![]() |
كتاب عاشقة في محبرة لغادة السمان
كتاب عاشقة في محبرة غادة السمان الطبعة الاولى : اذار 1995 الطبعة الثانية : 1999 جميع الحقوق محفوظة للمؤلفة الاهداء اهدي هذا الكتاب الى امبراطور اسمه الفرح يخلف دائما موعده مع العشاق! غادة ضمن هامش صفحة قبل بداية الكتاب - كل رجل يقتل من يحب اوسكار وايلد - لا يوجد حب سعيد اراغون - يا له من الم ان لا يكون لك الم ! لوركا - النسيان هو الحرية جبران خليل جبران - آه ان تحب معناه الرحيل مع الماء مع النجوم مع الهواء المختنق و عواصف الدقيق الشرسة ان تحب معناه معركة مع اضواء البرق و ان ينهزم جسدان امام العسل وحده نيرودا http://www.hawahome.com/vb/nupload/50317_1201163211.gif يتبع .. |
- عاشقة الرجل المستحيل لا أريد تلك الألفة الكسولة بيننا كالألفة بين اليد وفرشاة الأسنان.. تعانقها كل يوم.. ولا تذكر لونها!.. لا أريد أن تخطو إلى غابات ليلي، كما ترتاد السكين قلب خسة طازجة، وتركض فيها دون أن يثير ذلك التفاتاً.. أريد أن يظل حبنا غريباً.. كمشهد صبية تحمّص بشرتها تحت الشمس، وقد تمددت عارية فوق قبر رخامي وقور... أريد أن أحدّق في ابتسامتك، كما في وردة نبتت من رغيف.. أريد أن يظل لقاؤنا مدهشاً ومثيراً، كزرافة جالسة في دارٍ للسينما.. أو عصفور يقرأ صحيفته في المقهى ويدخن لفافته.. ويصبغ حذاءه!... أتمنى أن تنتظرني لأنني لن أحضر.. وتحبني لأنني لا أشبهك، ولا أشبه فتاة أحلامك ولا أذكِّرك بأحد غير الموت... ولأنك حين تراني، تبصرني أيضاً. وتضم إليك جسد ظلي، وتحب ثرائي لأنني فقيرة... وسطوتي لأنني وحيدة ومشردة ولأنني الكذب الذي لا يرقى إليه الشك.. أريد أن نغادر المشاعر الجاهزة ونتنصل من كل ما قيل عن الحب، لنعود روحين في ملعب الزمان لا يربطهما غير فراقهما.. أحبك لأنك تسقيني عطشي فأرتوي. وأشكرك، وأزدهر كوردة صبّار الصحارى.. أحب كلماتك التي يلغي بعضها بعضاً، مرهفة لابتسامتك وهي ترسم دمعتها كالخيط الأخير للنهار وهو يرسم أفق المدينة.. أحب ضجيجك لحظة الصمت، وثرثرة سكوتك وأجد في زالزالك استقراري، وأنتمي إلى زئبقك الهارب خارج الأوعية المألوفة.. ولأن الفراق هو اللقاء اليومي لنا حضورك مفاجأة دائمة كما لو أنك وصلت للتو من كوكب آخر.. أحبك لأنك الغريق الذي يخشى البلل والنار المتأججة التي تخشى الدفء.. أحبك لأنني ألتقي بك لحظة أغادرك.. أحبك لأنك بسيط كالأسرار واضح كالغموض.. ولأنني أجد سورياليتك منطقية! أحبك لأنك لست الأبيض ولا الأسود.. كلحظة التقاء الأشياء التي تتعانق لأنها لا تمتزج.. أحبك لأنك لا تدعو للاطمئنان، بوسعي أن ألمحك كومضة برق، ويستحيل امتلاكك كفراشة مثبتة تحت دبوس.. أحبك لأنك مذهل وآسر، كعبارة صباح الخير لحظة الاحتضار!.. وحين أكتب عنك، أتلاشى مع السطر الأخير.. كأنني أسيل في أنابيب السطور.. حتى لا يتبقى مني شيء.. ب.ع.د.ك... أتمنى أن تحبني لأنني طرت قارّتين كي أراك ثم أخلفتُ موعدي معك! أتمنى أن تحبني لأن رفضي دعوة ورجاء... ودربي رحيل بلا وصول... وقلم وعودي ممحاة.. أحب أن تناديني لحظة إقلاع طائرتي بعيداً.. وأن تأمرني بالكف عن الثرثرة حين أصمت.. أتمنى أن تخلو حياتنا من فراق اللقاء وموت الحب تحت سنابك العناق. وسأظل أمشي في حقول ألغامك، وأنا أحمل بيدي عكازي الأبيض كالعميان لأرى غموضك بوضوح.. وسأظل أحبك، لأنك الماء المستحيل، وإذا انكسرتُ داخلك صرت قوس قزح أبجديته الألوان.. وسأظل أحبك، دون أن تقصّ جناحيك لي كهدية! كي تظل شاعراً... وأظل عاشقة.. 8/3/1989 |
- بومة عاشقة في ليل الحبر هل يتلوني الليل على مسامع الصبايا في دمشق، قائلاً إنني كنت مثلهن، عاشقة ترادف الجنون.. ونحلة، لدغها كل من صنعَتِ العسل لأجله؟ تتدلى أيامي هناك من سقوف الذاكرة كمناديل ملونة.. متوحشة كنت، مهرة برية تصهل في سفوح قاسيون.. تغسل جموحها في نهر بردى وتحلم بنهر السين.. وها أنا اليوم أصهل على ضفاف السين، وأحلم ببردى ودجلة والفرات والنيل.. والليطاني.. امرأة تزهو بآلاف الطعنات ترصع صدرها بوسام الذبحة القلبية وفي قاعها حجرات بملايين المرايا.. لكنها لا تزال تميز وجهها الحقيقي... ... كأية بومة لا تصلح لأقفاص طيور الزينة، همت في ليل الأٍسرار، لأتعلّم كيف يصير اسمي سواراً في معصم العشاق ولمسة حنان في ذاكرة أهل الحزن والتشرد والتمرد.. ما هو اسمي، إذا لم أسمع قارئاً يتلوه في مكتبة سائلاً عن حرفي؟ كيف أتحول إلى رياح لا تصدأ إذا لم يهب اسمي من صدور مجانين الحرية؟.. مرة هدّدتني جدتي بـ "لقمة الزقوم" إذا كذبت.. ومن يومها وأنا أقول الصدق في حضرة الورقة المقدسة... وحين حاولتْ عجائز الأسرة قص لساني وإطعامه للقطة كي أصير "شامية" نموذجية، لففت صدقي حولي كالكفن، وركضت في كتاب دمشق.. كغلطة مطبعية فات أوان تصحيحها، أو إعدامها!.. ما أعذب الفراق الطويل... يظل الذي أحببناهم شباناً في ذاكرتنا.. والمدينة تظل كما عرفناها محفوظة في صناديق الماضي... بيوتها العتيقة، أزقتها، أبوابها القديمة اللامنسية لم تداهمها لعنة الإسمنت المسلح بالقسوة واللامبالاة وعربدة الأبنية العصرية على رفات الأجداد.. وتظل أنت كما عرفتك، جميلاً وخائناً ومعشوقاً ووغداً... وبردى ما زال يركض بين بيتي العتيق و "بحرة" ديارك، ومياهه ما تزال تغرورق في أحلامي .. وعيني.. كصورتك.. تزوج الحنان من الحجر فولدت بيوت تنحني على أهلها كرحم في أزقة متلاصقة الشفاه كهمس العشّاق قرب "باب توما" و "الشاغور" و "القصّاع" و "سوق ساروجة".. والذهب الضوئي، يسيل من قباب الجامع الأموي وستي زينب ومن جرس كنيسة القديس بولص وآثار أقدامه حتى روما.. دمشق زهو الورد الجوري، في خدود صبايا يقاتلن طواحين الهواء، ويربحن الخسارة المضيئة.. لا تشهري عليّ سيف الذكريات يا دمشق.. أمطار أوروبا على مدى عصور لن تمحو بصماتك عن أسوار قلبي وعبثاً يركض الثلج بممحاته المتوحشة فوق سطور أيامنا... قبل أن أرحل بعيداً كأية بومة أدمنت الليل، قرأت دفتر الياسمين في دمشق.. قرأت أحجارها العتيقة.. كنائسها وجوامعها.. قرأت وجوه عشّاقها ومجانينها، ليلها وفجرها.. قرأت فصولها الخمسة وأوراقها الخريفية "الدهبيات"، قرأت شواهد مقابرها ووجوه بسطائها وبسطات فقرائها... قرأت طلاسمها. أحجياتها. تعاويذها. رياحها... قرأت دم ثوارها وسجونها. حبال مشانق شهدائها.. قرأت ميسلون. وحين تخرّجت من مدرستها، وصرت وتراً يعزفها بدأت طيراني الليلي بومة متوحدة في دمها ذلك كله.. وليلة انكسر جناحي على طرف القمر.. وسال دمي الأزرق حبراً حتى البحر.. سألني الليل: ما اسمك أيتها البومة الدمشقية؟ قلت له: اسمي الحرية.. 16/9/1988 |
- بومة عاشقة تغرد حين أكتب عنك فوق البحر غير المتوسط لأحزاني والصمت مُحدق بي من كل جانب تطلع بهدوء فوق سطوري جزيرةٌ لعلها كانت غارقة في قاع الورقة حتى عرفتك! ما أضيق الكلمات على صدري كلما تنهدت حبك الشاسع.. حين تهب رائحة عطرك يكتشف الهواء مجده. حين تختال صوبي في المقهى وكل عضو فيك يرحب بالآخر، تكاد من جديد تقنعني أن الجسد هو البلاغة وكل اللغات الأخرى هراء فضفاض.. وحين تبتسم لي أتأمل شفتين شهيتين كحافة هاوية وأعرف كيف يستطيع الفم أن يصير بئراً لسقوطي.. وحين تمضي، أكتب كثيراً فوق الرمل لأتعلم قراءته، فلربما خطّ لي مصيرنا معاً.. والسنوات تعبرني، عاماً بعد آخر وتصقل بشفراتها ماسة حبك وتجلوها لترفعها نجمة جديدة في مجرّة نجومها بصمات المحبين.. وحين أكتب عنك، تهب أصواتك لتلهمني كصوت البحر، في كهف سري داخل ورقتي.. كتبتُ جنوني وصدقي بكل هياج عواصفي ورياحي فأحلّ الضفادع سفك دمي في مواسم النقيق على حافة المستنقع ونصحوني بكتابة باب الإعلانات المبوّبة وعمود الوفيات، وصفحات التسلية والأبراج وامتداح التثاؤب وأعوانه، وكان وأخواتها وبقيّة الأفعال الماضية الناقصة كي يعلّقوا على صدري وسام "الكوما" المذهب برتبة حصان سباق متقاعد.. ولكن البومة التي تقطنني لا تزال تتابع طيرانها الليلي في قارّات الدهشة وحرفها مهرة فضائية لعشق الفضاء المفتوح.. بكل قلبها المفتوح... على صدر الورقة البيضاء. الصحو غبيّ يا جاري الراكض معي في قاع الزجاجة والهذيان غنيّ بالشرر والمسافة بين العرس والمقبرة، شجرةٌ، نصفها للسرير، والباقي للتابوت. أكتب عنك أيها الغريب في محاولة يائسة للتعرُّف على كُنه حبنا.. أكتب لأنني أجهل، لا لأنني أعرف! 10/4/1992 |
بومة عاشقة متشائمة كأية بومة أخرى عاشقة، أعتقد أن الليل انتشر ببياضه الفاحم كي أمارس طيراني إلى عينيك المسكونتين بالدهشة والسرّ، كالعيون الجميلة للبوم.. تلك النجوم التي تراها هي آثار خطاي وأنا أمشي صوب حبك... في دربي إلى زمنك، أمرّ بحقول تقتتل قبائلها وعشائرها.. فيتهمونني بإضرام النيران.. أمرّ بالأشلاء على أرصفة البكاء.. فيتهمني الجلادون بإعدام الضحايا، وتصدّق الأمهات تلك الأكذوبة... أمر بآثام كثيرة في دربي إلى عينيك.. آثام لا تصدق، ترتكبها تلك الطيور مقصوصة الأجنحة، الملقبة بالبشر... وحين أنعق ذعراً من شؤم الناس يلعنون صوتي، بدلاً من لعن آثامهم... أطير صوب ضوء منتصف الليل. بعيداً عن مؤامرة قص أجنحتي.. هل شاهدت يا صديقي مرة، بومة من بني قومي تختطف أخرى، وتعذِّبها؟ هل شاهدت مرة، بومة مثلي تقصف بيتك؟ .. وأنا التي أستقل الريح، بالمحبة والدهشة وأطير فوق خطوط كف الليل.. إليك؟ دوماً كان سلوك قومك غامضاً حتى تحت الشمس، وسلوكي بالغ الوضوح في الظلام.. فهل ذنبي الوحيد أنني أحب الليل؟ لقد فتحت صندوق الأسرار.. فماتت الأصوات في حنجرتي.. كنت مرة حمامة، رافقت السندباد في رحلاته.. لكن اهوال البشر بدلت ملامحي فاتسعت عيناني ذعراً ودهشة، وتشردت مع "عوليس" في محيطات عرائس البحر.. وتسلقت جبال العقاب مع "سيزيف" وحين حدقت في نار المعرفة سلمت عيناي ولم أعد بعدها قادرة على التحديق في ضوء النهار.. ولكنني صرت أرى بوضوح ضوء العتمة وأشباح الأسرار.. وأسمع دمدمات الأزلية وهي تُجري لليل عملية القلب المفتوح.. وأطير بصمت بجسدي الصغير كحمامة وأمد جناحيّ من الأفق إلى الأفق فيخافني القتلة، لأنني أفاجئهم وهم يقترفون آثامهم... أطير بين أريج أوراق الصيف وأشجاره البلورية.. أطير ، وتتكسر فضة القمر حول أجنحتي.. ألاطف الأشباح الوديعة، وأرواح الموتى وأتحاشى ابن آدم وابن آوى.. أقطف لك تعويذة من الغابات السرية للفرح كي لا يصيبك نحس بني قومك البشر الذين يلوثون البحار ويجرّحون بشرة الفضاء ونتشاءم منهم كثيراً نحن معشر البوم اللطفاء.. نتشاءم يا صديقي من جلادي بلدك الذين يسنّون أنيابهم على أطراف سكاكينهم.. ويتربعون فوق التوابيت محاضرين عن البهجة.. يتسللون في الظلام، يقطفون المدن بمنجل النار. فكيف لا أنظر إليهم بعينين تنطقان اتهاماً؟ وكيف لا ترتعد ضمائرهم المثقلة أمام نقمتي؟ وكيف أقنع شعبك المكسور ببراءتي لينقضَّ على أبناء الشؤم، الذين يزرعون الجماجم في حقول الحزن؟... انصتْ إليهم يا صديقي، وهم ينعقون في كرنفالات الشعارات المطرّزة على جلد آلاف القتلى.. وقل لي من لعنة الخراب ونذير الشؤم؟... انظر إلى مهرجان الموت العبثي هذا، وقل لي: لماذا لم يعد أحد منهم يجرؤ على تسمية القاتل الحقيقي سواي؟ طيراني هادئ كخطى الأشباح لأنني أخاف، أولئك المنحوسين البشر المنكبّين على وطنهم طعناً بالخناجر والمخالب لاقتسام جسده المصلوب غارسين راياتهم في بطون الحوامل وعيون الأطفال... وكل ليلة، أعلن حقيقتي "البومية" ولا أتخفى بريش طاووس، فمتى يخلعون أقنعتهم ويُعلنون أنيابهم التي لم تعد تخفى على أحد؟... وكيف لا يتشاءم معشر البوم منهم؟... شاهدت رجلاً يأكل لحم أخيه ليلاً، ويترأس جمعية "النباتيين" نهاراً، شاهدت تاجر السلاح يبيعه ليلاً، ويخرج على رأس تظاهرة "اللاعنف" نهاراً، شاهدت امرأة تسيل ناراً أمام حبيبها ليلاً، وتنكره ثلاثاً قبل صياح الديك، فكيف لا أتشاءم من البشر؟... 25/5/1989 |
بومة شامية عاشقة كل ليلة أدّعي كاذبةً أنني ذاهبة إلى النوم وحين أتمدد في فراشي، أفتح نافذة في وسادتي وأقفز منها إلى حقول الماضي أخلّف لهم جسدي المقدد تحت الأغطية لأعود طفلة تتسلق شجر اللوز والتين تضفر جديلتها بالنجوم. تنصب أرجوحتها بين قارّتين والفراشات تطير من رؤوس أصابعها.. كل ليلة أركض في قارّتي السرّية، أستعيد ذاتي المنهوبة وأعضائي المتناثرة بين دهاليز المترو وأفاعي السكك الحديدية ومصحات مجانين المطارات وردهات السعال والقهقهة الاصطناعية والكرنفالات ولزوم ما لا يلزم لأعود أميرة الحرية. أتنقل في حقول بلا مخافر وقارّات بلا مراكز حدودية ولا تأشيرات دخول وخروج للأحلام. كل ليلة أنتزع الحدود وأرمي بها عن الكرة الأرضية وتصير المجرّة ملعباً مفتوحاً للدهشة.. كل ليلة أخترع قطارات تركب فيها المحطات وترحل، ويسافر السفر فيها، فأجدني من جديد في دمشق. ثمة مدينة داخل رأسي توقف فيها الزمن اسمها دمشق. تتابع حياتها كما كانت يوم فارقتها لا تنمو أشجارها ولا تذوي... ولا يهرم أحباب الأمس فيها ولا يموتون يظلّون كما عرفتهم إلى الأبد فراشات نادرة مغروسة بالدبابيس على جدران الذاكرة. منذ عشرة قرون من المطر ودعتك في دمشق. أقسمت بالليل - كاذبةً على أن أعود إليك. أما زلت تنتظرني؟ لقد اكتشفت الآن بعد عشرة قرون من المطر أنني لم أكن كاذبة وما زلت أحبكما دمشق وأنت. عشرة قرون من التشرد. القطارات، المحطات الرمادية النائية. ضباب القرى الغريبة. عشرة قرون من التسكع وحيدة فوق الثلوج في ضوء القمر المفلوج. عشرة قرون وأنا أناديك ومدينتي بشفتين مطبقتين على صرختهما كشفاه التماثيل. عشرة قرون من الجنون. وها أنا اليوم أحاول أن أعود مطيعة كبنفسجات جدتي وفي صدري عشرة قرون من الشوق. وأقسم دون أن أكذب كثيراً إنني لم أحبّ حقاً سواكما!... كنت بومة شامية غريبة الأطوار. أقطن الدهشة مثل زرافة صغيرة في حفل استقبال عجائز الثرثرة والأقنعة وأهرب إلى بحيرات الحب أنحت التماثيل لإشارات الاستفهام وحين اكتشفت السر صرت أنحت إشارات تعجب! كم صادقت العاصفة وصار جسدي يعزفها بلا وجل... كم استسلمت لضوء القمر في ليالي الحزن الانطوائي. كم عذّبتني تقمصاتي من شرنقة إلى فراشة.. كم أرّقني طموح فراشة صمَّمت على التحليق مع النسور واكتشفت التحولات المدهشة لمصائرنا ما نرغب فيه حقاً.. نكونه...ونصيره نصنع أقدارنا أكثر مما تصنعنا هي... كأية بومة شامية وفيّة لطيرانها الليلي.. لم أكن أريد أن أحلم بالأشرعة التي تسافر. كنت أريد أن أكون السفر. لم أكن أريد أن أحلم بالأجنحة. أردت أن أكون التحليق ولو بين الصواعق والعواصف، رافضة قدر عيون المساجين لتركض نظراتي فوق القارّات، وتقرأ أكف المدن النائية، وبصمات الغرباء على نوافذ القطارات الغريبة، وتتسلق أغصان الرياح. كنت أريد أن أحيا، لا أن أعيش وأنا أحلم بالحياة! كنت أريد أن أحقق أحلامي وأزوجها بالواقع وأعقد قرانها على اللحظة بينما رمل الزمن يتابع هربه في حجرات الأنابيب للساعات المحكمة الإغلاق الممهورة بختم الموت والزمن. بدون تاريخ |
عاشقة في الربع الخالي من حبك لماذا تذكّرني صورنا العتيقة بالبكاء؟ لماذا تذكّرني بطاقات السفر بالذبحة القلبية؟ لماذا يذكّرني المطر في المطارات بيدَيّ جدتي المخضبتين بالدعوات والياسمين والحنّاء؟ لماذا تذكّرني كلمة وداعاً بصوت سقوط المقصلة؟ لماذا تذكّرني عيناك بالياسمين وصوتك بالميجانا والعتابا؟ لماذا يذكّرني قلقك بامتحانات البكالوريا؟ لماذا تذكّرني قهقهتك بصهيل أحصنة برية؟ لماذا تذكّرني المطاعم الفاخرة في الغربة ببرادات الجثث؟ لماذا تذكّرني ناطحات السحاب بمصحات المجانين؟ لماذا يذكّرني التلفزيون بالكلاب المرفهة وحبوب منع الحمل؟ لماذا يذكّرني حبك ببكاء الأطفال اللقطاء على أبواب الأديرة؟ حين أموت لا توسِّخوا الأشجار بالبكاء. دعوني أمضي بهدوء قلم همس أسراره حتى نقطة الحبر الأخيرة فيه. حين أموت، اكتبوا على قبري: هنا ترقد غلطة مطبعية لم تسقط سهواً بل سقطت (صحواً).. وكانت أكثر صدقاً من بقية السطور! حين أموت انقشوا على قبري رسم بومة. بعد أن يمضي المشيعون ويهبط الظلام، ستغادر البومة رخامها وتحلّق من جديد في فضاءات الليل الدمشقي بعينين واسعتين مزروعتين بالدهشة أبداً. وستهمس البومة: سأظل أحبك يا دمشق... 18/5/1993 |
بومة متحفظة عاشقة أيتها الغيوم اللامتناهية، المحيطة بجناحَي طائرتي.. كوني أوراقاً بيضاء لأخطّ عليك اسم حبيبي... أيتها البحار التي تسلمني لبحار كوني محبرة، لأخطّ بك اوديسة تشردي.. أيتها الصخور، كوني صوّاناً كي أقدح عليك جرحي، وأشعل ناراً يستدفئ بها حبيبي الغريب مثلي.. أيتها النجوم، كوني عقداً لأحيط بك عنق ذاكرتي... أيتها الرياح، كوني صمتاً، كي لا تذيعي سرّ حبي... 16/3/1990 |
بومة استثنائية عاشقة حبك لا يتطرق إليه اليقين مبهم كالجنون، عذب كالطفولة.. غجري، يكتم اللقاء أنفاسه ويجدده الفراق.. حب معلّق بين الاختفاء والعناق.. الغيرة هراء.. عما قريب - أو بعيد - نصير تراباً ولن يكون بوسعي محاسبتك على الرياح التي تمزجك بغير ترابي.. الامتلاك كلمة هوجاء، وعلى المرء أن يستمتع بقدر هائل من الحماقة ليتوهّم أن بوسعه امتلاك مخلوق آخر، هيولي مثله، ترابي مثله، زئبقي مثله.. راكب قطار لا يدري إلى أين يمضي به ولا يذكر متى استقله، ولا يملك لإيقاعات قلبه غير الكتمان... أيها الغريب: مع الليل يشرق فجر حبك فالليل دفتر لقارئ استثنائي اسمه العاشق.. 16/3/1990 |
بومة نجوم الظهر العاشقة لعلي صاحية أكثر مما ينبغي لامرأة تريد أن تفهم الحياة حقاً وتتجول في أسرار القاع المظلم للآبار.. من يضربني على رأسي بعصا الهذيان ليومض برق الحقيقة في عينيّ وترشدني نجوم الظهر إلى الليل الحقيقي؟ 16/3/1990 |
الساعة الآن 05:44 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |