![]() |
أيها الأموات .. لحظة من فضلكم
ما هو الموت ؟!
الموت هو حالة نسبية من عدم الحركة فى إطار الأبعاد المكشوفة للبشر .. وللتبسيط أكثر .. فإنه ما هو إلا حالة انتقال من الحياة كما نراها ونعرفها فى هذا الكون إلى حالة أخرى لا نعرف أبعادها وقوانينها .. فالموت أحد الحقائق النسبية فى هذا العالم لا يمكن أن تكون إلا معبر من دار فناء إلى دار بقاء ودلائل الموت كما هى معروفة .. انتهاء وجود ردود الأفعال ـ موت المخ ـ توقف القلب .. إلى غير ذلك ,, والواقع أن تعريف الموت بهذا الشكل يجعلنا نقف عنده قليلا لأنه ينطبق على بعض الأحياء من حولنا ,, أليس منا من لا يأتى بأى رد فعل على مشاهد تحرك الحجر الأصم .. وليس أدل من ذلك أن أنباء الصحف ووكالات الأنباء الواردة يوميا عن مقتل عشرة أو مائة أو ألفا فى أحداث البلاد العربية المحتلة وتجد الأنظار والأسماع تتابع فى جمود ما تراه وتسمعه أثناء تناول وجبة الإفطار بكل همة .. أليس منا من يستمع ويشاهد بعض الخطابات السياسية أو المسماه سياسية من أولى الأمر من النوعية المعروفة وهى تصريحات شهيرة ومحفوظة عن العدالة والطبقات الفقيرة المعتنى بها وعن الحياة ذات اللون الوردى ... إلخ وأيضا لا تنقطع وجبة الإفطار .. أما أطرف ما يمكن مشاهدته فى نوعيات الأموات الأحياء أولئك المرتدون ثياب الحكمة والوقار وهم يقابلون أى حديث عابر عن أى شأن تاريخى عربي بمصمصة الشفاه إشفاقا من هؤلاء الذين لا هم لهم إلا تذاكر التاريخ والفخر بماض ولى واندثر والاتكال على عهود بليت لا تصلح أن يكون لها ذكر فى المجتمعات المتحضرة وتختم الوصايا الجديدة بأن يطالب المتحضرون الجدد بضرورة التماس النهج الغربي فى التقدم .. ولأن الألسنة هذه الأيام تنطق دون رقيب من العقل .. والأقلام تكتب لتسيل الحبر لا لتنقل الفكر .. فقد يسترعى النظر أن نتوقف قليلا عند هؤلاء الذين يشجعوننا على إلتماس النهج الغربي لأن الغرب نفسه لا يقيم حاضره إلا على تاريخه والتاريخ عندهم يعرفه الطفل والشاب والشيخ بغض النظر عن الدراسة التخصصية لأنه أمر تعتمد عليه تلك المجتمعات فى تطورها ودعونا نمر مرا سريعا على أمثلة تؤدى لنا الدليل الكافي فى هذا الشأن .. تيودور هيرتزل الصحفي النمساوى مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة وقائد الإنشاء للدولة اليهودية فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين جاء إلى مصر بهدف مقابلة اللورد كرومر المعتمد البريطانى وممثل المحتلين فى مصر بهدف إقناعه أن يمنحهم جزء بسيطا من سيناء يدخل ضمن الدولة اليهودية المدللة , .. وكتب هيرتزل يومياته التى تم نشرها فيما بعد ومن ضمن ما كتبه فيها تفاصيل مقابلته مع الزعيم الوطنى المصري مصطفي كامل باشا وكانت مصر والعرب عامة مشغولون بقضاياهم القومية فى أوطانهم عن مؤامرة اليهود فظن مصطفي كامل أن هيرتزل النمساوى بصفته الصحفية من الممكن أن يكون عونا لقضية مصر فى الخارج إذا كتب عنها ويعلق هيرتزل فى يومياته على هذا الحوار بينه وبين مصطفي كامل قائلا " مصطفي كامل سليل الفراعنة الذين اضهدونا يطلب منى الآن أن أساعد مصر فى قضيتها ؟ ! " أرأيتم يا سادة .. هيرتزل يهودى القرن العشرين فى تعاملاته اليومية لا زال يحمل حقد التاريخ اليهودى السحيق ويتعامل على أساسه بعد أن فنى هذا التاريخ الذى يتحدث عنه منذ قرابة أربعة آلاف عام ؟! ومثال آخر طريف .. ساقه لنا الدكتور أحمد الكبيسي يعرف المثقفون المسلمون أن أحد علامات قرب الساعة انتصار المسلمين على اليهود وتحرير بيت المقدس عندما يهتف الشجر مناديا المسلمين إذا اختبأ اليهود خلفه .. ما عدا نوع واحد من الشجر لن يفعل ذلك وهو شجر الغرقد وما يغيب عن المطالعين للشأن الثقافي اليهودى أن تلك المعركة يسميها اليهود باسمين أولهما " معركة هرمجدون " والاسم الثانى " لعنة بنى إسرائيل " ولا يرونها هزيمة أو انكسارا بل يرونها وفقا لما هو مذكور فى العهد القديم المحرف أنها نهاية اليهود وموعدهم مع الله أى أنها نوع من الإستشهاد فى سبيل الله وتلك الثقافة تحكم كل يهودى دونما استثناء حتى أن اسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق قال فى تصريح رسمى فى حديث إلى إحدى الصحف اليهودية أنه يتمنى من الله أن يطيل عمره فيحضر معركة هرمجدون أى أن تلك الثقافات التى تنتمى للتاريخ السحيق هى التى تشكل العقليات والعقائد والمعاملات لليهود فى شتى شئونهم .. والدليل الأكبر على ذلك أن ما غاب عن ذهن السياسيين العرب بكافة قدراتهم حقيقة أن اليهود لا يحفظون عهدا أبدا بمعنى أن كل معاهدة لابد أن ينقضوها كلها أو بعضها أو يعيقوا إتمامها بأى شكل من الأشكال ويظن من يري ذلك أنه مجرد طبع يهودى وحسب غير أن مطالعة العهد القديم والتوراة تبين لنا لماذا يطبق اليهود هذا النكوص بصفة مستمرة ومنتظمة لأن العهد نفسه محتوى على إحدى الوصايا المحرفة تأمرهم أمرا قاطعا بأن ينكثوا أى عهد مع غير اليهودى ومصيبتنا نحن المسلمون أن القرآن الكريم يكشف لنا هذه الطباع بمنتهى الوضوح والصراحة ونحن غافلون عنها بدعوى البحث عن التحضر يقول تعالى .. [أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ] {البقرة:100} تخيلوا لو أننا قرأنا وفهمنا وطبقنا .. هل كان سيصبح لليهود معنا مجال للخداع ؟! وينقل لنا التاريخ الإسلامى فى مراجعه كل تلك الصفات من أن اليهود صنو واحد يعتمدون كليا على كتبهم ولكننا عن ما ورد فى التاريخ مشتغلون بالاستماع لنصائح مثقفينا التى تريد لنا التحضر والبعد عن خرافات الماضي ؟!! كما أن تاريخهم وعقيدتهم ألا يعطوا الأمان مطلقا لغير اليهودى حتى لو مثل لهم العون والمعونة .. وهو ما طبقوه حرفيا وردوا الجميل لكل من عاونهم بطريقتهم الخاصة فبالنسبة لبريطانيا وبعد أن فرغوا منها كقوة عظمى أرسلوا يدمرون مصالحها فى مصر واغتالوا عددا من ساستهم فى شتى أنحاء العالم وفاء لمصلحتهم بالرغم من أنه لولا بريطانيا لما قامت دولتهم أما الولايات المتحدة فتكفلوا بتخريبها من الداخل عن طريق إنشاء عواصم النهب والبغاء فى لاس فيجاس ونيويورك وشيكاجوا فضلا على أنهم أرسلوا عددا رهيبا من جواسيسهم إلى مراكز القرار فى الولايات المتحدة برغم أنهم ليسوا بحاجة إلى ذلك فهناك اتفاقيات معاونة وتبادل خبرات تمنح إسرائيل كل ما عند الولايات المتحدة من خبرات وعلوم وأسلحة ووثائق سياسية إلا بعضا من أسرار البيت الأبيض العليا وأسرار الوزارات الحساسة وتأتى كارثة العرب فى أنهم يأملون فى اليهود بعد ذلك تطبيق نصوص المعاهدات وعقد تحالفات الصداقة إما علانية وإما فى الخفاء وكما يقول أستاذنا الدكتور الكبيسي فى هذه القضية بينما يحترم اليهود عقيدتهم المحرفة ويطبقونها بإعجاز حرفي .. نهمل نحن مرجعنا الرئيسي وهو القرآن وكل تاريخه مع أن كتاب الله تعالى فيه التنبيه الصارم بشأن اليهود .. [وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] {البقرة:120} ومن غير اليهود طالعنا تصريح سيلفيو بيرلسكونى رئيس الوزراء الإيطالي السابق الذى أعلن أن الحرب الصليبية الجديدة يجب أن تعلن بين ايطاليا وأمريكا على الشرق وهو ما اعتذر عنه سياسيا بعد ذلك ومر مرور الكرام وحسبه الغافلون أنها زلة لسان من رئيس وزراء إيطالى مثقف .. !! كارثة والله .. فايطاليا عاصمة المسيحية الغربية لم تنس تاريخ الإمبراطورية الرومانية مطلقا وما عبر عنه بيرلسكونى كان هو نفسه الذى حكم من قبل ذهن الدوتشي الإيطالى " بنيستو موسولينى " قبل ستين عاما عندما استولى على الحكم وأحكم قبضته على ايطاليا قبيل الحرب العالمية الثانية .. أرسل جيوشه الجرارة لتغزو الحبشة فى افريقيا وقتل بالغازات السامة والأسلحة الممنوعة قرابة مائة ألف أثيوبي ومثلهم من المعوقين حتى تم له ما أراد وفى نفس اليوم الذى انتصرت فيه الجيوش الإيطالية وقف موسولينى أمام حشد هائل رهيب من جماهير العاصمة الإيطالية روما يعلن فيه أن عهد الإمبراطورية الرومانية سيعود !! والإمبراطورية الرومانية انتهت على يد المسلمين من ألف ومائتى عام والشاه الإيرانى رضا بهلوى عندما استولى على الحكم بإيران قام بإسقاط فترة التاريخ الإسلامى كله ودعا للعودة للتاريخ الفارسي وعمل بهذا فعلا وقام باجتلاب اسم " بهلوى " وهو ليس اسم أسرته بل هو اسم عائلة حاكمة فى التاريخ الفارسي القديم وبدأ مناوشاته لدول الخليج العربي وفى ذهنه أيضا كغيره فى الغرب تاريخهم القديم وعداءهم للمسلمين .. وتكمن المشكلة الحقيقية أن المسلمون عامتهم وخاصتهم منهم السواد الأعظم يحسبون العداء بيننا وبين الغرب قائما على حقائق الواقع الحالى أو منذ خمسين عاما مضت مثلا بينما الغرب يحمل فى أعماقه حقدا تاريخيا من عشرات القرون ويعادون العرب لأجله بينما العرب أنفسهم غارقون فى ملمات أخرى وبطبيعة الحال نظروا لتاريخهم على أنه صفحات يعود الناس إليها إما للفخر أو للتسلية ولا شيئ غير ذلك بينما التاريخ هو حقيقة الوجود الإنسانى فى الأرض ولولاه لما كانت الحضارات والفارق الأصلي بين الحيوان والإنسان أن الإنسان غريزته فى اكتساب الخبرة التراكمية وبناء العلم والمواقف على ماضيه ليستقيم حاضره .. وبدون التاريخ أصبحنا الآن كالفئران يقع آباؤها كل يوم فى المصيدة ومع ذلك ورغم رؤيتنا لهم يقعون فى شراكها ندخل نحن بمنتهى البساطة لنقع فيها مرة أخرى !! والسبب أنه لا تاريخ !! ******************** أزمة المسلمين داخلية .. لا خارجية أتقن الغرب فى حربه على الإسلام من جهة وعلى العرب من جهة أخرى فى تصدير الثقافات التى سعى وراءها العديدون كالنعاج بل ودخلوا مع بعضهم البعض حروبا طاحنة لأجل المبادئ الشيوعية تارة والمبادئ الرأسمالية تارة .. وجعلوا من أنفسهم مشاة فى جيوش الحضارة الغربية ونتاجها وليس أدل من ذلك الطبع الغريب أن الغرب وإعلامه المتقن بأيدى اليهود القابعين خلف مؤسساته يعمل ببراعة منقطعة النظير على فصل المثقفين وحملة التاريخ العربي عن جماهير الناس وهو ما نجحوا فيه نجاحا يلفت النظر ولولا ذلك لما رأينا نقاص العقول الذين يرون الغرب كيف يعتز بتاريخه ويبنى على حضارته وفى نفس الوقت يطالبوننا بأن نتبع منهجهم على اعتبار أنه منهج قائم على إهمال الماضي .. فأين عيونهم وأين عقولهم .. لا أحد يدرى ولو طالعنا التدخل المنهجى الغربي فى سياسة التعليم بالدول العربية ستجده مركزا على هدم نوعين من العلوم أولهما التاريخ الإسلامى وثانيهما اللغة فالتاريخ المدرسي لو أطل عليه منصف سيجده يسير من التافه إلى الأتفه .. ومن البسيط إلى الأبسط واللغة ـ حدث ولا حرج ـ أصبح الفخر الذى يسعى إليه الآباء هو أن أطفالهم يجيدون اللغات الأجنبية بينما العربية تجدها فى الكليات المتخصصة بها وليس المدارس فقط عبارة عن دروس لا تغنى ولا تسمن من جوع وصارت الثقافات كذلك أيضا مستمدة من الأسلوب الغربي الدقيق ألا وهو أن المثقف الواعى حاليا هو الذى يتحدث الفرانكو أراب أو العربية المكدسة بالمصطلحات الأجنبية التى لا يعرف كثير من المغيبين معناها فضلا على أنهم يجهلون بالطبع أن كثيرا من ألفاظ العربية تسللت إلى اللغات اللاتينية واعترف بها الغرب أيضا فتركنا نحن الأصل وعمدنا إلى المستورد تماما كما هو الحال فى الأمور الإقتصادية يأتى الغرب فيشترى المواد الخام ثم يصنعها ويعيد تصديرها إلينا لنقبلها بأضعاف ثمنها ونبل معها السيطرة السياسية حامدين شاكرين وهكذا حدثت نقطة الفصل بصمت الغرب ومثابرتهم من جهة وبجهلنا نحن من جهة أخرى .. وبعامل آخر ظهر فى السنوات الأخيرة .. وهو عامل لا يبعث على الأسف بقدر ما يبعث على الضحك من الأسي وكم من البلايا فى العرب مضحكات .. فمنذ أربعين عاما كان الغرب عندما يريد تنفيذ سياسة معينة ينتقي لها العملاء من أوساط السياسيين أو الحكام والمثقفين ولا يخفي على أحد أن كثيرا من المفكرين المنتمين للغرب اشتروا من الغرب المساندة فى بلادهم ليتم تصعيدهم للمناصب لقاء أن يضربوا فى الثقافة الإسلامية أو العربية أى معول يفيدون به فى سياستهم غير أن الوضع الحالى اختلف فقد ظهر النتاج وأثمر فأصبح المثقفون هذه الأيام يحققون ما تريده السياسات الغربية تماما دون أن تكلفهم فى تجنيدهم أدنى جهد لإيمانهم المطلق أن ما يدعون إليه هو عين الثقافة وعين التقدم .. فنقلوا لنا عهد الحداثة التى بدأ فى الغرب منذ منتصف القرن الماضي وانتشر فى سائر الثقافات والآداب والفنون فشوه كل أصيل فى الفن والأدب الغربي ثم جاءوا الآن أيضا داعين لنفس المنهج الجديد الذى وصل إليه الغرب بعد عصر الحداثة الذى أصبح تقليدا قديما .. ألا وهو أسلوب " اللامعقول " !! وهذه هى الصيحة الجديدة فى الآداب والفنون الغربية وعما قريب سنراها فى صالونات الأدب العربي ! لتستحق حقا اسم صالونات فمعظم ما يدور الآن لا يعدو كونه أحاديث الحجامين " الحلاقين " ثرثرة لا يفهم أصحابها منها شيئا لأن الذى احتل الصدارة الآن هم تلاميذ السادة المحترمون الذين أشاعوا منهج التغريب فى الثقافات الغربية كنور مستمد للحضارة عند العرب ورأيناهم يعبرون عن الفكر بكارل ماركس وأنجلز وآدم سميث وعن الفلسفة بنيتشة وأفلاطون وسقراط ويعبرون عن الفن ببيكاسو ودافنشي وسيلفادور دالى ويعبرون عن الشعر ـ الذى هو صناعة العرب أساسا ـ بدانتى الإيطالى وشكسبير الإنجليزى وتوماس ستيرن أليوت الأمريكى ويعبرون عن العلم بأينشتين وأيزنهايمر وماكسويل والجيل الجديد من حملة هذه الإتجاهات ليتهم كانوا كأساتذتهم من الجيل القديم عارفين بخبرات الغرب أو قارئين لفكرهم .. بل إن الطامة الكبري أنهم لا يعرفون عنهم إلا جمل متقطعة أو متقاطعة .. وبعض المصطلحات .. لأنهم ـ ببساطة شديدة ـ لو أنهم كانوا مثقفين غربيا لطالعوا فى كتابات أعلام الغرب أثر علماء العرب على علومهم وهى واضحة وتنضح بها سائر المؤلفات دون استثناء .. وأكبر دليل على هذا ـ وهو دليل مؤسف ومزرى ـ أننا نحن العرب لم نعرف عن بعض أعلامنا فى الفكر والثقافة والأدب والفلسفة إلا عندما قرأنا عنهم ما كتبه الغربيون المنبهرون بهم من أمثلة ذلك المفكر الصوفي عبد الجبار النفري وبن رشد وبن سينا وإخوان الصفا ممن تكتظ المكتبات الأوربية الكبري بمؤلفاتهم ومسائلهم التى حلوا فيها عددا من القضايا الفلسفية التى أثارها مفكرو الفلسفة القدامى سقراط وأفلاطون وأرسطو .. قضايا وقف أمامها هؤلاء الفلاسفة عاجزون وحلها لهم بن سينا وإخوان الصفا ؟! أما نحن فقد اكتفينا من التاريخ بأن نتذكر تاريخ الخلافات لا تاريخ الخلافة .. والأمم على دين ملوكها فقد ترجمت الشعوب بالفعل أهواء حكامها الذين توقفت قدراتهم المعرفية عند سن السابعة من العمر ويكون كاذبا وواهما من يظن أن الحكومات العربية الغليظة الحكم تعتبر مدعاة فساد بسبب تسلط الحكام والجيوش بل بالعكس هى قائمة فوق عروشها لأن الشعوب تستحقهم بالفعل والدليل أن الشعوب الثائرة فى التاريخ العالمى كله والعربي لم يقف فى وجهها عدوان أو تجبر قوة مسلحة لدى حاكم مهما بلغت درجة بطشه وها نحن أمام مشكلة التاريخ مرة أخرى .. لأن من لا يعرف لن يفهم ومن لا يفهم سيرضي بما هو فيه لأنه لم يعرف سواه مع أن الأفراد فى المجتمعات حتى هؤلاء المنكرون لأهمية تدارس التاريخ بعناية تجدهم يطبقون مبادئ التاريخ حرفيا فى محيط عائلاتهم ومع أبنائهم وذويهم وانظروا معى العبارات المأثورة التالية وستعرفون أنها تكررت وتتكرر كل يوم فى مجتمعاتنا فى وصايا الآباء " عائلتنا دائما مرفوعة الرأس يا ولدى يجب أن تصون مكانتها " " كان أبوك وجدك من كبار العلماء فيجب أن تصبح مثلهم " " نحن أول عائلة خرج منها ضابط أو قاضي فى القرية فنحن أفضل من عائلة فلان وفلان " هذه التعبيرات البسيطة هى تدارس للتاريخ بصورته المطلوبة على نحو أوسع .. ولولا الحماسة التى تثيرها دراسة التاريخ الشخصي لما وجدنا ظاهرة هذه التعبيرات تحكم مجتمعاتنا وهى نفس الحاسة التى تتقدم بها تلك العائلات وكانت قديما تحكم المجتمع ككل وعندما سقطت سقط معها النهوض العربي وانظر إلى أى عربي مهما بلغ شأنه اليوم عالما أو سياسيا أو مفكرا فى أى مطار من مطارات الدول الغربية وانظر كيف تتم معاملته تماما كما كان يعامل اليهود قديما أنه مدان حتى تثبت براءته والكارثة ليست فى حدوث هذا الإعتداء بل الكارثة فى أن العربي فقد معنى العروبة وقبل هذه المعاملة وليته قبلها مكرها .. بل إنهم بأعماقهم ـ مع جهلهم الفادح بماضيهم وعزتهم ـ قبلوها مقرين فى أعماقهم بأنهم أدنى منزلة من الغرب ولو أن أحدهم علم ـ ليس بتاريخه ـ بل بتاريخ وكتابات الغرب نفسه عن تاريخه لعلم أن الحضارة الغربية بأكملها مهما جنى منها العرب تقدما ماديا فهى مدينة للعرب أكثر .. وحتى فى عطائهم الحالى كان للعرب دور يمثل إحدى أهم الركائز التى قامت عليها حضارة التقدم المادى الغربي كله فى النصف الثانى من القرن العشرين ويكفي كمعلومة بسيطة أن نعلم أن أوربا وحدها تحوى من العلماء وأكرر من العلماء المصريين وحدهم خمسة آلاف عالم ينتشرون فى أدق مراكز البحوث الأوربية فى مختلف العلوم هذا فضلا على أن المنطقة العربية وحدها بالشرق الأوسط تمثل المعين الرئيسي لعوامل النهوض والطاقة بأوربا والولايات المتحدة ولكن يبدو أن موشي ديان وزير الدفاع ثم الخارجية الإسرائيلي الأسبق كان صادقا عندما قال " العرب لا يقرءون .. وإذا قرءوا لا يفهمون " دراسة التاريخ ليست ترفا ولا فخرا نأتى لطرفة أخرى من المضحكات المبكيات وهى أن التاريخ ودراسته تجدها بين المثقفين ـ وليس العامة ـ تقع بين تصورين لا غير الأول من يدرسها أو فلنقل يعرفها لكى يفخر ويكتب عن شيئ إن كان يستحق الفخر فهذا الكاتب لا فضل له فيه وإن كان يستحق الفخر فنفس الكاتب لا يد بذنب له فيه ومع ذلك تجد عشرات المنتديات التى تحولت إلى حلبات صراع بين مختلف مواطنى الدول العربية كل منهم ينتظر فقط مجرد همسة أو كلمة بحق أو بباطل بغرض أو بدون غرض ليفتح النار على الكاتب وما إن يعرف جنسيته حتى تجد مدافع السب والمعايرة قد انفتحت عن آخرها والطرف الثانى بطبيعة الحال لن يقف ساكنا ومن ثم يندفع السب من الإتجاه المقابل مع ما تيسر من الفخر والعنترية مع أن المعتركات الحامية ـ كما سبق القول ـ يتناولها بالفخر من لا يد له فيه ويتناولها بالنقد من لا ذنب له فيه أما التصور الثانى فينظر إلى التاريخ على أنه ترف يستمتع به كما يستمتع بالروايات والغريب أن تجد من ين طائفة الحكام من يفعل ذلك فيترف ويفتخر بماضيه فى حين أن حاضره قائم أمام عينيه .. ولكن الخجل مفقود ومن ينتقد دراسة التاريخ يتناول هذين الجانبين على اعتبارهما هما الهدف الذى يقصده المؤخون بندائهم المتواصل لدراسة التاريخ وتحقيقه وتصحيحه ولست أدرى أين ذهبت العقول وكيف يمكن تصور أن الهدف من دراسة التاريخ أن تمسك الجماهير بالطبول ليل نهار ذاكرة أمجادها الماضية أو فاتحة لحلقات السمر تتناول فيها الذكريات ولأن الأمية الثقافية هى واقع الحال فليس غريبا أن نصل إلى تلك السطحية .. فمن أين لمن ظن ذلك أن يري التاريخ بعين فاحصة ويتأمل كيف من سبقنا كانوا لمن سبقوهم قارئين ومدركين ثم أصبحوا أهل بناء لتزداد الحضارة ارتفاعا على نفس المنهج أما أن تتأمل التاريخ وتدرسه فقط ليحلو لك الرد على منتقد وطنك من أشقائك أو من الأغراب فهو الجهل بعينه .. وأصبح حالنا كحال من ادعوا الصوفية الآن وفى العصور الماضية .. لم يروا من التصوف والزهد شيئا إلا المظهر المتقشف فقط فاستبدلوا رياشهم الناعم بالخشن ومضوا بلا هدف وظنوا أنهم ورثة الجيل القديم من العباد والزهاد وهذا التصور ينطلق من حقيقة واقعة وله مثال لو تمت روايته كطرفة لاتهموا راويها بالمبالغة الممقوتة فأثناء حرب 1948 م وأحد دول المواجهة بنظامها الملكى تستعد للحرب العبثية .. صدرت الأوامر للبلاد بالغرق فى ظلام دامس نتيجة للغارات الإسرائيلية .. وبالصدفة البحتة كان القصر الملكى يقع على ربوة عالية يقبع على قمتها .. وصعد أحد الصحفيين من متابعى أخبار الجبهة العربية الإسرائيلية إلى قصر الملك لحديث صحفي وإذا به يفاجئ بأن القصر غارق فى الأضواء ويبدو كأنه شعلة من النور تكاد تفوق نور القمر وفى ظل تلك الظروف كان ضرب القصر بالطيران أمرا لا يعجز عنه قائد أى مقاتلة حربية من خريجى معهد ذوى الاحتياجات الخاصة .. وبطبيعة الحال كان أول سؤال للصحفي فى حضرة الملك سؤالا عن مبرر تلك الأضواء فما كان من الملك إلا أن أشاح بوجهه فى عظمة ثم قال " هل تريد أن أطفئ أنوار قصري ليقال بعد ذلك أن ملكا عربيا أطفأ أنواره خوفا من اليهود " مع أنه كان لتوه قد أنهى الاتفاق مع خصومه بما يحقق مصلحته وفقط ولتذهب العرب والعروبة إلى الجحيم وكم يبدو المرء مع هذه الإجابة فى حاجة إلى خبرات سيدات الريف البارعات فى الندب والصراخ ؟!! لم ير الملك العربي الأصيل من التاريخ العربي إلا عزة ملوكه فى مظهرها فقلدها .. ناسيا أن هؤلاء الملوك كانوا إذا قالوا فعلوا ولا يتكلم أحدهم حرفا لا يستطيع أن يفي بتعبيره بعد ذلك .. ولو أن جماهيرهم لم تعرف عنهم هذا ما نادت المرأة الهاشمية المختطفة من الروم بأعلى صوتها عند اختطافها " وامعتصماه " لأنها أطلقت ندائها وهى تثق أنه سيبلغ مسامع الخليفة من أهلها وسيلبيه وبالفعل ما إن بلغ النداء المعتصم حتى نزل من على عرشه لفوره وحشد جيشا مهولا خرج على رأسه بنفسه بعد أن وزع ميراثه وأوصي وصيته واتجه صوب عمورية أحصن حصون الروم كافة مخالفا كل نداءات الإجماع من قادة جيوشه ووزارئه وتحذيرهم له من أن عمورية أعز لدى الروم من القسطنطينية عاصمتهم ولم يركن إلى ذلك بل قصد إلى هذا الحصن الذى لم يغامر خليفة من قبله إليه وفتحه بالفعل واستنقذ المرأة بيده وقتل حارسها بيده وصحبها وعاد إلى بها أهلها هؤلاء هم الملوك العرب بعزتهم التى كانت تترجمها أفعالهم أما من يقول مدعيا بذلك ثم يفعل فى الخفاء ما يخجل منه اليهود أنفسهم فليسوا إلا ممن قال الله فيهم [فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا] {مريم:59} منقوووووووول |
انكسارا بل يرونها وفقا لما هو مذكور فى العهد القديم المحرف أنها نهاية اليهود وموعدهم مع الله أى أنها نوع من الإستشهاد فى سبيل الله
اشكرك من قلبي على هذا الطرح هكذا هم اليهود لعنهم الله يجيّرون كل حدث لمصلحتهم وحسب اهوائهم يعطيك العافية يارا |
اقتباس:
طبعا هم يجيرون الأحداث وحتى كتبهم السماويه زوروها لمصلحتهم حياك الله بهذا الحضور الراقي |
عزيزتي
موفقة في طرح الموضوع ويؤسفني اني الآن بالصدفة لاحظته فاعذري تقصيري شاكرة لك الفكرة منه ومن طرحه المميز تحياتي لك |
مشكورة على الطرح القيم والهادف سيدتي
يعطيك العافية |
الاخت يارا شكرا لهذا الموضوع راجيا منك أن اتمكن من معرفة الكاتب والجهة التي نقلت منها لانني ارغب في الرد على الكاتب مباشرة في المنتدى او المدونه التي نشرت فيه هذه المقاله وأنني قرأت الموضوع مرات عديده ودونت ملاحظاتي واتمنا تزويدي بماطلبت على الخاصة شاكرا لك اذا لبيت الطلب وأن عبارة منقول تجعلني افقد بوصلة حواري مع الكاتب الناقل او الحقيقي للموضوع رغبة مني عدم ادراج ردي المفصل على العديد من النقاط التي اراها تستوجب الرد من واقع احترام الراي الآخر شكرا اليك اخت يارا |
طرحت فابدعت ,, دمت ودام هذا العطاء ودائما بأنتظار جديدك الشيّق خالص ودي وأعذب التحايا لكـ احترامي |
الساعة الآن 01:30 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |