و أن عاقبة أهلهما، أحسن العواقب لقوله" قد منّ اللهُ علينا إنه من يتقِ و يصبر فإن الله لا يضيع أجرَ المحسنين". و منها: لطف الله العظيم بيوسف عليه السلام، حيث نقلَه في تلك الأحوال، و أوصلَ إليه الشدائد و المِحن ليوصلَه بها إلى أعلى الغايات، و رفيه الدرجات. و منها: أنه ينبغي للعبد أن يتملّقَ إلى الله دائما في تثبيتِ إيمان، و يعمل الاسبابَ الموجبة لذلك، و يسألَ الله حسنَ الخاتمة، و تمامَ النعمة لقول يوسف"ربي قد آتيتني من الملك فاطر السماوات و الأرض أنت وليي في الدينا و الآخرة توفّني مسلما و ألحقني بالصالحين". للأمانة العلمية منقول |
بارك الله تعالى فيك واحسن الله اليك جزاك الله عنا وعن الاسلام والمسلمين خير الجزاء |
وفّقت في الإختيار
شكرا لك الأخ حسام |
بارك الله بك الفاضل اخي الحسام
|
بارك الله تعالى فيك واحسن الله اليك جزاك الله عنا وعن الاسلام والمسلمين خير الجزاء |
يعطيڪَ العافيه.. إختيارڪَ موفق جدا.. تسلم الايادي .. بـانتظار جديدڪَ.. |
مميز يا الحسام
سلمت يداك بوركت يا اخي وتحياتي |
بارك الله بك ورضي عنا وعنك
|
جزاك الله خيرا يا الحسام
سلمت الايادي وبانتظار جديدك |
جزاك الله كل خير
مشكور |
الساعة الآن 10:34 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |