![]() |
اللغة المبدعة وجمالية التجريب
اللغة المبدعة وجمالية التجريب •جاسم محمد صالح إن هذا العالم الذي نعيشه ما هو إلا ثمرة مبدعة وناضجة لنشاطاتنا الفكرية , وعلى هذا الأساس المبدئي تكون هناك شرعية واعتراف بان ما نكتبه هو في حقيقته فيض من تلك الثمرة المتألقة التي تجلت في أكثر من مجال وكان من أبرزها الاستخدام المتنوع والمبتكر لهذا الكائن المتدفق والذي أسموه بـ (اللغة) , حتى أوشكت أن تكون جديدة في طرائق تعبيرها واستخدامها , وغير خاف على احد منا بان هذا كله نابع من ارثنا ألتأريخي الذي نعيش فيه ,لكن هذه الفرضية تجعلنا نسير معها مثلما هي تسير معنا حتى وان كنا في أكثر الأحيان غير راضين عما يجري . إنها عملية إرغام مبرمجة في الوصول إلى التعبير واستعمال مفردة جديدة وحينما تضيق بنا السبل نراه يعود في أكثر الأحيان الى حالة من التعبير إرضاء للذات في انه هو الذي يبتكر هذا الجنس من التعبير وهذا النوع من التخاطب وهو عالم تمام العلم انه مسلوب الإرادة وان كل ما كتبه كان في حالة استسلام مسبق للغة التي تمشت في شرايين تعبيره , مثل دم يدفعه القلب دفعا" نحو شرايين متباعدة عبر أنحاء الجسد, لكن ثورة الذات أو ما نسميه بـ(ذاتية التعبير) تحاول دائما" أن تتحين الفرص لإلغاء هذه الهيمنة غير المشروعة للغة التعامل والتعبير. إن أدباءنا القدماء كانوا أكثر اقترابا من المعنى , فلغتهم كانت طواعية وأكثر حياء وخجلا من لغتنا المحدثة هذه ورموزها المعاصرة,لهذا فان كتاباتهم عن مجمل العالم الذي يعيشون فيه كانت أكثر وضوحا" وشفافية وممتلئة بنكهة خاصة في عرض ما يريدون أن يقدموه لنا , ولم تتمكن تلك اللغة منهم أبدا بالقدر الذي هم تمكنوا منها , لهذا فان المفهوم المطروح في وقتنا الحاضر عن لغة التعبير يعمل بديناميكية خاصة بها تحركها وفق ما تريد من دون أن يكون للإنسان دور مباشر في تحريكها بالاتجاه المقصود والذي لم يكن مطروحا", حيث أنها عكست ما يريده الإنسان قصدا مسبقا مبنيا على هندسة فكرية تمتلك صدقا ووضوحا في تحديد الوسيلة والغاية من خلال مدلول أكثر وضوحا" من غيره ولم يصرخ احد لا كاتبا ولا قارئا وأرضت لغة التعبير الجميع وان كانت هنا أو هناك همسات وتقوّلات وفي أعلى المراحل إشارات تدين اللغة , فان كل ذلك كان منصبا على الشكل فقط ولم يجرؤ احد على الاقتراب من المضمون وبقيت لغة التعبير الأدبية متربعة على عرشها السامي حتى أوائل هذا القرن الذي نعيشه, حيث حُوكمت اللغة بأكثر من تهمة , كان من أبرزها إخفاقها في استيعاب الكم الهائل من التطورات التي قذفت بها المسيرة العلمية في مجالات تحليل الذات ومواكبة الأسطورة في تعزيز موقعها الجديد لدى العقل المعاصر... ولم يعد يمتلك (علم فقه اللغة) تلك القدسية التي امتلكها قديما" أمام تساؤلات المحدثين فوضع نفسه في خزانة وانزوى وراح ينظر بصمت الى علماء اللغة وفقهائها من الذين لم يمروا عليه أبدا" من قبل وكيف ينظرون ويقيسون؟ وكيف يحلّون أصعب الأمور وأكثرها تعقيدا ؟ ولسان حالهم يقول : (عليّ أن اخلق نظاما" او يستعبدني نظام شخص آخر) , وأمام هذه الحرية المطلقة التي أباحوها لأنفسهم وجدوا أنفسهم في متاهات لغوية أخرى ولكن من صنع أيديهم وهي (مسألة الاتفاق من حيث المبدأ على المدلول) فدعوا أيضا" الى الترتيب في المعنى والوضوح , واعتبار المنحى التطبيقي الغاية والمراد بين المعنى والمدلول , وهذا العود أرجعوه أيضا" الى ما سموه باللغة التقليدية التي كثيرا" ما رفعوا أصبع الاحتجاج بوجهها تحت ذرائع مختلفة ومبررات لا تستند الى ارض صلبة ,وقد تناسوا بان اللغة والعقل والواقع تشترك جميعها في طبيعة واحدة وهي بذلك تستطيع أن تتشابه في مهمة إظهار الأشياء المدركة بشكل أبهى وأجمل,لهذا فإنهم سعوا الى تقديم صورة ملموسة تثير مشاعر الآخرين إحساسا" وتفكيرا" , لأنهم تيقنوا بان الكلمات التي يستعملونها "إما أن تغير أشياء او أن لها علاقة بالأشياء" , ولم تخل هذه المبتكرة التعبيرية من إيهام وغموض زاد عن حد الرمز الى الغلو في الشكل اللفظي , كما حدث في التكعيبية والسريالية والدادائية , حيث ارتبطت الكلمة بالفضاء وبالغرفة وبواسطة النقل التي نستعملها وصولا" الى معنى مستنبط من وسائل الإدراك الحسي والملموس لواقعنا الخارجي فجأة وجدت لغتنا المعاصرة نفسها في مدار تجريبي تدور فيه بعنف وتستحم بمعانيه بشكل عشوائي , حيث اتفقوا من جديد على "أن معاني الكلمات تعتمد على النظام الذي يحتويها" ... حيث بدؤوا في عملية البحث لمعرفة الصلة الوشيجة بين الكلمة والمعنى ,لان كل الكلمات بدأت تُمارس بشكل أو بآخر هيمنة على الواقع اللفظي والغوي للتعبير وهذه الهيمنة لا يسيطر عليها العالم المرئي بقدر ما تثير علاقة كامنة بين الخيال والمعنى,مع استغلال واضح للإمكانيات العلمية المتاحة للغة الكتابة. إن كلمة (باوند) بان ((الأدب يموت بدون التجريب المستمر)) هي دعوة للحرث المستمرة في ارض اللغة مع إبقاء مفرداتها , ولكن يتحتم تقديم ما هو أكثر خصبا ونماء , و هو ما ولد في الوقت نفسه مواقف لا سابق لها في آليات التحليل لبنية الكلمة من خلال إدراك خيال سمي بـ (الفرضية), وحسب توقعهم الذي هم عليه صارت لغة التجريب مصدرا لتلا قح الإرث الحضاري والثقافي للأمم , لهذا فإنهم اخذوا واقع اللغة مجتمعا" ومنفردا وحاولوا من خلال ذلك حل التناقض الموجود عن طريق المزج بين الأشياء ثم التأكيد على تنافرها وصولا إلى معنى أكثر ابتكارا وجدية, فهناك تصور مسبق وواضح لديهم بان الفن والواقع يمكن أن يتقاطعا ويتناسقا وفي ذاك يكون انبثاق للعمل السحري الفذ للكلمة,لهذا فان البعض منهم أصرّ على أن يقول دائما" ((خليق بنا أن نخترع وان نخلق من الفراغ حولنا , وعلينا أن نفعل هذا باستخدام تراكيب جديدة,علينا أن نجري التجارب على الطريقة الفنية)) , ولكن مع هذا فان عملية الاستحمام في معاني اللغة لن تستمر الى الأبد ولن تمكن اللغة والمعنى من الخروج من هذه المياه الراكدة ,ولكن إلى أين؟ هذا ما لا نعرفه في الوقت الحاضر أبدا , وربما المستقبل سيكون أكثر وضوحا . |
|
يسسسسسسلمو يا الغلا
|
طرحك في منتهي الروعه والفائده في انتظار جديدك ودمت بكل خير |
الساعة الآن 01:10 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |