![]() |
حمورابي.. مشرع كبير /لمحات من وضع المرأة في زمن حمورابي
حمورابي.. مشرع كبير - لمحات من وضع المرأة في زمن حمورابي لقد اجمع علماء التا ريخ والقانون علي أن حمورابي وهو من كبار ملوك العراق القديم من ابرز المشرعين الذين تركوا بصماتهم علي تاريخ التشريع القانوني وأن كانت هذه التشريعات ولا زالت مفخرة كبيرة بالنسبة لما حوته من مبادئ قانونية تتميز بها حضارة بابل آنذاك لنشر العدل والمساواة واقامة دولة تقوم علي أساس قانوني متين، فلقد انصرف هذا الملك (حمورابي) الذي ارتقي عرش بابل سنة (1728 ــ 1686 ق م) والذي امتد حكمه 42 عاما قام خلالها وخاصة في أول سنين حكمه بالإصلاحات الداخلية ورفع المستوي المعاشي للمواطنين وإنشاء المشاريع في كافة أنحاء البلاد، كما أنصرف الي إصلاح وتقوية الأجهزة الإدارية وقضاءه علي الفساد والرشوه ومحاولته ما وسعه الجهد من اجل تقوية الجيش وإعداده إعدادا جيدا مما جعل كل الدول المجاورة تخشي الصدام معه او التحرش به والتحرش بدولته حيث ان الأمور السياسية قد استقرت تماما له لما كان من حسن الإدارة والاهتمام بالأمور العسكرية كما ان ظروفه قد مكنته من القضاء علي خصومه في الدول المجاورة لما يملكه من قوة عسكرية فساد البلد التي يقوم علي أمرها هدوء تام مما دفعه للعمل في جدية وإخلاص لرفع شأنه حتي صارت بابل منارا للحضارة والرقي والملاحظ ان الحضارة والثقافة قد انتقلت من اور وصارت إلي بابل ثم من بعد ذلك إلي نينوي ثم الي أنحاء أخري في العالم كمصر واليونان وبلاد العالم الأخري. وما من أحد يتطلع الآن الي موقع مدينة بابل القديمة فيخطر بباله ان هذه الأرض الموحشة ذات الحر اللافح الممتد علي نهر الفرات كان من قبل موطن حضارة غنية كل الغني وكادت أن تكون هي التي أوجدت علم الفلك والطب وأعدت أول ما أعدت بتعال وفخر أول التشريعات الخلاقة علي وجه البسيطة وتداولت من أبناءها إلي كل العالم أول كتب القانون وعلمت اليونان مبادئ الحساب وعلم الطبيعة والفلسفة. وأذا ما وقف أي إنسان أمام نهري دجلة والفرات الساكنين المنسابين في روعة وهدوء، فإنه يتعذر عليه حقا أن يتصور آو يعتقد انهما النهران اللذان رويا سومر وأكد، وانهما غذيا جنائن بابل المعلقة وبعثا الحياة هنيئة دافئة في الوديان التي كانت هي الحياة والحضارة وهي الثقافة، لقد كانت بابل من حيث تاريخها وأجناس أهلها نتيجة امتزاج الاكديين والسومريين، وكانتا الغلبة في السلالة الجديدة للأصل السامي الاكدي فقد انتهت الحروب التي بينهما بأنتصار أكد وتأسيس مدينة بابل حيث صارت حاضرة الدنيا في ارض الجزيرة ومنار العلم والثقافة فيها... وهنا تطل علي العالم شخصية قوية وأخاذة، هي شخصية الملك العظيم حمورابي والذي تراه كما وصفه المؤرخون شابا يفيض حماسا وعبقرية مع عقل راجح، ففي الحروب كان يقلم أظافر الفتن ويقطع أوصال الأعداء كما انه يسير في شعاب الجبال الوعرة بطلا لم يخسر في حياته واقعة واحدة، فالنصر حليفه ما بقي علي قيد الحياة فهو الذي وحد الدويلات المتحاربة والمتجاورة أبدا والمنتشرة في الوادي الأدني ونشر لواء السلام في ربوعها وأقام فيها الأمن والنظام بما شرعه من قوانين تاريخية سوف تبقي شاهدا علي عبقريته... يعتبر الملك حمورابي من الحكام المعمرين فقد دام حكمه أكثر من 42 عام قضاها في إنجاز مهمات عسكرية وسياسية وأدارية وتنظيمية، وقد نجح في أقامة دولة موحدة شملت بنفوذها مناطق العراق بشكله الحديث ومناطق أخري عديدة خارج العراق الذي يعتبر إنجازا كبيرا في زمان الدويلات الصغيرة، لذلك فقد وجد حمورابي ضرورة إصدار قانون موحد كي تسري أحكامه في جميع أنحاء المملكة الموحدة اذ أن الجانب الرئيسي في قوة الدولة هي وحدة قوانينها وتشريعاتها. كتب حمورابي قانونه باللغة الاكدية علي مسلة من حجر الديوريت الأسود يبلغ ارتفاعها 225 سم وقطرها 60 سم ونقشت في أعلي المسلة صورة تمثل الإله شمش (اله الشمس) وهو متربع علي عرشه ويقف أمامه حمورابي وقفة المتعبد المستسلم الذي يستلم من الإله العصا وحبل القياس، وهما من رموز وشارات السلطة والحكم في حضارة العراق القديم، والراجح كما يذكر المؤرخين ان بسبب صورة الإله شمش تعلو المسلة فإن هذه النسخة هي نسخة مدينة سيار بينما تعد نسخة مدينة بابل التي كانت تحمل صورة الإله مردوخ في عداد المفقودات. كما تأكد من وجود نسخ أخري من المسلة بدلالة قطع من حجارة مسلات أخري تحمل أجزاء من المواد القانونية تم اكتشافها بين بين أنقاض المدن القديمة وبالإضافة الي النسخ الأصلية التي صيغت في زمن حمورابي ووزعت علي المدن الرئيسية في مملكة بابل القديمة فإن بعض الدلائل تشير الي استمرار مفعول هذه القوانين بعد زمن حمورابي لمدة طويلة، فقد استنسخت منها مواد كثيرة لأغراض التعليم والاستفادة منها من قبل المشتغلين بالقوانين والمحاكم. والمسلة بحالتها الأصلية مؤلفة من 44 حقلا من الكتابة المسمارية في ما عدا بعض الأجزاء التالفة تعمدا في اسافل الأعمدة الكتابية ويرجح علي نطاق واسع ان أحد الملوك العيلاميين الذي كان وراء سرقة هذه المسلة من بابل ونقلها الي عاصمته سوسة فهو وراء هذا المسح والتلف بقصد تسجيل أسمه وتخليد ذكره في أسفل المسلة لكن الظاهر أنه قد خاف من اللعنات الشديدة الوارد ذكرها في الخاتمة والتي تقول (أن من تسول له نفسه بطمس معالم هذه المسلة اللعنة من قبل الإله) والظاهر أنه قد عدل عن عمله وأبقي علي بعض من المواد الأخيرة الي حد المادة 282 حيث يرجح أن المواد القانونية الكاملة في المسلة تبلغ حوالي 300 مادة. قانون حمورابي مؤلف من مقدمة يعدد فيها ألقابه والأعمال التي دعته الي إصدار القانون وهي:انتداب الإله مردوخ له ليحكم مدينة بابل وينشر العدل بين الناس، تعقبها المواد القانونية وأخيرا الخاتمة والتي يذكر فيها النتائج المتوقعة من تطبيق هذه القوانين بقوله، هذه هي الأحكام العادلة التي أصدرها الملك العظيم حمورابي لبلاده فأزدهر فيها العدل والحكم الصالح، ويشير حمورابي في الخاتمة علي الأجيال اللاحقة أن تتدبر أحكام قانونه وتسير بموجبه لأنها تكفل لهم العدل والطمأنينة كما يصدر اللعنات الشديدة التي ستنزلها الإله بحق من يعمل علي تحريف نصوص القانون أو أزالتها أو محو أثرها. ومن الجدير بالذكر أن مقدمة مسلة حمورابي تمثل مكانة جيدة جدا في الدراسات اللغوية والأدبية لبلاغة وجزالة ألفاظها، فهي مكتوبة بأسلوب شعري راقي كما أنها تقترب في أسلوبها ولغتها أيضا من التراتيل الدينية، ولقد جاء في المقدمة (ولما عهد أنو الأعلي ملك الأنوناكي وبل رب السماء والأرض، الذي يقرر مصير العالم لما أن عهد حكم بني الأنسان كلهم الي مردوخ ولما أن نطق بأسم بابل الأعلي وأذاع شهرتها في جميع أنحاء العالم وأقاما في وسطه مملكة خالدة أبد الدهر، قواعدها ثابتة ثبات السماء والأرض في ذلك الوقت ناداني أنو و بل، أنا حمورابي الأمير الأعلي عابد الالهه لكي أنشر العدالة في العالم وأقضي علي الأشرار والاثمين وأمنع الأقوياء أن يظلموا الضعفاء،وأنشر النور في الأرض وأرعي مصالح الخلق. (أنا حمورابي.. أنا الذي أختاره بل حاكما، والذي جاء بالخير والوفرة، والذي أتم كل شيء لنبور و دريلو الذي وهب الحياة لمدينة أراك.. والذي أمد سكانها بالماء الكثير... الذي حمل مدينة باسيا... الذي خزن الحب لاوراش العظيم... الذي أعان شعبه في وقت المحنة... وأمن الناس علي أملاكهم في بابل... حاكم الشعب... الخادم الذي تسر أعماله أنونين...) أن هذه الألفاظ لذات نغمة طرية وفيها من حلاوة القول والمنطق والأصالة الجيدة والتي صاغها وشرعها حاكم من العراق قبل ألوف السنين... الثلاع والمعابد لقد بلغ من علو شأن حمورابي أنه قد خلع علي سلطانه خلعة من رضا الآلهة رغم أن قوانينه كانت تنحو الي الدنيا وبعيدة عن الدين، والملاحظ انه قد شيد الكثير من المعابد وكذلك شيد من الكثير من القلاع وأسترض الكهنة حيث أنه أقام لمردوخ ولزوجته الهي البلد القويين لمدينة بابل هيكلا ضخما كما أنشأ لهما مخزنا واسعا يخزن فيه القمح لهذين الإلهين وللكهنة وكانت هاتان الهديتان وأمثالهما في واقع الأمر بمثابة مال يستثمر أبرع استثمار جني منه ربحا وفيرا هو الطاعة الممتزجة بالرهبة التي يقدمها اليه أبناء الشعب كافة وأستخدم ما حصل عليه من ما يستوفيه من ضرائب في تدعيم سلطان القانون والنظام، وأستخدم ما تبقي من هذه الأموال من بعد ذلك في تجميل عاصمة ملكه فإنشأ القصور والهياكل في جميع نواحيها وأقام جسر علي نهر الفرات حتي تمتد المدينة علي الضفتين، وراحت السفن التي لا يقل بحارتها عن 90 رجلا تمخر عباب النهر صاعدة فيه ونازلة، وأضحت بابل قبل ميلاد المسيح بألفي عام أغني البلاد التي شهدها تاريخ العالم آنذاك... وقد وصف هيرودوت مدينة بابل وكان قد زارها بعد قرن ونصف من ذلك الوقت فقال (أن بابل مقامة في سهل فسيح يحيط بها سور طوله 56 ميلا ويبلغ عرضه حدا تستطيع معه عربة تجرها أربع جياد أن تجري في أعلاه ويضم ساحة تقترب من 200 ميل مربع وكان يجري في وسط المدينة الجميلة نهر الفرات ويحفر في شاطئه النخيل والأشجار المثمرة كما تتنقل في المراكب بلا انقطاع ويصل شطري المدينة جسر متين لعبور الناس والدواب)... والرأي الراجح أن هناك موضوعات لم يتطرق إليها القانون وخاصة القضايا العامة التي كانت سائدة آنذاك والشائعة بين القضاة التي لم يستوجب تدوينها أو تثبيتها في المسلة كمواد قانونية، لأن الكثير من قرارات المحاكم والتي كانت علي درجة عالية من المهنية والإتقان تسجل ويحتفظ بها حتي يستعين بها القضاة مستقبلا في قضايا مشابهة أو قريبة منها، فلقد كشفت أعمال التنقيب في مدينة (لجش) عن مجموعة من نصوص قرارت المحاكم يبلغ عددها 250 وثيقة وهي تخص الأحكام الصادرة لموضوعات مختلفة ومتنوعة من القضاء البابلي للرجوع اليها مستقبلا من قبل القضاة... أن النقطة الجوهرية التي جاء بها تشريع حمورابي وقرارات المحاكم الأخري أن ما تمثل القمة في التنظيم الذي بلغه المجتمع العراقي القديم وهو أحد أبرز مقومات الحضارة والمدينة الراقية والثقافة العالية في ذلك الوقت الموغل في القدم، والذي يبعث الرضا أن مسلة حمورابي تمثل بنصوصها أروع الإنجازات في تاريخ الحضارة الإنسانية حيث أن ما جاء من مواد قانونية في المسلة يسبق قانون الإمبراطور الروماني الشهير جستينيان بما يقارب الألفي عام... تحياتي |
|
مشكورة على المعلومات القيمة بوركت جهودك.
|
الساعة الآن 09:22 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |