منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   الطب والطب البديل (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=51)
-   -   بمناسبة اليوم العالمي بدون تدخين (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=7241)

ميارى 1 - 6 - 2010 12:10 AM

بمناسبة اليوم العالمي بدون تدخين
 
الإقلاع عن التدخين بدون قسرية

بقلم الدكتور : طاهر سماق

الإهداء
إلى كل الذين أخذوا على عاتقهِم إزكاءَ حملةِ مكافحةِ التدخين، سواءٌ كانوا مدخنين أم غير مدخنين.
مدخنون وقد وَعَوا أضرارَ هذه العادة، وابتدأوا بأنفسِهم، فكانت حملتهُم أولَ الأمر ذاتية، إلى أن أصبحوا، بعد لأيٍ، من غير المدخنين، فانطلقوا في حملتهِم إلى غيرهِم ممن ابتُلوا بهذا الإدمان، يسردون تجربتَهُم علَّ أن يعتبرَ بها منْ يعتبر، فكانت حملةً أعمُ وأشمل.
لكن، لم تزل هذه الحملة بحاجةٍ إلى من ينفخُ أوارَها كلما خَبَتْ، والذكرى، كما يقالُ، تنفعُ المؤمنين، إذ لا بدَّ من المزيدِ من الوعي الاجتماعي، وعلى مستوياتٍ مختلفة، من منظماتٍ شعبيةٍ ونقاباتٍ وفعالياتٍ ثقافيةٍ. وإن أَولى الجهاتِ المعنيةِ بهذا الجهد وأهمَها، هي المؤسسةُ التربويةُ خاصةً في مرحلة التعليم الأساسي، والتي من أولى أولوياتها منعَ التدخينِ الحاسمِ والحازمِ داخلَها، حفاظاً على النشءِ الجديدِ، مِنَ الاقتداءِ بمربيهِ ومعلميهِ ممّنْ استمرأَ تعاطي هذه العادة أمام تلامذتِه وعلى الملأ.
فإلى أولئك التربويين، أوجهُ رجائي إلى ضرورةِ امتناعِهم عن التدخين أمام طلبتِهِم، فقط من بابِ تحكيمِ الضميرِ والحفاظِ على الأمانةِ التي ائتُمِنوا عليها، جيلُ المستقبلِ، براعمُ حقولِنا المأمولة… أطفالُنا.
الدكتور طاهر 24/1/2006
المقدمة

يكثر الحديث عن التدخين ومضارِّه، باعتباره أحد العوامل المهمة لتلوث البيئة، على الأقل داخل المنازل والمؤسسات الحكومية وغيرها، وباعتباره أحد أهم العوامل التي تسبب خسائر فادحة على مستوى الفرد من حيث الهدر الاقتصادي ومن حيث العجز الجزئي أو الكلي الناجم عن عقابيل هذه العادة، كما على مستوى الدولة في التكاليف الباهظة التي يتكبدها القطاع الصحي، من جرّاء ما يترتب من تدابير لمعالجة المشاكل الصحية التي تخلفها هذه العادة على صحة الفرد. ولكن ربما لم يُدَر الحديثُ عن علاجٍ لهذه المشكلة من خلال البحث عن مسبباتها، وعن الدوافع التي تكمن وراء تَمَثُّلِها واستساغتها كعادة يدمنها المدخن، ولو على حساب الكثير من الضروريات الشخصية أو العائلية.

لذلك تجدني من خلال هذه السطور أحاول أن أنير بعض الجوانب المظلمة لهذا الموضوع، لعل الجهد الذي بذلتُهُ هذا، يسهم في إحياء حملة مناهضة للتدخين، يكون مددها الأساسي من أولئك المدخنين الذين ما فتئوا يبحثون عن الخلاص.
وكنتُ قد بدأتُ بوادرَ هذا العمل أوائلَ 1996، بوضع أطرٍ عامّة لمحتويات هذا الكتيب، وكان الهدفُ الرئيسُ لما أريد الخوضَ فيه هو أن أمد يد العون للكثير من المدخنين الذين جاهدوا مدى سنوات، وكانت لهم العديد من المحاولات للتخلص من هذه العادة، ثم كان الإخفاق ميقاتهم الذي ربما استسلم له البعض، وربما لم يزد البعض إلا إصراراً، وجُلُّهم لا يعلمُ أن إخفاقاتِهِم السابقة، يجب عدمُ اعتبارِها دروساً في استحالة الإقلاع عن التدخين، إنما أن يُنظَرَ إليها على أنها محطاتٍ طبيعيةً في الرحلة التي تسير في نهايتِها إلى أن يصبحوا من غيرِ المدخنين.
كنت اٍستجمعُ الأفكارَ وأضعُها في قوالبَ، ثم أُكيِّسُ هذه القوالبَ، مكرّساً فيها خلاصةَ تجربةٍ شخصية عشتها لأكثر من خمسة عشر عاماً بين براثن ذلك الغول البغيض (التدخين)، كما تابعتُ خلاصةَ تجاربَ أخرى لمدخنين، كلٌ تعامل مع هذه المشكلةَ بطريقته التي لا تخلو من الفائدة والعبرة، إلى أن استكملت ما أعتبره كمّاً مفيداً وصالحاً، فكان هذا الجهد المتواضع الذي آمل أن يلقى ترحيباً عند كل من يراوده حلم الإقلاع.
وأخيراً لا أقول إلا كما قال أبو الفرج الأصفهاني:
(إني رأيت أنه لا يكتب أحدٌ كتاباً في يومه إلا وقال في غده: لوغُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ كذا لكان يستحسن، ولو قُدِّمَ هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العِبَرِ، وهو دليل استيلاء النقص على جملةِ البشر.)

الباب الأول

قصة التدخين … (لهوٌ وهزل)

قيل … أن قصة التدخين، ربما ابتدأ شيوعها عندما دخل فتىً مقهىً في إحدى المدن الأوربية في القرن الخامس عشر، وأخرج لفافة وأشعلها…وما كان ذلك الفتى من المخترعين، بل كان فتىً مغامراً تعتمل في داخله لجج المراهقة وأعاصيرِها، وربما كان جلَّ همه في تلك الأمسية أن يُلفِت الأنظار إلى سلوك جديد، فاندفع يستنبط وسيلة يخرج بها الدخان من أنفه وفمه كمن في جوفه حريق،..ليتحلَّقَ أقرانُه من حولِه يتساءلون ويسألونه أن يجربوا ذلك بأنفسهم ..وكانت تلك هي الشرارة التي أوقدت ذلك الحريق اللعين على مدى القرون الخمسة الماضية .
بدأت إذن قصةُ معاناةِ البشريةِ من أخطبوط التبغ على يدِ فتىً لا يقصد إلا أن يصرخَ الناسُ من حوله بإعجابٍ ودهشة،.. فهل نستطيع أن ننعت كل البشرية (المدخنة) بالشقاء وسطحية التفكير، بالقياس إلى حالة ذلك الفتى ؟
ويخطر لي أننا إذا جردنا هذا الحدث من آثاره الأخلاقية والصحية (أعني حدث اختراع التدخين)، لكان حدثاً بأهمية اختراع أديسون للكهربائيات، أو بأهمية اختراع المحرك البخاري، لأنه ترك أثراً عاماً شاملاً بحجم آثار هذين الاختراعين، أو ربما أكبر، ومع ذلك فلم يسجِلِ التاريخُ اسمَ ذلك المخترع، الذي أضاف إلى التراث الإنساني، ليس إلا أكثرَ صفحاته حلكةً واسوداداً … (صفحة التدخين).

الباب الثاني

التبغ (نبات خبيث وانتشار سرطاني)
الفصل الأول
(نبات التبغ - تاريخ وأرقام)

يرى الزراعيون أن التبغ من أكثر المحاصيل أهمية، حيث لا يوجد محصول آخر تأثر بالنواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعتقدات الدينية، كما تأثر هذا المحصول، فقد كتب بروكس Brooks عام 1937 أن: (التبغ يخدم في حياتنا كوسيلة من وسائل إشباع رغبات المرء الاجتماعية وعاداته، ولهذا السبب فإن نبات التبغ سيبقى خلال المستقبل رديفاً لطريقنا في الحياة).

بدأ تاريخ التبغ عند اكتشاف العالم الجديد عام 1492 حيث شوهد هنود الأوراك في جزيرة سان سلفادور يحرقون أوراق بعض النباتات في أنبوب ويتنشقون الدخان ويخرجونه من أنوفهم.
وقيل في رواية أخرى أن الأسبان عرفوه في جزيرة تاباكو Tabago إحدى جزر الأنتيل حيث عرف باسمها فيما بعد.
يؤكد علماء التاريخ أن عادة التدخين كانت موجودة بين الصينيين والمنغوليين منذ زمن بعيد وقبل اكتشاف أمريكا، فقد أشار بعضهم إلى أن أصل الهنود الحمر في العالم الجديد ربما كانوا من آسيا، حيث هاجروا إلى أمريكا عبر الجسر الأرضي في ألاسكا ثم امتدت هجراتهم جنوباً عبر الأمريكيتين.
وقد اختفى هذا الجسر لاحقاً، خلال العصر الجليدي ليحل محلَّه مضيق بيرينغ Bering strait غير المُعجِز، الذي يفصل بين ألاسكا وأقصى شمال شرق آسيا، والذي ربما تتالت عبره هجرات أخرى في الأحقاب اللاحقة
لم يُشَر إلى التبغ في الكتب السماوية ولا في نقوش قدماء المصريين والكلدانيين، ولا في النقوش السنسكريتية (الهندية القديمة) ولهذا السبب يمكن الاعتقاد أن أصل التبغ ليس آسيا الدانية ولا أفريقيا بل أمريكا (Brooks 1952).
وصل التبغ إلى أوربا عام 1556 من البرازيل، ثم زرع بعد ذلك بأربعين عاماً في البرتغال حيث تلقفه سفير فرنسا آنذاك المدعو (جان نيكوت) ليتقرب به إلى مليكته (ماري دوي موسيس) في باريس، فأُغرمت الملكة باستعماله بصورة دائمة وتبارى العامة في محاكاة الملكة، وانتشرت عادة التدخين بعدها بصورة واسعة، فاستورِدت شحنات أوراق التبغ إلى أوربا تباعاً، وانتشرت زراعته كذلك على نطاق واسع في القرون اللاحقة.
دخل التبغ تركيا عام 1603 وبعدها إلى أقطار آسيا الدنيا.
يزرع التبغ في العالم على نطاق واسع، وأكثر الدول زراعة للتبغ هي الصين(11000) كم2، ثم البرازيل، فالولايات المتحدة. وتبلغ المساحة الإجمالية المزروعة في مختلف القارات حوالي (46000)كم2 من الأراضي الخصبة، وهي مساحة هامة لا يستهان بها (تعادل ربع مساحة سوريا تقريباً) وتكفي لإنتاج 18 مليون طن من القمح سنوياً، أو 100-138 مليون طن من البطاطا، أو 370-550 مليون طن من الشوندر السكري على سبيل المثال.
وللعلم أيضاً فإن مساحة الأرض القابلة للزراعة في العالم كله لا تشكل أكثر من 2,4-2,6 % من مساحة اليابسة (149 مليون كم2)، أي حوالي 3719000 كم2 فقط، تقتطع زراعة التبغ منها حوالي 1.23%.
تؤكد إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن التدخين يسبب وفاة أربعة ملايين شخص كل عام، أي بمعدل وفاة واحدة كل أربع ثوان، وأن واحداً من كل مُدَخِنَين يلقى حتفه بسبب هذه العادة.
ثم، من الأرقام المثيرة للانتباه أن التكلفة المادية للتدخين مدة خمسين عاماً بمعدل علبة سجائر واحدة يومياً تعادل ما قيمته 2 كغ من الذهب أو تزيد فكيف إذا راعينا أن معظم المدخنين يدخنون حتماً أكثر من علبة سجائر يومياً؟! كما أن كل لفافة تبغ يتم تدخينها تتسبب في تقصير عمر المدخن خمس دقائق، بحيث أن مجموع ما ينقص من عمره إحصائياً يقدر بحوالي سبع سنوات، حيث استُنتِجَ ذلك من خلال مقارنة متوسط الأعمار عند المدخنين به عند غير المدخنين.




ميارى 1 - 6 - 2010 12:16 AM

الفصل الثاني
(تصنيف التبغ)


ينتمي التبغ إلى العائلة الباذنجانية Solanaceae وهناك نوعين هامين منه يتبعهما عدة أصناف وهما Nicotiana rustica يتبعه صنف يسمى (حسن كيف)، ونوع Nicotiana tabacum يتبعه عدة أصناف منها:
1- تبوغ الطعم: وهي تبوغ حارة فيها نسبة كبيرة من النيكوتين، منها صنف بلدي يدعى (شك البنت) وصنف تركي يدعى (ترابزون باكستاني).



2- تبوغ نصف شرقية: وهي تبوغ خفيفة رائحتها غير نافذة وتركيز النيكوتين فيها منخفض منها صنفي، Rafinac وLutelia اليوغسلافيين، وصنف Gromov grad البلغاري، وصنف القابولاق اليوناني.


3- تبوغ شرقية: رائحتها نافذة منها صنف بريليب prilip اليوغسلافي المنشأ الذي يشغل معظم المساحات المزروعة في سورية، وهناك صنف صمصون التركي ذو الرائحة القوية جداً.


4- الفرجينيا والبرلي: صنفين مشهورين أمريكيين رائحتهما خفيفة.


5- التنباك: يزرع منه صنفين هما البلدي المسمى لاذقاني والمستورد الإيراني المسمى أصفهاني، ويستخدم التنباك لتدخين النرجيلة.
ولنلاحظ الأسماء المختلفة التي تطلق على بعض الأنواع والتي يمكن أن يكون لها دلالة ما، على الهوية الثقافية لأولئك الناس الذين أطلقوا هذه المسميات: (حسن كيف)، والكيف هنا يعني النشوة والحبور. و(شك البنت)، والشك كلمة عامية تعني الفص أو القلادة. و(صمصون)، أو شمشون، ذلك الجبار الذي اشتُهِرَ بصيحته قبل أن يشرع بهدم المعبد الذي رُبِطَ إلى أعمدته بالسلاسل، عندما قال :"عليَّ وعلى أعدائي يارب" وهو هنا رمز البطش والقوة الرعناء. و(الفرجينيا)، الولاية المنسية في أمريكا، والتي يقطنها رعاة البقر بما لديهم من تراثٍ فوضوي.

الفصل الثالث
(سموم التبغ)


يتألف دخان التبغ من مزيج من الغازات وجزيئات القطران الصغيرة. وكان قد اكتشف حتى عام 1936 حوالي 120 مادة، ثم ارتفع العدد إلى 450 عام 1959، ثم أصبح 950 مادة عام 1968، ثم قفز إلى 3875 مادة عام 1982، و3996 مادة عام 1988، ويزيد الرقم حالياً على 4000 مركب كيميائي. بعضها سام وبعضها مشوه للجنين، وبعضها مسرطن، ويؤثر بعضها بترسبه في الفم والمجاري التنفسية، بينما يمتص البعض الأخر إلى الدوران والأنسجة المختلفة.
وتصنف المركبات ذات الأهمية الطبية في الدخان إلى أربع أصناف:
1- المواد المسرطنة Carcinogenic substances : هنالك ثلاثة وأربعون مادةً مسرطنةً في دخان التبغ يطال تأثيرها غالبية أجهزة الجسم، وينحل معظمها في القطران، ومنها ما له أثر بدئي في إحداث السرطانة Carsinoinitiators مثل مائيات الفحم العطرية عديدة الحلقات Polycyclic Aromatic hydrocarbons وأهمها مادة بنزوبيرين Benzopyrene ، صاحبة أعلى تركيز بين هذه المواد، ومنها ما له أثر محرض على التسرطن بدون أن يكون مسرطناً بحد ذاته Cancer promoters مثل مادة الفينول والحموض الدسمة الحرة والحموض الدسمة المؤسترة.
ويختلف التأثير المسرطن للتدخين تبعاً لنوع التبغ وطريقة احتراقه ولوجود المصفاة (filter).. وإضافة مادة النترات المسرعة للاحتراق، والأخيرتان تخفضان تركيز المواد المسرطنة في الدخان نوعاً ما.



2- المواد المهيجة Irritants : وهي مواد مسؤولة عن حدوث السعال الفوري والتشنج القصبي، اللذين يتلوان استنشاق الدخان عند الأشخاص المعرضين للتدخين لأول مرة، وهي مسؤولة كذلك عن تثبيط الحركة الهدبية وزيادة إفراز المخاط عند المدخنين المزمنين، وأهم مثبطات الحركة الهدبية في الدخان هي مادة الأكرولين Acrolein ، كما أن هناك مواد أخرى تسبب تشنجاً قصبياً وزيادة في إفراز المخاط، وهي ذات ارتباط وثيق بالتهاب القصبات المزمن وتَنَفُّخِ الرئة.


3- النيكوتين Nicotine : المادة الرئيسية التي انصب عليها الاهتمام كأحد أهم مكونات الدخان، وهو مادة سائلة تستخلص من نبات التبغNicotiana tabacum تركيبه pyridyl methyl pyrrolidine، ينحل في الماء لا لون له ولا طعم إذا كان حديثاً، ويصبح أسمر بتأثير الهواء والضوء، طعمه مر حارق وهو شديد السمية حتى أن وضع قطرتين منه على لسان كلب أو في عينه يمكن أن تسبب له الموت آنياً.
يمتص النيكوتين بسرعة عبر الأغشية المخاطية للفم والمعدة والأمعاء والجهاز التنفسي والجلد، وتقدر جرعته المميتة بـحدود 50 ملغ تقريباً، أي ما يعادل محتوى لفافتي تبغ، فيما لو استُخلِصت منهما هذه المادة. أما باستنشاق دخانِهِما فإن معظم النيكوتين الموجود فيهما يحترق، لحُسنِ الحظ، أثناء التدخين، وجزء قليل من الباقي يمتص، وذلك بسبب قصر فترة تماسه مع الأغشية المخاطية.
يؤثر النيكوتين على المستقبلات الكيميائية وعلى المشبك Synapse في الجملة العصبية المركزية وعلى المراكز الذاتية في البصلة السيسائية (مركز التنفس، والمركز المحرك الوعائي، ومركز العصب المبهم Vagus nerveالذي يعصب القلب والمعدة، كما يؤثر على العقد الذاتية، وعلى لب الكظر، فيحث على إفراز الموصلات العصبية مثل الأدرينالين والنور أدرينالين، وهما هرمونان منشطان ومحفزان، ولكن يتبع تأثيراته المنبهة البدئية شوط من التثبيط، لذلك يجوز نعته بأنه مادة مزدوجة التأثير (تؤثر بالتتابع في نظير الودي ثم في الودي)، وبأنه مادة ثنائية الطور (إذ تؤثر منبهة أولاً ثم شالة)، فلقد أدى إعطاء النيكوتين لبعض الأفراد إلى حدوث تغيرات في مخطط كهربائية الدماغ EEG تدل على أثر النيكوتين المنشط، إلا أن أثره المهدئ ثابت في كونه يخفف المنعكس الرضفي، ولذلك يوصف النيكوتين بأنه مادة ثنائية الطور منبهة أولاً ثم مثبطة، وهذه الخاصة تبدو واضحة في التوتر الشرياني والعضلات، حيث أن حقن النيكوتين وريدياً يفضي إلى هبوط توتر شرياني مع بطئ القلب، ثم ينعكس التأثير فيتسرع القلب ويرتفع الضغط، ويعقب هذه التبدلات هبوط توتر مديد وهو التأثير الشال للعقد.
إن إعادة حقن النيكوتين وريدياً لنفس حيوان التجربة لا يسبب حدوث نفس التأثيرات السابقة بل يؤدي مباشرةً إلى منع ومعاكسة مرور السيالة العصبية عبر المشبك داخل العقد الذاتية، ويدوم هذا التأثير الشال للعقد حتى تمام إطراح النيكوتين من الجسم.
تحدث الجرعات الصغيرة من النيكوتين غثياناً وإقياءً وإسهالاً وصداعاً ودواراً وتنبهاً عصبياً يتظاهر بتسرع القلب وفرط التوتر الشرياني والزلة وتسرع التنفس والتعرق والإلعاب واضطرابات نظم القلب.
أما الجرعات الكبيرة فتسبب تهيجاً في قشر الدماغ ينتهي بالاختلاج والسبات وتثبيط التنفس ثم توقف القلب أو الرجفان البطيني.
ويمكن للتسمم الشديد بالنيكوتين أن يسبب الموت خلال دقائق قليلة، ويعتبر النيكوتين عنصراً أساسيأ في تركيب عدة مبيداتٍ حشرية، حيث تصادف حالات الإنسمام الشديد به عند التعرض لأحدها، في حين لا يمكن أن تصادف كنتيجة لتدخين لفائف التبغ، وقد نصدفها بشكلٍ نادرٍ عند مدخني النرجيلة، ويعود ذلك لضآلة الكمية التي يمتصها الجسم منه خلال التدخين، كما أسلفنا.
يساعد النيكوتين أيضاً على زيادة تركيز الحموض الدسمة في الدم، ويزيد من التصاق الصفيحات، مما يؤهب لحدوث التجلط وتصلب الشرايين.



4- أول أكسيد الكربون Carbon monoxide: وهو غاز لا طعم له ولا لون ولا رائحة، ينجم عن الاحتراق الناقص لمائيات الفحم، ويوجد بتركيز مرتفع في دخان التبغ وتؤدي الكميات المستنشقة منه إلى إنقاص قدرة الخضاب على ربط الأوكسجين، وذلك بنسبة 10%، نتيجة تشكلِ مركبٍ ثابتٍ يدعى Carboxy hemoglobin من خلال تفاعلٍ غير عكوس بين الخضاب وهذا الغاز السام. فألفة الخضاب لأول أكسيد الفحم تزيد مائتي مرة عن ألفته للأوكسجين، مما يجعل الأخير أقل كفاءةً بشكلٍ واضحٍ في المنافسة على الارتباط بالخضاب.
يزيد أول أكسيد الفحم من سرعة تشكل الخثرة الدموية، ويسبب حدوث تغيرات في الأوعية الدموية شبيهة بالتغيرات البدئية لتصلب الشرايين، ولا تحدث أعراض التسمم بهذا الغاز إلا إذا زاد تركيزه في الهواء على1%، إذ أن هذا التركيز لا يشبع أكثر من 10% من الخضاب الدموي.
يلاحظ المدخن من خلال التسمم التدريجي بأول أو كسيد الفحم قلة تحمله للجهد، وشعوره بالزَّلَّة (ضيق التنفس) أثناء الجهد، كما يمكن أن يشكو المريض من كثرة التعرق والحمى وضخامة الكبد وزيادة الكريات البيض والتأهب للنزف وبيلة الألبومين وبيلة السكر، ويمكن أن تحصل وذمة دماغية وفرط في التوتر القحفي نتيجة زيادة نفوذية الشعريات الدموية ناقصة الأوكسجين.
ويسبب نقص الأكسجة هذا، تخرباً في البطانة الوعائية مما يحفز زيادة التصاق الصفيحات الدموية ويؤهب بالتالي لتشكل الخثرة.
كما تشترك آلية أخرى في رفع نسبة حدوث الجلطات عند التسمم المزمن بأول أو كسيد الفحم، حيث تزداد لزوجة الدم بسبب فرط إنتاج النقي للكريات الحمر لتعويض النقص الحاصل في الخضاب الفعّال، وفرط اللزوجة هذا عامل مهم آخر يزيد في احتمال تشكل الخثرات.

الفصل الرابع
(الإدمان على التدخين)


يرتبط مفهوم الإدمان على مادة ما، بتحقق ثلاثة شروط فيها:

1-أن يكون لهذه المادة تأثيراً واضحاً ومباشراً ومديداً على الجملة العصبية المركزية سواءٌ كان هذا التأثير شديداً أم خفيفاً.
وهنا يمكن الحديث عن الإدمان على القهوة والشاي كمنبهات خفيفة للجملة العصبية المركزية، كما يمكن الحديث عن الهيروين والأمفيتامين والكوكائين وأدوية كثيرة نفسية من زمرة المطمئنات الكبرى والمخدّرات، كموادَّ ذاتِ تأثيراتٍ قويّةٍ واضحةٍ على الجملة العصبية المركزيّة.
فقد أوضح تقرير الجراحين الأمريكيين لعام 1988 وجود تأثيرات فيزيولوجية فعالة للنيكوتين على الجملة العصبية المركزية، حيث يحرض إفرازاً زائداً للأدرينالين والنورأدرينالين في المشبك العصبي لخلايا الجهاز العصبي المركزي ، بالإضافة لتأثيراته الحالَّة للقلق المتواسطة بعمليات هرمونية عصبية، حيث أسلفنا في ذكر ذلك من خلال الإشارة إلى تأثيره المنشط، الذي يمكن رصده في مخطط كهربائية الدماغ، وإلى تأثيره المهدئ من حيث تخفيفه للمنعكس الرضفي.
2- أن يسبب تعاطي هذه المادة ما يسمى بظاهرة التحمل الدوائي وهي أن تناول هذه المادة ذات التأثيرات الفارماكولوجية لأول مرة يمنح متعاطيها قدراً معيناً من تلك التأثيرات، ومن ثم لابد له في المرات القادمة من تناولها بجرعات أكبر للحصول على نفس القدر من التأثيرات.
وقد أثبت تقرير 1988 أن التناول المديد للنيكوتين يؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة، التي يمكن رصدها هنا مقرونةً بسقفٍ معيَّنٍ ربما لا يستطيع المدخن تجاوزه، وذلك بسبب محدودية قدرة المدخن على استخدام جهازه التنفسي في الإدخال الدوائي لهذه المادة، ومع ذلك فقد شوهدت بعض الحالات التي تجاوز فيها المدخن أيَ سقفٍ متوقع، وربما انتهى إلى تدخين مائة لفافةٍ يومياً ليحصل على نفس القدر من الشعور بالإشباع، الناتج عن تدخينه عشر لفافات بادئ ذي بدء.
3- أن يتسبب التوقف عن تعاطي هذه المادة بظهور ما يسمى بالأعراض الانسحابية، وهذه الأعراض تكون واضحةً وقويةً بحيث تجبر المدمن على العودة إلى تعاطيها فوراً، وإلاّ قد تهدّد حياتَهُ لشدّتها وتأزُّمها، كما يحدث في حالات إدمان المخدِّرات مثلاً.
والنيكوتين يسبب اعتماداً فيزيائياً، يتبدى بظهور العديد من الأعراض الانسحابية عند الانقطاع عن التدخين، منها الشعور بالضّيق والحنق والتململ، وربما تطورت عند بعض المقلعين إلى حالات من الغضب والعنف وفقدان السيطرة وزيغ البصر.
ولنلاحظ التطور التاريخي للدراسات المتعلقة بموضوع الإدمان على التدخين عبر بضعة عقود.

فقد أشار تقريرِ الجراحين العامِّين في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1964، أولَ الأمر، إلى أن استخدام التبغِ إن هو إلا نوع من الاعتياد، حيث يشدد هذا التقرير على أهمية العيوب الشخصية والاضطرابات النفسية كعامل من عوامل الإجبار والقسرية في مسألة اعتياد التدخين.
ولكن بعد خمسة عشْر عاماً، استنتجَ تقرير 1979 أن التّدخينِ هو تعلق ملحٌّ بعنصر جوهرِي.
أما تقرير 1988 فقَدْ دعا إِلى مراجعةِ شاملةِ لتدخينِ التّبغِ باعتبارِهِ إدماناً وليس اعتياداً.
واستنتج التقرير الأخير (1988) أن:
1- لفائف التبغ والأشكال الأخرى منه تسبب الإدمان.
2- النيكوتين هو العنصر المسَبّب للإدمان في التّبغ.
3- إن الآلية التي يحدث فيها الإدمان على التدخين مشابهة تماماً لتلك التي تسبب الإدمان على المخدرات كالهيروين أو الكوكائين.
وقد أوضح هذا التقرير أن التدخين يجمع كل معايير الإدمان. فيتم الاستمرار بالتدخين رغم الرغبة بإيقافه في العديد من الحالات، ورغم وضوح الأذى اللاحق بالمدخن، كما أن هناك تأثيرات نفسية فعالة للنيكوتين على الجملة العصبية المركزية، حيث أن كل أشكال التبغ المنتشرة لها مظهر مشترك، وهو الامتصاص السريع للنيكوتين إلى التيار الدموي، ومن ثم التحرر المتتالي له إلى الجملة العصبية المركزية، حيث يمتص من قبل الدماغ الذي يحوي مستقبلات خاصة لهذه المادة، ذات التأثيرات المنشطة وربما المهدئة، أو التأثيرات الحالَّة للقلق المتواسطة بعمليات هرمونية عصبية. بالإضافة إلى أن التناول المديد للنيكوتين يؤدي إلى حدوث ظاهرة التحمل، والنزوع إلى زيادة كميات النيكوتين المطلوبة التي يفترض أنها تعطي نفس القدر من التأثيرات المرغوبة.
وهذه التأثيرات مثبتة عند حيوانات التجربة الموضوعة قيد دراسة عمياء فيما إذا حقنت محلولاً ملحياً غفلاً أو محلول النيكوتين.
وأوردت الدراسات أن أكثر العقارات الشائعة المسببة للإدمان (الهيروين)، يمكن الإقلاع عنه بقليل من الجهد، كما حصل مع الجنود الأمريكيين في فيتنام، حيث أقلعوا عن الهيروين بعد عودتهم إلى الولايات المتحدة. في حين يُقرَن ذلك مع الإدمان على النيكوتين، وهو شديد القسرية بحيث يستمر المرء مدمناً رغم كل المخاطر والأضرار المترتبة على ذلك، فإدمان النيكوتين أقوى من إدمان الهيروئين بعشرة أضعاف. وأشد ما يلاحَظُ ذلك عند المرضى المقلوبين أو المصابين باعتلالات الرئة، أو غيرها من الأمراض الخطيرة، والذين لا يلبثوا أن يتعافَوا من إحدى هجماتها الحادة حتى يعاودوا التدخين.
وعودةً إلى تقرير 1979 الذي تعقب دوافع وموانع التدخين، كما تعقب دوافع وموانع الإقلاع عنه في الاتجاه الآخر، حيث تحدث عن تنوع دوافع اكتساب هذه العادة بتبدل المرحلة العمرية، وأكد أيضاً أن هناك عواملَ متعددةٌ تَتفاعلُ بشكل تراكمي، مكرسةً عادة التدخين.
كما ذكر التقرير أيضاً أن اتخاذ قرار الإقلاع عن التدخين ومن ثم المثابرة على هذا الإقلاع كسلوك إنما هو فعلٌ معقّدٌ إلى حدٍ كبير، نظراً للعملياتِ الكيمياوية الحيويةِ والفيزيولوجيةِ المتعدّدةِ التي تتداخل في هذا الفعل، إضافةً إلى تأثير العوامل الأخرى في مثل هذا الفعل، كخصائص شخصيةِ المدخن، وقصته في التعاطي المتكرر للتبغ، بالإضافة للموروث الثقافي والاجتماعي والديني من حيث أثره في تعقيد هذا الفعل أو تبسيطه، وانعكاس ذلك في توسيع أو تقليص انتشار هذه العادة في المجتمعات المختلفة.
هذا وقد قدمت لنا هذه الدراسات أبواباً وآفاقَ جديدة للبحث عن طرائق مساعدة للإقلاع عن التدخين، مثل لصاقات النيكوتين وبانة النيكوتين وإرذاذ النيكوتين الأنفي. حيث تزيد فرص النجاح في الإقلاع عن التدخين مرتين إلى ثلاث مراتٍ عند استخدام هذه الوسائل. فتزيد قدرة المدخن في التغلب على صعوبات الإقلاع في الأسابيع الأربعة الأولى (مرحلة الفطام)، والتي غالباً ما تحصل فيها حالات الانتكاس.
وعند اعتماد هذه الطرق التعويضية، يجب استخدام بالشكل الأمثل، حيث أن إدخال كميات كافية من النيكوتين إلى البدن، يزيد في نجاعة هذه الطرق، ويقلل من ظهور الأعراض الانسحابية.
ويقول البروفيسور غاي سيزرلاند أن تناول خمس عشرة قطعة من بانة النيكوتين يومياً لا يشكل أي خطرٍ، بل على العكس، فإن هذه الكمية لا توفر سوى ثلث معدل النيكوتين الذي يدخل الجسم عند تدخينِ خمسَ عشرةَ لفافةِ تبغٍ في اليوم.




ميارى 1 - 6 - 2010 12:18 AM

الباب الثالث
الإقلاع عن التدخين بين العنف و السهولة
الفصل الأول

(إرادة قوية وإعصار نفسي)

سلوا كلَّ ذي خبرة عن تجارِبه في تركِ التدخين، تجدُ معظمَهم قد غالب النفس في صراعٍ مضنٍ وعسير استنفذ كلَّ قواه الفكريةَ والروحانيةَ، وعدَّ الأيام والسَّاعات التي حَرَمَ نفسَهُ فيها أعزَّ ما لديه في هذا الوجود، ثم لا يلبثُ إلا أن يتحرَّرَ من قيود إرادته (الجبّارة العنيفة) التي كتمت على أنفاسه طوال تلك الأيامَ التي أحصاها بالثواني، فينفلت مخلِّفاً وراءه قيودَ إرادته الظالمة الممتلئة قسوةً عائداً إلى قُرَّةِ عينه وأعزِّ ما لديه، لفافةِ تبغِهِ الحنونة، ربما حدث ذلك أنصاف الليالي، فتجده مغادراً فراشه بعد التقلب فيه ليبحث عن دكّانٍ مازال مفتوحاً فيطلب منه علبة سجائر، فإن لم يجد فإنه يغتنم فرصة لقائه بأي شخص يحتمل أن يكون لديه علبةً ليطلب منه لفافة، فأي قوىً سحريةٍ تملك لفافة التبغ، وأي إرادة متهالكةٍ باليةٍ، تلك الإرادة التي ما فعلت شيئاً سوى أنها حاصرت وضربت على خُنَّاقِ صاحبها فترة من الزمن، لو سألته عن انطباعه عنها لقال: (كابوس وزال).
حدَّثني أحد أصدقائي أيام أزمة انقطاع التبغ منتصف الثمانينات، وكان طالباً في معسكر التدريب الجامعي عندما دفعه شعوره الجارف بحاجته للتدخين إلى طلب لفافة تبغ من أحد زملائه في الخيمة، فقال له : أعوذ بالله ، والله لو أن أبي طلب مني لفافةً في هذه الظروف لرفضّت أن أفرِّط بها . . .، وكانت مهانة، فخرج قاصداً صديقاً عزيزاً في خيمة أخرى، لكن رفضه كان أكثر (استبسالا)، وكانت حاجة صاحبي أكثر إلحاحاً فترجى وتوسّل، ولكن الرفضَ كان أقوى، إلا أنه اقترح عليه، كنوع من المساعدة، أن يذهب إلى باب المعسكر فربما وجد هناك بائعاً للسجائر ينهي له معاناته.
كان الوقتُ حينها وقتَ الظهيرة وكان الجو مرمضاً والساحةُ مسفلتة، ويفصله عن باب المعسكر حوالي 1.5 كم فقرر أن يمشيها، بالرغم من اعترافه أنه لو بُلِّغ يومها بأن حدثاً جللاً قد حدث لأحد أبويه لما غامر بالذَّهاب إلى باب المعسكر تلك الظهيرة.
وصل هناك والحمى تلفح رأسه فلم يجد إلا الحرس، فسأله لفافة تبغ فرفض، فتوسل إليه وشرح له ظرفه، فأشعل الحارس واحدةً بكل عطفٍ وحنوٍ ومدَّها له برفقٍ، قائلاً : خذ سحبة أو سحبتين.
خذ سحبة أو سحبتين . . . . . ؟!؟

أي عبودية لكائنٍ مستضعفٍ تافهٍ هو لفافة التبغ !؟

رفض صاحبي هذا العرض، وقفل عائداً إلى خيمته معَّنفاً نفسه طول الطريق . . سحقاً لهذه الكرامة وهذا الإباء اللذين ضاعا مقابل لفافة تبغ . .

ترك التدخين . . . نعم، تركه، ولأكثرِ من خمس سنوات، لكنه وبكل أسف ... عاد وانتكس بعد طول معافاة.
لكن ما يلفت الانتباه في هذه السيرة هو أن عاملاً واحداً فقط فعل كلَّ هذا الفعل الذي استمر أثره عدةَ سنوات، ألا وهو عامل المهانة والتوسُّل وفقدان الكرامة … وكان حريّاً بصاحبنا أن يبحث عن عوامل أخرى تردف وتدعم وتساعد في استمرار الأثر الإيجابي لذلك العامل، ولا يتركه مجرد ردِّ فعلٍ قابل للزوال بالتقادم.



الفصل الثاني
(مناورات نفسية)

أيةُ دوافعَ لا شعوريةٍ تلك التي تجعل المدخنَ ينتسلُ لفافة تبغ من علبته، ويلتثمها بين شَفاه ثم يشعلها، مخلفاً سحابةً من دخانٍ حول رأسه . . . ؟
ربما يحسب نفسه من خلال ارتشافه (السحبة) أنه يستجمع كل هموم حياته دفعة واحدة ثم ينفثها مالئاً بها عباب الغرفة، منهياً قسطاً كبيراً من معاناته.
أية معاناة . . ؟ إنها معاناة واهية جداً . . . و ليجرب أحدكم أن يرصدَ ظرفَه الذي أحوجَهُ لإشعال لفافة تبغ . . فيجده موقفٌ يشعر فيه المرءُ بالإرباك أو بالفراغ الذهني، أو بالحرج أو حتى البهجةِ أو الحزن، وهي أكثر المواقف التي تفجِّر شوق المدخن للفافة التبغ، ومع ذلك فإنك تجد من المدخنين من حاول وضع حاجز بينه وبين اللفافة فأصبح يغِّير مكان العلبة، أو يبعدها عن متناول يده حتى يكون إشعاله لفافةً تحت رقابة الشعور، فيتمكن من خلال شعوره ويقظته أن يقلل ما أمكن من عدد السجائر التي يدخنها يومياً، ولكن للأسف . . . سرعانَ ما يعتادُ المكانَ الجديد للعلبةِ ويستزيدُ من التدخين معوضاً ما فاته فيما سلف.
تلك وسيلة للهروب من اللفافة، قد تنفع بعض الوقت، لكنها مع ذلك وسيلة بدائية سطحية، لم يتعمق من اتبعها من تفهّم الدوافع الحقيقية لانتسال لفافة تبغ، وهنا نحاول الدخول للمساعدة في تطوير إرادة سهلة وإقلاع سلس عن التدخين، بعيداً عن الأعاصير النفسية والحروب الطاحنة بين العقلانية والشهوانية، وذلك من خلال إعادة ترتيب القيم والمفاهيم العميقة اللاشعورية المترسخة حول التدخين.
وهذا، في الواقع، يحتاج إلى تعاونٍ مع مستوياتٍ ثقافيةٍ متفهِّمةٍ واعيةٍ قد نصل معها إلى حلولٍ لهذه المشكلة، خصوصاً إذا كانت تلك خطوةٌ أولى قد تحث بعض المتخصصين إلى بحث علمي منهجي وفعَّال في الطب النفسي، ربما نحصد من نتائجه أكثر بكثير من أي بحوث فيزيولوجية أو فارماكولوجية عن اعتياد التدخين وعناصر التبغ من نيكوتين وقطران وغيره.
لماذا نهرب إلى لفافة . . ؟ !
إنها حاجة مرتبطة، كما أسلفنا، بموقف من نوع معين، يثير لدى المدخن شعوراً بالفراغ أو عدم الاطمئنان أو الحرج أو عدم القدرة على التكيف، كأن يكون جالساً في مكان عام على مقعده وحيداً، فينتسل لفافة ويشعلها ليخفف أو يطرد أوهاماً خرقاء بالإرباك والمراقبة والفراغ، ومن قبيل العادة فقط وليس الاعتماد، وفي اعتقادي أنه لو توفر له عودٌ يضربُ به الأرضَ حوله أو يرسمُ به مثلثاتٍ ومربعات، لقضى لديه نفسَ الغرضِ الذي قضته له سيجارتُه.
وهناك كُثُرٌ من غير المدخنين يجربون نفس الموقف ويعالجونه بما تعودوه، كأن يمضغوا لباناً أو يحكُّوا خلف آذانهم أو على أنوفهم.
فثمة، على ما يبدو، ضعف في الثقة بالنفس لدى المدخنين، وربما غير المدخنين، ولكنْ زاد على المدخنين اعتيادهم عادة من أسوأ عادات البشرية . . ربما معتقدين أن الضباب الذي تخلِّفه سجائرهم قد يخفي عن جلسائهم والمحيطين بهم الكثير من علامات الضعف البادية على وجوههم.

ومن النظريات التي روِّج لها في فترة سابقة، والتي لا أرجِّحها كثيراً، أن لدى الإنسان مهما بلغ من العمر ، دافعٌ غريزيٌّ لعملية المصِّ، دفعه لحظةَ ولادته لالتقاف ثدي أمه، وأنه بعد الفطام يبقى هذا الدافع فعّالاً في اللاشعور، مما يرسخ لدى بعض الأطفال عادة مص الإصبع ، التي تؤدي لديهم إلى تشوهات في الفك والأسنان، وأن ذات الدافع يعتمل في اللاشعور في فترة المراهقة المتخبطة، فينبثق سلوكاً مقنَّعاً يستبدِل فيه المرءُ ثدي أمِّه باللفافة ، فإن كان كل ذلك صحيحاً، فلماذا نغضب من أطفالنا إذا ما قاوموا الفطام عن الحلمة الصناعية مثلاً.
هناك مسألة أخرى بعيدة في محتواها، فقلما، بل ويندر جداً، أن يتشوق المدخن للفافة تبغ بعد جرعة ماء . . فلماذا ؟ !
أعتقد أن جذوة الشعور بالعطش للماء عند المدخن كثيراً ما يشتبه أمرها على دماغه فيفسرها على أنها تعطش للتدخين، ومن هنا فقد أصبحت لفافة التبغ بديلاً عن جرعة ماءٍ عند كل المدخنين عامَّةً، وعلى الأرجح. فنرى المدخن عندما يخالجه شعور بالعطش يلجأُ إلى لفافة تبغ، وربما لو وعى هذه الحقيقةَ لاستطاع أن يخفف تدخين معظم سجائر يومه بلا شك، شرط أن يكون قد وعى قبل ذلك لاشعوره إلى حدٍ ما، واستطاع أن يتخطى مواقفه التي تشعره بعدم الثقة دون أن يترك لعادة التدخين مجالاً للتدخل في حل هذه المسألة، . . عند ذلك يكون هذا المدخن قد قطع شوطاً بعيداً في التغلب على عادة التدخين.

الفصل الثالث
(أساليب سلوكية)
(لإخماد جذوة التعطش للتدخين)


من المهم جداً أن يؤسس الإنسان، ويقوي الأُسسَ، ثم يبني عليها إقلاعَهُ عن التدخين. لأن في ذلك ضمانٌ لعدم العودة إلى هذه العادة، التي وصفها أحدهم بأنها عادةٌ شيطانيةٌ بحتة، فقد كانت تضطرّه إلى ترك صلاة الجمعة مراتٍ عديدة، لأنه تعود ارتشاف كأس شاي وتدخين لفافة تبغ، تماماً، في ذلك الوقت الذي يدعى فيه الناس إلى الصلاة، فكان ينصاع إلى شهوة النفس الجارفة، إلى أن وعى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما استقبل صحابته العائدين من الجهاد يخبرهم فيقول: (رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، فقالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله ؟ قال: مجاهدةُ العبدِ هواه)، وقوله كذلك: (أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسَه وهواه).
عندها، أقلع صاحبنا عن التدخين، مقتنعاً أنه إن لم يكن لديه القدرة على مجاهدة نفسه، فحريٌّ به أن لا يسلك أي دربٍ من دروب الجهاد مهما كان سهلاً.
ومن هنا فعلى المرء أن يبحث عن دوافع من شتى الأنواع، أخلاقيةٍ وثقافيةٍ ودينية، لكن على أن تكون دوافع لا تتخامد مع الزمن.
وفي مقالتنا هذه الكثير من الدوافع، التي لو استذكرها الإنسان لوجدها دائماً بذات القوة والاستمرارية، فمثلاً:
1- مبدأ جهاد النفس، الذي ذُكِرَ آنفاً، كمبدأ ديني مهم، له أعظم الأثر في تحفيز استمرارية الإقلاع عن التدخين.
2- مبدأ عدم التدخين في الأماكن المغلقة، وخاصة في المنزل، ومقارنة ذلك بالامتناع التلقائي عن التدخين في المساجد، والذي يحفزه إحساس دفين بأن التدخين من الرذائل التي يجب أن لا يأتيها المرء في الأماكن الطاهرة، وحرمة المنزل كحرمة المسجد .. على حد اعتقادي.
3- مبدأ أن التدخين يدل على مستوى فكري وثقافي معين، وأن من أحد علامات الرقيِّ في المجتمعات، انخفاض نسبة المدخنين فيها، فأكثر الفئات التي تستشري فيها هذه العادة تختص بمستوىً ثقافيٍّ وتعليميٍّ متدنٍّ.
4- مبدأ الغيرة الشديدة على أولادنا، من أن لا يقعوا في براثن هذه العادة الشريرة، وكلنا يعلم مدى الألمِ الذي ينتاب أحدَنا عندما يعلم أن ولده اليافع قد بدأ التدخين، وهو لا يملك أية وسيلة لردعه أو منعه أو حتى محاججته، فكيف ذاك، وهو المدخن يحلِّل لنفسه ما يحرِّمُ على غيره، فينطبق عليه قولُ الشاعر:
لا تنهَ عن خلقٍ وتأتي مثلَهُ عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ
5- استخدام ما تيسر من القناعات والطرائق السلوكية لتهدئة النفس وتخفيف معاناة الإقلاع، فمثلاً شربة ماء قد تغنيك عن إشعال لفافة تبغ، كما أن استمرارية تلقينَ النفسِ بأن حمل لفافة التبغ شيء مخجلٌ ومسببٌ للحرج في الكثير من الأماكن، قد يعين على قلبِ المفهوم السائد عن ارتباط التدخين بالرجولة. فإذا استطاع المرء أن يرسخ هذا الشعور لديه فإنه سيسقط من حسابه أكثر من 80% من لفافاته المدَخنة يومياً، وسيصبح تدخينه عادة شخصية يلجأُ إليها فقط عندما يكون مبتعداً عن مجتمعه.
وأودُّ في هذا السياقِ أن أطرحَ تساؤلاً لو أمكنَ للمدخنِ أن يتقبَّلَه بقناعةٍ ويقين، لكان ذلكَ خطوةٌ كبيرةٌ جداً في اتجاه الإقلاع عن التدخين.
ترى ما مقدار الطهارة التي نأمل أن نجدها في علبة التبغ؟! ذلك إذا اعتبرنا أن مقياس الطهارة هو مقدار ما يحمله الشيء من فائدة لمستعمله. وعلى العكس فإن مقدار الضرر الذي يحمله الشيء نفسه، إنما يجعله من خلال نفس المقياس، بعيداً عن الطُهر. والتبغ بكل تأكيد يحمل مقداراً هائلاً من الضرر لمستعملِهِ، مما يجعله مصنفاً في خانة الأشياءِ التي يُشكُّ في طهارتها.
ثم إن منفضةَ السجائرِ الممتلئةِ أعقاباً أمامكَ على طاولةٍ في حديقة منزلِكَ، أشدُ تنفيراً، بكلِ تأكيدٍ، من مخلفاتِ الحيواناتِ بالقرب منكَ وأنتَ جالسٌ على مرجٍ أخضرَ في نزهةٍ ربيعية. أم أن لك رأيٌ آخر عزيزي المدخن ؟.
كما يخطر ببالي، على سبيل التهكم لا الجِّد، أنه لو أمكن للسادة الصيادلة أو منتجي الأدوية أن يطوروا طرق إدخال دوائي أخرى لحاصلات إحتراق التبغ، غير التدخين، كأن تسوق هذه المواد على شكل مضغوطات، بدلاً من علب السجائر، بحيث أن المدمن يستطيع الحصول على حاجته بابتياع علبة دواء من الصيدلية، يتناول مضغوطاتها بلعاً، فلا يسبب أذى للآخرين من حوله، من جهة، وينفي عن نفسه صفة المدخن، من جهة أخرى، فيصبح اسمه (بَلَّاع المضغوطات).
وتخيلوا معي أن دواءً ما يوصف لمريض بجرعة 20-30 مضغوطة يومياً. والأسوأ من ذلك، على ما أعتقد، لو كان هذا المستحضر الدوائي، مصنوعاً بشكل تحاميل.
ثم إذا حاولنا أن نرد التدخين إلى أصله، فهل كان ذلك الشاب الذي أخرج من منخريه عمودين من الدخان، أكثرَ من أضحوكةٍ ومحطَ سخريةٍ لكل ذي بصيرة واتزان، إلا المتخبطين قلقاً ومراهقةً وحبَّ ظهور، مَثَلُهُ كَمَثَلِ ماضغِ الزجاجِ الذي ليس من الضروري أن يقلده كل من يراه.
6- إن وضعَ خطةٍ تحسبُ من خلالها كيفية تجاوز الأوقات الصعبة، وذلك بملاحظة وتسجيل أكثر الأوقات تهافتاً على التدخين، يساعد في التعرف على فترات الضعف، بحيث يكون المرء متأهباً لها على الأقل، ومن ثم يختارُ وقتاً أو موعداً للإقلاع كأن يكونَ مناسبةً كبيرةً، فيجعلَها حداً فاصلاً بين حياته كمدخن وكغير مدخن.
7- استنباط طرقٍ ومشاغلَ ونشاطاتٍ تشغَلُنا عن التدخين، وليبحثُ كل واحدٍ منا عن هوايته التي كاد أن يلُفَها النسيان، فيمسحَ عنها غبارَ الزمنِ ويصقُلها ويلمعها، فكم من المهارات تفتَّقتْ متأخرةً، فالأم موزيس فنانةٌ مشهورة، بدأت الرسم في سن الثامنة والستين.
8- تجنّبُ المناسبات الاجتماعية التي يتواجد فيها مدخنون، ومخالطة غير المدخنين، والإعلانُ أمام الجميع قرارَ الإقلاع، ولكن ليس بشكلٍ تعسفي ارتجالي، إنما بشكل ناضجٍ ومدروسٍ ومخططٍ له.
9- الاستمتاعُ بالوضع الجديد المتغير للحياة، والبدء بالنشاطاتِ الرياضيةِ التي لم يكن من الممكن أن يزاولَها مدخنٌ، كالمشي في ساعات الصباح الباكر، أو إجراء بعض التمارين.
10- أخيراً عدم الشعور بالإحباط عند الفشل في ترك التدخين، فقلةٌ من ينجحون في ذلك من المحاولة الأولى، حيث ينجح اثنان من كل مئة مدخن في هذه المرة، ولكن ستتضاعف، بكل تأكيد، فرص النجاح بتكرار التجربة.




ميارى 1 - 6 - 2010 12:21 AM

الفصل الرابع
(نظرة المجتمع إلى المدخن)

ليس من قبيل التخمين أو الرجم بالغيب أن نقول أن أكثر فئات المجتمع تعاطياً لعادة التدخين هي الفئات غير المثقفة، فربما تجد نسبة من المدخنين بين طلاب المراحل العليا ممن يغلب أنهم قد بدؤوا التدخين في سن متأخرة، ولكن أقراناً لهم تركوا المدارس وتعلقوا التدخين في سن اليفاعة.
ولا أجد نفسي أكثر تألماً وإحساساً بالغُصَّة مثلما ينتابني إذا شاهدت طفلاً يدخِّن في مثل هذا العمر. ويخطر في ذهني فوراً ذلك المستوى التربوي والمعيشي والثقافي المتدهور الذي غالباً ما يكتنف أسرة ذلك الطفل الشريد،كما أتحسر من أعماقي على هذا الجسد الغض النضير يتلقف سموماً، وأيةُ سموم.
وهذا بكل تأكيد شعور المدخن وغير المدخن ممن يرى مثل هذا الطفل، فإذا كان هذا هو شعورك، عزيزي المدخن، لدى رؤيتك مثل هذا الطفل، فأولى لك أن ترحم نفسك وأطفالك من لؤم هذا القرين اللعين.
هناك ميزة تميز الفئة المثقفة من المدخنين، وهي أنهم أكثر تقبلاً وأسرع استيعاباً لفكرة الإقلاع عن التدخين، مما يجعلهم قدوة تقتدى لغيرهم من العامة، فكلما كسب مناهضو التدخين أناساً يؤيدونهم، كلما زاد ذلك في نبذ عادة التدخين، وكلما زاد ذلك في عزل المدخنين. وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذا العزل والنبذ يساعد الكثير من المدخنين في تجاوز هذه العادة والإقلاع عنها، ولسان حالهم يقول: مادامت هذه العادة تسبب لي كل هذا القدر من الحرج والعزلة، فلماذا أتمسك بها إلى هذا الحد ؟ ففي الدول الغربية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية… هنالك أنظمةٌ وقوانينُ يتعرض لها المدخنون في كل مكان يقصدونَه. وقد تعرضت بموجب مثل هذه القوانين، كبرَيات شركاتِ انتاجِ التبغ، لملاحقاتٍ قضائيةٍ وغراماتٍ وتعويضاتٍ ماليةٍ، للمتضررينَ من مستعملي منتجاتها.
وتجد الكثير ممن قضَوا فترةً في هذه الدول، قد اتخذ قراره بالإقلاع عن التدخين، مستغلاً فترةَ إقامتِهِ في مجتمعٍ حزم أمرَه على محاربة هذه العادة. واستمر هؤلاء المقلعون بالانقطاع عن التدخين، بلا تأسفٍ، مستفيدين من تجربةِ العيشِ في مثل هذه البيئات المناهضة للتدخين.
ويمكن أن يكون لوسائل الإعلام دوراً عظيماً ورائداً في ترسيخ الشعور بالخجل من حمل السجائر عند المدخنين، وهذا ما يمكن أن ينظر إليه على أنه تعاون بين المدخن ومجتمعه للقضاء على هذه العادة المقيتة. (10/2/1996)
وهناك الكثير من البوادر المشجعة والملفتة في الآونة الأخيرة، فكثيراً ما نلمس استجابة سريعة وتلقائية عند الكثير من المدخنين عندما يُطلَبُ إليهم إطفاءَ لفافةِ تبغهم في مكان عام، دون إبدائهم أي تذمرٍ من هذا الطلب، خاصة إذا كان هذا المكان مخبراً أو عيادة أو مشفى، أو حتى في وسائل النقل العامة.
كما أصبح عند المدخنِ شعورٌ دفينٌ بأنه غير مرغوبٍ فيه في معظم الأماكن الاجتماعية ما لم يتخلى عن سيجارته، وهذا ما يزيد دفعاً في نجاح حملةٍ عامةٍ مناهضةٍ للتدخين على مستوى العالم كله.
وهنا يجب أن أُذكِّر بأنه من الضروري أن يفصلَ المدخنُ نفسَه عن لفافةِ تبغِه، وأن لا يعتبرَ شخصَه هدفاً للحملات المناهضة للتدخين، إنما المقصود بهذه الحملات هو حتماً إدمانُ التدخين، وأن المدخنين هم ركنٌ أساسيٌ وفعالٌ في أيةِ حملةٍ مناهضةٍ للتدخين، والتي عادةً ما يكون من أهم مقاصدها تخليص المدخنين من شرٍّ مستحكمٍ وسَقَمٍ متمكِّنٍ .. يسعون هم أنفُسَهُمْ بالدرجة الأولى للتخلص منه، وتأتي الحملات المناهضة لتساعدَهُم وتُقدِمَ لهم دفعاً وفُرصاً جديدة للإقلاع عن التدخين.
أما مبدأ تشكيل جمعياتٍ للمقلعين عن التدخين، وتسجيل أعضاء فيها ومنتسبين جدد، وتنظيم اجتماعات شهرية تعقد مثلاً في المركز الثقافي، يتم فيها تدارس شتى الأفكار لدى مختلف الأعضاء، وإعطاء أوسمة وشهادات إقلاع للمقلعين الجدد، وتشكيل صندوق يساهم فيه المقلعون بمقدار ما كانوا ينفقونه على التدخين فقط، ويُرصد ريعه لإقامة نشاطات سياحية أو فنية أو ترفيهية لأعضاء الجمعية، كل ذلك يساهم في تكريس قناعة شمولية عند أفراد المجتمع بضرورة المشاركة في الحرب ضد (الإرهاب) التدخيني، إن جاز التعبير.
وحرصاً منا على صحة الأجيالِ الناشئة، يجب أن نرفعَ دائماً شعار: (لا مكانَ بيننا للمدمنين على التدخين).
ويجبُ أن نؤسس لافتتاح عياداتٍ خارجية في مشافينا الجامعية، لمعالجة المدمنين على التدخين، ومكافحة ظاهرة الإدمان.
كما أن هناك يوماً مهمّاً يجب أن لا يفوتنا الاحتفاء بقدومه في الحادي والثلاثين من شهر أيار من كل عام، وهو يوم لنا أن نقتنصه كفرصةٍ للتفكير الجّدّي في الإقلاعِ عن التدخين، خاصةً وأن هناك الملايين في العالم يشاركونا هذه الخطوة ذاتَ اليوم. إنه: (اليوم العالمي لمكافحة التدخين) في31 أيار من كل عام.
ولدي أسوةٌ حسنةٌ فيمن يُؤَطِّر تدخينه بأدبيات معينة، وإن لم يتمكن من الإقلاع عنه بشكل نهائي، ذلك الذي لم يدخن تحت سقفٍ وبين أربعةِ جدرانٍ حرصاً على سلامة الآخرين، فكم يكون جميلاً لو بادر الآباء إلى ذلك، خاصة من كان لديهم أطفالاً صغاراً، وكم من الأذى يخَفَّفُ عنهم فيما لو وعى المدخن حقيقة مشاعر الآخرين، وضيقهم وتذمرهم من ضباب لفافته الخبيثة.

الفصل الخامس
(الإسلام والتدخين)

إن الرادع الديني غايةٌ في الأهمية في مجتمعنا. فالكثير منا متمسك بدينه، ويعمل لإرضاء الله ديناً ودنيا، وهؤلاء أنفسِهِم ممن يدمن التدخينَ، يخففون عن أنفسهم عبء الذنب ويحاجّون بقولهم أن نصاً حرفياً لم ينزل في تحريم التدخين، داحضين كلَّ الآيات الكريمة التي تحرم الخبائث، وتنهى عن المنكرات، وتحض على حفظ النفس والأهل والمال. ويعلمون أنه لا يجوز لنا أن نشترط على الله ورسوله أن يَخُصَّا التدخينَ بالتحريم في القرآن أو في السنةِ الشريفة، حتى يكونَ هذا حكمه في الشرع. فقد فتح لنا الصحابة والتابعون أبواباً أخرى في التشريع ومنها الاجتهاد والقياس. وليس كالإسلام دينٌ يحُضُّ على إعمال العقل وتحكيم النظر في تصريف الأمور. فكيف نجحد هذه النعمة، ونحجِّرُ الفكر، ابتغاء مرضاة النفس الأمارةِ بالسوء، ونُعمي أعينَنا عن حقيقة التحريم؟.وكيف نقبل بتحريم المخدرات دون أن يُخَصَّ تحريمُها بنصٍّ، في حينِ نرفُضُ تحريم التبغ؟.وإذا كان المقياس في ذلك هو الذهابُ بالعقل وحسب، فكيف ورد تشريعٌ بتحريمِ لحمِ الخنزيرِ، وهو لا يذهبُ بالعقل؟.
أليس الله بالقائل في محكم تنزيله:
] الذين يتّبعون الرسول النبي الأميَّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلُّ لهم الطيباتِ ويحرِّم عليهم الخبائثَ… [ الأعراف 157
وهل من خباثة كخباثة التدخين ؟…تلازمك دهراً وتقتلك غدراً.
] …ولا تلقوا بأيدِيكُم إلى التهلُكة …[ البقرة 195
وأنت، إن لم يُصِبْكَ أيُ مرضٍ من جراء التدخين، فيكفيك السعال والتقشع اللذان ينتاباك كلَّ صباح، أشدُ من المرض وأعيا من الداء.
] ..ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً • ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً ..[ النساء 29-30
] اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.. [ العنكبوت 45
] إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون [ النحل 90
والنهي بحكم التحريم، أو ربما أشد، وهل التدخين إلا منكراً؟
] قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون [ المائدة 100
] يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر.. [ النور 21
فلو أن شيخاً وقوراً عزيز النفس ما عُرِفَتْ عنه رذيلةٌ قط، ولا يخالجك أي شكٍّ في صدقه ونزاهته، أتاك كل صباح يطلب منك مبلغاً، مهما كان زهيداً، تنفقه في سبيل الله، فتسهم به في سد حاجة محتاجٍ. فأشهِدْ نفسَكَ عزيزي المدخن، وأحصِ لنفسِكَ عددَ الأيامِ التي تحتملُ فيها هذا الشيخ، الذي ربما يطلب منك، وفي سبيل الله، أقلَّ من نصفِ ثمن علبة التبغ التي تبتاعها كل صباح.
فهل استوقفت نفسك لتحاسبها عن مبلغ لا تتردد في دفعه كل يوم (ألا وهو ثمن علبة التبغ) ولكن… في سبيل الشيطان ؟ وهل مثلُ ذلكَ غيرُ اتِّباعٍ لخطوات الشيطان والعياذ بالله ؟
] ..وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين [ الأنعام 119
فهل يرضى أحدنا أن يكون ضالاً، يتبعُ هواه فيكون من المعتدين ؟
] يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين [ البقرة 168
أي مستطاباً في نفسه غير ضارٍّ للأبدان ولا للعقول.
] الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء.. [ البقرة 268
] يا بني آدمَ خذوا زينتكم عند كل مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين [ الأعراف 31
وأيةُ زينةٍ أجملُ من رائحةٍ زكيةٍ عبقة، وأيةُ رائحةٍ أقبحُ من تلك التي تلف المدخنَ وتتغلغلُ في ثيابه وتخرج مع أنفاسه ؟
] وآتِ ذا القربى حقَهُ والمسكينَ وابن السبيل ولا تبذّر تبذيراً • إن المبذِّرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً[ الإسراء 26-27
ومن هو ذلك المؤمن الذي يرضيه أن يكون مبذراً، فيكون أخاً للشيطان، وهل هناك تبذيرٌ أكثر من أن نقتطع من أفواه أولادنا لنسرف في اتباع أهواء النفس ؟
أما في السنة النبوية الشريفة فنقع على الكثير من الدلائل التي تشير إلى تحريم التدخين وما كان على شاكلته، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلمَ عن كل مسكرٍ ومفَتّر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمَ: (يا أيها الناس إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:]يا أيها الرسلُ كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم[ وقال: ]يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم.. [). رواه مسلم والترمذي.
كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلمَ بحفظ النفس عندما قال: (فإن لربك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً ولضيفك عليك حقاً، فآت كلَّ ذي حقٍّ حقّه).
وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلمَ قال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه مالك في الموطأ وابن باجة والدار قطني.
ويفهم من هذا الحديثِ البليغِ على قصره، أن التحريمَ ينالُ التبغَ من سبيلين، أولُهما عندما نهى عن الإضرارِ بالنفْسِ، وثانيهما عندما نهى عن الإضرار بالغير.
ثم إن الله تعالى قال: ] بل الإنسان على نفسه بصيرة • ولو ألقى معاذيره [، والكل يعلم في سرِّه ما ينطوي عليه التدخين من خباثة. فوالله ليغيبنَّ أحدُنا ضميرَه كلما ابتاع علبة تبغ، وهو يعلم أنه يقترف ذنباً والعياذ بالله. ثم إذا أراده المرءُ لنفسه، هوىً وشهوةً، ما أراده لولده، مجنبةً للأذى وبعداً للضرر.
ولو كان التدخين حلالاً لما تجنَّبته بفطرتك في المسجد مهما طال مكوثُك فيه، والبخور في المساجد حلال، فليس للمدخن بعد ذلك أن يعمي بصره وبصيرته عن حرمة التدخين، وليس له أن يحاجَّ بمعاذيرِ (عدم ورود نصٍّ بتحريمه) بغية تحريف الحق واتباع الأهواء، ولله عاقبةُ الأمور.
هذا اجتهادي، وكما يقال: لكل مجتهدٍ نصيب. وفي الحديث الشريف: أن على الحاكم أن يجتهد فإن أخطأ فله أجرٌ، وإن أصابَ فله أجران. والحاكم هنا من استُفتيَ فيما يعلم، وكان حكيماً فملكَ العلمَ واجتهد لإقرار الحقيقة، التي أتمنى، بعون الله، أن أكون قد قاربتها. والله وليُّ التوفيق.
وجديرٌ بالذكر أن عدة جهاتٍ مؤهلةٍ للفتوى قد أفتت بحرمةِ التدخينِ، منها الأزهر الشريفُ، ومجلسُ الإفتاءِ في المملكة العربية السعودية.

ميارى 1 - 6 - 2010 12:23 AM

الباب الرابع
النرجيلة

طهماز . . ذلك الباشا التركي المكتنز شحماً وثراءً قرر أن (يبربق) في لياليه المؤنسة وحوله الحسان والخمائل والجداول. . فكانت النرجيلةُ ميراثنا من الأتراكِ وطاولةُ النردِ ميراثنا من الساسانيين (القاضي البيضاوي في شرح المصابيح قال أن أول من وضع النرد هو سابور بن أرديش ثاني ملوك الساسان)، هذه (تبربق) وتلك (تطرطق)، وأكثرنا يفتخر بهذا الميراث المخزي، ويحافظون على تقاليده بأمانة، فيصيحون (نارة يا ولد) ويقدمونها نَفَسَاً للغير بعد ثني الخرطوم إلى جهة المضيف. . وترى محلاتٍ متخصصةٍ بالنراجيل وترى منها النفائسَ، وترى المقاهي بتقاليدها العارمة تحتفي بالنرجيلة . . لأنها ركن أساسي من أركان المقهى، فليتنا ورثنا من الأتراك بعض المجد واستقينا من الفرس ما يستحق الافتخار.
دَخَلْتُ مرةً إحدى المقاهي. . فوجدت ركناً صغيراً معزولاً بعيداً عن واجهة المقهى كتب عليه (خاص بغير المدخنين).
يبدو أنهم يقدرون لغير المدخنين تذمرهم من الدخان، وهذه بادرةٌ مستحبة. لكنه، حسب اعتقادي، سيأتي يومٌ يصبح فيه ذلك الركنُ الضيقُ المعزولُ (خاصٌ بالمدخنين)، وإنه سيُفسَحُ المجالُ لغير المدخنين باستحواذ واجهة ذلك المقهى لأن الزمن سائرٌ في الانقلاب على تلك العادة المخجلة ؟.
ويجبُ التذكير .. بأن النرجيلة لا تقل ضرراً عن لفافة التبغ، بل هي أشد فتكاً وضراوةً. فعملية إحداثِ الضغط السلبي داخلَ الصدرِ، وبصورة غير اعتيادية، لاستنشاق دخان النرجيلة عبر أنبوبها الطويل، يقود لحدوث اضطراباتٍ في نظمِ القلبِ قد تبدأ بالانقباضات الخارجة، وتنتهي بالرجفان وربما بالانسمام القلبي، وتَوقُّفِ القلب. وربما تسبَّبَ لدى المؤهبين (مرضى العصيدة الشريانية) بحدوث نوبة خناقٍ مفاجِئةٍ أو حتى احتشاءٍ حاد.
وتحضرني، بهذه المناسبة، طرفةٌ قرأتُها في إحدى صفحات الإنترنت:
(لفافة تبغ ثَمِلَةٌ، تُحَدِّث نفسَها مُتحسرةً: آه يازمن، أنا لولا البنات والخمر، كنتُ أصبحتُ نرجيلةً من زمان …)

الباب الخامس
بعدَ مُداخلة ..
جَدَلٌ مع طبيبٍ مُدخن


1- ماذا تتوقع أن يكون معدل انتشار التدخين بين الأطباء في سورية؟

2- هل تجد مشكلة عندما يدخن الطبيب؟

3- إذا لم تكن مدخناً، ما هو الموقف الذي تعتقد أن عليك اتخاذه تجاه المدخنين من زملائك الأطباء؟ وكيف تتواصل معهم حول التدخين؟

4- برأيك، هل يمكن أن يؤثر انتشار التدخين بين الأطباء على موقف العوام من هذا السلوك؟

5- بعد كل الإعلانات المحذرة من مخاطر التدخين و الحملات المناهضة له و الداعية إلى حد انتشاره ، نجد الأطباء و قد انتشرت بينهم هذه العادة .
فهل تتوفع أن يستطيع فرد من العوام التخلص منها ؟؟

الإجابات:

للأسف الشديد .. أتوقع أن يكون معدل المدخنين بين الأطباء في سورية أعلى منه في إحصاءات مجلة BMC Public Health بشكلٍ واضح .. وتدخين الطبيب مشكلة كبيرة جداً .. فأي نصيحة تقبلها من طبيب مدخن حول موضوع التدخين؟؟ صعب!
ألم يقل الشاعر:
لا تنه عن خلُقٍ وتأتي مثلَهُ
عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
والمسألة على كلِّ حال لا تأتي من كونه طبيب أو غير طبيب .. فهو في النهاية مدمن .. (مدمن) .. تنبهوا إلى وقع هذه الكلمة .. ما أكبره .. والإدمان على التدخين هو بحسب الدراسات الأمريكية أقوى من الإدمان على الهيروئين بعشرة أضعاف .. وهذا هو الدافع القسري الذي يغلب مئات العوامل الكابحة .. والمانعة أخلاقياً ومهنياً لعادة التدخين .. والتي ضرب بها الطبيب المدخن عرض الحائط تلبية لحاجتِه الملحة الإدمانية للتدخين
وأعتقد أن على المجتمع عامةً والمجتمع الطبي خاصةً أن ينظر إلى المدخنين بصفتِهم فئة إجتماعية متضررة بحاجة لرعاية خاصة .. طبية وتأهيلية .. أسوةً بالرعاية التي ينالُها مدني المخدرات في الدول الغربية .. وليس في ذلك مبالغة قياساً إلى الآثار الاجتماعية والصحية والاقتصادية الضخمة الناجمة عن التدخين والتي لا مجال للتمحيص فيها في هذه العجالة .. خاصةً إذا ما تذكرنا أن المدنين على التدخين أكثر بمئات الأضعاف من المدمنين على المخدرات
أما الطبيب المدخن .. فبكلِّ تأكيد .. هو في مفارقة غريبة وتناقض رهيب بين أخلاقيات مهنتِه وبين إدمانِه .. وأجد من المخجل حد العار أن يدخلَ المرء عيادة طبيب أو مختبر طبي أو مشفى ,, ويتنشق فيها رائحة الدخان .. فكيف إذا كان الطبيب ذاتَه هو من يفتعلْ ذلك الأثر؟؟
أما زملائي المدخنين .. فأتواصل معهم بشجب هذه العادة وبتذكيرِهم أنها إنما هي منتشرة لدى الفئات الإجتماعية الأكثر تخلفاً والأقل ثقافة .. وأنها عادةٌ مذرية ومشينة وآن لنا كأطباء أن نعترف بذلك ويكفينا أن نفعل كالنعامة نطمر رؤوسنا في الرمل ونصم آذاننا عن الحقيقة .. وكلُّ من ناقشتُهم أقرُّوا بالحقيقة .. ولكن ضرباً يداً بيد .. أن لا حيلة لديهم ..
بالفعل لأنهم مدمنون
لي أحد الزملاء ممن يدخنون بكثافة .. وكنتُ زرتُه في عيادتِه أكثر من مرة .. ونددتُ بالجوِّ الخانق الذي يكتنف عيادَتَه .. وكنت أسألُه بما يواجه مريضَهُ عندما يضطر إلى نصحِه بالتوقف عن التدخين؟؟
فكان يقول: أنصحُهُ بجرأة وبلا تردد .. وحتى وأنا أحملُ سيجارتي بين إصبعَي .. كيف ذلك؟؟ أقول له أنت مريض والمريض قد يضطر للحمية عن الملح أو السكر أو البروتين .. فهل إذا طلبتُ منك الإمتناع عن تناول البروتين .. ستحاججني بعدم امتناعي عنه ؟؟
طبعاً حجةٌ أقبح من ذنب .. والله يشافينا

مداخلة طبيب مدخن

حَسناً، أولاً إنني أتفهم أن غير المدخنين شاركَوا في مثل هذا المُناقشةِ رغم أنها تُعتَبرُ مسألة محرجة وقضيةَ شخصيةَ.
أما بالنسبة لسؤالِك بخصوص الطبيب المدخن وموقف مريضِهِ من ذلك، فأنا مدخن ولا أجد أي تناقض بين كوني طبيب ومدخن، ثم إنَّ مريضي لن يعير اهتماماً لكوني مدخناً أو غير مدخن.
أما عن نسبة المدخنين في مجتمعنا .. فأقر لك أنها تفوق 60%. فنحن في قسم الداخلية عشرون مقيم .. ستة عشر منهم مدخنون مداومون.. والبقيةَ يَتفاوتونَ مِنْ الشخص الذي يَأْخذ سيجارة من وَقتٍ لآخَرَ إلى الشخص الذي يَكْرهُ التدخين بالكامل .. إلى الشخص الذي يستعمل النرجيلة من وَقتٍ لآخَرَ

ثم لماذا يخسر الطبيب المدخن مصداقيته؟ طالما أُنه يدخّنُ خارج المشفى .. أو خارج عيادته؟؟
فطالما أنهُ يمارس ذلك خارج عيادته .. عندها، ليس من حقِّ أحدٍ أن يتدخلَّ في أمورِهِ الشخصية ..

ثم إنني أَجِدُ من المُهين حقَّاً أن يُحكَمَ على المدخنين بأنهم أناسَ معَطَّلوا العقولِ "ذلك ما رمت إليه أغلب الردود هنا"، ويُقلقُني جداً عندما أَرى الناسَ يَتحدّثونَ عن المدخّنِ بهذه الطريقة.

فأنا عندما كنتُ في عُمرِ المراهقة كان أبي يدخّن بإسراف وكنتُ أكَره سجائرَه حتى أكثرَ مِنْ الشيطانِ، لَكنِّي لم أَنظر إليه بازدراءِ .. ولم أحكم عليه أنهُ "مدمن"، فهي حياتُه الشخصية.

عندما يَبْدأ الناس بمناقشتي حول التدخين، أول شيء أقولُهُ، وأفحِمهم به عادة هو أنَّها أعضائي .. رئتاي، مريئي، دماغي، مثانتي وهي ليست شأنكم بالدرجة الأولى، وعاداتي هي عاداتَي، لا يحقُّ لأحدٍ التدخلَ فيها …

شخص ما سَيَجيءُ ويَقُولُ بأنّك تَؤذي الناسَ حولك بالتدخين. حَسناً، أَنا آسف لأنّ سيجارتُي تُلوّثُ البيئة النظيفة 100 % ، .. السيارات المليون في الخارج والتي تضخ في أنفِكِ مليون مِنْ الملوثات، تنساها وتأتي لتُجادلَني حول سيجارتِي.

أنا لا أُدافعُ عن المدخنين، أَو عن التدخينُ، لكني أُدافعُ عن إمتِلاك العادة الشخصية التي يُفترض بأنه كَانتْ ويَجِبُ أَنْ تَبْقى شخصية، ويعلمُ الله كَمْ حاولتُ وأَستمرُّ بمحَاوَلات الإقلاع، لكن رجاءً إنزلْوا عن ظهورِنا واتركونا نأخذ راحتنا في اتخاذ قرار الإقلاع.
حصل مرةً أن مجموعة من أعضاء حكيمِ طلبوا مني ومن اثنين مِنْ أصدقائِي أَنْ لا ندخّن بحضورِهم "لم يكن لدي أي فكرةٍ عن سبب طلبهِم"، ولكن كان رَدنَا متسما بالإحترام لوجهة نظرهم، لكنني الآن بتُّ أتجنب الإجتماع بهم في مكانٍ مغلق لأنني لا أُريدُ أفقد حريتَي.
رأيي الأخير هنا: رجاءً … عيشوا، ودعونا نعيش

ردُّكَ يا سيدي فيهِ الكثيرَ من العصبيةِ والتزمت والانحياز الأعمى لفكرةٍ غيرِ منطقية ..

فكلُّ الأسس الأخلاقية والدينية لا تُقِرُّكَ على إطلاق تصرُّفِكَ في أعضاءِك. هم ملكٌ لك .. صحيح .. ولكنكَ أنت ملكٌ للمجتمع .. وأيُّ ضرر يصيب عضواً من المجتمع سينعكسُ ذلك حتماً بالضرر على مجمل المجتمع.

فأنتَ تعلم يا دكتور .. كم من العبء الإقتصادي تتكبَّدُه المجتمعات لعلاج آثار التدخين، من سرطان القصبات والرئة والمري والمعدة .. إلى سرطان المثانة .. إلى القصورات التنفسية والقلبية .. إلى مشكلات الشرايين الإكليلية .. لاى تجادلني في ذلك .. أرجوك .. يا دكتور

يا رجل .. أصبحت هناك جمعيات تتولى نقل المحتاجين إلى جراحات الشرايين الإكليلية بشكل جماعي .. وكأنهم ذاهبون إلى رحلات ترفيهية .. أو كأنهم مشاركون في أفواج المعتمرين أو الحجّاج.

أما من ناحية الحكم على المدخن بأنه مدمن .. فلا شك في ذلك على الإطلاق، وهو شيءٌ لا يرفِضه إلا قلةٌ من المدخنين .. كما أنه أمرٌ مسلَّمٌ به في الأوساط العلمية، لأن كل صفات العقاقير المسببة للإدمان تتوفر في دخان السجائر .. (إرجع إلى الفصل الرابع) ..
يكفي أنكّ تشهد على نفسِك أنك حاولت الإقلاع .. وما تزال تحاول.

ثم إن هنالك قيدٌ إضافي في التدخين يزيد من أثرِه الاجتماعي .. فالمحيطونَ بمدمنٍ على المشروبات الغولية حتماً لا يتضررون فيزيائياً .. قد يتضررون نفسياً واجتماعياً .. ولكن فيزيائياً .. لا ضرر.
أما التدخين .. فعذراً .. أنا أتأذى من تدخينِك.
نعم .. عندما تدخن في غرفة الطلبة في جناح الإقامة، فأنت حتماً تلوِّث بيئة نظيفة 100% ، فدخان لفافة واحدة في خمسين متر مكعب من الهواء أشدُّ تلويثاً مئات الأضعاف من دخان عوادم السيارات في الهواء الطلق.

ثم إنك لا تستطيع أن تقول عن عادة التدخين .. أنها عادة شخصية لا يحق لغيرِكَ التدخُّلَ فيها. إذن .. كيف يحقُّ لغيرِك أن يمنعكَ من المخدِّرات .. أو كيف تستطيع أن تمنع طفلاً صغيراً من التقام الثدي الاصطناعي (اللهاية) عندما يتجاوز عامَه الثاني؟

كنتَ لراقٍ جداً في التعامل مع رغبة زملائك في أن لا تدخن بحضورِهم .. فكما أن لك حريَّتَكَ الشخصية .. هم أيضاً أحرار أن لا يستنشقوا هواءً ملوثاً بدخان التبغ .. وعليك حقاً أن تحترم رغبتهُم .. وهكذا فعلت .. وواجبي أن أشكُرَكَ على حضارتِكَ في التعاملِ مع هكذا طلب.




ميارى 1 - 6 - 2010 12:36 AM

الباب السادس
على مستوى الخلية

دعونا نتخيل الخلية، تماماً كما في المسلسل الكرتوني (العقلُ السليم في الجسم السليم) .. ولنشاهد ما الذي يحصل هناك.
جلستُ أنتظر هناك في الجذع الرغامي حيث الرطوبة والنسيمُ العليل الذي يتغيرُ اتجاهه بين كلِّ زفيرٍ وشهيق .. وكانت الخلايا المهدبة تعمل بهدوء على طرد بعض العوالق التي تصل مع هواء الشهيق .. إلى لمعة القصبات وتساعِدها الخلايا المفرزة للمخاط حيث تعلق تلكَ الشوائب على مخاطها قبل أن تصل إلى العمق القصبي فتؤذي الحويصلات الرئوية.
وفجأةً بدأ الجوُّ بالتعكر .. وبدأت خلايا اللمعة تُغرِق في إفراز المخاط ، وأُعلِنت حالة الطوارئ بين البالعات والخلايا المهدبة، وتبدل النسيم الذي كان يؤرجحني ذهاباً وإياباً إلى زوابعَ وأعاصير، وبدأتُ أحسُّ يالاختناق من تلبُّدِ الجوِّ بغيومٍ داكنة من الدخان، وأعطيت الأوامر للخلايا العضلية الملساء في جدران القصبات بالتشنج وتضييق اللمعة قدر المستطاع للتخفيفِ ما أمكن من دخول سحب الهواء الملوث إلى الرئتين، كما تلقت عضلاتُ الصدر والحجاب الحاجز أوامرَ بالتشنج والارتخاء السريعين المتواليين لإحداثِ نوب السعال الطاردة للملوِّثات، وكان الجوُّ في مجملِهِ ينذرُ بالمزيدِ من التصعيد ..
فقد توسعت الأوعية الدموية تحت ظهارية القصبات، وبدأت تلك الظهارية تأخذُ لونها المحمر الالتهابي، وبدأت تستقدِمُ إليها من خلال تلك الأوعية الدموية مزيداً من البالعات والخلايا اللمفاوية، لتوظفها في عمليات الدفاع تجاه الغازي الجديد.
واحتدم الصراع .. وتوسعت ساحتُه حتى شملت كلَّ أرجاء الشجرةِ القصبية، ….

وكانت مخلفات المعركة أشبه ببقايا الحطام المتبقي بعد انجلاء إعصار (دين) عن جزر تاهيتي.

الباب السابع
أمراض يسببها التدخين


الفصل الأول
(التهاب القصبات المزمن)

هو بالتعريف كل سعالٍ وتقشّعٍ يلازم صاحبه مدة ثلاثة أشهر في العام خلال سنتين متتاليتين، إلا المدخنين، فكل مدخن مصاب حتماً بالتهاب القصبات المزمن بغض النظر عن مدة ظهور الأعراض واستمراريتها.
فالدخان بما يحتويه من مواد مهيجة يثير سعالاً تشنجياً عند المعرضين له لأول مرة ، وينقلب إلى سعالٍ منتجٍ نوبي يترافق بكميات كبيرة من القشع المخاطي القيحي. وذلك نتيجة تثبيط حركة أهداب البشرة القصبية وزيادة المفرزات المخاطية في القصبات بشكل تراكمي، مما يضاعف من فرصة حدوث الأخماج الجرثومية في القصبات، ويطيل من فترة التماس بين المواد المسرطنة والغشاء القصبي.
وينتهي التهاب القصبات المزمن دائماً باختلاطات خطيرة أهمها انتفاخ الرئة ونقص الحجوم التنفسية وقصور القلب الاحتقاني ومن ثم وذمة الرئة الحادة القاتلة في نهاية المطاف.

الفصل الثاني
(احتشاء العضلة القلبية)

وهو إصابةٌ غالباً ما تكون قاتلة، تنجم عن انسداد مفاجئ لأحد شرايين العضلة القلبية يتلوه انقطاعٌ لتروية جزءٍ من هذه العضلة مخلفاً فيها نخراً وتموتاً يتراوح شدةً حسب أهمية الشريان المصاب، ويتكرس هذا الحدث الخطير عند المدخنين بفعل عاملين منفصلين هما:
1- النيكوتين: الذي يساعد على زيادة تركيز الحموض الدسمة الحرة في الدم ويخفض من تركيز الليبوبروتينات عالية الكثافة HDL الموقية، مما يؤهب لحدوث التصلب العصيدي، ويزيد أيضاً من التصاق الصفيحات كما يحرض زيادة إفراز الكاتيكولآمينات من لب الكظر مسبباً زيادة متطلبات العضلة القلبية من الأوكسجين وارتفاعا في التوتر الشرياني، مما يؤهب أكثر لحدوث الجلطة الدموية. 2- أول أكسيد الكربون : الذي يمكن أن يسبب التسمم المزمن به نقصاً في الأكسجة مما يحدث تخرباً في البطانة الوعائية مما يحفز زيادة التصاق الصفيحات، الشيء الذي يؤهب لتشكل الخثرة، كما تزداد لزوجة الدم بسبب فرط إنتاج النقي للكريات الحمر لتعويض الخضاب المعطل، وهو أثر آخر يزيد من احتمال حدوث الاحتشاء عند المدخنين.

وإن حدثاً مثلَ هذا لا بد أن يتوقَعَ المدخنُ حدوثَهُ. فإن كتبَ اللهُ له النجاة، فإن سلسلةً من التدابيرِ الطبيةِ والجراحيةِ المعقدةِ، لا بدَّ له من استكمالها، بما فيها القثطرةُ واستبدالُ الشرايين.
لذلك أرى أن على المدخن أن يوفر كلَّ يومٍ ثمن علبة تبغ إضافية، ليتمكَّنَ في نهايةِ المطافِ، من سدادِ فاتورةٍ قد تتجاوز قيمتها حدَّ توقُعِه.
د. غسان نصوح


الفصل الثالث
(التهاب العصب البصري Optic neuritis)
تحدث الإصابة بعد التدخين المفرط، نتيجة إلتهاب الشريان الصدغي الباطن وبالتالي حصول اعتلال العصب البصري الإقفاري، وتتظاهر بالغمش (Amblyopia) وهو إظلام البصر المفاجئ المؤقت دون سبب ظاهر، والذي قد يتطور إلى العمى، وينجم ذلك عن النيكوتين وعن التأثير المخرِّب لمادة السيانيد السامة الممتصة مع الدخان.
كما أن زيادة التدخين تترافق بارتفاع نسبة حدوث إستحالة اللطخة الصفراء في شبكية العين (العمى).
كما يعتبر الجو الملوث الذي يتواجد فيه المدخنون عاملاً محرضاً في إلتهاب حواف الأجفان وإلتهاب الملتحمة التحسسي.
د. أحمد سامي حاج قاسم

الفصل الرابع
(سرطانة القصبات وسرطانة المثانة)
مأساة . . وأي مأساة، أن تشكو عزيزي المدخن من ألم خفيف في الصدر، وتغير في اللحن المعتاد لسعالك ، ونقص في الشهية والوزن ، شهرين سابقين أو ربما أقل، ثم يجرى لك صورة شعاعية، فتأتي نتيجتها أن هناك كتلة صغيرة ضاغطة على القصبات في سرة الرئة اليمنى مع وجود ضخامة خفيفة في العقد البلغمية حولها.
يلتفت إليك طبيبك المعالج بعد أن يتمعنَ التقريرَ ويقول لك: يفضل إجراء خزعة تشريحية مرضية عن طريق التنظير القصبي لنفي الاحتمالات الخطيرة.
وهو في قرارة نفسه، عزيزي المدخن، إنما يقصد (تأكيد الاحتمالات الخطيرة والتي يعني بها السرطانة)، وهنا يحضرك القول بأن فلاناً دخن ما يزيد على الثمانين عاماً، وها هو ما يزال حياً يرزق و يدخن أيضاً؟!
وأقول لك إن فلاناً هذا شخص واحد شذ عن القاعدة، ربما بسبب بنيته الجسدية أو الوراثية أو المناعية أو بسبب ظروفه المعيشية، لكن القاعدة أن ننظر بعين اليقين والاقتناع إلى إحصاءات شملت آلاف الأشخاص ودُرست نتائجها بكل رعاية واهتمام وأفادت أن المدخنين معرضون لسرطانة القصبات أكثر من غيرهم عشرون مرة، وأن 90% من المصابين بسرطانة المثانة هم من المدخنين وأن سرطانة الحنجرة وسرطانة اللسان يندر أن نصادفهما عند غير المدخنين، فأي حجة تلك التي تحتجون بها أعزائي؟!

الفصل الخامس
(النشبة الدماغية)
كما في الاحتشاء، تنفصل قطعة من شريان متصلب نتيجة جهد مفاجئ أو انفعال، وتسير مع الدم إلى أن تسد شرياناً في الدماغ أو في غير الدماغ.
فإذا كانت الإصابة في الدماغ سميت النشبة، فتجد الإنسان قد أصيب بشلل حاد في أحد شقيه أو أصيب بلقوة في وجهه أو بعمىً أو بتخليط أو بهذيان أو بفقدان التوجه في الزمان والمكان، وتبدأ معها قصة معاناة مع الفراش من قثطرة أو زحافة أو خشكريشات في الجلد ، عجز وأيما عجز، ليس من حكم الله، إنما بنفسك جنيته لنفسك .


الفصل السادس
(العرج المتقطع)
حادثٌ يتكررُ حصولَهُ عند المدخنين أكثر بكثير مما نجده عند غير المدخنين، بعد أن تصابَ شرايين الساقين لديهم بالتصلُّب فتضيقَ عن حمل ما يكفي من الدم لهما أثناء المشي، فترى المدخن قد أصيب بألم حاد صاعق في إحدى الربلتين بعد مشوار قصير، يحتم عليه الراحة بضع دقائق، يعاود بعدها المشي، ولكن هذه المرة مع شحنة هائلة من القلق، أن يعاوده ذلك الألم الذي لا يطاق.

الفصل السابع
(الموت المفاجئ)
يعمّر أحدهم نفساً من التنباك في أمسية من أمسيات العمر، وهو لا يدري أنه ربما يضرب آخر فأس في حفرة قبره.
فكثر من قضوا فجأة بعد نَفَس نرجيلةٍ، إثر إصابتهم بنوبة رجفانٍ بطيني تذهبُ بهم إلى دار الخلود، دون أن تمهل لا طبيباً ولا مسعفاً.


الفصل الثامن
(القصور التنفسي واحمرار الدم الثانوي)
يشاهد غالباً عند من جاوز الخمسين، حيث يكون لديه فائضٌ من الدم لابد له من التخلص منه، بالتبرع لبنك الدم كل شهر أو ثلاثة أسابيع؟ ‍ إنهم المدخنون الذين أصيبوا بالتسمم المزمن بأول أكسيد الكربون، فعطّل لهم جزءاً كبيراً من خضابهم عن حمل الأوكسجين، فحتم ذلك على نقي العظام إنتاج مزيد من الدم حتى انتفخت به الأوداج وازرقّ منه الوجه.

الفصل التاسع
(ترقق العظام)
إن التدخين يقتل الخلايا البانية للعظم بتأثير مباشر، إلى درجة أن هناك نوع من ترقق العظام يسمى ترقق العظام عند المدخنين. وهو مرض مخاتل لا يُكتشف إلا عند حدوث كسر في عنق الفخذ، أو انهدام في إحدى الفقرات.
د. فواز القدور

الفصل العاشر
(العقم والعنانة عند الرجال)
يؤثر التدخين تأثيراً سمياً مباشراً على خلايا لايدغ في الخصية، بحيث يخرب مستقبلات الحاثات التناسلية، التي تقوم بتحريض هذه الخلايا على إفراز هرمون التستسترون والإندروجينات الأخرى، فيؤدي ذلك إلى انخفاض مستوى الهرمونات الذكرية في الدم، مما ينعكس بشكل سلبي على عدد وحركة ونشاط النطاف في السائل المنوي. كما ينعكس أيضاً على الرغبة الجنسية لدى الرجل لذات السبب. بالإضافة إلى أثر التدخين كمقبض للمعصرات الشرينية بتأثير عاجل مباشر يكون سبباً في ضعف الانتصاب لديه، هذا طبعاً إضافة للتأثير الآجل المديد الناتج عن حدوث العصيدة الشريانية في الشرايين المغذية للجسمين الكهفيين في القضيب، مما يزيد في الأثر السلبي للتدخين المسبب للعنانة.
د. عزيز الحوران

الفصل الحادي عشر
(متلازمة الموت المفاجئ للأجنة)
(ومخاطر الإجهاض)
(وانخفاض وزن الوليد)
(عند الأمهات المدخنات)

ينقص تدخين الأم الحامل من وزن المولود بمقدار 150-400 غرام، حيث يسبب التدخين تأخر النمو داخل الرحم. فارتفاع مستوى الكاربوكسي هيموغلوبين في دم الأم الحامل يسبب نقصاً حاداً في الجريان الدموي داخل الزغابات المشيمية، مما يعرض الجنين لحالات نقص الأكسجة.
وأظهرت دراسات أجريت مؤخراً في الهند، أن النساء اللواتي يمضغن التبغ معرضات لخطر الإجهاض، أو تأخر نمو الجنين داخل الرحم، مما يشير بإصبع الإتهام إلى مواد أخرى قد تسبب هذه المشاكل وعلى رأسها النيكوتين والقطران، لما تحمله طريقة تعاطي التبغ مضغاً من استبعاد لارتفاع سوية الكاربوكسيهيموغلوبين آنف الذكر.
وفي دراسة أخرى في بريطانيا، لوحظت حالات وفيات للأجنة داخل الأرحام، لأمهات مدخنات، دون معرفة الآلية المسببة لهذه الوفاة.
ومن المسلم به أن نقص الأكسجة الحاصل جراء التدخين، يؤدي لحالات اعتلال دماغية، ونقص للتروية الدماغية، تتراوح بين وذمة دماغ عند المولود إلى نزف في البطينات الدماغية، يترافق بحالة هياج عند المولود، مع اختلاجات عضلية، ووفاة أحياناً.
أما نقص الأكسجة المزمن المرافق للحمل عند الأمهات المدخنات، فإنه يؤدي لضمور في البطينات الدماغية، مع احتمال حدوث تخلف عقلي عند المواليد.
د. عبدالوكيل الصالح

الفصل الثاني عشر
(التدخين وصحة الفم والأسنان)
يعتبر التدخين أحد أهم مسببات (بخر الفم)، وهو رائحة كريهة تنبعث من الفم لأسباب مختلفة، قد تحدث آنياً ولبعض الوقت، كما في حال الصوم مثلاً. وقد تكون دائمة، كما في حالة المدخنين ومرضى السكري والمصابين بنخور الأسنان.
كما يعتبر التدخين من أهم أسباب ظاهرة اللسان الأسود المُشَعَّر، حيث يحدث نمو مفرط للحليمات الذوقية الخيطية حتى تغدو مشابهة للشعر الكثيف المجعَّد.
أما الأسنان، فيترسب التبغ على سطوحها بشكل لطوخ صفراء مائلة للإسوداد، تدعى اللطوخ التبغية. ويكون سبباً في تلون الترميمات السنية، وزيادة قابلية الأسنان للنخر ولحصول التشكلات القلحية.
كما يسبب التدخين التهاب اللثة المزمن الذي قد يؤدي لانحسارها وتقرحها وإصابتها بالطلاوة.
وبسبب الحرارة الموضعية في جوف الفم، ونتيجة وجود المخرشات الناتجة عن احتراق التبغ، وخاصة القطران والنيكوتين، فإن لون اللثة يميل للرمادي. وقد يتطور الأمر إلى حدوث التهاب لثوي سمي، تتضرر من خلاله الأنسجة الداعمة للأسنان، مما قد يؤدي لسقوط الأسنان تلقائياً وبدون ألم، مع وقوع خراب معمم في اللَّثة والعظم الواقع تحتها.
د. عبدالله محمد

الفصل الثالث عشر
(التدخين وصحة الجلد)
يعتبر داء الطلاوة leukoplakia أول آثار التدخين الجلدية، التي تظهر على الشفاه والأغشية المخاطية للفم والبلعوم. وهي حالة ما قبل سرطانية، يمكن أن تتحول سرطان الجلد ذي الخلايا الوسفية SCC (Squamous cell carcinoma)، حيث تنجم 40-50% من حالات هذا النوع من سرطان الشفة عن التدخين، حيث قد لا يكتفي الطبيب المعالج باستئصال جزء من الشفة لعلاجه، بل يلزمه المتابعة بالجراحة الترميمية للوجه والفم.
كما تبين أن التدخين بكافة أشكاله هو أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى تنكس باكر لألياف الكولاجين الرقيقة Delicated collagen fiber التي تعد سلامتها واحدة من العوامل المهمة في نقاء البشرة وسلامتها، وخاصة في الوجه، مما يؤهب لظهور التجاعيد الباكرة.
كما قد يميل لون الجلد عند المدخن المزمن إلى الإسوداد بسبب تراكم مادة الميثهيموغلوبين في دمه.
ومن الأمراض الجلدية التي تثار اشتداداتها بالتدخين، نذكر:
الصداف Psoriasis إن كان موضعياً أو معمماً، حيث قد يكون التدخين من المحرضات على ظهور هجمات متلاحقة، وفواصل قصيرة. كما قد يحدث ذلك في الحزاز المنبسط Lichen planus والحزاز البسيط المزمن chronic lichen simplex والذأب الحمامي الجهازي الموضع located and systemic lupus erthematous وهذه جميعها أمراض مزمنة قد يكون التدخين محرضا لظهور هجماتها.
د. ياسر سلات

الفصل الرابع عشر
(التدخين والتخدير الجراحي)
إن المدخن، وخاصة المسن يلفت انتباه طبيب التخدير ويجعله أكثر حيطة وحذراً لما يمكن أن يطرأ عنده من اختلاطات تخديرية.
وإن أكثر الصعوبات التي يواجهها طبيب التخدير عند المدخن هو السعال المترافق مع القشع، والذي من الممكن أن يسبب إنسداداً للمجاري التنفسية أثناء التخدير، وبعد الإنعاش، نتيجة تراكم القشع اللزج في القصبات عند هذا المريض. إضافة إلى إمكانية حدوث تشنج سادٍّ للحنجرة في فترة الصحو مما قد يستدعي إعادة تنبيب الرغامى مرة أخرى.
يعتبر التدخين عند المريض المسن عقبة أمام طبيب التخدير لضعف قدرته على التقشع، و ضعف المبادلات الغازية لديه مما يعرضه لحالات نقص الأكسجة أثناء التخدير. كما أن أكثر المدخنين المسنين يشكون من آفات قلبية تعرقل تخدير المريض، مما قد يستدعي إجراءات خاصة،من تأجيل للعمل الجراحي وتحضير للمريض بإعطاءه الموسعات القصبية والكورتزون والصادات والأوكسجين.
د. جمعة جراد

الباب السادس
هنيئاً لك بترك التدخين

ماذا عساي أن أقول لمن قرأ هذا الكتاب، غير هذه العبارة:
هنيئاً لك بترك التدخين
لأنني أعتقد أنني وصلتُ بلبِّ كلِّ عاقلٍ إلى الاقتناع المطلق بترك التدخين، أو على الأقل بتشكيل حافزٌ قوي يدفعه للتفكير الجديِّ بالإقلاع، وهذا حتماً سيدفعني لبذل مزيدٍ من الجهد والبحث المستمرسعياً لردفِ هذا الجهد المتواضع.
من الضروري أن يفصلَ المدخنُ نفسَهُ عن لفافةِ تبغِه، وأن لا يعتبرَ شخصَه هدفاً للحملات المناهضة للتدخين، إنما المقصود بهذه الحملات هو حتماً إدمانُ التدخين، وأن المدخنين هم ركنٌ أساسيٌ وفعالٌ في أيةِ حملةٍ مناهضةٍ للتدخين، والتي عادةً ما يكون من أهم مقاصدها تخليص المدخنين من شرٍّ مستحكمٍ وسَقَمٍ متمكِّنٍ .. يسعون هم أنفُسَهُمْ بالدرجة الأولى للتخلص منه، وتأتي الحملات المناهضة لتساعدَهُم وتُقدِمَ لهم دفعاً وفُرصاً جديدة للإقلاع عن التدخين.


المراجع
البحرة نصر الدين ، 1986 – حديث إذاعي، برنامج ثقافي صباحي، إذاعة دمشق.
حلاج زهير، 1981 – الطب الوقائي، جامعة تشرين، اللاذقية.
الصباغ فيصل، 1984 -هاريسون، الجزء الثاني، الترجمة العربية، جامعة دمشق، دمشق.
الفارس عباس منير ، 1986- إنتاج المحاصيل الحقلية، جامعة حلب، حلب.
مهايني أكرم ، 1982-علم الأدوية، جامعة دمشق، دمشق.
Post graduate doctor, vol. 11, No. 5, 1988 – Review of coronary artery disease. Page 248 .
REDUCING THE HEALTH CONSEQUENCES OF SMOKING - 25 years of progress - a report of the surgeon general 1989







أرب جمـال 1 - 6 - 2010 08:49 PM

الغاليه ميارى
موضوع متكامل ومجهود كبير ما قمتِ به
الف شكر لك غاليتي
مع التقدير

ميارى 4 - 6 - 2010 06:49 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أرب جمـال (المشاركة 50523)
الغاليه ميارى
موضوع متكامل ومجهود كبير ما قمتِ به
الف شكر لك غاليتي
مع التقدير

http://img170.imageshack.us/img170/3042/7869flortj1.gif


الساعة الآن 06:38 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى