![]() |
الجنة والنار من الكتاب والسنه - عبد الرحمن بن سعيد القحطاني رحمه الله
الجنة والنار من الكتاب والسنة المطهرة إعداد عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني رحمه الله تعالى 1403-1422هـ تعريف الجنة والنار، وذكر أسمائهما الجنة لغة: البستان، ومنه الجنان، والعرب تسمي النخيل: جنّة وفي مختار القاموس:الجنَّة:الحديقة ذات الشجر والنخل،وجمعها: جنان). والجنة في الاصطلاح: هو الاسم العام المتناول لتلك الدار [التي أعدها الله لمن أطاعه]، وما اشتملت عليه من أنواع النعيم، واللذة، والبهجة والسرور، وقرة العين). أما أسماء الجنة، فيقول ابن القيم رحمه الله: في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقاتها: ((ولها عدة أسماء، باعتبار صفاتها، ومسماها واحد باعتبار الذات، فهي مترادفة من هذا الوجه، [وتختلف باعتبار الصفات، فهي متباينة من هذا الوجه]، وهكذا أسماء الرب ـ، وأسماء كتابه، وأسماء رسله، وأسماء اليوم الآخر، وأسماء النار ومن أسماء الجنة: 1 - الجنة: [قال الله تعالى: ]ادْخُلُواْ الْـجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[]([1]). 2 - دار السلام: قال سبحانه: ]وَالله يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[([2]). وقال تعالى: ]لـَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[([3]). [فهي دار سلام من كل بليَّة وآفة]([4]). 3 - دار الخلد: قال الله تعالى:]ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْـخُلُودِ[([5])([6]). 4 - دار المقامة، قال الله تعالى: ]الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الـْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ[([7]). 5 - جنة المأوى، قال الله تعالى: ]عِندَهَا جَنَّةُ الـْمَأوَى[([8]). ([1]) سورة النحل، الآية: 32 . ([2]) سورة يونس، الآية: 25 . ([3]) سورة الأنعام، الآية: 127 . ([4]) حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ص113 . ([5]) سورة ق، الآية: 34 . ([6]) سميت بذلك؛ لأن أهلها لا يظعنون عنها أبداً، قال تعالى: ]عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ[ [هود: 108]: والمعنى غير مقطوع، كما قال سبحانه: ]إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ[ [ص: 54]. وقال: ]وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ[ [الحجر: 48]. ([7]) سورة فاطر، الآية: 35 . ([8]) سورة النجم، الآية: 15 . 6 - جنات عدن، قال U: ]جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا[([1])([2]). 7 - الفردوس، قال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ كَانَتْ لـَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً[([3])([4]). 8 - جنات النعيم، قال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لـَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ[([5])([6]). 9 - المقام الأمين، قال الله ([1]) سورة مريم، الآية: 61 . ([2]) جنات عدن: أي من الإقامة والدوام، يقال: عَدَن المكان إذا أقام به، فهي جنات إقامة. حادي الأرواح، ص114 . ([3]) سورة الكهف، الآية: 107 . ([4]) والفردوس: هو البستان الذي يجمع كل شيء يكون في البساتين؛ فتح الباري، لابن حجر، 6/13، والقاموس المحيط، ص725، والفردوس اسم يُقال على جميع الجنة، ويُقال على أفضلها وأعلاها، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنان. حادي الأرواح لابن القيم، ص116، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((والجنة مقبَّبَة أعلاها أوسعها، ووسطها هو الفردوس، وسقفه العرش كما قال r في الحديث الصحيح: ((إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجَّر أنهار الجنة)) [البخاري، برقم 2790، ورقم 7423]. حادي الأرواح، ص84 . ([5]) سورة لقمان، الآية: 8 . ([6]) وهذا اسم جامع لجميع الجنات لما تضمنته من الأنواع التي يتنعم بها من المأكول، والمشروب، والملبوس، والصور، والرائحة الطيبة، والمنظر البهيج، والمساكن الواسعة، وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن. حادي الأرواح، ص116 . المبحث الثاني: تعريف النار وذكر أسمائها: النار لغة: [تقال للهب الذي يبدو للحاسة، وللحرارة المجردة، وللحرارة المحرقة، ولنار جهنم المذكورة في قوله تعالى: ]النَّارُ وَعَدَهَا الله الَّذِينَ كَفَرُوا[]([3])، جمعها: أنْوُرٌ ونيران، وأنيار([4]). والنار في الاصطلاح: هي التي أعدها الله سبحانه لمن عصاه، قال الله سبحانه: ]وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[([5]). وقال تعالى: ]إِنَّ الله لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لـَهُمْ سَعِيرًا[([6]). - ومن أسماء النار نعوذ بالله منها: [1 - النار، قال الله تعالى: ]النَّارُ وَعَدَهَا الله الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ[]([7]). 2 - جهنم، قال الله U: ]إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا، لِلْطَّاغِينَ مَآبًا[([8]). ([1]) سورة القمر، الآية: 55 . ([2]) مقعد صدق: سمى الله الجنة مقعد صدق؛ لحصول كل ما يراد من المقعد الحسن فيها، كما يقال: مودة صادقة: إذا كانت ثابتة تامة. حادي الأرواح، ص117 . ([3]) سورة الحج، الآية: 72 . ([4]) القاموس المحيط، ص628، 630، والمعجم الوسيط، 2/292، ومفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، ص828. والطاهر الزاوي، مختار القاموس، ص624 . ([5]) سورة البقرة، الآية: 39 . ([6]) سورة الأحزاب، الآية: 64 . ([7]) سورة الحج، الآية: 72 . ([8]) سورة النبأ، الآيتان: 21- 22 . 3 - الجحيم، قال الله سبحانه: ]وَبُرِّزَتِ الْـجَحِيمُ لـِمَن يَرَى[([1]). 4 - السعير، قال الله سبحانه: ]وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ[([2]). 5 - سقر، قال تعالى: ]وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ* لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [([3]). 6 - الحُطمة، قال الله سبحانه: ]كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْـحُطَمَةِ[([4]). 7 - الهاوية، قال U: ]وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ*فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ*نَارٌ حَامِيَةٌ[([5])([6]). ([1]) سورة النازعات، الآية: 36 . ([2]) سورة الشورى، الآية: 7 . ([3]) سورة المدثر، الآيتان: 27- 28 . ([4]) سورة الهمزة، الآية: 4 . ([5]) سورة القارعة، الآيات: 8 – 11 . ([6]) وقال الله تعالى: ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ[ [إبراهيم: 28، 29] قال ابن كثير رحمه الله في تفسير القرآن العظيم، 2/539: ((وأما دار البوار فهي جهنم))، وأشار إلى ذلك الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره، 3/53 . يتبع |
هل الجنة والنار موجودتان؟ وأين مكانهما؟ من ذلك حديث أنس t عن الرسول r[في قصة الإسراء]: ((ثم انطلق بي جبريل حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، فغشيها ألوانٌ لا أدري ما هي، قال: ثم دخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ([1]) اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك))([2]). [وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: ((لـَمّا خلق الله الجنة والنار أرسل جبرائيل إلى الجنة، فقال: انظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فجاء فنظر إليها، وإلى ما أعد الله لأهلها فيها... ثم قال: اذهب إلى النار فانظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضاً..]([3]). ([1]) الجنابذ: هي القباب، واحدتها جنبذة، ووقع في كتاب الأنبياء من صحيح البخاري كذلك، وفي هذا الحديث دلالة لمذهب أهل السنة والجماعة: أن الجنة والنار مخلوقتان، وأن الجنة في السماء. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 3/579 . ([2]) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء، برقم 349، وكتاب الأنبياء، برقم 3342، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله r إلى السموات، برقم 162 . ([3]) الترمذي، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في أن الجنة حفّت بالمكاره، وحفّت النار بالشهوات، برقم 2560، والنسائي، كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بعزة الله، برقم 3772، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/20، وفي صحيح النسائي، 3/5 . وقال الإمام الطحاوي رحمه الله: ((والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبداً، ولا تبيدان، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه، وكلٌّ يعمل لما قد فرغ له، وصائرٌ لما خُلق له، والخير والشر مقدران على العباد))([1]). ومن الأحاديث الدالة على وجود الجنة الآن: [حديث] كعب بن مالك t قال: قال رسول الله r: ((إنما نسمة المؤمن طائرٌ يعْلُقُ في شجر الجنة، حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه))([2])([3]). ([1]) أبو جعفر الطحاوي. متن العقيدة الطحاوية، ص12 . ([2]) أخرجه أحمد في المسند، 3/455، وهو في النسخة المحققة، 25/57، برقم 1578 بلفظه، والنسائي، كتاب الجنائز، باب أرواح المؤمنين، برقم 2073 بلفظ: ((إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة حتى يبعثه الله U إلى جسده يوم القيامة)). وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم 4271، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/445، وفي صحيح ابن ماجه، 2/423، وفي الأحاديث الصحيحة، 2/720، برقم 995، وقال الإمام ابن كثير في تفسيره، 4/302 بعد ذكر إسناد الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك عن ابن شهاب،عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه: ((وهذا إسناد عظيم، ومتن قويم)). ([3]) وحديث عبد الله بن مسعود t، وفيه: ذكر الشهداء، وأن: ((أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل))، [مسلم برقم 1887، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة)) [البخاري، برقم 1379، ومسلم، برقم 2866، وذكر الإمام ابن القيم أن عرض المقعد لا يدل على أن الأرواح في القبر، ولا على فنائه، بل على أن لها اتصالاً به يصح أن يعرض عليها مقعدها، فإن للروح شأناً آخر، فقد تكون في الرفيق الأعلى، وهي متصلة بالبدن بحيث إذا سلم المسلم على صاحبه ردّ عليه السلام، وهي في مكانها هناك. شرح السيوطي لسنن النسائي، 4/109 . مكان الجنة والنار: [1 - مكان الجنة] يقول الله سبحانه: ]كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ[([1]). قال ابن عباس رضي الله عنهما: الجنة. وقيل: عليون: في السماء السابعة تحت العرش([2]). وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: ((والظاهر أن عليين مأخوذ من العلو، وكلما علا الشيء وارتفع، عَظُم واتسع؛ ولهذا قال الله ـ معظّماً أمره، ومُفخِّماً شأنه: ]وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ[([3]). وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ]وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ[([4]). ]رِزْقُكُمْ[: يعني المطر، ]وَمَا تُوعَدُونَ[ يعني الجنة))([5])([6]). ([1]) سورة المطففين، الآيتان: 18- 19 . ([2]) تفسير البغوي، 4/460، وتفسير ابن كثير، 4/487 . ([3]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 4/ 487 . ([4]) سورة الذاريات، الآية: 22 . ([5]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 4/236 . ([6]) وقد تقدم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه، برقم 2790، و7423، قوله r: ((إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن...)). ] مكان النـار: يقول الله I: ]كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ*كِتَابٌ مَّرْقُومٌ[([1]). وقد ذكر [الإمام] ابن كثير، و[الإمام] البغوي، و[الإمام] ابن رجب، آثاراً تُبيّن وتذكر أن سجين تحت الأرض السابعة، أي تحت سبع أراضين. [كما أن الجنة فوق السماء السابعة]([2]). اللهم إنا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار([3]). ([1]) سورة المطففين، الآيات: 7-9 . ([2]) انظر:تفسير البغوي، 4/458-459، وتفسير ابن كثير، 4/485-486، والتخويف من النار لابن رجب، ص62-63، وكذلك ذكر الإمام ابن القيم في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ص82-84. ([3]) أسأل الله العظيم بوجهه الكريم، أن يستجيب دعوة المؤلف، وأن يبلغه وشقيقه الذي توفي معه أعلى منازل الشهداء؛ فإنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وأن يجمعهما مع والديهما في ذاك المكان العظيم. نعيم أهل الجنة النعيم النفسي: عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: ((إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟! فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربِّ، وقد أعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟! فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحلُّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً))([1])([2]). ([1]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم 6549، ومسلم، كتاب الجنة ونعيمها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة، فلا يسخط عليهم أبداً، برقم 2829 . ([2]) ومن النعيم النفسي ما جاء في حديث أبي سعيد t أنه ((يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبّون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، ويقال: يا أهل النار، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبّون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، فيُؤمَر به فيُذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت))، [مسلم، برقم 2849]، وفي حديث عبد الله بن عمر نحوه، وقال: ((فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم))، [مسلم، برقم 1850]. ومن أعظم النعيم النفسي النظر إلى وجه الله الكريم؛ لقول الله تعالى: ]لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْـحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [ [يونس: 26]. فالحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم، وقوله تعالى: ]لَـهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ[ [ق: 35]. والمزيد هو النظر إلى وجه الله الكريم، وقوله تعالى: ]وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ[ [القيامة: 22- 23]. وفي الحديث: ((فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئاً أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم U)) [مسلم، برقم 181]. النعيم الحسي لأهل الجنة [1 - أنهار الجنة]يقول الله I: ]مَثَلُ الـْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْـمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لـَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلـَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ[([1]). تفسير الآية: ]مَّثَلُ الْـجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْـمُتَّقُونَ[: أي صفتها. ]فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ[ [أي غير متغير ولا مُنتن]. ]وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ[: لذيذة للشاربين لم تدنسها الأرجل ولم تدنسها الأيدي. ]وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلـَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ[: أي مَن كان في هذا النعيم كمن هو خالد في النار؟؟([2])([3]). ([1]) سورة محمد، الآية: 15 . ([2]) تفسير البغوي، 4/181، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 4/177 . ([3]) ومن أنهار الجنة: نهر الكوثر الذي أُعطيه النبي r: حافتاه قباب اللؤلؤ، [وفي رواية: حافتاه قباب الدُّر المجوّف] [البخاري، برقم 4964، و6581]. أما حوض النبي r فهو في عرصات القيامة: عرضه مسيرة شهر، وطوله مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وطعمه أحلى من العسل، عدد آنيته كنجوم السماء، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً [البخاري، برقم 6579، ومسلم، برقم 2292]. وسوف يأتي اليوم الذي يُذاد عن هذا الحوض من يُذاد، نسأل الله العافية، فقد ثبت عن النبي r أنه قال: ((ليردنَّ عليّ أناس من أصحابي))، وفي رواية: ((أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يُحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سُحقاً سُحقاً لمن غيَّر بعدي))، وقال ابن عباس: سُحقاً: بُعداً [البخاري، برقم 6583، ومسلم، برقم 2292]. ] الحور العين، ومساكن أهل الجنة: يقول الله سبحانه: ]فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لـَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ[([1]). ويقول الله سبحانه: ]وَحُورٌ عِينٌ*كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْـمَكْنُونِ*جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[([2]). ويقول سبحانه: ]مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ[([3]). ويقول رسول الله r: ((في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن))([4]). ([1]) سورة الرحمن، الآية: 56 . ([2]) سورة الواقعة، الآيات: 22-24 . ([3]) سورة الطور، الآية: 20 . ([4]) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، سورة الرحمن، برقم 4879، ومسلم، كتاب الجنة ونعيمها، باب في صفة خيام أهل الجنة، برقم 2838، وفي رواية لمسلم: ((إن للمؤمن في الجنة لخيمةً من لؤلؤة واحدةٍ مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً))، ولا منافاة بين طولها وعرضها في الروايتين، فعرضها في مساحة أرضها ستون ميلاً، وطولها في السماء ستون ميلاً في العلو، فطولها وعرضها متساويان. [شرح النووي على صحيح مسلم، 17/175]. ويقول الله سبحانه في وصف مساكن وغرف الجنة: ]لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لـَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله الْـمِيعَادَ[([1]). قال ابن كثير رحمه الله: ((أخبر U عن عباده السعداء أن لهم غرفاً في الجنة، وهي القصور الشاهقة، ]مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ[، طباق فوق طباق، مبنيات محكمات، مزخرفات، عاليات))([2]). وعن أبي مالك الأشعري t عن رسول الله r قال: ((إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، أعدّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وأفشى السلام، وصلّى بالليل والناس نيام))([3]). وفي حديث أبي هريرة t: [أنهم سألوا رسول الله rعن بناء الجنة؟ فقال] عليه الصلاة والسلام: ((لَبِنةٌ من فضة، ولَبِنةٌ من ذهب، ومِلاطها([4]) المسك الأذفرُ، وحصباؤها اللؤلؤُ والياقوتُ، وتُربَتُها الزعفران، من يدخلها: ينعم ولا يبأس، ويخلدُ ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم. ([1]) سورة الزمر، الآية: 20 . ([2]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 4/672 . ([3]) أحمد في المسند، 5/343، وابن حبان (موارد)، برقم 641، والترمذي عن علي t في كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة غرف الجنة، برقم 2527، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/7، وفي صحيح الجامع، 2/220، برقم 2119 . ([4]) مِلاطها: الطين الذي يملط به الحائط: أي يخلط به. انظر: النهاية في غريب الحديث، 4/357 . الحور: جمع حوراء وهي: المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء، شديدة سواد العين، التي يحار الطرف فيها من رقَّة الجلد، ومن صفاء اللون، [قاله: مجاهد، والصحيح أن الحور مأخوذ من الحور في العين، وهو شدة بياضها مع قوة سوادها، فهو يتضمّن الأمرين))]([1])([2]). ([2]) ولا شك أن صفات الحور العين في الأحاديث كثيرة، وكذلك صفات مساكن أهل الجنة ومن ذلك على وجه الاختصار ما يأتي: أما صفات الحور العين، فقد جاء فيها حديث أبي هريرة t، أن رسول الله r قال: ((إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دُرِّيّ في السماء إضاءة، لكل امرئٍ منهم زوجتان اثنتان يُرى مُخُّ سُوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب))، [البخاري، برقم 3246، 3254، 3327، ومسلم، واللفظ له، برقم 2834]، وجاء في حديث أنس t: ((ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطّلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولَـنَصِيفُها على رأسها – يعني خمارَها – خير من الدنيا وما فيها))، [البخاري، برقم 6568، ورقم 2796]، وعن عبد الله بن مسعود t عن النبي r قال: ((أول زمرة يدخلون الجنة كأنّ وجوههم ضوء القمر ليلةَ البدر، والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دُرّيّ في السماء، لكل رجل منهم زوجتان من الحور العين، على كل زوجة سبعون حُلّة، يُرى مُخُّ سُوقهما من وراء لحومِهِما، وحُللهما، كما يُرى الشَّرابُ الأحمرُ في الزجاجة البيضاء))، [الطبراني في المعجم الكبير، 1/160، برقم 10321، وقال ابن القيم في كتابه حادي الأرواح، ص346: ((وهذا الإسناد على شرط الصحيح))، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/411: ((وإسناد ابن مسعود صحيح)) بعد أن نسبه إلى معجم الطبراني الأوسط فقط ((برقم 4897 مجمع البحرين))] وغير ذلك كثير في السنة المطهرة. وأما مساكن أهل الجنة وقصورهم فقد جاء فيها أحاديث كثيرة، منها حديث أبي هريرة t، أن النبي r رأى امرأة وقصراً من ذهب لعمر في الجنة، [البخاري، برقم 3242، ورقم 7024، ومسلم، برقم 2394-2395]. وجاء جبريل u، إلى النبي r وأمره أن يبشّر خديجة ببيت في الجنة من قصبٍ، لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ)) [البخاري، برقم 3820، ومسلم، برقم 2432] وقوله: ((من قصب: أي من لؤلؤة مجوّفة واسعة كالقصر المنيف، وقيل: بيت من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت [فتح الباري لابن حجر، 7/138]. وثبت عن عثمان t عن النبي r أنه قال: ((من بنى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة)) [مسلم، برقم 533، واللفظ له، والبخاري، برقم 450]. وثبت في حديث أم حبيبة رضي الله عنها: ((ما من مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة، أو إلا بُنِيَ له بيت في الجنة)) [مسلم، برقم 728]، وفسرها الترمذي بأنها السنن الرواتب. وأصحاب الغرف لهم مكانة عالية في الجنة، ولهذا جاء في حديث أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قال: ((إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدرّي الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم))، قالوا: يا رسول الله: تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم، قال: ((بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدّقوا المرسلين))، [مسلم، برقم 2831]. يتبع |
] أَكلُ أهل الجنة، وشرابهم: يقول الله I: ]وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِـحَاتِ أَنَّ لـَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَـهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[([1]). كما قال I: ]إِنَّ الْـمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ*وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ*كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْـمُحْسِنينَ}([2]). وقال سبحانه: ]وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَـحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ[([3]). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: ((يأكل أهل ([1]) سورة البقرة، الآية: 25 . ([2]) سورة المرسلات، الآيات: 41-44 . ([3]) سورة الواقعة، الآيتان: 20- 21. الجنة فيها ويشربون، ولا يتغوّطون، ولا يمتخّطون، ولا يبولون، ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح المسك، يُلهَمون التسبيح والتحميد كما يُلهَمون النَّفَس))([1])([2]). ([1]) مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب صفات الجنة وأهلها، وتسبيحهم فيها، برقم 2835 . ([2]) ونعيم أهل الجنة لا يحصيه إلا الله U، كما في حديث أبي هريرة t عن النبي r قال: ((يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فاقرأوا إن شئتم: ]فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لـَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ [)) [البخاري، برقم 3244، ومسلم، برقم 2824، والآية: 17 من سورة السجدة]. وفي حديث أبي هريرة t أن رسول الله r قال: ((أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشدّ كوكب دُرّيٍّ في السماء إضاءة: لا يبولون، ولا يتغوّطون، ولا يتفلون، ولا يمتخّطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوّة الأنجوم عود الطيب، وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء))، وفي لفظ: ((... ولكل واحد منهم زوجتان، كل واحدة منهما يُرى مخُّ ساقها من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد))، [البخاري، 3245، 3246، 3254، 3327، ومسلم، برقم 2834]. وأبواب الجنة ثمانية، ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام [مسلم، برقم 234، ورقم 2967]. وأول من يدخل الجنة فيستفتح فتفتح له أبوابها محمد r، [مسلم، برقم 196، 197] . درجات الجنة أعلاها الوسيلة، وهي للنبي محمد r، وهي أقرب الدرجات إلى العرش، وهي أقرب الدرجات إلى الله تعالى [مسلم، برقم 384، وحادي الأرواح لابن القيم، ص99] والفردوس؛ لقول النبي r : ((إن في الجنة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن))، [البخاري، 2790، 7423]، وفي حديث أبي سعيد t: أنه يقال لصاحب القرآن يوم القيامة إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه)) [أحمد في المسند، 3/40]، وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي r قال: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارقَ، ورتِّل كما كنت تُرتّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)) [الترمذي، برقم 3003، وأحمد، 2/192، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/10]. والخلاصة أن أهل الجنة: لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ويقال لأدناهم منزلة: ((ولك ما اشتهت نفسك، ولذّت عينك)) [انظر: سورة الزخرف، الآيات: 70-73، ومسلم، برقم 189]. وأعظم النعيم نظر المؤمنين إلى وجه الله تعالى؛ لحديث صهيب t: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبيِّض وجوهنا، وتدخلنا الجنة وتنجِّنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئاً أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم U)) [مسلم، برقم 181]. النبي r قال: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارقَ، ورتِّل كما كنت تُرتّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)) [الترمذي، برقم 3003، وأحمد، 2/192، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/10]. والخلاصة أن أهل الجنة: لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ويقال لأدناهم منزلة: ((ولك ما اشتهت نفسك، ولذّت عينك)) [انظر: سورة الزخرف، الآيات: 70-73، ومسلم، برقم 189]. وأعظم النعيم نظر المؤمنين إلى وجه الله تعالى؛ لحديث صهيب t: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبيِّض وجوهنا، وتدخلنا الجنة وتنجِّنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئاً أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم U)) [مسلم، برقم 181]. |
عذاب أهل النار
المبحث الأول: العذاب النفسي: ([1]) سورة إبراهيم، الآية: 22 . ([2]) وأحال الابن عبد الرحمن رحمه الله على كتاب الفوز العظيم للاستفادة من آيات أخرى، ومنها قول الله تعالى: ]أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ*قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ*رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِـمُونَ* قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ*إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ*فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ*إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ[ [المؤمنون: 105-111]. وقال U: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَـمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ*قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ*ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْـحُكْمُ لله الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ[ [غافر: 10-12]، وقال الله تعالى: ]وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِـخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ*قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ[ [غافر: 49، 50]، وقال سبحانه: ]وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ*لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْـحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ[ [الزخرف: 77، 78]. وقال الله تعالى: ]وَنَادَى أَصْحَابُ الْـجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظَّالـِمِينَ[ [الأعراف: 44]. وقال الله U: ]وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْـجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْـمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قَالُواْ إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ*الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَـهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ[ [الأعراف: 50، 51]. [و] من أعظم عذاب أهل النار حجابهم عن ربهم I، قال سبحانه: ]كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لّـَمَحْجُوبُونَ*ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْـجَحِيمِ*ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ[([1]). المبحث الثاني: العذاب الحسي لأهل النار: [و] قال I: ]وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ[([4]). قال الشيخ السعدي رحمه الله: ((وسقوا فيها ماءً حميماً)) أي حارّاً جدّاً([5]). ([1]) سورة المطففين، الآيات: 15-17 . ([2]) سورة الزخرف، الآيتان: 74- 75 . ([3]) سورة النبأ، الآية: 30 . ([4]) سورة محمد، الآية: 15 . ([5]) تيسير الكريم الرحمن للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص786 . ومن عذاب أهل النار: الجحيم، والزقوم: يقول I: ]إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْـمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ*كَغَلْيِ الْـحَمِيمِ*خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْـجَحِيمِ*ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْـحَمِيمِ*ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ[([1]). قال السعدي رحمه الله: (( لَـمَّا ذكر يوم القيامة، وأنه يفصِلُ بين عباده فيه، ذكر افتراقهم إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير، وهم الآثمون بفعل الكفر والمعاصي، وأن طعامهم ]شَجَرَةَ الزَّقُّومِ[، شرّ الأشجار، وأفظعها، وأن طعامها ]كَالْـمُهْلِ[، أي كالصديد المنتن، خبيث الريح والطعم، شديد الحرارة، يغلي في بطونهم. ]كَغَلْيِ الْـحَمِيمِ[: ويُقال للمعذَّب: ]ذُقْ[ هذا العذاب الأليم، والعقاب الوخيم، ]إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ[ أي بزعمك أنك عزيزٌ ستمتنع من عذاب الله، وأنك الكريم على الله، لا يصيبك بعذاب، فاليوم تبيّن لك أنك أنت الذليل المهان الخسيس([2])([3]). ([1]) سورة الدخان، الآيات: 43-49 . ([2]) تيسير الكريم الرحمن للعلامة السعدي، ص774 . ([3]) ولا شك أن عذاب النار أكثر الله من ذكره في كتابه، وبيّنه رسوله r إنذاراً للناس، وتحذيراً لهم، قال الله تعالى: ]فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْـحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ[ [البقرة: 24]. وقال تعالى: ]فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى*لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى*الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى[ [الليل: 14-16]. والنبي r أنذر وحذّر من النار، ومن ذلك قوله: ((أنا آخذ بحُجَزكم عن النار، هلمَّ عن النار هلمَّ عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها)) [مسلم، 2284]. · ومن تحذير الله U بيانه لأبوابها بقوله: ]وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَـمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ*لَـهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ[ [الحجر: 43-44]. · وبيَّن أن أهل النار يلعن بعضهم بعضاً، وكلما دخلت أمة لعنت أختها، وبيّن النبي r أن عمق النار في دركاتها سبعون عاماً يقول: ((هذا حجر رُمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها)) [مسلم، برقم 2844]. · وبيَّن r أن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشدّ منه عذاباً. [مسلم، برقم 213]. · وأخبر r أنه: يُؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرّونها [مسلم، برقم 2842]. · وأهل النار ]يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْـحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْـجُلُودُ[ [الحج: 19، 20].]وَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ*سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ[ [إبراهيم: 49، 50]. · والله ﻷ جعل جسم الكافر في النار عظيماً؛ ليزداد عذابه، ففي حديث أبي هريرةt يرفعه: ((ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع)) [البخاري، برقم 6552، ومسلم، برقم 2852]. وقال r: ((ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغِلَظُ جلده مسيرة ثلاث))، [مسلم، برقم 2851]. · وأهل النار يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وهذا هو الخسران المبين. نعوذ بالله من ذلك. · ومن عذاب أهل النار قوله الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ الله كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا[ [النساء: 56]، وقوله سبحانه: ]يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرَّسُولاْ[ [الأحزاب: 66]. · وقال الله ﻷ: ]يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ[ [القمر: 48]. · وفي الحديث: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يُساقون إلى سجن في جهنم، يُسمَّى بولس، تعلوهم نارُ الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخَبَال)) [الترمذي، برقم 2623، وأحمد، 2/189، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/304]. · وفي حديث عبد الله بن قيس t يرفعه: ((إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم)) يعني مكان الدمع، [الحاكم، 4/605، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة، 4/245، برقم 1679]. · وعذاب أهل النار أكثر الله من ذكره في كتابه، وأكثر رسوله r في سنته كذلك. نسأل الله الفردوس، ونعوذ به من النار. · بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ[ [الحجر: 43-44]. · وبيَّن أن أهل النار يلعن بعضهم بعضاً، وكلما دخلت أمة لعنت أختها، وبيّن النبي r أن عمق النار في دركاتها سبعون عاماً يقول: ((هذا حجر رُمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها)) [مسلم، برقم 2844]. · وبيَّن r أن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشدّ منه عذاباً. [مسلم، برقم 213]. · وأخبر r أنه: يُؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرّونها [مسلم، برقم 2842]. · وأهل النار ]يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْـحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْـجُلُودُ[ [الحج: 19، 20].]وَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ*سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ[ [إبراهيم: 49، 50]. · والله ﻷ جعل جسم الكافر في النار عظيماً؛ ليزداد عذابه، ففي حديث أبي هريرةt يرفعه: ((ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع)) [البخاري، برقم 6552، ومسلم، برقم 2852]. وقال r: ((ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغِلَظُ جلده مسيرة ثلاث))، [مسلم، برقم 2851]. · وأهل النار يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وهذا هو الخسران المبين. نعوذ بالله من ذلك. · ومن عذاب أهل النار قوله الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ الله كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا[ [النساء: 56]، وقوله سبحانه: ]يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرَّسُولاْ[ [الأحزاب: 66]. · وقال الله ﻷ: ]يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ[ [القمر: 48]. · وفي الحديث: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يُساقون إلى سجن في جهنم، يُسمَّى بولس، تعلوهم نارُ الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخَبَال)) [الترمذي، برقم 2623، وأحمد، 2/189، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/304]. وفي حديث عبد الله بن قيس · دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم)) يعني مكان الدمع، [الحاكم، 4/605، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة، 4/245، برقم 1679]. · وعذاب أهل النار أكثر الله من ذكره في كتابه، وأكثر رسوله r في سنته كذلك. نسأل الله الفردوس، ونعوذ به من النار. t يرفعه: ((إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في |
عذاب أهل النار
المبحث الأول: العذاب النفسي: ([1]) سورة إبراهيم، الآية: 22 . ([2]) وأحال الابن عبد الرحمن رحمه الله على كتاب الفوز العظيم للاستفادة من آيات أخرى، ومنها قول الله تعالى: ]أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ*قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ*رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِـمُونَ* قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ*إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ*فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ*إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ[ [المؤمنون: 105-111]. وقال U: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَـمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ*قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ*ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْـحُكْمُ لله الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ[ [غافر: 10-12]، وقال الله تعالى: ]وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِـخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ*قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ[ [غافر: 49، 50]، وقال سبحانه: ]وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ*لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْـحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ[ [الزخرف: 77، 78]. وقال الله تعالى: ]وَنَادَى أَصْحَابُ الْـجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظَّالـِمِينَ[ [الأعراف: 44]. وقال الله U: ]وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْـجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْـمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قَالُواْ إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ*الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَـهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ[ [الأعراف: 50، 51]. [و] من أعظم عذاب أهل النار حجابهم عن ربهم I، قال سبحانه: ]كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لّـَمَحْجُوبُونَ*ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْـجَحِيمِ*ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ[([1]). المبحث الثاني: العذاب الحسي لأهل النار: [و] قال I: ]وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ[([4]). قال الشيخ السعدي رحمه الله: ((وسقوا فيها ماءً حميماً)) أي حارّاً جدّاً([5]). ([1]) سورة المطففين، الآيات: 15-17 . ([2]) سورة الزخرف، الآيتان: 74- 75 . ([3]) سورة النبأ، الآية: 30 . ([4]) سورة محمد، الآية: 15 . ([5]) تيسير الكريم الرحمن للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص786 . ومن عذاب أهل النار: الجحيم، والزقوم: يقول I: ]إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْـمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ*كَغَلْيِ الْـحَمِيمِ*خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْـجَحِيمِ*ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْـحَمِيمِ*ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ[([1]). قال السعدي رحمه الله: (( لَـمَّا ذكر يوم القيامة، وأنه يفصِلُ بين عباده فيه، ذكر افتراقهم إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير، وهم الآثمون بفعل الكفر والمعاصي، وأن طعامهم ]شَجَرَةَ الزَّقُّومِ[، شرّ الأشجار، وأفظعها، وأن طعامها ]كَالْـمُهْلِ[، أي كالصديد المنتن، خبيث الريح والطعم، شديد الحرارة، يغلي في بطونهم. ]كَغَلْيِ الْـحَمِيمِ[: ويُقال للمعذَّب: ]ذُقْ[ هذا العذاب الأليم، والعقاب الوخيم، ]إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ[ أي بزعمك أنك عزيزٌ ستمتنع من عذاب الله، وأنك الكريم على الله، لا يصيبك بعذاب، فاليوم تبيّن لك أنك أنت الذليل المهان الخسيس([2])([3]). ([1]) سورة الدخان، الآيات: 43-49 . ([2]) تيسير الكريم الرحمن للعلامة السعدي، ص774 . ([3]) ولا شك أن عذاب النار أكثر الله من ذكره في كتابه، وبيّنه رسوله r إنذاراً للناس، وتحذيراً لهم، قال الله تعالى: ]فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْـحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ[ [البقرة: 24]. وقال تعالى: ]فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى*لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى*الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى[ [الليل: 14-16]. والنبي r أنذر وحذّر من النار، ومن ذلك قوله: ((أنا آخذ بحُجَزكم عن النار، هلمَّ عن النار هلمَّ عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها)) [مسلم، 2284]. · ومن تحذير الله U بيانه لأبوابها بقوله: ]وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَـمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ*لَـهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ[ [الحجر: 43-44]. · وبيَّن أن أهل النار يلعن بعضهم بعضاً، وكلما دخلت أمة لعنت أختها، وبيّن النبي r أن عمق النار في دركاتها سبعون عاماً يقول: ((هذا حجر رُمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها)) [مسلم، برقم 2844]. · وبيَّن r أن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشدّ منه عذاباً. [مسلم، برقم 213]. · وأخبر r أنه: يُؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرّونها [مسلم، برقم 2842]. · وأهل النار ]يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْـحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْـجُلُودُ[ [الحج: 19، 20].]وَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ*سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ[ [إبراهيم: 49، 50]. · والله ﻷ جعل جسم الكافر في النار عظيماً؛ ليزداد عذابه، ففي حديث أبي هريرةt يرفعه: ((ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع)) [البخاري، برقم 6552، ومسلم، برقم 2852]. وقال r: ((ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغِلَظُ جلده مسيرة ثلاث))، [مسلم، برقم 2851]. · وأهل النار يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وهذا هو الخسران المبين. نعوذ بالله من ذلك. · ومن عذاب أهل النار قوله الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ الله كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا[ [النساء: 56]، وقوله سبحانه: ]يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرَّسُولاْ[ [الأحزاب: 66]. · وقال الله ﻷ: ]يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ[ [القمر: 48]. · وفي الحديث: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يُساقون إلى سجن في جهنم، يُسمَّى بولس، تعلوهم نارُ الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخَبَال)) [الترمذي، برقم 2623، وأحمد، 2/189، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/304]. · وفي حديث عبد الله بن قيس t يرفعه: ((إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم)) يعني مكان الدمع، [الحاكم، 4/605، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة، 4/245، برقم 1679]. · وعذاب أهل النار أكثر الله من ذكره في كتابه، وأكثر رسوله r في سنته كذلك. نسأل الله الفردوس، ونعوذ به من النار. · بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ[ [الحجر: 43-44]. · وبيَّن أن أهل النار يلعن بعضهم بعضاً، وكلما دخلت أمة لعنت أختها، وبيّن النبي r أن عمق النار في دركاتها سبعون عاماً يقول: ((هذا حجر رُمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها)) [مسلم، برقم 2844]. · وبيَّن r أن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشدّ منه عذاباً. [مسلم، برقم 213]. · وأخبر r أنه: يُؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرّونها [مسلم، برقم 2842]. · وأهل النار ]يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْـحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْـجُلُودُ[ [الحج: 19، 20].]وَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ*سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ[ [إبراهيم: 49، 50]. · والله ﻷ جعل جسم الكافر في النار عظيماً؛ ليزداد عذابه، ففي حديث أبي هريرةt يرفعه: ((ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع)) [البخاري، برقم 6552، ومسلم، برقم 2852]. وقال r: ((ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغِلَظُ جلده مسيرة ثلاث))، [مسلم، برقم 2851]. · وأهل النار يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وهذا هو الخسران المبين. نعوذ بالله من ذلك. · ومن عذاب أهل النار قوله الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ الله كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا[ [النساء: 56]، وقوله سبحانه: ]يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرَّسُولاْ[ [الأحزاب: 66]. · وقال الله ﻷ: ]يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ[ [القمر: 48]. · وفي الحديث: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يُساقون إلى سجن في جهنم، يُسمَّى بولس، تعلوهم نارُ الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخَبَال)) [الترمذي، برقم 2623، وأحمد، 2/189، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/304]. وفي حديث عبد الله بن قيس · دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم)) يعني مكان الدمع، [الحاكم، 4/605، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة، 4/245، برقم 1679]. · وعذاب أهل النار أكثر الله من ذكره في كتابه، وأكثر رسوله r في سنته كذلك. نسأل الله الفردوس، ونعوذ به من النار. t يرفعه: ((إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في |
الطريق إلى الجنة، وأسباب دخولها المبحث الأول: أسباب دخول الجنة: 1 - الطريق إلى الجنة: هو طاعة الله ورسوله r، قال الله سبحانه: ]وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[([1]). 2 - طلب العلم النافع((علم الكتاب والسنة)). 3 - الإيمان والعمل الصالح. ومن الأعمال الصالحة: أ - القيام بأركان الإسلام [وأركان الإيمان] على الوجه الأكمل. ب – حسن الخلق، وصلة الأرحام، والصدقة على الفقراء والمساكين، وإكرام الضيف، إلى غير ذلك من الأعمال الصالحة. ومن الأسباب الموصلة للجنة: - برّ الوالدين. - ذكر الله تعالى. - الرحمة. - إفشاء السلام. ([1]) سورة النساء، الآية: 13 . رحمة الضعفاء والمساكين، ومساعدة الناس في الدَّين([1]). المبحث الثاني: دخول الجنة برحمة الله لا بالعمل [عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: ((قاربوا وسدِّدوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله)) قالوا: يا رسول الله، ولا أنت؟ قال: ((ولا أنا إلاّ أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل))([2]). وعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي r قال: ((سدِّدوا، وقاربوا، وأبشروا؛ فإنه لا يُدخِل أحداً الجنة عملُهُ)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا، إلاّ أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة)) وفي لفظ: ((واعلموا أن أحبّ العمل إلى الله أدومه وإن قلّ))([3]). ([1]) ويجمع أسباب دخول الجنة: طاعة الله ورسوله كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى. ومن ذلك: الصدق في القول والعمل، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، والإحسان إلى الجيران، واليتامى، وتخفيف الكرب عن المكروب من المسلمين، والتيسير على المعسر، وستر المسلم وإعانته، والإخلاص لله، والتوكل عليه، والمحبة له ولرسوله r، وخشية الله، ورجاء رحمته، والتوبة إليه، والصبر على حكمه، والشكر لنعمه، وقراءة القرآن، ودعاء الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله للكفار والمنافقين، وأن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عن من ظلمك، والعدل في جميع الأمور، وعلى جميع الخلق، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام، والدعوة إلى الله، والنصيحة: لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم، وغير ذلك من أمثال هذه الأعمال التي هي أعمال أهل الجنة، وبرحمة الله ثم بها يصل العبد إلى جنات النعيم، وذلك الفوز العظيم. [انظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 10/422-423]. ([2]) مسلم،كتاب صفات المنافقين،باب لن يدخل الجنة أحد بعمله بل برحمة الله تعالى،برقم 2816. ([3]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، برقم 6464، و6467، ومسلم، كتاب صفات المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى، برقم 2818 . قال الإمام النووي رحمه الله: ((وفي ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته، وأما قوله تعالى: ]ادْخُلُواْ الْـجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[([1])، ]وَتِلْكَ الْـجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[([2])، ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يدخل بها الجنة، فلا يعارض هذه الأحاديث بل معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص فيها، وقبولها برحمة الله تعالى وفضله، فيصحّ أنه لم يدخل بمجرد العمل وهو مراد الأحاديث، ويصحّ أنه دخل بالأعمال بسببها، وهي من الرحمة، والله أعلم] ([3]). ([1]) سورة النحل، الآية: 32 . ([2]) سورة الزخرف، الآية: 72 . ([3]) شرح النووي على صحيح مسلم، 17/116 . النجاة من النار، وأسباب دخولها الأسباب الموصلة إلى النار: الأسباب الموصلة إلى النار، والعياذ بالله، كثيرة جداً، وجامعها: ((معصية الله ورسوله r)). [قال الله تعالى: ]وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ[]([1])، ومنها على وجه الإيجاز: 1 – الإشراك بالله تعالى. 2 – التكذيب بالرسل. 3 – الكفر. 4 – الحسد. 5 – الظلم. 6 – الخيانة. 7 – قطيعة الرحم. 8 – البخل والشح. 9 – الرياء. 10 – النفاق. 11 – الأمن من مكر الله. 12 – اليأس من روح الله. ([1]) سورة النساء، الآية: 14 . 13 – جميع كبائر الذنوب التي وردت في الكتاب والسنة، وغير ذلك([1]). كيف نقي أنفسنا وأهلينا من النار؟ قال الله I: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْـحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[([2]). [قال العلامة السعدي رحمه الله: ((أي يا مَنْ منَّ الله عليهم بالإيمان قوموا بلوازمه وشروطه، و]قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا[ موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، والقيام بأمره امتثالاً، ونهيه اجتناباً، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل، والأولاد بتأديبهم، وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلاّ إذا قام بما أمر الله به في نفسه وفيما يدخل تحت ولايته من ([1]) ومن ذلك أيضاً: الفجور، وعمل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والغدر، والجبن عن الجهاد، والفخر، والبطر عند النعم، واعتداء حدود الله، وانتهاك حرماته، وخوف المخلوق دون الخالق، ورجاء المخلوق دون الخالق، والتوكل على المخلوق دون الخالق، ومخالفة الكتاب والسنة، وطاعة المخلوق في معصية الخالق، وعمل السبع الموبقات، وإعطاء الرشوة، والغيبة، والنميمة، وشهادة الزور، وشرب الخمر، والكبر، والخيلاء، والسرقة، واليمين الغَموس، وتشبّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، والمنّ بالعطية، وإنفاق السلعة بالحلف الكاذبة، وتصديق الكاهن والمنجم، والتصوير لذوات الأرواح، واتخاذ القبور مساجد، والنياحة على الميت، وإسبال الإزار للرجال، ولبس الحرير أو الذهب للرجال، وأذى الجار، وإخلاف الوعد، وغير ذلك من أمثال هذه الأعمال [وانظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 10/423-424، والكبائر للذهبي، وتنبيه الغافلين لابن النحاس]. ([2]) سورة التحريم، الآية: 6 . الزوجات، والأولاد، وغيرهم ممن هو تحت ولايته، وتصرّفه، ووصف الله النار بهذه الأوصاف؛ ليزجر عباده عن التهاون بأمر الله))...]([1]). وقال الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[([2]) ثم ذكر سبحانه: 1 –]تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ[. 2 –]وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[. إذن فهذان سببان لدخول الجنة بإذن الله، والنجاة من عذابه، نعوذ بالله من عذابه، ونسأله الجنة([3]). [قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسير هاتين الآيتين الكريمتين: ((هذه وصيّة، ودلالة وإرشاد، من أرحم الراحمين لعباده المؤمنين؛ لأعظم تجارة، وأجلّ مطلوب، وأعلى مرغوب، يحصل بها النجاة من العذاب الأليم، والفوز بالنعيم المقيم، وأتى بأداة العرض الدالة على أن هذا أمر يرغب فيه كل متبصر، ويسمو إليه كل لبيب، فكأنه قيل: ما هذه التجارة التي هذا قدرها؟ فقال: ]تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ[ ومن المعلوم أن الإيمان التام هو التصديق الجازم بما أمر الله بالتصديق الجازم بما أمر الله بالتصديق به، المستلزم لأعمال الجوارح، ومن أجلِّ أعمال الجوارح: الجهاد في سبيل الله؛ ([1]) تفسير السعدي، ص874 . ([2]) سورة الصف، الآيتان 10- 11 . ([3]) اللهم استجب للمؤلف هذا الدعاء، وأدخله الجنة، وأعذه من النار!. فلهذا قال: ]وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ[ بأن تبذلوا نفوسكم ومهجكم لمصادمة أعداء الإسلام، والقصد نصر دين الله، وإعلاء كلمته، وتنفقون ما تيسّر من أموالكم في ذلك المطلوب؛ فإن ذلك ولو كان كريهاً للنفوس، شاقّاً عليها؛ فإنه: ]خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[]([1]). ومن الأسباب الواقية من النار: العمل بطاعة الله، والابتعاد عن ما يغضبه ـ: فإذا أطاع الإنسان ربّه، وابتعد عما يُنهى عنه، فإنه قد عمل الأسباب [والقبول والتوفيق بيد الله] I، نسأل الله الكريم من فضله. وللاستزادة من الأسباب الواقية انظر كتب أهل العلم التي كتبوها في ذلك. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه([2]). ([1]) تفسير السعدي، ص860 . ([2]) من أعظم أسباب الوقاية من النار: العمل بأسباب دخول الجنة، والابتعاد عن أسباب دخول النار، وقد تقدّمت في الفصلين السابقين كما ذكرها الابن عبد الرحمن رحمه الله تعالى. والله أسأل أن يتقبل منه هذا البحث، وأن يرفع به درجاته في الفردوس في أعلى درجات الشهداء؛ فإنه سبحانه أكرم الأكرمين، وهو ذو الجود والإحسان بمنّه وكرمه، وإحسانه ورحمته. وصلى الله وسلّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
انا جيت ^_^
http://www.dohaup.com/album/18/dohaup_814172438.gif مجهود رائع وموضوع قيّم بانتظار المزيد من هذا العطاء لك مني ارقّ تحية وأعذبها http://www.dohaup.com/album/18/dohaup_814172438.gif |
مشكور يا عبد الرحمن على مرورك
الله يجبر خاطرك ياخوك |
بارك الله بك وأثابك الجنة وجعله في ميزان حسناتك شكرا على الإفادة والطرح |
الساعة الآن 02:56 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |