![]() |
الزهرة في الإسلام :
عندما تعتنق الشعوب ديانة سماوية ، فإن أداء أبنائها لعباداتهم أحيانا ، لا يخلو من تأثر بما سبق ذلك الدين ، فهناك مسيحيون في أمريكا الجنوبية يقومون بعباداتهم بخلط واضح مع ما كانوا يعبدون قبل اعتناقهم للنصرانية ..
ومن يراقب معظم الأديان السماوية ، يجد تأثرا كبيرا بالطقوس التي سبقت الديانات المعروفة .. فسواد شكل ( الهرمسية ) التي تؤمن بوجود وكيل لله في الأرض ، قد تفشت عند كل الديانات التي كانت سائدة في الهضبة الإيرانية والتي امتدت فيما بعد الى مختلف أنحاء العالم .. حيث أنه بعد وفاة (إدريس ) عليه السلام والذي عاش أكثر من ثمانية قرون يعلم الناس كل فنون الحياة من نجارة وطب و خياطة إضافة الى التعاليم الدينية ، ويكاد أن يكون النبي الوحيد الذي لم يلق خصومات من البشر .. فعندما توفي حزن الناس حزنا كبيرا ، واعتقدوا أنه ارتفع الى السماء ، لأنه لم يكن من البشر ، بل هو (الله) .. وهناك من قال أنه هو (وكيل الله ) في الأرض .. وهكذا بدأت عبادة النجوم ظنا أنه إدريس أو (هرمس) في تسميات بقية سكان الأرض .. وما البابا عند الطوائف المسيحية ، و الحبر الأعظم عند اليهود و المراجع عند بعض الطوائف الإسلامية (عدا السنة ) .. إلا امتداد لفكرة ( هرمس ) أو وكيل الله في الأرض .. وعندما جاء الإسلام أبقى على بعض العادات التي كانت سائدة قبله ، كقطع يد السارق ، و نهى عن عادات سيئة كوأد البنات ، لكن فيما يخص النظم التي تتعلق بتقسيم السنة أو الأسبوع الى سبعة أيام ، فلم يعترض عليها ، و أبقى يوم الجمعة مقدسا عند المسلمين .. وكان الناس قبل الإسلام يسمون يوم الجمعة ب (يوم العروبة ) .. كذلك استخدم مصطلح (الخنس الكنس) في قوله تعالى { فلا أقسم بالخنس ، الجواري الكنس } .. وكونه كان يخاطب أناسا لديهم من المعارف ما تجمعت عبر مجاورتهم لحضارات ، وتشربهم لها ، ففند بطلان الاعتقادات الخاطئة ، باستخدام ما يعرفون ونقضه ، أو التوسع بما كان حقيقي بمعرفتهم ، ليؤكد لهم عظمة الخالق و دقة تنظيمه .. فذكرهم بنظام (السبعة ) سبع سموات ، وسبع بقرات وسبع سنابل و سبعة أيام الخ .. ولو عدنا لقصة الزهرة و أهميتها ، عند الشعوب القديمة ، وكيف بقي أثرها ممتدا عند أهل الديانات السماوية و منها الدين الإسلامي ، فقد ورد بالتفسير الحديث ( تفسير وجدي ) 1 مثلا ، لرأينا أن تفسير كلمة فتنة في الآية { و اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ، وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ، يعلمون الناس السحر ، و ما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت ، وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ..} 2 .. فالفتنة بالتفاسير الحديثة هي : اختبار وابتلاء ، والفتنة الضلال و الإثم والكفر و الفضيحة .. وأفتن فلان فلانا ، أي أوقعه في الفتنة .. أما في التفاسير القديمة للآية ( عند الطبري مثلا ) .. يورد قصة يمكن إيجازها بما يلي : وهي بعد أن كثرت الخطيئة عند بني آدم ، شرعت الملائكة تطعن بأعمال البشر ، فأراد الله عز وجل ، أن يبتلي الملائكة أنفسهم ، فأمرهم أن يختاروا ملكين من أكثر الملائكة تقوى وورع وخوفا من الله ، فاختاروا هاروت وماروت ، وأهبطا الى الأرض بعد أن ركبت فيهما شهوات الإنس ، وأمرا أن يعبدا الله ولا يشركا به أحدا ، ونهيا عن قتل النفس و الزنا وشرب الخمر ، وغير ذلك من المعصيات ، وفي الأرض عرضت لهما امرأة هي الزهرة ، فغلبت عليهما الشهوة ، فأقبلا عليها وراوداها عن نفسها ، فأبت إلا أن يكونا على دينها ، وأخرجت لهما يعبدانه ويسجدان له ، فامتنعا وصبرا ردحا ثم أتياها وراوداها عن نفسها ، فأبت ثانية واشترطت عليهما إحدى ثلاث ، إما عبادة الصنم أو قتل النفس أو شرب الخمر ، فقالا كل ذلك لا ينبغي ، ثم احتدمت بهما الشهوة ، فآثرا أهون المطالب ، وهو شرب الخمر . فسقتهما حتى أخذت الخمر منهما ، فمر بهما إنسان ، فقتلاه حتى لا يكشف أمرهما و يفضحا ، ويشاآن الصعود الى السماء بعد أن عرفا وقوعهما بالخطيئة فلم يستطيعا ، ويكشف الغطاء بينهما وبين الملائكة في السماء ، فتنظر الملائكة الى ما وقع به هاروت وماروت من الذنب فيعجبون كل العجب ، ويأخذون في الاستغفار لمن في الأرض من البشر . ويروى أنها طلبت منهما تعليمها الكلام الذي يصعدان به الى السماء فعلماها ، وعرجت بواسطة الكلام السري الى السماء ، ونسيت أن تسألهما عن الكلام الذي يجعلها تهبط ، فبقيت معلقة في السماء 3 أما هاروت وماروت فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا لأنه ينقطع ، فجعلا ببابل يعذبان منكوسين في بئر الى يوم القيامة 4 ويروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنه كلما رأى الزهرة يلعنها ويقول : هذه التي فتنت هاروت وماروت 5 وعندما سأله أحدهم عن سبب ذلك ، قال : لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم كلما رآها كان يقول : طلعت الحمراء فلا مرحبا ولا أهلا 6 . ويزعم ( ديسو) أن قوما مسلمين ظلوا على عبادة الزهرة سرا ، حتى بعد هدم معبدها ـ الممثل في معبد اللات ـ وإقامة مسجدا مكانه ، وقد ذكر ابن الكلبي مثل ذلك 7 كما يزعم ( د أنيس فريحة ) أن عشيقها تموز ، بقي حيا ، وهو نفسه (الخضر) حيث اللون الأخضر رمز الخصوبة ، وله مقامات في أكثر من بلد عربي ، ولم ينزل في القرآن اسم الخضر ، لكن اختلاط المعارف هو ما قد يكون وراء هذا الاعتقاد 8 هذه هي الزهرة منذ فجر تاريخها حتى الإسلام ، ولا أعتقد أنني غطيت موضوعها بشكل كافي ، لكنها مساهمة قد تقرب تفسير ما يخلط بين مفاهيم أسطورية و دينية .. ــــ المراجع : 1 ـ د أنيس فريحة ، دراسات في التاريخ ، دار النهار ، بيروت 1980 2 ـ القرآن الكريم سورة البقرة آية 102 3 ـ تفسير الطبري ج1 ص 343ـ 346 4 ـ الطبري نفس المصدر 5 ـ الطبري نفس المصدر 6 ـ الطبري نفس المصدر 7 ـ العرب في سوريا قبل الإسلام /رينيه ديسو / ترجمة عبد الحميد الدواخلي القاهرة 1959 ص 136 8 ـ فريحة / المصدر السابق |
رائعة على هذه المعلومات يا يارا
تسلمي حبيبتي وربنا ما يحرمنا مواضيعك القيمة تحيتي وتقديري لك |
|
اقتباس:
لك تقديري يارا |
اقتباس:
|
الساعة الآن 01:57 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |