منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   تأملات قرآنيه (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=9155)

أرب جمـال 12 - 8 - 2010 04:53 AM

تأملات قرآنيه
 
تأملات قرآنيه

تأملات في ابتسامة سليمان عليه السلام
http://www.arabna.info/userfiles/ima...AntDefense.JPGhttp://www.arabna.info/userfiles/ima...AntDefense.JPGسامي الهسنياني

هل شعرت يوماً بالراحة والاطمئنان وأنت تدخل على شخص غاضب منك وتراه يبتسم في وجهك؟ وهل شعرت بالسعادة وأنت تبتسم في وجه إخوانك وأصدقائك؟ وهل شعرت بأن الشفاء يسري في جسدك وأنت ترى الطبيب يبتسم في وجهك وهو يشخص لك العلاج؟ وهل علمت بأن الابتسامة لها فعل السحر في العقول؟ وهل شعرت بانجذاب نحو شخص يبتسم في وجهك كلما رآك؟ وهل علمت أخي القارئ الكريم بأن الابتسامة أصبحت علم يدرس وفن يمارس لتحسين العلاقات الاجتماعية وتنمية الجوانب الاقتصادية والدبلوماسية، وهل تعلم أن تم الاعتراف به كعلم في بداية القرن العشرين وسمي بعلم نفس الضحك.
لا شيء يعادل الابتسامة المشرقة، فهي سر من أسرار الجاذبية وطريق مختصر للتجاذب بين القلوب، فالابتسامة رمزا للصحة السليمة.
ذكر لنا القرآن الكريم قصة سليمان عليه السلام مع النملة وكيف أنه تبسّم لقولها، قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾سورة النمل. وقال رسول الله عليه السلام يحث المسلمين بطلاقة الوجه والتبسم في وجه بعضهم البعض، فقد قال: (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، وقال أيضاً :(تبسمك في وجه أخيك صدقة)،وقال أيضاً : (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق).
وقد كان عليه الصلاة والسلام أكثر الناس تبسماً لأصحابه، يقول عبد الله بن الحارث بن حزم: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول المثل الصيني: إن الذي لا يحسن الابتسامة لا ينبغي له أن يفتح متجراً.
والابتسامة الصادقة النابعة من شغاف القلب هي التي تفعل فعل السحر وتجذب كالمغناطيس، وهي التي تزيد الوجه رونقا وبهاء؛ لا الابتسامة المصطنعة التي تخفي وراءها الكيد والمكر. وأن الطريقة المثلى للابتسامة هي أن تبتسم وأنت تنظر للشخص الذي تحدثه، فهذا سيعطيه شعوراً سريعاً بالأمن والاطمئنان، ودلالة على التواضع والمحبة.
والابتسامة اليوم أصبح ظاهرة حضارية لتعديل مزاج الإنسان وإزالة التوتر وضغوطات الحياة اليومية، وتفتح لها دورات خاصة لتعليم الآخرين الابتسامة في وجه المقابل.
يقول أحد العلماء: إن كل إنسان منا لديه مواد كيميائية خاصة تفرزها أجهزة جسمه عندما يتعرض للخوف أو الحزن أو الكآبة أو القلق. هذه المواد تكون في أدنى مستوى لها عندما تنظر لشخص قدم إليك وهو يبتسم في وجهك!!! لماذا؟ لأن هذه الابتسامة قد أزالت من ذهنك أي خوف أو قلق حول هذا الشخص. وبالنتيجة نستخلص أن الابتسامة هي أسلوب مهم للنجاح في الحياة. يقول العلم أنه عندما يبتسم الإنسان يتحرك من (5- 13) عضلة في الوجه، وعندما يكون في حالة تجهم وعبوس يعمل (47) عضلة...
والآن إلى أهم هذه التأملات:
مختصر القصة سليمان عليه السلام وجنوده يتفقدون الرعية، يمرون على وادٍ به نمل كثير فكانت القصة كما رواها القرآن الكريم. ومن الآية نستنتج ما يلي:
1- تبسم سليمان عليه السلام لكلام النملة هو بمثابة تبسم الكبير للضعيف الذي يخافه وهو لا ينوي أذاه.
2- تبسم سليمان عليه السلام لكلام النملة هو بمثابة تبسم الحاكم العادل للفقير الضعيف الذي يرجوا النجاة والخلاص دون أن يلحقه الأذى من الحاكم، وهو يرى تصرفات الضعيف الدالة على ذلك.
3- الابتسامة دلالة على أن سليمان عليه السلام لم يقصر في حق رعيته، وأنه مرتاح الضمير ومستقر نفسياً وأنه ايجابي التعامل مع الأحداث.
4- تبسمه لكلام النملة قد يكون من إعجابه بهذا المخلوق الصغير والضعيف، كيف انه يدافع عن مملكته منادياً فيهم الدخول في مساكنهم.
5- تبسمه لكلام النملة أعطى للنملة القوة في الكلام، وهو ما نلاحظه من الآية.
6- تبسمه لكلام النملة أدى إلى إنقاذ مملكة النمل من الدمار.
7- تبسمه دلالة على أن مطالب الضعفاء والمظلومين مجابة، وأن مطالبهم في أكثر الأحيان مقبولة.
8- تبسمه دلالة على أن للمظلوم حق أن يدافع عن نفسه أمام أي شخص كان وأن حقه راد إليه لا لظلم القوي على الفقير الضعيف، أي أن العدالة سارية آخذة مجراها.
9- على الحاكم أن يبتسم في وجه الرعية كبيرها وصغيرها، قويها وضعيفها، فقيرها وغنيها، حاضرها وغائبها، لا أن يبتسم للحاشية ويكشّر ويتهجّم أمام الرعية التي لا حول لها.
10- الابتسامة دلالة على أن الرعية في مأمن (الإنسان والحيوان ) كل مصان حقه.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/7/57320700.jpg

11- دلالة على الشخصية السوية والمتزنة والشفافة والتي تتأثر بأي كلام صادر حتى ولو من ضعيف مهمش.
12- كلام النملة ذكّره بأن هناك في مملكته من لا يحسّ بهم إلا أن يلتقي بهم بموعد أو بغير موعد، فكان درس عظيم للحاكم العادل.
13- تبسمه شرح صدره بأن يدعوا الله تعالى ويشكر نعمه الجزيلة.
14- دلالة على أن المملكة في مأمن، لا خيانات ولا انقلابات.
15- دلالة على توفر العدالة الاجتماعية للجميع حتى الحيوان الصغير الذي له الحق بعيش رغيد في ظل حكم عادل.
16- وجود فسحة في حياة الحاكم وحياة الداعية فيه من اللهو المباح يتضمن الكلام الذي في نوع من الدعابة واللطائف، لتفريغ ضغوطات المسؤولية والحياة.
17- دلالة على وجوب اتخاذ الحاكم ندماء وظرّاف للترويح عنه بإلقاء النكت والطرائف البعيدة عن المجون، لتجديد حياة الحاكم اليومية، وإخراجه من دائرة الملل والروتين.
والآن إلى أهم التأملات التنموية للابتسامة:
معنى الابتسامة :
تعبر الابتسامة عن معان شتى منها :
الفرح والسرور – الانشراح – الاستقرار الداخلي – الثقة بالنفس – الشخصية السوية والمتوازنة – المحبة والود – القبول والموافقة – التواضع - وقد تعبر أيضاً عن : الخجل – الحرج – الحياء – اليأس- الفشل بعد المثابرة.
الفرق بين الابتسامة والضحك :
1- الابتسامة حالة دائمة (وهي نوع من الضحك اللطيف)، بينما الضحك حالة مؤقتة.
2- الابتسامة رد فعل للسرور، بنما الضحك قد يكون رد فعل للألم أيضا ً.
3- الابتسامة تأتي عن قناعة ورضا داخلي، بينما الضحك قد يأتي نتيجة لحالة مفاجئة طارئة.
4- يبقى مفعول الابتسامة طويلاً، بينما الضحك لا يلبث أن يتلاشى.
http://www.quran-m.com/firas/ar_phot...466242-001.jpg

5- الابتسامة دليل التواضع، بينما الضحك إن صاحبه القهقهة دليل الكبر.
6- الابتسامة أصعب من الضحك لأنها تشمل التعامل مع فئات متنوعة من البشر على اختلاف طبائعهم ومشاربهم، بينما الضحك يشمل فئات منسجمة مع بعضها ومتقاربة.
7- في الابتسامة يراعي الآداب ( حركة بسيطة تظهر فيها نواجذ الأسنان)، بينما الضحك قد يتجاوز إلى ظهور لسان المزمار في الحلق.
المبتسم والسعادة والعمر:
والمبتسم شخص يشعر بالسعادة من أعماق داخله لذا تظهر ابتسامته شفافة صادقة تبعد عنه كما تقول دراسة حديثة بأن شعور المرء بالسعادة يجنبه الإصابة بنوبات القلب وأمراضه وبالسكتة الدماغية والإصابة بداء السكري بل وبالبدانة أيضاً وأمراض العقل باختلاف أنواعها وأنها تطيل عمر الإنسان بمقدار 12 سنة بعد مشيئة الله.
ويقول الأطباء إن السبب وراء ذلك بسيط للغاية فإن السعداء من الناس يفرزون كميات قليلة من هرمونين رئيسين للتوتر المضر بالصحة تسارع بشيخوخة كل عضو في جسم الإنسان.
فوائد الابتسامة الصحية:
- تحفظ للإنسان صحته النفسية والبدنية.
- تساعد على تخفيف ضغط الدم.
- تنشط الدورة الدموية.
- تزيد من مناعة الجسم ضد الأمراض والضغوطات النفسية والحياتية.
- يساعد المخ على الاحتفاظ بكمية كافية من الأوكسجين.
- لها آثار ايجابية على وظيفة القلب والبدن والمخ.
- يتمتع المبتسم بنبض سليم متزن.
- تسرِب الهدوء والطمأنينة إلى داخل النفس.
- تزيد الوجه جمالا وبهاء.
- الابتسامة نوع من العلاج الوقائي لأمراض العصر.
- صمام أمان من القلق والكبت.
- يخفف من حموضة المعدة.
- زيادة إفرازات الغدد الصم مثل غدة البنكرياس والغدد الكظرية والدرقية والنخامية
- يساعد على إزالة التوتر العصبي.
- علاج لحالات كثيرة من الصداع.
- يريح الأعصاب إلى الراحة والارتخاء.
- يقهر الأرق والكآبة.
- تكرار الابتسامة يريح الإنسان ويجعله أكثر استقراراً، بل إنهم وجدوا أن هذه الابتسامة تقلل من حالة الاكتئاب التي يمر بها الإنسان.
- يقول الأطباء ويفيد الابتسامة والضحك الخفيف في تحسين القدرة الجنسية، فضلاً عن دوره في إرخاء العضلات وإبطاء إيقاع النبض القلبي وخفض التوتر الشرياني، وأخيراً بدأ العلماء في استخدامه كأساس لإستراتيجية علاجية حقيقية، تقوم على استخدام تقنيات الاسترخاء واليوجا من خلال تعلم منكسات تنفسية وتمارين خاصة.
الابتسامة والتجاعيد:
أثبت بحث علمي في مصر أن تجهم الوجه ( التكشير والتقطيب) يؤثر بشكل فعال في ظهور التجاعيد على الوجه ولاسيما حول العينين. وأثبتت التجارب أن الابتسامة سلاح فعال ضد التجاعيد أو على أقل تقدير تؤثر الابتسامة في تأخير ظهور التجاعيد بسبب ارتخاء عضلات الوجه أثناء الابتسامة, ولذلك فإن العلماء يقدمون نصيحة ذهبية للناس ولاسيما النساء, ومن المهم للمرأة أن تكون دائمة الابتسامة حتى تحقق راحة النفس والاستقرار.
الابتسامة ونشاط العقل:
1- تزيد الابتسامة من نشاط الذهن .
2- تقوي القدرة على تثبيت الذكريات بتقوية الذاكرة.
3- توسيع ساحة الانتباه والتعمق الفكري.
4- يزيد قدرة الفرد على التخيل والإبداع ودقة التفكير.
5- تزيد من صفاء الذهن وعدم تشتته.
6- ينمي من القدرات الابداعية.
فوائد الابتسامة الدعوية:
1- طريق مختصر لكسب القلوب.
2- صدقة تكسبها بكل سهولة.
3- تطوير للمهارات الدعوية.
4- دليل على التربية الإسلامية السوية.
5- يجعل الآخرين أكثر تقبلاً لفكرتك ومنهجك.
6- مفتاح لهداية الكثيرين من الناس.
7- باب يوصلك إلى نفوس المخالفين لك.
8- تبسمك في وجه الآخرين صدقة جارية إلى يوم القيامة.
9- سنّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فوائد الابتسامة من الناحية الاجتماعية :
- سبب من أسباب السعادة والنجاح. يقول لنا اليوم علماء البرمجة اللغوية العصبية بأن أحد أساليب النجاح الأقل كلفة هو الابتسامة.
- كما تبين البحوث أن صاحبات الابتسامة الحلوة يستمتعن بتربية الأطفال ,وهن اجتماعيات ومرحات ويشعرن من حولهن بالدفء الإنساني , ويعتقد أن السبب في ذلك أن الإنسان يكون رد فعله ايجابيا عندما نبتسم له.
- تختزل الكثير من المفردات العاطفية التي يمكن أن نقولها للآخرين.
- يبقى ذكرها زمنا ً.
- رمز المودة والمحبة.
- رمز الود والدفء.
- يرشح أن يكون المبتسم سفيراً لحل النزاعات، وأن يكلف بالمهام الدبلوماسية.
- يساعد في امتصاص غضب الآخرين.
- يساعد على التكلم بكل هدوء ووضوح.
- يساعد على أن تفتح قلبك له.
- موضع اعتماد الآخرين.
- يساعد على التحدث للآخرين بلباقة.
- دلالة على شخصية سوية ومتوازنة.
- عبارة عن تحية صامتة.
- تزيل والأحقاد والتوترات والمشاحنات.
- ترسم في الذاكرة صورة إيجابية للمبتسم.
- أكثر الأشخاص جاذبية وثقة بالنفس.
- له قدرة على إقناع الآخرين.
- يساعد في حل المشكلات بكل سهولة.
- يبعث البهجة والسرور بين الناس.
- يساعد على كسب أصدقاء جدد.
- يرفع من الروح المعنوية.
فوائد الابتسامة من الناحية الاقتصادية:
- يقول مدير إحدى شركات الحديد والصلب : ( لقد أكسبتني ابتسامتي مليون دولار سنويا).
- (قصة) طلب عمال أحد المحلات التجارية الكبيرة في باريس رفع أجورهم، فرفض صاحب المحل، فما كان من عماله إلا أن اتفقوا على أن لا يبتسموا للزبائن كرد فعل على صاحب المحل، فأدى ذلك إلى انخفاض دخل المحل في الأسبوع الأول حوالي (60%) عن متوسط دخله في الأسابيع السابقة.
- فحسب تقرير نشرته مجموعة مينتيل للأبحاث التسويقية، فقد شهدت مبيعات منتجات الأسنان من مواد تبييض وخيوط بسبب الابتسامة ارتفاعاً ملحوظاً من (17) مليون جنيه إسترليني في عام (2001) إلى( 37) مليون جنيها في العام (2002).
- هل يمكن تصديق أن عمليات تجميل الأسنان باتت أغلى من عمليات تجميل أخرى؟. وما تتداوله الأوساط البريطانية حاليا أن مهنة تجميل الأسنان أصبحت من أكثر المهن التي تدر أرباحا على ممارسيها. فالعديد منهم كسبوا الملايين من ورائها، وكل ذلك بسبب الابتسامة وجاذبيتها، حيث أن لظهور الأسنان فيها دور بارز.
الابتسامة ودورات التنمية:
المبادرة الجديدة التي أطلقوا عليها "مبادرة الابتسامة" أعدتها وزارة التنمية الإدارية المصرية بالاشتراك مع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وحسب تصريحات الدكتور صفوت النحاس رئيس الجهاز فإنها تعد الأولى من نوعها، وتهدف إلى الارتقاء بمستوى أداء الخدمات الحكومية من خلال تدريب (24) ألف موظف على الابتسام في وجه الجمهور. وقد يكلف الدورة الأولى وهي لحوالي (750) موظفاً حوالي (480) ألف جنيه مصري.


أرب جمـال 12 - 8 - 2010 04:55 AM

تأملات في قصة طالوت وجالوت

قال تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ { 246} وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {247} وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ { 248}فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {249} وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {250} فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾.

قصة طالوت وجالوت من القصص القرآنية الداعية للتأمل، وهي من القصص التي يجب أن نقف عندها كثيراً، وأن نبحث من خلال آياتها عن الدروس والعبر المستفادة من القصة، لأنها تبين:

1-طبيعة اليهود واعتراضهم على أمر الله تعالى ومن ثم أمر نبيه، وطلباتهم المتكررة.

2-طرق ووسائل الاختبار، لتمحيص وتنقية الصف المؤمن.

3-مقدار السمع والطاعة من جانب المؤمنين لقائدهم.

4-إن النصر يأتي بعد الصبر والثبات والتحمل وقبلها إخلاص النية لله تعالى.

5-إن النصر لا يأتي مع كثرة العدد بل يأتي مع مقدار الاتصال بالله تعالى ومع مقدار الإيمان والتقوى الذي في القلوب.

6-أهمية الدعاء وأثره في ساعات المواجهة.

بعد هذه الآيات الكريمات، نأتي إلى أهم التأملات فيها:

أولاً: طبيعة النفس الإسرائيلية

1-سؤالهم الذي يحمل طبيعة الكبر لأنبيائهم وخاصة من قبل كبرائهم وساداتهم.

2-الاعتراض على أوامر نبيهم ورفضها.

3-امتناعهم عن القتال تحت راية ذلك النبـي، لذلك سألوه أن يدعو اللـه تعالى أن يبعث لهم ملكاَ، يقاتلوا تحت إمرته.

4-الاعتراض على أوامر الله تعالى، وقد قال لهم نبيهم ]هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَ تُقَاتِلُوا[.. ]قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ[.

5-القعود والتذمر عند الجد وخلق المعاذير ]فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَ قَلِيلاَ مِنْهُمْ[.

6-كثرة الكلام وتضخيم ما وقع عليهم وان كان صغيراً ]وَمَا لَنَا أَلاَ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا[.

7-كثرة اختبار الله تعالى لهم لكثرة اعتراضهم لكي لا يبقي لهم حجة.

8-جعل أحقية الملك لهم تكبراَ واستخفافاَ بغيرهم ]وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ[.

9-اعتماد سعة المال وكثرته مقياساً لاستحقاق الملك والقيادة ]وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ[.

10-جعل القتال في سبيل الله قناعاً لتحقيق مآربهم الشخصية.

11-كثرة طلبهم للأدلة والبراهين ومشاهدة العلامات ]إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ[.

12-نبذ صفتي العلم وقوة البدن اللتين بهما اصطفى اللـه تعالى طالوت عليهم، دلالة على أنهم يشجعون الجهل والكسل والقعود عن العمل.

14-وجود قلة مؤمنة أمام كثرة كافرة.

15-صعوبة الإيمان بالله تعالى، نتيجة للنفاق العقائدي.

ثانياً: اختيار القلة المقاتلة:

1-قال تعالى: ]فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَ قَلِيلاَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ[.

هذا كان أول اختبار للفئة المقاتلة هو أن كتب الله عليهم القتال، ليميز أصحاب النيات الصالحة والصادقة (والتي تود حقاً القتال في سبيل الله وإعلاء كلمته أمام الظلم والطغيان ومقاومة الشر والفساد، والتي تنظر حقاً إلى أجر القتال والشهادة في سبيله، وهؤلاء ليسوا من الذين يهولون ويصيحون بدون فعل مجد) عن أصحاب النيات الفاسدة (التي لم تنو القتال أصلاً، إنما هو كلام لا وزن له، كلام مجالس صادر عن لسان لاغ ليس وراءه نية قلبية صادقة، ويمكن أن يكون استخفافاً بذلك النبـي، وهؤلاء لما علموا بان الله استجاب لطلبهم تقاعسوا ولم يقاتلوا كما قالوا وطلبوا).

2-قال تعالى: ]فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَ قَلِيلاَ مِنْهُمْ[.

هذا هو الاختبار الثاني للفئة التي سارت للقتال، بعد أن سار طالوت بالجنود وابتعد عن القرية، أخبرهم بوجود نهر، وجعل مقياس الشرب والقعود على الماء دليلاَ على إيمانهم واستحقاقهم للقتال معه، وكان هذا أول توجيه من القائد لجنوده ليبين مقدار السمع والطاعة، ولأنه يرى بعلمه أن الشراب والقعود على الماء يمكن أن يؤدي إلى:

أ-القعود والتخلي عن السير.

ب-التأخير في أداء المهمة.

ج-الكسل والتراخي.

د-تذكيرهم بالنعم الدنيوية.

هـ-ضعف همة القتال والجهاد في نفوسهم.

و- انشغالهم بطيبات الماء كالصيد مثلاَ.

ز-كثرة شرب الماء بعد الجهد والتعب الشديد قد يؤدي إلى أضرار صحية تمنع من مواصلة السير والقتال.

ح-وجود نيات فاسدة قد تؤدي إلى زعزعة إيمان بعضهم نتيجة طول الطريق.

واصل السير فقط أصحاب العزائم والهمم العالية، والتي استجابت لأمر القائد (إلا من اغترف غرفة بيده) أي شربوا بملء أكفهم وهم يعبرون النهر.

3-قال تعالى: ]فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ(249)وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[.

هذا هو الاختبار الثالث للقلة المؤمنة المتبقية مع طالوت.

هذا الاختبار في ساحة المواجهة، في ساحة الصراع بين الخير والشر، وفي هذا الاختبار أراد اللـه تعالى أن يمحص هذه القلة بأن ينقيها من أصحاب النيات غير المستقرة بعد للقتال في سبيل اللـه، والتي لا تستطيع المواجهة والصمود لكي لا تتسبب في خلخلة الصفوف.

وفي هذه الآيات نرى:

أ-اختبارهم للقلة المؤمنة لأنها أمام نصر أو هزيمة.

ب-لا مكان لأصحاب النفوس الضعيفة في هذه المواجهة لأن المسألة مصيرية.

ج-كشف الضعفاء الذين لم ينكشفوا في الاختبارين السابقين.

د-قلة العدد يؤدي إلى زيادة الإيمان، ازداد إيمان البقية المتبقية بسقوط عدد منهم.

هـ-اعتماد الذين قالوا: (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) على الأسباب الدنيوية، العدد والعدة، ناسين قوة الإيمان وبأن الله تعالى معهم.

وـ اعتماد الفئة المؤمنة على الله تعالى بعد أدائها الأسباب، ويقينها بان قوة الإيمان والاتصال بالله ستغلب قوة العدد والعدة ]كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ[.

ز-استجابة الله تعالى لدعاء الفئة المؤمنة، وبأن لا يخذلهم أثناء المواجهة وأن ينزل عليهم صبره ويملأ قلوبهم بها لكي تتثبت الأقدام ]ربّنا افرِغ عَلينا صبراً َوثبّت أقدامنا[.

ح-دعاء النصر على الكافرين، وقد استجاب اللـه لدعائهم وكافأهم بالنصر نتيجة لصدق نياتهم وصبرهم ]وَانصُرنا عَلى القومِ الكافِرين[ .

دروس وعبر

1-عدم الاشتراط للإيمان باللـه أو الدعوة إليه.

2-عدم التذمر من قبول الأوامر القيادية.

3-السمع والطاعة لأوامر القيادة.

4-عدم إهمال الفقراء والبعيدين عن الأضواء من الدعوة والاتصال بهم.

5-الابتعاد من جعل المال هو المقياس في التقييم.

6-معرفة أساليب المواجهة، وكيفية مواجهتها وعلاجها.

7-طريق الدعوة يحتاج إلى اختبار وصبر.

8-إحضار النية قبل العمل والثبات عليها إثناء العمل والاستغفار من التقصير بعد الانتهاء.

9-معرفة طرق ووسائل زيادة الإيمان.

10-عدم زعزعة الصفوف ببث روح الخوف والقلق.

11-الابتعاد عن الإشاعة بالتهويل والصياح.

12-عدم اعتماد العدد كمقياس النجاح والنصر، بل التوفيق الإلهي بعد الإيمان الثابت والراسخ.

13-معرفة مداخل الشيطان إلى النفس البشرية (المال، الطعام، الشهوة، الكسل، الشهرة، الخوف، الظهور، التكبر.. ..).

14-الجدية والحرص والانضباطية والايجابية في تنفيذ الأوامر.

15-استحضار أجر العمل عند الله تعالى.

16-الدعاء وخاصة أثناء الأزمات، واختيار أوقات الإجابة.

17-الأخذ بالعزائم والابتعاد عن الرخص.

18-الدعاء للذين سقطوا بالهداية والعودة، ومن ثم الاتصال بهم.

19-ظهور قادة جدد في الأزمات بتسجيلهم مواقف بطولية مشرفة (وقتل داود جالوت).

20-الاعتماد على الله تعالى في تحقيق النصر بعد استكمال الوسائل الدنيوية وتنقية الإيمان من الشوائب.

21-عدم تضخيم عدد وعدة الطرف المقابل (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله).

22-الثقة بالقيادة في كل ما تقول وتعمل وتوجه لأنها أكثر علماً وخبرة.

23-الأخذ من شهوات الدنيا بقدر الحاجة (إلّا من اغترف غرفة بيده)وعدم الإسراف والتبذير في ذلك.

24-النصر مع الصبر، كافأ اللـه تعالى طالوت وجنوده بالنصر على العدو، لصبرهم وثباتهم، وان النصر آتٍ مهما طال الزمن واعتلى الظلم، وهو لا يأتي بمجرد الكلام والحديث عنه، بل باتخاذ الأسباب.

25-عدم الالتفات إلى ما يقوله المفسدون، وخاصة إذا كان من قبيل اللغو في الكلام، وإذا كان هناك رد فبالحسنى والموعظة الحسنة التي بها تفتح القلوب.

26-قلة الكلام إلا في مواطن الحق أو الدعوة إلى الخير.

27-التكاتف حول القيادة والتي ترى فيها، بأنها هي القادرة على تحقيق مصالح الجماهير.

28-معرفة أسباب السقوط، والحذر منها.

29-تنوع أساليب الاختبار لتمحيص الصف المؤمن.

30-انكشاف أصحاب النيات الفاسدة وخاصة إذا طال الطريق.

31-نجاح القيادة في إدارة الأزمة والمواجهة.

32-حرص القيادة على تحقيق آمال الجماهير.

33-دراسة السنن الإلهية في الكون.

34-معرفة ودراسة قانون التدافع بين الحق والباطل.



أرب جمـال 12 - 8 - 2010 04:56 AM

الدروس المستفادة من قصة قارون

من أكثر القصص عرضا في القرآن الكريم وتكرارا قصة نبي الله موسى (عليه السلام) منذ ولادته حتى بعد هلاك فرعون وما جرى بينهم وبين موسى وقومه. ومن تلك القصص الداعية للتأمل والتوقف قصة قارون مع قومه، ومع موسى (عليه السلام)، قارون الذي يمثل القوة الاقتصادية الطاغية في وقته، وحتما فهو يملك أيضا النفوذ السياسي والقوة السياسية في القصر الفرعوني، وهو بذلك يمتلك مصادر القوة والوجاهة والكلمة المسموعة. وموسى (عليه السلام ) وأتباعه الذين يمثلون الجانب الإيماني الداعي إلى الله تعالى بالكلمة والموعظة الحسنة والتذكير بالآخرة، مع عدم نسيان نصيب الدنيا والأخذ منها بقدر الحاجة ، لكن كان الرفض الشديد من الجانب الأول وبكل قوة مفتخرا بماله وجاهه، فكان ما كان.
قال تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ. فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ. فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ . وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾(القصص:76- 82).
قال تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾
قارون من قوم موسى (عليه السلام)أي من ضمن الجماعة المرسل إليهم موسى عليه السلام.
1- قارون ليس من أهل موسى لأن أهله إلا المؤمنون بدعوته ورسالته،لأن الأهل لا يعتمد على درجة القرابة.
2-قد يكون من الذين أمنوا بدعوة موسى (عليه السلام) في أول الأمر، ثم ما إن فتح الله عليه من الأموال والكنوز نسي ما كان يدعى إليه؛ لاشتغاله بثروته، فتمرد على الحق والخير.
قال تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ.
1- فتح الله تعالى عليه أبواب الثراء الفاحش من : ذهب وفضة ومعادن مختلفة.... .
2- امتلاكه العلم والمعرفة في طرق جمع المال.
3- امتلاكه طرق تمويل واستثمار المال وطرق حفظه وحمايته.
4- عمل جماعات من الخدم والحشم في حماية ماله وحفظ مفاتحه.
3- ظلم وبغي قارون تجاوز الحد، إذ ظلم نفسه وظلم قومه وتطاول عليهم .
4- ملك أسباب الوصول إلى الثراء الاقتصادي، حتى كان القطب الأعظم، مقابل القطب السياسي فرعون،والاثنان يمثلان احتكار السوق والتجارة، واحتكار أفكار وعقول الجماهير الساذجة التي رضيت بالواقع.
قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ
1- وجود دعاة في القوم يذكرون قارون بالله تعالى، معينين لموسى وأخيه عليهما السلام.
2- قولهم (لا تفرح) يعني لا تفرح فرح البطرين الناسين حقوق الله تعالى ، الفرح المؤدي إلى ظلم العباد واستبدادهم- الفرح الذي لا يأتي إلا بتعذيب واضطهاد الفقراء والضعفاء.
3- قومه هنا المؤمنون بدعوة موسى الحرصين لهداية قارون، العارفين ما سيؤول إليه أمره إن لم يؤمن ، وهم يمثلون الجماعة المؤمنة التي ترفع صوتها لتغيير الواقع وإصلاح ما فسد منه.
4- وقد يكون من بين القوم من غير المؤمنين أيضا، الذين أدى بهم ظلم وطغيان قارون إلى حالة من الضعف المادي والفقر والجوع والمرض؛ نتيجة احتكار قارون طرق المعيشة، وعند مشاهدتهم ما يقوله المؤمنون لقارون، تحرك فيهم الجرأة والشجاعة لأن يقفوا في صف المؤمنين.
قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾
1- تربى على يد موسى وأخيه دعاة من الطراز الأول ورثوا الدعوة وقاموا بواجبهم الدعوي بالأسلوب الجميل والعبارة الموجزة، وحوارهم مع قارون خير دليل.
2- تذكير قارون بأن عمله هذا هو عمل المفسدين ، إن لم يؤمن ويصرف الأموال في عمارة الأرض، ومساعدة المحتاجين.
3- تذكير قارون بأن يوازن في الإنفاق، بأن يحسن إلى الناس كما أحسن الله تعالى عليه.
4- قارون كان يظن أن عمله هذا هو عمل المصلحين في نظره ، ولكن في نظر المصلحين هو عمل المفسدين، فعمله إن استمر فإنه سيؤدي إلى فساد في الأرض، ويصيب الإنسان والحيوان والنبات والجماد.
قال تعالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي
1- التباهي بالعلم (على علم عندي)، علم لم يتعلمه من أحد لا يعترف بذلك، وهذه الكنوز والأموال هي نتيجة جدي واجتهادي وذكائي، لا دخل لأحد في ذلك.
2- حبه لأمواله سد عليه منافذ التفكير السليم، والتصرف الصحيح.
3- دخوله في دائرة كفران النعمة وكفر الإنكار والجحود.
4- حبه للتفاخر والتباهي والعظمة أمام الجماهير الحاضرة.
5- في قوله دلالة على أنه لا يعتمد على أحد في علمه، وأنه لا يريد أن يظهر ذلك.
6- حبه للظهور والتملك منعه من أن يعترف بوجود إله واحد أحد لا شريك له.
7- بما أنه يعتقد أن هذه الأموال نتيجة علمه، إذاً لا دخل لأحد فيه فلي الحق في التصرف كيف أشاء، حسب قوله.
8- على علم عندي، يعني لي الحق في اتخاذ الناس عبيدا، وكل ما عندهم فمن فضلي.
قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً.
1- أدعى قارون العلم، لكنه نسي علوم التاريخ والسير وسقوط الظلم والطواغيت، وما جرى لأسلافه السابقين وما حل بهم نتيجة كفرهم وعنادهم.
2- وجود من هو أقوى منه، وأكثر جمعا وأموالا وعلما، جاء عليه العذاب والهلاك لكفرهم.
3- العلم والمال لا يمنعان وقوع العذاب والهلاك، وقد يأتي العذاب نتيجة التصرف الغير السليم للعلم والمال.
4- حب قارون للمال سد عليه منافذ التفكير السليم والاتعاظ لما مضى من هلاك الأقوام التي سبقته، نتيجة كفرهم وطغيانهم.
قال تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ.
1- ليقوم قارون إخفاء عجزه أمام الجماهير وأمام الدعاة، قام بخطة لإلهاء الجماهير وهو الخروج بزينته بماله وذهبه وحليه ليسحر أعين وقلوب الحاضرين من الذين يبهرهم المال ويسلبهم عقولهم .
2- عرض القوة المادية والاقتصادية، في ظنه أنها تقهر المقابل وتغريه، وتثبطه عما يدعوا إليه.
3- إلهاء السواد الأعظم من الجماهير عما يدعوا إليه موسى (عليه السلام) وأتباعه.
4- بعمله هذا قد يريد ميل قلوب بعض المؤيدين لموسى (عليه السلام) لجانبه.
قال تعالى: ﴿قَالََ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.
1- صنف في كل زمان ومكان، وهم أكثر الناس يتمنون أن يكون عندهم ما عند الغني من المال والكنوز.
2- هذا الصنف يمتاز بضعف الإيمان وتأرجحه وعدم ثباته في الشدائد.
3- قد ينطبق عليه صفة التحامل، إذ أكدوا بحظيّة قارون.
4- شعورهم بالدونية والازدراء من أنفسهم نتيجة لفقرهم، أو لضعفهم أمام قارون.
5- قد يكون هذا اختبار من الله تعالى ليمتحن به المؤمنين، ويمحصهم بمال قارون وزينته.
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ.
1- صنف آخر وعى الحق والحقيقة، علم حقيقة الدنيا والآخرة، وهم عارفين بالنفوس المريضة العالقة بحب الدنيا.
2- صنف يعلم أن الآخرة خير وأبقى من كنوز الدنيا وليس كنوز قارون فقط.
3- دعاة قوم موسى – بعد أن وعظوا قارون – قاموا بواجبهم الدعوي والإيماني بتذكير هؤلاء الذين سيطر على عقولهم وقلوبهم عرض قارون لزينته، تذكيرهم بأهمية الإيمان والعمل الصالح للنجاة في الدنيا والآخرة.
4- صنف علموا أن القناعة خير علاج لمواجهة زينة قارون وماله.
5- لعل هذا التذكير يقلل من عدد الساقطين، لذا عمد الدعاة إلى بيان أهمية العمل الصالح في الدنيا والآخرة، وتحريك الجانب الإيماني الذي كشف عن ضعفه في قلوب بعض المؤمنين بهذا العرض .
قال تعالى: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ. ﴾
1- يسير هذا الكون وفق سنن إلهية كونية إلى يوم القيامة.
2- خسف قارون وثروته هو جزاء عمله السيئ وظلمه وطغيانه وبغيه، وكفره بموسى (عليه السلام) ودعوته.
3- أنصار الطغاة في الرخاء كثيرون، لأنهم أصحاب مصالح مشتركة، لكن إن يتعلق الأمر بأمر مصيري فلا أحد يعرف أحد ، ألا ترون معي أن قارون رغم قوته وثروته لم يتقدم أحد لنصرته ولو بكلمة واحدة عند وقوع العذاب.
قال تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ.﴾
1- بيان أهمية التذكير الإيماني إذ أوقد فيهم تذكير إخوانهم السابق لهم جذوة الإيمان الخامد في قلوبهم في لحظة من لحظات الغفلة والنسيان، بسبب عرض قارون بزينته، حيث أنابوا إلى الله تعالى بعد ما رأوا مصير قارون أمام أعينهم وما صار إليه . أيقنوا أن الله تعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء، وأن لا علاقة الحظ في ذلك فقط هو توريث المال باتخاذ الأسباب المؤدية إلى ذلك، لأن الله تعالى هو الواهب المعطي المانع، يعطي من يشاء ويمنع عن من يشاء للاختبار والابتلاء.
2- نجاة المؤمنين وهلاك الظالمين، هذا شأنهم إلى يوم القيامة.
الدروس والعبر
1- الدعوة بين الأغنياء وأصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي، وعدم تركهم وإهمالهم.
2- صاحب الثروة والجاه إن لم يكن مؤمنا بالله تعالى فهو حتما سيظلم ويطغى على عباد الله .
3- يمثل قارون اليوم مؤسسات وشركات الاحتكار ومنظمات التجارة والاقتصاد التي تبتز أموال الفقراء والضعفاء من عباد الله بحجج واهية، أو مساعدتهم بشروط قاسية.
4- سيطرة فئة قليلة من الأثرياء على خيرات الملايين من الناس ومنعهم من العيش بأمان وطمأنينة، وما نلاحظه في أفريقيا وآسيا من جوع وفقر ومرض، وما سببه إلا الدول الغنية والحكومات الفاسدة والشركات الاحتكارية.
5- بصورة مباشر أو بغير مباشر الثروة تؤدي إلى السياسة، والمشاركة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي، وقد تخفى على الكثير من الناس هذا الأمر.
6- حماية المال العام وثروة الدولة باسم الأمن العام، أو الأمن القومي، أو باسم مصلحة الشعب، حيلة قديمة.
7- خداع السذج من الناس بتوظيف بعض العمال العملاء لحماية الممتلكات الخاصة باسم ممتلكات الشعب.
8- إلهاء الأنظمة الفاسدة جماهيرها بمناسبات: ( فنية- حفلات، مهرجانات ، بطولات، مسابقات) عند شعورها بالخطر، أو لغرض تمرير بعض القرارات، أو لإخفاء ما يجري خلف الكواليس.
9- وجود دوما من يدافع عن الظالم الباغي الذي يربط بينهم مصالح مادية مشتركة.
10- عند الشدة والعسرة لا أحد ينتصر لأحد، لأن عقد المصالح إلى زوال، وقد يحيك بعضهم للبعض الدسائس في السر.
11- وجود فئة أو جماعة مؤمنة تفكر وتنظر بعين الرضا إلى الأمور في كل زمان ومكان، وهي تضع مصلحتها جانبا لأجل مصلحة الجماهير.
12- تربية الدعاة على أسلوب الحوار والتفكير الهادئ.
13- التأكيد على التربية الإيمانية والروحية إلى جانب التربية الدعوية.
14- الفرح الذي ينشط القلب والتفكير والمزاج، الفرح بالحسنات والأعمال الصالحة فرح مطلوب، أما الفرح الذي ينسي الآخرة ويؤدي إلى البطر والغرور فهو فرح مذموم.
15- جمع المال وسيلة وليس غاية.
16- صاحب المال عند بعده عن الله تعالى، يعتقد أنه بحنكته وذكائه وشطارته جمع هذا المال ولا دخل لله في ذلك.
17- العلم المؤدي إلى المعرفة تصنع القوة الاقتصادية والسياسية وتساهم في صنع الحضارات.
18- الترف عامل من أقوى العوامل وأشدها تأثيرا في سقوط الأفراد والأمم والجماعات والدول، إلى هاوية الهلاك، وخاصة إن كان هذا الترف يبدأ من رأس السلطة السياسية والاقتصادية، فإن ساعة الهلاك تكون وشيكة.
19- أصحاب الإيمان الضعيف يتمنون أن يكون لهم مثل ما عند الأغنياء من أموال وكنوز( سيارات، عقارات، قصور، أرصدة،.....، ) لحسبهم أن ذلك مردّه إلى الحظ والنصيب.
20- عمر الظلم قصير مهما طال وتجبر.
21- نهاية قارون درس لكل دولة أو فرد أو حكم أو حزب أو مؤسسة، دكتاتوري، طاغي، متجبر ، على رقاب العباد إلى يوم القيامة.
22- هلك الله تعالى مال قارون معه لكي لا يفتن الذين من بعده ويتنافسوا على الدنيا، فيصبح في المجتمع قارونات عدة فينسوا الآخرة، ويكون دعوتهم أشد لتعلقهم بالدنيا.
23- اليوم عندما يسهّل الله تعالى زوال قارون وخاصة عن طريق القوة يبقي على ماله أحيانا ًليرى كيف يتعامل الآخرون مع هذا المال من سلب وغصب واقتتال من اجله، والذي ينجوا لا ينجوا من الفتنة وذلك لمنافسة بعضهم البعض على الاستحواذ أكثر.
24- وجود الجماعة المؤمنة، العالمة، المفكرة، التي تستطيع أن تحلل المواقف وتفسرها.
25- وجود الجماعة الحريصة لهداية الحيارى من الناس، في خضم الصراع النفسي والاجتماعي والاقتصادي، التي تشهده المجتمعات.
26- نشر الفكر الوسطي المعتدل بعيدا عن العنف والتطرف، بالوسائل الممكنة والمتاحة.
27- العلم إن لم يرافقه التقوى يؤدي إلى الكفر والإلحاد.
28- ضرورة وجود جماعة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في المجتمع.
29- ضرورة وجود جماعة، أو مجموعة منظمة ، أو مؤسسة خاصة تقول للغني ، من أين لك هذا؟ وخاصة إن كان هذا الغني في موقع من مواقع السلطة، ولم يعرف عنه الغنى من قبل، ومحاسبته أمام القانون.
30- استغلال الفرص للقيام بواجب الدعوة والتذكير، وخاصة المناسبات.
31- الله تعالى يعطي زينة الدنيا للمؤمن وللكافر عند اتخاذه الأسباب.
32- عند الأزمات على الجماعة أن تركز على التربية الداخلية، والحفاظ على الموجود لتقليل عدد المتساقطين.
33- الدعوة إلى العمل الدنيوي إلى جانب العمل الأخروي، مع مراعاة أن لا يطغى جانب على جانب.
34- تقوية الاقتصاد الداخلي والاكتفاء الذاتي،لمواجهة حالات التضخم أو العجز المالي، أو بسبب طوارئ السوق العالمية.
35- التربية بالأحداث خير معين للجماعة لتمحيص الصف الداخلي، وكشف المعادن من الدعاة.
36- الجماعة الناجحة هي التي تفسح المجال مرة أخرى لعودة المتساقطين للانضمام لصفوفها، بعد اختبارهم وتزكيتهم.
37- الصمود أمام الفتن يتطلب إيمان راسخ في قلب ثابت.
38- السقوط في طريق الدعوة والإيمان سنة ماضية إلى يوم القيامة؛ لذا يجب معرفة الأسباب المؤدية إلى ذلك علاجها.
39- ضرورة بقاء جذوة الإيمان متقدة في قلوب الدعاة ، ليتمكنوا من القيام بواجبهم الدعوي، وهذا يتطلب خلوات فردية أو جماعية لمراجعة الذات، أو النظر في سير الصالحين وكيف تعاملوا مع الدنيا .
40- الولوج في عالم التجارة والمال واجب مطلوب لتحقيق الكفاية المادية للفرد وللجماعة،ولأجل ذلك لابد من استثمار العقول النقية والتقية في ذلك.
41- تربية الدعاة أولا، والمؤمنين ثانيا على الرضا بما قسمه الله تعالى من زينة الدنيا من أموال وثروات في الفقر والغنى، إذ أكثر ما نخشاه هو فتح زينة الدنيا المؤدي إلى النكوس والقعود، ثم السقوط في النهاية إذا كانت البداية فاسدة.
42- تربية الدعاة على فقه التوازن الدنيوي والأخروي، لأن أكثر الساقطين في طريق الدعوة سببه المال أو إحدى طرق جمعه وامتلاكه.
43- يمكن أن يتكرر صور العذاب والهلاك في الوقت الحاضر ، بصور شتى .إن هلك قارون موسى فإن هناك قارونات كثر على مر التاريخ. وما أكثر اليوم من يقول : ( إنما أوتيته على علم عندي) .
44- عدم ذكر أسماء الدعاة دلالة على الإخلاص والصدق مع الله تعالى .
45- نجاة المؤمنين وهلاك الظالمين مستمر إلى يوم القيامة



أرب جمـال 12 - 8 - 2010 04:58 AM

تأملات في قصة ذي القرنين

من القصص القرآنية الجامعة بين العلم والعمل؛ والحكم والعدالة؛ والقول والفعل؛ والرأي والشورى؛ والقانون والدستور؛ والصبر والحكمة؛ والسلطة والوجاهة، والقوة الروحية والمادية، قصة ذوالقرنين الذي جمع شخصية الحاكم العادل والعالم العامل، إلى جانب ورعه وتقواه وخوفه من الله تعالى، وحثه على نشر قيم العدالة بين الناس ومن هم في حدود مملكته، ويستخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح، ولا يستغل فتوحاته وسيلة في التجبر على رقاب الضعفاء. وتفقده أحوال الرعية في المشرق والمغرب، وتحمله أعباء السفر ومشاقه ليخدم الناس ويتفقد أحوالهم ويبث فيهم روح العمل وحبه ليسيروا حياتهم على أحسن وجه؛كل ذلك دليل على اهتمامه وحرصه الشديد على هداية الناس. ذو القرنين الذي سار بجيشه إلى مشرق الأرض ومغربه لم يسجل عنهم أنهم تعدوا على احد أو ظلموا أحدا، أو أكلوا مال أحد، همهم فقط نشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ورفع الظلم والحيف عن الناس، إلى جانب تعليم الناس أسس ومبادئ الصناعة والعمل، ويبين بذلك للعالم اجمع أن عالمية الإسلام ماض إلى يوم القيامة لا تحده زمان ولا مكان، فهو الدين الوحيد الذي يستطيع أن يجمع تحت مظلته كافة الأجناس والأقوام ويجعلهم إخوانا في دين الله، وكذلك تبين رحلاته نشر روح التسامح بين الأقوام، والاستفادة من بعضهم البعض في مجال البناء والحوار الحضاري.
قال تعالى في سورة الكهف :
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا {83} إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا{84} فَأَتْبَعَ سَبَبًا {85} حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا {86} قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا{87} وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا {88} ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا {89} حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا {90} كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا {91} ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا {92} حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا {93} قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا{94} قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا {95} آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا {96} فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا{97}قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾
- قال تعالى: ( ويسئلونك عن ذي القرنين. قل سأتلوا عليكم منه ذكرا).
1- التأكيد على أهمية طلب العلم والتزود بالمعرفة، والسؤال عما يجهله الإنسان أو السؤال للتثبت من الإجابة، والسؤال هو المفتاح الثاني بعد القراءة لطلب المعارف والعلوم واكتشاف المجهول.
2- دوام المواجهة بين الأكثر علما وبين المستهزئين، أو المنتحلين شخصية العالم المتعلم الذي يضاهي بعلمه أمام الناس.
3- الإيجاز في ذكر مجمل القصة أي تلاوة خلاصتها.
4- تحلي العالم العامل بالصبر والحلم والإجابة بكل هدوء ورحابة صدر.
5- بيان أخبار الماضين للاتعاظ وأخذ الدروس والعبر، وليس شرطا ذكر تفاصيل القصة.
- قال تعالى: (إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا).
6- الأخذ بالأسباب وبذل الجهد المستطاع ليكون التمكين أمكن وامتن .
7- صبره على الابتلاءات والمشاق حتى جاءه الظفر وهو تسهيل سبل التمكين، فكان التوفيق في كل شيء لأمر أراده الله سبحانه.
8- مجيء التمكين أكبر من المتوقع فكان تمكينه الأرض مطلقا.
9- ومن سبل التمكين التزود بالمعارف والعلوم وفتح مجال التخصصات في كل شيء.
10- معرفة الطرق التي تؤدي إلى التمكين بكل أشكاله من فكر وعلوم وصناعة وهمة.....
11- حرصه على نشر أصول الحضارة والمدنية بين الناس في الشرق والغرب وفي دائرة ملكه الواسع هذا مما جعل الناس يستقبلونه بحفاوة.
- ( فاتبع سببا)
12- اختار سبيلا للوصول إلى هدفه.
13- وقد يكون اختار طريقا للسير بعد استشارة نوابه من ذوي العقول.
14- إعداد العدة اللازمة والمؤونة المطلوبة لأيام السفر الطويل.
15- النية والعزم والهمة العالية للبلوغ إلى تحقيق هدفه.
16- اتخاذ الوسائل اللازمة والمتنوعة في الرحلة.
- ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما، قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) .
17- السياحة في الأرض؛ مع نشر قيم العدالة والخير.
18- التأمل والاستمتاع بالنظر إلى منظر غروب الشمس وهي تغرب وراء البحار في مشهد يأخذ بالعقول عند ما لا تحجبها غبار أو غيوم.
19- وقد يكون غروب شمس حضارة تلك المنطقة بسقوط ودمار، بسبب ظلمهم وابتعادهم عن الله تعالى، فكان هلاكهم أشبه بمن طمس في عين طيني، فكان البقاء للفقراء والضعفاء والأتباع.
20- التفقد على الرعية والاتصال بهم والتعرف على حوائجهم.
21- وجود البطانة الجيدة صاحبة العقل والحكمة، التي تريد للرعية كل الخير.
22- وجود دستور يحكم به ذو القرنين الرعية يعذب بها الظالمين ويكافئ المحسنين.
23- الأخذ بمشورة حاشيته.
- (قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا. وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا).
24- عقاب الظالمين وفق قوانين وأحكام وهم الذين لم يذعنوا للحق بعد نصحهم وإرشادهم.
25- ربط العذاب الدنيوي البشري بعذاب الآخرة الأشد ليكون عبرة لهؤلاء الظالمين، وهو أسلوب ملف للانتباه يبن فيه بأن الجزاء من جنس العمل وبأن المحكمة لا تنتهي فقط بحكم الدنيا.
26- مكافأة المحسنين وهو تعليمهم أمور الدين ليكونوا من بعد رحيلهم دعاة للحق والخير.
- ( ثم أتبع سببا)
27- دوام مواصلة الرحلة لتحقيق الهدف، حيث لا راحة والناس يحتاجون لتعاليم الدين.
28- التجهز للرحلة الثانية وهي إلى مشرق الشمس.
- ( حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا. كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا).
29- وجود أقوام عند مشرق الشمس لا تحجبهم عنها شيء.
30- أو أنهم لم يتخذوا سترا من أشعة الشمس لعدم معرفتهم بذلك.
31- أو أن عدم اتخاذهم حجابا عن الشمس هو عدم الحاجة إلى ذلك بسبب أنه الحرارة هناك مناسبة .
32- أو أن كروية الأرض في تلك الفترة في تلك المنطقة كانت لا تغيب عنها الشمس.
33- أو بسبب أن الأرض مستوية خالية لا توجد أشجار أو جبال تحجب أشعة الشمس عند الشروق.
34- وقد يكون أن هذا القوم ليس عندهم من المدنية شيء ولا يعرفون أن يتخذوا من شمس المعرفة سبلا في تحسين حياتهم لجهلهم أو تكاسلهم.
35- ( ثم أتبع سببا)
- (حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا. قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا).
36- في الرحلة الثالثة كانت الوقفة أكبر، حيث استقبله الناس بكل حفاوة وترحيب لأن أخباره قد وصلت إليهم قبل أن يلاقوه.
37- قوم يعيشون بين جبلين بعيدين عن الاتصال بالعالم لذا كانوا جهلاء صغارا وكبارا لا علم لهم ولا معرفة، وجهلهم هذا منعهم من التفكير السليم.
38- عرض مشكلتهم الكبرى عليه وهو غارات يأجوج ومأجوج على قراهم وإفساد معيشتهم.
39- تشخيص المفسدين وعزلهم مطلب الجميع، ليعم الأمن والبركة.
40- عرضهم على ذو القرنين المال الكافي لبناء سد لمنع هجمات يأجوج ومأجوج.
- (قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما).
33- موافقة الحاكم العادل على طلب القوم، وبرؤيته رأى بأن هذا القوم ينقصهم العقل المدبر فقط ، لأن في أيديهم مال وفير وأيدي قوية ولكنها عاطلة.
34- أعينوني بلا كسل ولا تسويف وبكل ما أوتيتم من قوة عضلية وفكرية ونفسية ومالية لبناء الردم.
- (آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا).
35- لصهر الحديد يتطلب خبرة ومواد أولية وطرق لجلب المواد، فكانت الخبرة من ذي القرنين والمواد من المنطقة من جبالها وأحجارها وجلب المواد عن طريق الأيدي المتوافرة بعد أن زرع فيهم ذو القرنين القوة والحماس.
36- الخبرة الجيدة في اختيار المكان المناسب؛ والمواد التي يبنى بها السد والتي تعطي الصلابة والمتانة لآلاف السنين وهما الحديد المنصهر مع النحاس.
الدروس والعبر
1- جواز استحباب السؤال والاستفسار عن المجهول، أو عند عدم فهم موضوع ما.
2- تصدي العالم والداعي المتمكن لإجابة أسئلة التحدي والمواجهة بأيسر وأسهل العبارات.
3- الإجابة في اللحظة والتو لا بعد فوات الأوان، وهذا يتطلب استكمال العدة من علوم ومعارف وجرأة في الكلام، مع معرفة طرق التعامل من الناس.
4- حتى إذا كان السؤال للتحدي فلا ينبغي المواجهة بالمثل،أو التهرب من المواجهة بل مقابلته بكل رفق وقوة في الكلام
5- الجواب على قدر السؤال لا الخوض في التفاصيل، أي الإيجاز والإطناب.
6- التخصص في المعارف والعلوم ونشر ذلك بين القوم.
7- نشر أصول الحضارة في كافة بقاع الأرض ليعم الخير الجميع، لا أن يحتكر في مكان ما.
8- السياحة في الأرض ولقاء الأقوام يؤدي إلى تلاقح الأفكار والخبرات والاستفادة من بعضهم البعض.
9- لا حكم إلا بقانون، لا بمجرد الشك أو الانتقام فيحكم بهوى النفس.
10- القانون فوق الجميع وينفذ لا مجرد كلمات مرصوصة في عبارات يطبق على بعض ويستثنى البعض الآخر.
11- التمكين لا يأتي بمجرد العلم والادعاء بالخير والإصلاح؛ بل لا بد من ابتلاء وامتحان يختبر فيها صدق أيمان الجماعة، وقد يطول هذا الابتلاء.
12- للتمكين أسباب فمتى وجدت الأسباب كان التمكين في الأرض وقيادة الأمم، ألا أن هناك فرقا بين تمكين الكفار وتمكين المؤمنين وهو فقدان تمكين الكفار الأمن والبركة.
13- اتخاذ مبدأ الشورى في صنع القرارات وخاصة المصيرية، وهذا قمة الديمقراطية.
14- السماح بإبداء الرأي بطريقة هي أرقى من صور الديمقراطية الحديثة.
15- اختيار أهل الشورى من أهل العلم والاختصاص.
16- تعظيم الشخصيات المتميزة والتي لها دور في المجتمع بإعطاء الألقاب التشجيعية لهم.
17- عدم ذكر الاسم الصريح في القصة فقط الاكتفاء باللقب دليل على المكانة الرائعة والمقبولة، إذ أن اللقب فيه من المعاني والدلالات قد تخفى على الكثيرين سبب تسميته بهذا اللقب.
18- العلم بالشيء قبل الدعوة إليه له التأثير القوي على المدعوين أو جمهور المخاطبين.
19- (سأتلو عليكم) دليل على التمكن والاستعلاء وهذا من صفات المؤمن، تمكن من أدائه واستعلاء عن الواقع الفاسد.
20- مساعدة الفقراء والمحتاجين والضعفاء وتفقد أحوالهم، وخاصة من قبل الحاكم الذي هو خادم لشعبه.
21- وجوب اتخاذ السجون لسجن المفسدين والظالمين إلى أمد.
22- على الحاكم العادل إعطاء أكثر مما يستحقه الشعب، طلب القوم سدا فبنى لهم ذو القرنين ردما وهو بناء أعظم من السد والعمل فيه بنفسه.
23- على الحاكم أن يتحلى بصفات الصبر والحلم والأناة، إلى جانب العلم والمعرفة فذو القرنين كان له علم معارف عديدة منها: السياسية (إدارة الحكم على أحسن وجه) والجغرافية والصناعية والهندسية إلى جانب فنون التعامل مع الآخرين.
24- على الحاكم العادل أن يبعد المفسدين عن مواقع المسئولية والسلطة، لكي لا يأتوا على أموال الفقراء والضعفاء والمحتاجين، فيعم بذلك الفساد ويكون في كل شيء.
25- سفر الحاكم بحاشية كبيرة ومستشارين دليل على أهمية تلك الزيارة بين الطرفين.
26- عالمية سفرات ذي القرنين حيث عم طرفي الأرض مع المركز (مركز اليابسة)، دليل على أن الجميع كانوا مع ذو القرنين، من دون تفريق بين احد منهم.
27- وجود دول أو جماعات لا تفقه من الحياة شيء، ولا تملك أي وسيلة للتفاهم.
28- السعي إلى فض النزاعات وحل المشكلات نهائيا من دون تأخير أو تأجيل.
29- الابتعاد عن الكيل بمكيالين في التعامل.
30- بيان بأن إدارة الحكم مهما كان اتساعه فإنه يتم العدل والسياسة الصادقة، لا بالسياسة الملفقة والكاذبة.
31- إعطاء ذو القرنين دروس حضارية شاهدة إلى يوم القيامة على أنه إذا صلح الرأس صلح باقي الجسد في السياسة وإدارة الحكم.
32- الاهتمام بجميع جوانب الحياة كان على رأس أولويات ذو القرنين (المعيشية والاجتماعية ....).
33- نزول الحاكم إلى مستوى الشعب والالتصاق بهم عن قرب لشعور الناس بأنه واحد منهم لا يستعلي عليهم في برجه العاجي.
34- على الحاكم محاربة الظلم والجهل أينما وجد ويتابع ذلك بنفسه بكل جد وإخلاص.
35- اتخاذ دستور لإدارة الحكم لا يخرج عنه.
36- بيان أن عنصر الحديد المنصهر مع القطران (النحاس) يعطيان تركيبة قوية جدا لا تتأثر بالزلازل والعوامل البيئية، لها صلادة عالية جداً
37- عملية استخلاص الحديد وصهره ما زال يستخدم إلى الآن طريقة النفخ بالهواء من أسفل الفرن بعد وضع المواد الأولية في الفرن المبني من الطابوق. وهذا أيضاً إعجاز علمي يسجله القرآن الكريم لذي القرنين.
38- وضع دعائم الصناعة التي بها تتقدم الأمم وتزدهر.
39- نشر العلم والمعرفة بين الناس مع نشر أصول العقيدة وخاصة الآخرة من دون مقابل.
40- القضاء على البطالة وتشجيع العاطلين على العمل مع إيجاد فرص عمل جديدة باستمرار.
41- تصدير الخبرة إلى أماكن أخرى من دون مقابل.
42- التحلي بالسمعة الطيبة والاحترام الجميل بين الناس، دليل على الثقة المتبادلة بينة الطرفين.
43- أخذ الحاكم بمشورة حاشيته والاستماع إلى كلامهم بكل رحابة صدر.
44- ربط الأعمال كلها بمشيئة الله سبحانه وتعالى ( فإذا جاء وعد ربي......).
45- الايجابية في الحكم، على الحاكم أن يستثمر مدة حياته أو حكمه في عمل ونشر الخير والإصلاح ومحاربة الفساد ببناء ووضع حواجز بين المفسدين والمجتمع.
46- العبرة في هذه القصة تتحقق دون الحاجة إلى تحديد الزمان والمكان، كما هو سائر في معظم قصص القرآن الكريم.
47- ميلاد الحضارات لا تأتي بين عشية وضحاها؛ إلا بالصبر والتحمل واتخاذ الأسباب عندها يأتي التمكين، وينبثق ميلاد فجر حضارة جديدة.




أرب جمـال 12 - 8 - 2010 04:59 AM

الحية والثعبان ... إعجاز بياني في قصة موسى عليه السلام






بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل
لفت انتباهي إلى هذا الموضوع أحد الإخوة القراء من خلال سؤال عن سر مجيء كلمة (ثعبان) تارة وكلمة (حية) تارة أخرى وذلك في سياق قصة سيدنا موسى عليه السلام. وقد يظن بعض القراء أن المعنى واحد، وأن هذا الأمر من باب التنويع وشد انتباه القارئ فقط....
ولكن وبعد بحث في هذا الموضوع ظهرت لي حكمة بيانية رائعة تثبت أن كل كلمة في القرآن إنما تأتي في الموضع المناسب، ولا يمكن أبداً إبدالها كلمة أخرى، وهذا من الإعجاز البياني في القرآن الكريم.

ولكي نوضح الحكمة من تعدد الكلمات عندما نبحث عن قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون لنجد أنها تكررت في مناسبات كثيرة، ولكن العصا ذُكرت في ثلاثة مراحل من هذه القصة:

1- عندما كان موسى سائراً بأهله ليلاً فأبصر ناراً وجاء ليستأنس بها فناداه الله أن يلقي عصاه.

2- عندما ذهب موسى إلى فرعون فطلب منه فرعون الدليل على صدق رسالته من الله تعالى فألقى موسى عصاه.

3- عندما اجتمع السَّحَرة وألقوا حبالهم وعصيّهم وسحروا أعين الناس، فألقى موسى عصاه.

هذه هي المواطن الثلاثة حيث يلقي فيها موسى العصا في قصته مع فرعون. ولكن كيف تناول البيان الإلهي هذه القصة وكيف عبّر عنها، وهل هنالك أي تناقض أو اختلاف أو عشوائية في استخدام الكلمات القرآنية؟

الموقف الأول

في الموقف الأول نجد عودة سيدنا موسى إلى مصر بعد أن خرج منها، وفي طريق العودة ليلاً أبصر ناراً فأراد أن يقترب منها ليستأنس فناداه الله تعالى، وأمره أن يلقي عصاه، فإذاها تتحول إلى حيّة حقيقية تهتز وتتحرك وتسعى، فخاف منها، فأمره الله ألا يخاف وأن هذه المعجزة هي وسيلة لإثبات صدق رسالته أمام فرعون.



ولو بحثنا عن الآيات التي تحدثت عن هذا الموقف، نجد العديد من الآيات وفي آية واحدة منها ذكرت الحيّة، يقول تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى *قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) [طه: 17-21].


الموقف الثاني

أما الموقف فيتمثل بقدوم موسى عليه السلام إلى فرعون ومحاولة إقناعه بوجود الله تعالى، وعندما طلب فرعون الدليل المادي على صدق موسى، ألقى عصاه فإذا بها تتحول إلى ثعبان مبين. ولو بحثنا عن الآيات التي تناولت هذا الموقف نجد عدة آيات، ولكن الثعبان ذُكر مرتين فقط في قوله تعالى:



1- (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ* قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 104-109].




2- (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ* قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ* قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الشعراء: 23-34].


الموقف الثالث

بعدما جمع فرعون السحرة وألقوا الحبال والعصيّ وسحروا أعين الناس وخُيّل للناس ولموسى أن هذه الحبال تتحرك وتهتز وتسعى، ألقى موسى عصاه فابتلعت كل الحبال والعصي، وعندها أيقن السحرة أن ما جاء به موسى حق وليس بسحر، فسجدوا لله أمام هذه المعجزة.http://www.quran-m.com/firas/ar_phot...atrix_0671.jpg



وقد تحدث القرآن عن هذا الموقف في العديد من سوره، ولكننا لا نجد أي حديث في هذا الموقف عن ثعبان أو حية، بل إننا نجد قول الحق تبارك وتعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) [الأعراف: 117].


التحليل البياني للمواقف الثلاثة

لو تأملنا جيداً المواقف الثلاثة نجد أن الموقف الأول عندما أمر الله موسى أن يلقي عصاه وهو في الوادي المقدس، تحولت العصا إلى (حيَّة) صغيرة، وهذا مناسب لسيدنا موسى لأن المطلوب أن يرى معجزة،/ وليس المطلوب أن يخاف منها، لذلك تحولت العصا إلى حية.

أما في الموقف الثاني أمام فرعون فالمطلوب إخافة فرعون لعله يؤمن ويستيقن بصدق موسى عليه السلام، ولذلك فقد تحولت العصا إلى ثعبان، والثعبان في اللغة هو الحية الكبيرة[1]. وهكذا نجد أن الآيات التي ذُكرت فيها كلمة (ثعبان) تختص بهذا الموقف أمام فرعون.

ولكن في الموقف الثالث أمام السّحَرَة نجد أن القرآن لا يتحدث أبداً عن عملية تحول العصا إلى ثعبان أو حية، بل نجد أن العصا تبتلع ما يأفكون، فلماذا؟



إذا تأملنا الآيات بدقة نجد أن السحرة أوهموا الناس بأن الحبال تتحرك وتسعى، كما قال تعالى: (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)[طه: 66]. وهنا ليس المطلوب أن يخاف الناس بالثعبان، وليس المطلوب أن تتحول العصا إلى حية، بل المطلوب أن تتحرك العصا وتلتهم جميع الحبال والعصِيَ بشكل حقيقي، لإقناع السحرة والناس بأن حبالهم تمثل السحر والباطل، وعصا موسى تمثل الحق والصدق، ولذلك يقول تعالى (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) [الأعراف: 115-122].


إحصائيات قرآنية

إن كلمة (حيَّة) لم تُذكر في القرآن إلا مرة واحدة عندما أمر الله موسى أن يلقي العصا وهو في الوادي المقدس، فتحولت إلى حية تسعى. وجاءت هذه الكلمة مناسبة للموقف. أما كلمة (ثعبان) فقد تكررت في القرآن كله مرتين فقط، وفي كلتا المرتين كان الحديث عندما ألقى موسى عصاه أمام فرعون، وكانت هذه الكلمة هي المناسبة في هذا الموقف لأن الثعبان أكبر من الحية وأكثر إخافة لفرعون.



ونستطيع أن نستنتج أن الله تعالى دقيق جداً في كلماته وأن الكلمة القرآنية تأتي في مكانها المناسب، ولا يمكن إبدال كلمة مكان أخرى لأن ذلك سيخل بالجاني البلاغي والبياني للقرآن الكريم الذي قال الله عنه: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 42].



أرب جمـال 12 - 8 - 2010 05:02 AM

تأملات إيمانية فى سورة الشمس



.د. ســلامه عبد الهادي

القرآن الكريم هو كتاب الله ورسالته الخاتمة .. أنزله الخالق إلى الناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراطه المستقيم .. فصلت آياته بعلمه الذي سخر به كل ما في الكون لطاعته و بحكمته التي أخضعت كل شيء لقوانين رحمته .. كل آية من آياته تحوى إعجازا لا يتطاول إليه أحد من خلقه على مدى العصور ... ونقف اليوم أمام أول آيات من سورة الشمس ... وفيهـا توجيه من الخالق أن ينظر الإنسان إلى آيات الله في الآفاق وفى نفسه .. آيات حددهـا الخالق في تسلسل إلهي حكيم من تدبير رب العالمين .. حيث جاء يقول الحق: والشمس وضحـاهـا، والقمر إذا تلاهـا، والنهـار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاهـا، ونفس وما سواهـا، فألهمهـا فجورها وتقواهـا، قد أفلح من زكاها، و قد خاب من دسهـا ...
هكذا تبدأ السورة الكريمة بكلمة الشمس وسميت كذلك بالشمس، فالشمس هي النجم الذي تدور حوله وتتعلق به أرضنا في الفضاء، بخيوط تجذبهـا إليهـا، خيوط لا نراهـا ولكن نؤمن بوجودهـا، أطلق عليهـا العلماء خيوط الجاذبية ، وحاولوا أن يجدوا لها القوانين التي تحدد قيمتهـا على هذا الأساس، ولكن من الذي سن هذه القوانين وأخضع لهـا الأرض والشمس ... لا سبيل للأرض أن تظل سابحة هكذا فى الفضاء وتدور حول الشمس بهذه الدقة والاستقرار سوى التسليم بأن لهـا خالقـا قدر مقاديرهـا ودبر أمرهـا وأخضعهـا لطاعته وقوانين رحمته ... ويطلق العلماء على الشمس ومجموعة الكواكب التي تدور حولهـا ومنهـا الأرض ككوكب من كواكبهـا اسم "المجموعة الشمسية" ... وتملك الشمس وحدهـا كتلة تعادل 99.86% من كتلة المجموعة الشمسية .. ولا تتعدى أرضنا أكثر من
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/14/sun1.jpg
تملك الشمس وحدهـا كتلة تعادل 99.86% من كتلة المجموعة الشمسية
0.00003 من كتلة هذه المجموعة .. .. لهذا يأتى أول قسم بها فى هذه السورة الكريمة .. وكذلك لترتيبهـا في الخلق ، حيث يعتقد العلماء أن الكواكب التي تدور حول الشمس كانت جزئً منهـا ثم انفصلت عنهـا .. أي أن خلق الشمس جاء قبل خلق كل الكواكب بما فيهـا القمر و الأرض .. وبهذا يمكن أن نعتبر الشمس هي الأم لكل هذه الكواكب، فمنهـا جاء خلقهم عندما انفصوا عنها، ثم هي الحاضنة لهم، يدور الجميع في كنفهـا ولا تستقر حركتهم فى هذا الكون الفسيح إلا من حولهـا .. كما أثبت العلم أن هناك انطلاقاً مستمراً للطاقة من الشمس نتيجة لتفاعلات نووية تجرى بداخلهـا بصورة مستمرة ومستديمة ويتم من خلالهـا دمج نواتيذرتين من الهيدروجين لتكوين ذرة واحدة من غاز الهليوم الأقل وزنا من ذرتى الهيروجين .. ويتحول فرق هذه الكتلة إلى طاقة حرارية تصدرهـا الشمس .. فتبعث إلى من حولهـا الدفء والقدرة على الحركة .. ونجد أنه في كل ثانية تتحول ملايين الأطنان من كتلة الشمس إلى طاقة تبعثهـا الشمس باستقرار وثبات واستدامة إلى كواكبهـا ومنهم الأرض .. والضح هو البذل أو العطاء كما يعرفه علماء اللغة .. بذل تهبه وتعطيه الشمس في فترات الضحى فى كل بقعة تنيرها من بقاع الأرض على مدار اليوم الكامل .. كل بقعة لهـا حينها وتوقيتها ونهارها .. وبالقطع فإن ضحى الشمس أو تضحيتهـا تنقص من عمرهـا، وقد قدر العلماء أن عمر الشمس حوالي عشرة آلاف بليون سنة .. وأنهـا قضت نصف هذا العمر تقريباً وباقي النصف الآخر .. هكذا نجد شمسنا في ضحاها أو تضحيتهـا تمنح ما لديهـا من كتلتهـا ومحتواهـا من أجل استمرار حياة و دفء لمن تحضنهم من حولهـا، طاعة وامتثالاً لأمر خالقهـا ومدبر أمرهـا .. وما أوقات الضحى التي ننعم بهـا على الأرض سوى استنزافاً من كتلة الشمس وتكوينهـا وتعجيلاً بنهايتهـا وانتهاء عمرهـا .. هكذا جاء استكمال قسم الخالق في أول هذه السورة الكريمة بالشمس أولاً ثم بضحاها .. إنها إشارة تثير فى العقل تدبر لا ينتهي في أسرار هذا الكون .. من أوجد هذه الشمس لتحتضن أرضنا وتضحى من أجلهـا بهذا الثبات والاستقرار؟ ثم ما الذي علقهـا في هذا الكون رغم هول حجمهـا وضخامة كتلتهـا .. ثم كيف استقرت التفاعلات داخلها بالرغم من هولهـا بهذا الكمال وهذه الدقة .. من حدد لهـا هذه الكتلة وهذا الحجم وهذه المعدلات وهذه الدرجات بحيث لا تتغير ولا تتبدل على مدى الملايين من السنين والقرون والدهور ... إن فى مجرتنا أكثر من بليون نجم مثل الشمس، ولكن ليس لأي منهـا هذا الثبات والاستقرار مثل ما للشمس من ثبات واستقرار .. فأي نجم يزيد حجمه أو كتلته عما للشمس من حجم وكتلة وكثافة، يقصر عمره ولا يسمح للكواكب أن تستقر حركتها من حوله ، ولكن يضمهـا إليه وتذوب في أحشائه .. وإذا قلت هذه المقادير تتكاسل معدلاته وتتوه الكواكب من حوله .. ولكن الله خص نجمنا أو شمسنا بالمعدلات التى تستقر بهـا معدلاتها وحركات الكواكب من حولها .. إنهـا إرادة خالقهـا الذي ينبهنا إلى أن نتدبر هذا القسم الإلهي الذي يستفتح به هذه السورة المسماة باسمهـا.
ثم نأتي إلى الآية التالية .. توجيه آخر صادر من الخالق كي نتدبر آيات أخرى جاءت في كتابه كي نقرأ بهـا آيات الكون من حولنـا .. فنحن أمة اقرأ الذي كانت أول كلمة أوحى بهـا إلى رسول الله و بهـا بدأ الوحي ينزل من السماء على خاتم المرسلين .. نأتي إلى قسم الحق بظاهرة كونية أخرى تلت الشمس وتبعتهـا، حيث يقول الحق "والقمر إذا تلاهـا" .. من الثابت علمياً أن صخور القمر أقدم من صخور الأرض، لهذا فمن المحتمل أن خلق القمر قد جاء تالياً لخلق الشمس، وقبل خلق الأرض .. ولهذا جاء ترتيبه بعد الشمس وقبل الأرض في الآيات .. ثم أن القمر كرة من الصخور المعتمة غير القادرة على أن تشع نوراً من تلقاء نفسهـا .. ولكنه يستمد نوره من ضياء الشمس الساقط عليه، ولهذا يعد هذا الكوكب تابعا أو تالياً للشمس فيما يرسله إلى الأرض من نور .. وهذا ما تنص عليه الآية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/10/moon.jpg
من الثابت علمياً أن صخور القمر أقدم من صخور الأرض، لهذا فمن المحتمل أن خلق القمر قد جاء تالياً لخلق الشمس
فى حكمة وعلم ربانيين .. والقمر في ترتيب أفلاكه وتحوله من المحاق إلى الهلال ثم إلى البدر ثم رجوعه إلى هذه الدورات مرة كل شهر يعتمد على تداخل حركته حول الأرض مع حركتهما معاً حول الشمس .. فهو تالياً أيضاً للشمس في حركته مع الأرض من حولهـا .. ثم إن القمر بالرغم من حركته المركبة حول الأرض ومع الأرض حول الشمس إلا أنه تبعيته للشمس تبعية كاملة فهو يواجه الشمس بوجهه الثابت الذى لا يتغير على مر الأيام و الشهور و الأعوام .. لهذا فهو تابع أو تال مطيع للشمس فى نوره وحركاته واستقراره .. وهذا الوجود والظهور والنور للقمر مشروط بالتزامه فى تبعيته للشمس إتباعا كاملاً عبرت عنه الآية الكريمة بهذا اللفظ المشروط "إذا تلاها" .. هذا الشرط ندرك كنهه إذا ما علمنا أن القمر كتلة هائلة من الصخر يبلغ قطرهـا حوالي 3250 كيلومترا أى بلايين حجم أى قمر صناعى و يبعد عن الأرض مسافة 384000 كيلومترا .. أي آلاف المرات مثل بعد أى قمر صناعي .. ويعجز البشر حتى عصرنا هذا عن الاحتفاظ باستقرار حركة هذه الضآلات التي يطلقون عليها الاسم أقمارا سوى فترات قصيرة لا تزيد عن العام الواحد ... بالرغم من متابعتهـا بأجهزة التحكم وتصحيح المسارات وبما فيهـا من أجهزة إمداد للطاقة وأجهزة تصحيح المسارات، وبالرغم من سهولة حركة هذه السفن إذا قيست بحركة القمر .. حيث نرى القمر مانحا لضيائه ويتغير شكله أو تتبدل منازله كل يوم عن اليوم السابق له فى حركة منتظمة و ثابتة تتكرر كل شهر على مدى القرون و الدهور ... كيف استقرت الشمس ثم كيف استقر القمر فى مداراتهما وضيائهما ونورهمـا ... هكذا جاء هذا الإعجاز بهذا القسم لرب العالمين لعرض ظاهرتين كونيتين تدلان على حكمة خالقهما وعلم وقدرة مدبر أمرهمـا .. وهذا بأدق الكلمات وأحكم العبارات لكل ما يمكن أن تدركه عقولنـا وتستوعبه علومنا .. فتوقظ هذه العقول وتتنبه أن لهـا ربا دبر كل شيئ وقدر كل شيء بكل هذه الحكمة وهذه القدرة وهذا العلم .. رباً عزيزاًَ قديراً حكيماً رحيما أنزل على عبده الكتاب ليكون للعالمين نذيراً.
ثم تتوالى الآيات والمعجزات فيوجهنا القسم التالى لرب العالمين عن النهـار الذي يجلى ضياء الشمس وعطائها .. والنهار في أي بقعة من بقاع الأرض هو تلك الفترة التى تستمتع فيه تلك البقعة بدفء الشمس وسطوعهـا .. والتجلي هو التعاظم حيث يجعل الخالق للشمس شأناً عظيماً في ساعات النهـار عند كل بقعة سطعـت عليها بما تفيضه الشمس من ضياء يبدد الظلمات كى يمارس الناس نشاطهم و عملهم وحياتهم .. وهذا التجلي للشمس مشروط بما هيأه الخالق للشمس من أسباب حتى يكون لهـا هذا التجلي في ساعات النهـار، .. فلو جاء خلق الأرض من مواد تمتص أشعة الشمس كلهـا لمـا تجلت الشمس عند سطوعها .. فعندما نرى الرمال صفراء، يجب أن ندرك أن هذه الرمال امتصت جميع أشعة الشمس وألوان الطيف فيهـا كي تعطي الأرض هذا الدفء بما اختزنته داخلها من هذه الطاقة .. ولكنهـا تعكس لأعيننا موجات الشمس التي نراها باللون الأصفر .. وبانعكاس هذه الموجات نرى كل شيئ من حولنـا .. وكذلك .. عندما تنظر إلى البحار و تراها زرقاء، بالرغم من شفافية مياهها، فهذا لأن هذه البحار أيضا امتصت من الشمس جميع الألوان وجميع الإشعاعات الحرارية التي سقطت عليها من الشمس لتعطى الدفء لمخلوفاتهـا البحرية ونباتاتهـا المائية، ثم تعكس لنا قدراً بسيطاً من هذه الأشعة كي نرى البحار ونميز المخلوقات بداخلهـا، وهذا القدر تراه أعيننا التي صمم الخالق خلايا شبكيتهـا باللون الأزرق، فنرى البحار ونرى كل شيء حول البحار بما عكسته من أشعة وضياء للشمس .. وإذا رأيت السماء زرقاء أيضا بالرغم من شفافية الهواء، فهذا لأن هناك ذرات بعض الغازات في الهواء لهـا القدرة على امتصاص الأشعة قصيرة الطول مما ترسله الشمس خلالها من أشعة، وهي الأشعة التي تسبب اللون الأزرق فى أعيننـا .. ثم تعاود هذه الذرات إشعاعها مرة أخرى فنرى بهـا السماء زرقاء أو حمراء بحسب ما تمتصه ثم تشعه هذه الذرات ... ولو شاء الخالق أن تمتص هذه الرمال والبحار والسماء كل أشعة الشمس ولا تعكس منهـا شيئاً لرأينا صحراء قاتمة وبحار سوداء و سماءً مظلمة .. أي كوناً معتماً طوال ساعات النهـار .. أي نهاراً لا يعطى قيمة أو قدراً للشمس .. فلا تظهر هذه السيمفونية من ألوان الطيف من حولك ساعات السحر و الضحى .. لن تكون هناك هذه العظمة أو التجلي لساعات الشمس فى نهارها ..
و هناك نعمة أخرى .. فلو لم يخلق الله أعيننا بحيث ترى في المجال الذي تبعث الشمس ضياؤها من خلاله، أي الموجات الكهرومعناطيسية التي ينحصر طولهـا من 0.3 ميكرون و حتى 0.7 ميكرون، لأشرقت الشمس وغربت دون أن نشعر بهـا أو يكون لنا نهار يختلف عن الليل .. وهذا ما يحدث للعقارب والخفافيش التي قدر لها الله ألا ترى شيئاً بنور الشمس .. فالنهـار الذي يجلى الشمس و يجعل لهـا قدرا فى عيوننا جاء بتدبير إله قدير ، حدد الأطوال و خصص الصفات و صمم الأعين و دبر الانعكاسات و قدر الامتصاصات و هيأ القوانين و دبر الساعات و أحاط بالظلمات .. و لهذا أتى الحرف "إذا" قبل كلمة "جلاهـا" .. فهذا التجلي مرتبط بإرادته وحكمته ورحمته وقدرته هو لا أحد سواه الذى أتاح لهذا النهـار أن يجلى الشمس ويعظم من شأنهـا ويرفع قدر ضحاهـا وتضحيتهـا ... شمس تشع ما تراه الأعين وأسطح تعكس ما تدركه الأعين وعقل يترجم ما يصل إلى الأعين .. عبرت عنه كلمتين "إذا جلاهـا".
ثم نأتي إلى الآية التالية ويأتي فيهـا ذكر الليل أو ظلام الكون الذي يغشى شمسنا وكل شيء من حولنا .. و كما نعلم أن في السماء عددا هائلا من النجوم يزيد عن عدد الرمال فى الصحراء .. منهـا ما يزيد في حجمه عن الشمس ملايين المرات .. و لو اقتربت هذه النجوم من شمسنا لابتلعتهـا وكدرت سكون ليلهـا .. ولكن الخالق أبعد كل هذه النجوم عنا أبعاداً تصل إلى ملايين السنين، و احتفظ لسمائنا بظلامهـا .. ظلام يغلف شمسنا وأرضنا، وهذا رحمة منه وفضلاً، فلا شمس غير شمسنا في سمائنا القريبة منا .. وقد جاء الحرف "إذا" أيضا في هذه الآية مشروطاً بما قدره الله للشمس من مواقع أقصا بها عنـا باقي النجوم .. وقدر لأفلاكهـا أن تبتعد عنـا بهذه المسارات القاصية الأبعاد .. فنحن نسبح في ليل وظلام ممتد في أبعاد سحيقة قدره لهـا رب العالمين .. وهذا الظلام استطاع أن يراه الآن رواد الفضاء عندما يخرجون بسفنهم خارج مجال الأرض .. حيث يرون الظلام يغلف كل شيء فى هذا الكون من حولنا ... فهو يغلف الشمس و يغلف الأرض و يغلف القمر .. وكل ما يرونه مضيئا هو قرص الشمس سابحا فى الظلام .. ثم وجه الأرض الذى يسطع عليه ضياء الشمس و يتجلى فيه نهـارهـا .. وهذا الظلام الذي يغشى شمسنا مرتبط أيضا بأن الشمس لا يحيط بهـا هواء يعكس أشعتهـا ، وإلا لتبدد هذا الإشعاع قبل أن يصل إلينا عبر ملايين الكيلومترات التى تقطعهـا أشعة الشمس قبـل الوصول إلى الأرض .. إنهـا خصائص المادة التى تفصل بين الأرض و الشمس .. ويطلق عليهـا العلماء إسم الأثير .. ما هو هذا الأثير .. وكيف تنتقل من خلاله إشعة الشمس دون أن تتأثر بهـا وتنير الفضاء من حولهـا فلا تغشاها هذه الظلمة الموحشة لمن يرتاد السماء وينظر إليهـا .. هل هناك مادة اسمها الأثير حقاً أم هي من صنع خيال العلماء .. ولو كان لا وجود لهذه المادة .. فخلال أى شيئ يمكن أن تنتقل أشعة الشمس .. وكيف يفصل بين الأرض و السماء فراغا ضغطه صفر .. أى فراغ كامل .. وهل يستقيم مع هذا الفراغ الكامل استقرار الأرض والشمس في الكون دون أن ينضمان إلى بعضهمـا البعض .. هكذا نصل إلى أننا كلما اقتربنا من حقيقة يمكن أن تدركهـا عقولنـا آمنا أن هناك الكثير لا نستطيع أن ندركه .. عقولنا محدودة وعلومنا محددة .. فهذا الأثير الذى يفترض العلماء وجوده لا يستطيع أحد أن يتخيله .. ولهذا جاء قسم الحق بهذا الظلام الذى يغشى الشمس وسمائهـا .. ظلام أو ليل ارتبط بقدرته و قوانينه وعلمه وحكمته وأسراره التى لا ولن نعلم عنهـا شيئا .. هكذا جاء قسم الحق المرتبط بإرادته لأنه أرادهـا هكذا فى الحرف "إذا" و فى هذا القسم .. "والليل إذا يغشاهـا" ...
إن من ينظر إلى الآيات السابقة وينظر كيف وضعت كل هذه الحقائق عن ظلمة الكون التي تغشى كل شيء بما فيها الشمس ثم كيف خص الله الأرض بأن تتجلى الشمس في الجزء الذي تضح عليه أشعتهـا في ساعات النهـار، حقائق لم نعلم عنهـا شيئاً إلا بعد أن ذهب رواد الفضاء و صوروا لنا الشمس سابحة في بحر الظلام و لا يبدد هذا الظلام إلا وجه الأرض المضيء .. لقد جاء ذكرهـا بكل البساطة والإعجاز العلمي والبلاغي والموسيقى والجمالي .. إنه إعجاز خالقهـا ومدبر أمرهـا .. لا أحد سواه.
و بعد أن أقسم الحق بالشمس وضحاها وقمرها والظلمة من حولهـا، يقسم الحق بالسماء التي تعلقت فيهـا هذه الشمس بكواكبهـا وأرضهـا وقمرهـا، وتعلقت فيهـا هذه الأبراج بشموخهـا واستقرارهـا ...
ثم يقسم باستفسار رباني: ما بناهـا ؟ .. كيف استطاعت أن تحمل كل هذه الأوزان والأثقال .. كيف تم بناؤهـا لتتحمل وزن الشمس بداخلهـا والذي يصل إلى ملايين و ملايين وزن الأرض .. ثم هذه الأبراج التى تحتل داخلها أبعادا تصل إلى ملايين ملايين السنين الضوئية .. ما هى القوة وراء بنائهـا بهذا الإبداع والكمال والجمال .. ما هى الحكمة وراء حسابات تماسكهـا بهذا الجمود و الإتقان ... ما هى القدرة وراء بقائهـا كل هذه البلايين من السنين دون أن تنهـار كما تنهار المباني بعد مئة أو ألف عام .. كيف بنيت وكيف استقرت و كيف أبدعت وكيف توافقت ... أسئلة يثيرهـا الحق بهذا الاستفسار المعجز عن أسرار لا يعلمهـا أحد إلا هو .. وبالرغم من ادعاؤنا أننا فى عصر العلم .. إلا إنه لا أحد يعلم منا حقا "ما بناهـا" سوى أنهـا من أسرار الخالق الذى يعلم كيف بناهـا وما بناهـا .. لهذا يقسم الحق بهذا القسم عن حكمة و قدرة و علم و يقين بمدى عظمة هذا البناء الذى لا يعلم سره إلا هو ..
.. هذا ما كان من أمر القسم بالسماء و ما بناهـا ... ثم يأتى إلى قسم تالي .. قسم بالأرض .. هذا الكوكب الذي اختصه الرحمن باحتضان حياة الإنسان عليه .. كوكب لم يتيسر لسواه كل الأسباب والمقومات التي تقيم الحياة عليه ... وزنه وحجمه وطبيعته وكثافته وعناصره ورماله وجباله وهواؤه وماؤه وبحاره وسحبه ومحيطاته وشمسه وقمره وأفلاكه وأفلاك ما حوله وزواياه وأبعاده ودوراته ومساراته ولقد قال العلماء كي نجد الحياة على كوكب آخر فى الكون كله يجب أن تكون له نفس هذه المحددات التى ذكرتهـا ومحددات أخرى غفلت عن ذكرهـا .. لهذا يأتى قسم الحق بهذه الأرض .. ثم بهذا الاستفسار الإلهى الذي لا نعرف له سبباً .. ما طحاهـا ؟ .. و الطحو هو الدحو أو الإنتشار والانطلاق في هذا الكون حيث تدور الأرض حول نفسهـا مرة واحدة كل أربع وعشرون ساعة وحول شمسهـا مرة كل 365.25 فى دائرة يصل مسارها إلى ملايين الكيلومترات دون توقف أو انقطاع .. وكلمة أطاح بالشيء أي أطلقه
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/14/Earth.jpg
تدور الأرض حول نفسهـا مرة واحدة كل أربع وعشرون ساعة
ومن كلمة طحاهـا اشتقت آلة الطاحون التى تدور وتدور بانتظام واستقرار .. فتتوزع الأعلاف بالتساوى بين رحاهـا دون اختلاف .. وهكذا في الأرض في طحاها وانطلاقهـا ودورانها حول نفسهـا يتوزع الدفء بين جنباتهـا ويتماثل ضغط الهواء فى غلافهـا والرياح على أطرافهـا والمياه والمجالات في جوفهـا .. ولكن ما هي القوة التي تدفعهـا بحيث تستمر طوال عمرهـا فى هذا الطحو أو الدحو .. من أين جاء العلم الذى قدر هذه الأبعاد وما هو مبعث الحكمة التى قدرت هذه السرعات و الزويا و المعدلات حتى تستقر الحياة على وجه الأرض بدرجات حرارة و ضغوط و اتزان و انسجام و التزام و كمال وجمال .. كل هذا عبرت عنه الآية فى استفسار بكلمتين "ما طحاهـا" .. وفى الآية السابقة عن السماء "ما بناهـا" .. لا رد أمامنا سوى إنهـا حكمتك أيهـا الخالق العظيم وقدرتك أيهـا الرب الرحيم .. لهذا جاء قسمك بشيء لا نعلم أسراره وأنت وحدك العليم به .. ومهما حاولت النظريات وافترضت الفرضيات ، فما زال العلم عاجزاً عن أن يتطاول إلى حدودنا التي حددتهـا لعقولنا ومداركنا .. حقاً ما بناهـا وما طحاهـا .. إنهـا مقابلة وانسجام وتسلسل منطقي .. فبدون السماء وبنائهـا وامتدادهـا .. ما كان للأرض انطلقهـا و طحوهـا ..
ثم نأتى إلى القسم الأخير فى سلسلة هذه الاستفسارات.." و نفس و ما سواهـا" .. إنه قسم بالنفس البشرية.. لغز الألغاز.. ولن أخوض في النفس البشرية وأعماقهـا .. فحديثى ينصب على آيات الحق فى الآفاق .. أما فى أنفسهم .. فلهـا رجالهـا .. ولكن أحاول أن أقف أمام استفسار الحق "و ما سواهـا" .. أنه استفسار عن أسرار حار العلماء فى معرفتهـا .. هل جبلت النفس البشرية على الشر ... و ما هى النفس و كيف استوت .. الجواب واضح فى الآية التالية لقسم الحق .. "ونفس وما سواهـا، فألهمها فجورها وتقواها".. أن الله خلق الأنفس جميعا على الفطرة .. نفساً سوية .. فالنفس البشرية جسد له رغباته ونزعاته وشهواته .. ثم نفخة روحانية لا ندرى كنهها لأنهـأ من روح الله فى جميع البشر منذ أن خلق الله سبحانه و تعالى آدم أبو البشر .. تتكرر فى خلق الأجنة كما أرشدنا رسول الحق .. هكذا يضعنا الحق أيضا بهذا القسم و الآية التالية له أمام سر من الأسرار الذى لا تصل إليه علومنـا .. لكن ما هى الروح التى تسيطر على الجسد و الرغبات و الشهوات .. إنهـا من أمر ربى و لم نؤت حقا من العلم إلا قليلا .. وعرف الحق أن الفجور فى ترك النفس نهبا للجسد وشهواته ومادياته .. والتقوى في تحكم هذه الروح والفكر والعقل في ردع الشهوات والرغبات وتسييرها كما شرع الخالق لها .. ولهذا لدى كل نفس الإلهام والمقدرة على الفجور طاعة لرغبات الجسد وعلى التقوى استجابة لصوت الروح والعقل ..إنهـا الأمانة التى حملهـا الخالق للبشر وترك لهم حرية الاختيار والقرار .. فلديه النجدين .. هكذا جاء تعريف النفس وخلقهـا كما تنص عليه الآية الكريمة فى إعجاز وسهولة ويسر، و لا يقدر على هذا الوصف والسرد والتسلسل سوى خالق النفس ومدبر وجودهـا وحياتهـا واستمرارهـا على أرضه وتحت شمسه وداخل بنائه وسمائه .. أشياء لا يعلم الإنسان من أسرارهـا شيئا بل لا يدرى من أمر نفسه أو روحه شيئا سوى ما قدر الله له .. آيات جاءت فى تسلسل ربانى حكيم لا يقدر على سرده بهذه الحكمة إلا رب العالمين ، لنعلم أنا لا نعلم شيئا من أسرار أنفسنا وما حولنا.
ثم نأتى إلى جواب قسم كل الآيات السابقة .. القسم بحق الشمس ومعجزاتهـا والسماء وبنائها والأرض وانطلاقها وفي النهاية بالنفس وتسويتهـا .. يأتى الجواب محددا و موضحا و مبينا أين طريق الفلاح وأين طريق الخيبة .. يأتى هذا النص الرباني الواضح أنه أفلح و فاز بالخير وظفر بالهداية ونجا من الشقاء كل إنسان طهر نفسه من السوء و سما بهـا عن الشر واتبع الحق وبعد عن الباطل وأخلص لمن دبر له أمر الشمس و الأرض والسماء والقمر ومنحه هذه النفخة الروحانية فاستجاب لصوت العقل و سار فى طريق الطاعة و الرحمة .. وأنه قد خاب وخسر نفسه وأوقعهـا في المهالك و أوردهـا غضب الخالق كل من انتقص من أمر روحه وأخفاهـا أو دسهـا ودسسهـا في رغبات جسده أو ألغى عقله وراء شطحاته و سخر نفسه للشر و ارتكاب المعاصى ومخالفة أوامر الله أو ترك الخير فى طاعة الخالق.
.. إنه جواب محدد وصريح وكامل ... والدليل أن هذا النص الربانى هو جواب هذا القسم أنه أعطى المثال على تنفيذ هذا الجواب والسنة والدستور والوعد والوعيد في قصة ثمود ... قتقص الآيات التالية كيف جاءت سنته فى عقاب ثمود التى حادت عن أمر ربهـا وكيف كانت الخيبة لمن أخضعوا أنفسهم للشهوات والحيود عن أمر ربهم ... وهذا عندما اتبعت ثمود أشقيائها وطغاتهـا وتركت نداء العقل من نبيها .. فكان العقاب أن استأصلهم الله من الأرض و دمدمها عليهم وأزالهم من الوجود انتظارا لسوء العاقبة فى الآخرة وعذابهـا .. قصة قوم عرفهـم العرب وأهل الكتاب يمرون على مساكنهم .. قصة حية بينهم كدليل واضح على سنن الله التى لا تتبدل ولا تتغير .. وقد جاء عن زيد بن أرقم أن رسول الله كان يقول هذا الدعاء عند سماع هذه الآيات "اللهم أنى أعوذ بك من العجز والكسل والهرم والجبن والبخل وعذاب القبر .. اللهم آت نفوسنا تقواها و زكهـا أنت خير من زكاهـا أنت وليهـا و مولاهـا .. اللهم إنى أعوذ بك من قلب لا يخشع و من نفس لا تشبع و علم لا ينفع و دعوة لا يستجاب لهـا .. اللهم آمين و صلى اللهم على حبيبك و رسولك .. و نسألكم الدعاء.

أرب جمـال 12 - 8 - 2010 05:05 AM

تأملات إيمانية في سورة يس




أ.د. ســلامه عبد الهادي






إنـنـا نحيـا في ملكوت الله... كون محكم بإتقـان... كلمـا تأملنـا فيه رأينـا الكمال و الجمـال و الحكمة و العلم... وكمـا أتقن الله مـلكه و أحكم آياته في خلقه و نظـامه بقدرته و علمـه... فقد أحكم آيات كتابه وجعلهـا رمـزا إلى آياته في مخلوقاته بقدرته و علمه ...
وكما قال الحق أن هذا الكتاب هو آيات تهدينـا إليه فقد ذكر سبحانه أن في هذا الكون أيضـا آيــات تبصرنا به و تدلنا عليه ... وكمـا أبدع الله في آياته في هذا الكون الذي أبدع خلقه فكان اسمـا من أسمائه بديع السموات والأرض... أبدع أيضا في كتابه فجـاء بإبداع لا يقدر أن يأتي بمثله أحدا... كمـا وصف الحق كتابه بقوله " قل لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا ".
و نستعرض في هذا المقال بعضا من آيات سورة يس، و هي في القرآن من القلب كما حدثنا رسول الله... ونبدأ أولا بتناول أربعة آيات في قلب السورة (من الآية 37 إلى الآية 40 ) تتعرض لآيات الله في الليلو النهـار و الشمس و القمر، ثم نأتي إلى آيات أخرى في نهـاية السورة ( من الآية 77 إلى الآية 80 ) وهي تدحض أقوال منكري البعث بآيات الله في هذا الكون البديع...
و لنبدأ بالأربعة آيات الأولى، حيث يقول الحق.. "وآية لهـم الليـل نـسلخ منه النهـار فٌإذا هم مظلمون، والشمس تـجرى لمـستقر لهـا ذلك تقدير العـزيز العليم، والقمـر قدرنـاه منـازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سـابق النهـار وكل في فلك يسبحـون " صدق الله العظيم.
نرى الآية الأولى تصف وصفا جلياً عملية تعاقب الليل والنهـار، فالأرض في أي لحظة أو توقيت، يكون نصفهـا معرض لأشعة الشمس ونورهـا، والنصف الآخـر يكون بعيداً عن أي شموس أو نجوم أخـرى، فهـو يرقد في ظـلام يشمل الكون كله كما توحي إليه هذه الآية الكريمة كحقيقة علمية رآهـا رواد الفضاء مؤخراً، و جاءت بهذا الإعجاز في الآية الكريمة حيث تشير أن الظلام هو الأصل وأن الحادث هو النهـار، ولهذا فإن النهار هو الذي ينسلخ عن الأرض فتنغمر الأرض في ظلام الكون مرة أخرى، فعندمـا تدور الأرض حول محورهـا يبتعد هذا الجزء المنير الذي شمله ضوء الشمس رويدا رويدا فيتحول نصف وجـه للأرض من النهـار إلى الليل، و لن يجد العلماء أيضـا وصفا علميا لهذا التعاقب أدق وأعمق من هذا النص الذي جـاء به القرآن لكريم وآية لهم الليل نسلخ منه النهـار فإذا هم مظلمـون .
و تـضعنـا هذه الآية أمام قاعدة علميه لحساب اليوم الكامل تبصرنا بحكمة الخالق وعزته، وهو الفرق الثابت بين كل انسلاخين للنهار أو زوالين أو غروبين للشمس، فنجد أن هذا الفرق ثابتا لا يتبدل ولا يتغير مهما تغيرت الفصول والشهور والسنوات، و أيضـاً أمام حقيقة أخرى علمناها مؤخراً، و هي أن حدوث هذا الانسلاخ لايتأتى إلا إذا كانت الأرض تدور حول نفسهـا في ثبات كامل أمام الشمس بحيث تنغمس في الظلام عند نهاية النهار، و أنهـا أيضاً تدور بسرعة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير رغم تعاقب السنين والقرون والدهور، بحيث لا يسبق الليل النهار كما تعبر عن هذا آية تـالية " ولا الليل سـابق النهـار، وكل في فلك يسبحون "، من صنع هذا الثبات لكل شيء في فلكه، للأرض وللشمس ولكل كوكب ونجم، إنـنـا أمام حقائق جاءت بدقة متناهية بحيث تعبر عن آية لا تقبل الشك عن علم الخالق وقدرته وعظمته ، فكيف يتأتى الحفاظ على هذا الفرق الثابت بين الانسلاخين وعلى هذا الفلك الثابت للأرض رغم حركتهـا المركبة حول محورهـا المائل وحول الشمس ومع الشمس ومع سقوطهـا ضمن المجموعة الشمسية بسرعة هـائلة في الفضـاء الهائل من حولنا، إن هذه الآيات الكونية لا تتأتى إلا بتقدير إله عزيز عليم كما تنبأنــا الآية التـالية بهذه الأسماء الحسنى لله خالق هذا الإعجاز، عزيز ومنفرد في قدرته و علمه، إن هذه الدورة المحتومة للأرض حول نفسهـا وهذا التعاقب لليل والنهـار دون تقديم أو تأخير بهذا الثبات والدقة قـاد الإنـسـان إلى تعريف الزمان والوقت، حيث قسم الزمـن الذي تدور فيه الأرض حول نفسهـا إلى أربع وعشرون سـاعة، و بهذا استطاع البشر أن ينظموا أوقاتهم وحياتهم، و هل يتأتى هذا الانتظـام من تلقـاء نفسه، و إذا تدبرنـا هذه الآية ونظرنا إلى البشر عندما يطلقون عربة صغيرة يسمونها بالأقمار الصناعية وهي لا تزيد في وزنها عن أصغر الأحجار و تدور حول الأرض لمدة محدودة ويطلقون معها معدات كي تمدهـا بالطاقة المطلوبة لاستمرار حركتهـا والحفاظ عليهـا، ومعدات للتحكم وظبط مسارها حول الأرض وتصحيح انحرافاتها الدائمة، ثم نجدهم يعجزون في معظم الأحوال عن الاحتفاظ بهذا المسار لهذا الشيء التافه حجماً و وزناً لأي مدة تزيد عن عدة شهور ... و قارنا بين هذا الجسم وهذه الأرض الهـائلة الحجم والمنبعجة الشكل والتي يصل قطرهـا إلى 12742 كيلومتراً... من الذي احتفظ لهـا بهذا المسار للأرض ولكل كوكب نراه في مجموعتنا الشمسية طوال ملايين وبلايين السنين دون انحراف أي شيء عن مساره، إنه حقاً خالق عزيز عليم... لقد جاء القرآن بهذه الأدلة من الله الذي يعرف السر في السموات و الأرض ويوجهنا إلى هذه الحقائق والأسرار بأدق التعبيرات أو الكلمـات، التي نـراهـا أمامنا في هذه الآيات حتى يهدينا إلى عظمته وجلاله، ونـشعر أمامهـا بعظمة قائلهـا وصانعها ونرى عجزنـا عن أن نأتي بمثلهـا صنعا و عملا و قولا فنهتدي إليه وإلى وحدانيته.
ثم تأتى الآية التالية من هذه الآيات بإعجاز عن حركة الشمس وكيف جعلها الله في جري دائم حتى تستقر في نهاية الأمر طبقا لأوامر خالقها " والشمس تجرى لمستقر لهـا ذلك تقدير العزيز العليم، " ، لقد اعتقد العلماء في القرن الماضي أن الشمس هي مركز الكون وأنها ثابتة في حجمها وكتلتها ومكانها وأن كل شيء يتحرك من حولها، و اعتقدوا ببقاء المادة وعدم نفاذها، واعتقدوا أن للمـادة دورات وللزمان دورات فلا ينتهيان، ولكن تأتى هذه الآية لتبين بهذا النص المعجز منذ 14 قرنا من الزمان أن ما يجرى لكل شيء في الكون يجرى على الشمس و على المادة وعلى الزمان أيضـا، فالشمس تجرى وتتحرك وتهوي في هذا الكون السحيق، وهي تتوهج الآن ثم سوف تخبو وتستقر بعد حين ... فالشمس تتناقص حجما ووزنا حتى تستقر وتتلاشى بعد حين، والشمس وهي تجرى أيضا فإنهـا تجرى معها أعضاء مجموعتها المرتبطة بها من الكواكب، فالشمس تدور حول نفسها وتديرنا حولهـا، فهي حقا تجرى وكواكبها يجرون من حولهـا إلى أن تـستـقر حركتها فيستقرون معها، وهذا ما أكده العلم الحديث في مشاهداته الفعلية، وأرضنا التي نعيش عليها ليست إلا كوكباً من كواكب المجموعة الشمسية التي تجري في ركب الشمس وتنقاد معها وفقـاً لتقدير الخالق العزيز العليم، وسوف تستقر حر
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/sun.jpg
الشمس كرة من غـاز الهيدروجين تصل درجة الحرارة في بـاطنهـا إلى أكثر من 15 مليون درجـة
كة الشمس بعد هذا الزمن، و حين تأتى هذه اللحظة سيتوقف الزمـان بالنسبة لأهل وسكان المجموعة الشمسية، ولن يدور الزمـن دورته ولن تبقى المادة على حالهـا كمـا كان يدعى المـاديون والكـافرون والملحدون، فللشمس ميقات ستستـقــر عنده بأمر خـالقهـا وسينتهي عنده كل شيء، هذا مـا أكده الـعـلم ومـا تـأتى به هذه الآية من خالق الشمس ... آية تنص على أن هذه الشمس سوف تستقر بعد هذا الجري الدءوب، و قد أثبت العلماء أن الشمس كرة من غـاز الهيدروجين وتصل درجة الحرارة في بـاطنهـا إلى أكثر من 15 مليون درجـة ويحدث بهـا أعقد التفاعلات النووية الاندماجية التي سوف تحولها في النهاية من كرة متوهجة إلى كرة مستقرة... حيث تساعد درجة حرارة باطن الشمس المرتفعة في اندماج ذرتين من ذرات غاز الهيدروجين الذي يشكل كتلة الشمس، فتتحولان إلى ذرة واحدة من غاز آخر.. ذرة تقل كتلتهـا عن كتلة ذرتى الهيروجين، حيث يتحول الفرق في الكتلة إلى طاقة تبعثهـا الشمس إلينـا... وقد حاول الإنسان أن يحاكي هذا التفاعل الاندماجى الذي يحدث في الشمس، و لكنه عجز عن التحكم في هذا التفاعل في مفاعلاته النووية، وأدت أبحاثه في هذا المجـال إلى اكتشافه للقنابل الهيدروجينية التي تنتج كما هائلاً من الطاقة ينشأ عنهـا انفجارات مدمرة، وهكذا لم يتمكن البشر إلا في استخدامها للتدمير وليس لعمارة هذا الكون كما يحدث في شمسنا بأمر الله... وكي ترسل الشمس كل هذه الحرارة فإنهـا تحرق في كل ثانية 600 مليون طن من مكوناتهـا من الوقود الهيدروجينى، تحترق في ثبات دون توقف على مدى الثواني والأيام و القرون و الدهور، و ينطلق من الشمس مع هذا التحول في كل ثانية كما من الطاقة يكفى ما تحتاجه الأرض لمدة مليون سنة كاملة، ولكن هذا الكم يتوزع على الكون بأكمله ويكون نصيب الأرض من هذا الكم قدر محدد لها يكفيهـا دون زيادة أو نقصـان لا يمثل سوى 1 على 10 أمامهـا عشرة أصفار على الأقل.... وهكذا فإن الشمس تتغير وتبدأ من غاز الهيدوجين الذي يجرى له أو به هذا الكم الهائل من التفاعلات والاندماجات، ثم ينتهي إلى كرة من غاز ساكن أو خامل هو الهليوم، ولا يبقى لها في النهاية وقود يقاوم قوة جذب كتلة هذا الغاز الخامل، فيتقلص نجم الشمس بتأثير وزنه، و تصـير الشمس في النهاية قزماً ساكناً أبيض أو ثقباً أسود في هذا الكون كما حدث في ملايين النجوم الأخرى التي كانت مثل شمسنا و جرى لهـا مـا سيجرى لشمسنـا بعد فترة قدرها العلماء بحوالى 500 بليون سنة كي تتحول إلى هذا القزم السـاكن، و هذا بعد أن وصل عمرهـا الآن 450 بليون عامـاً، والآن ما الذي يحتفظ للشمس بهذا الجري والتفاعل بهذا الثبات الممتد عبر بلايين السنين التي والتي تكونت خلالها الأرض ثم نشأت الحياة عليهـا، إن الشمس لو بردت درجتهـا بأقل من مليون درجة مثلا، فسيؤدى هذا إلى انخفاض معدلات الاحتراق بها إلى النصف، وهذا ما يؤكده العلم الحديث، وبهذا تقل الطاقة التي تصل إلى الأرض فتتجمد الأرض، و لو زادت أيضـاً لتضاعفت معدلات الاحتراق وتزيد معها الطاقة التي تصل إلى الأرض فــتـحترق أيضا الأرض، ثم إذا نظرنـا إلى الشمس وهي تحترق وتقل كتلتهـا بملايين الأطنان في كل ثـانية ، فلنـا أن نتعجب : هل هذا النقص الدائم في كتلة الشمس له الأثر على أفلاك الكواكب من حولهـا، النظريات العلمية تؤكد أن هذه الأفلاك تتأثر فتبتعد الأرض عن الشمس، ولكن لو حدث هذا فستـتجمد الحياة على الأرض، وهذا لم يحدث خلال الملايين من السنين التي هي عمر الأرض، لقد حار العلماء في فهم أسرار هذه الشمس بحيث تظل بهذا الثبات لهـا ولمن حولهـا، و جاء هذا النص من الخالق أنه هو الذي قضى عليهـا بهذا الثبات فأودع هذا التعبير في كتابه بأرفع المعاني والكلمات "و الشمس تجرى لمستقر لهـا، ذلك تقدير العزيز العليم "، حقـا إنه عزيز في قدرته و تقديره، عليم يحيط بعلمه كل شيء، و العلم لا يستطيع أن يصل إلى سر جرى الشمس بهذا الثبات في تفاعلاتها و فيمن تجريهم حولها ، و يأتي كتاب الله ليعلن أن هذا جاء بتقدير إله قدير عزيز عليم " ذلك تقدير العزيز العليم" ، فهو من صنعه وحده وتقديره وحده وبعلمه وحده، وهذه الكلمات جاءت منه وحده .
و قبل أن ندخل إلى القمر تعالوا أولا نعقد مقارنة بينه وبين الشمس، فالقمر كوكب صغير سخره الله للأرض، وإذا أردنا أن نتخيل المسافات والأبعاد الخاصة بالشمس والقمر بالنسبة للأرض، فيمكن إذا تخيلنـا أن الشمس كرة قطرهـا متراً واحداً، فإن الأرض تكون كرة صغيرة أو بلغتنـا العامية بلية صغيرة يقل قطرهـا عن 1سم، و تدور هذه الكرة حول الشمس في دائرة نصف قطرهـا 120 مترا دورة كاملة كل 365.25 يومـا (السنة الشمسية )، أما القمر فإنه بالنسبة لهذه الأبعاد يكون بلية (قطعة حجر صغيرة) أصغر جداً لا يزيد قطرهـا عن 4مم و تدور حول الأرض في دائرة نصف قطرهـا 30 سم فقط دورة كاملة كل 27.3 يوما ( محددة شهراً قمرياً )، هذه الأبعاد تقربنا فقط من تصور النسب بين هذه الأجسام، لكن قطر الأرض مثلا 12800 كم وقطر الشمس حوالي 1.400.000 كم و قطر القمر 34676 كيلومتر، فلا يزيد قطر الأرض عن ضعفي قطر القمر كما لا تزيد كتلة الأرض عن 80 ضعف فقط كتلة القمر، و بينما نجد الأرض قزم صغير يدور حول الشمس بكل الالتزام، فإن القمر يبدو كأنه لا يدور حول الأرض و لكن كأنهمـا يدوران حول بعضهمـا أو كما لو كانا كما تذكر المراجع الأجنبية يرقصان حول بعضهمـا حيث يدور كل منهما حول الآخر و يدوران معا حول الشمس، وحيث وجدوا أن القمر يواجه الأرض دائما ويلازمها بوجه ثابت، وهي من قواعد الرقص عند الغرب، كما لو كان منتظراً لتلبية حاجاتهـا، ويبدوان أيضا لمن يراهما من بعيد كما لو أن القمر يتمايل حول الأرض في حركته المحدودة حولهـا كما تتمايل الأغصان في حركتهـا حول الأشجار. كما يدور القمر في مستوى يميل مع مستوى خط الاستواء في الأرض بزاوية قدرهـا 23.5 درجة، و هي نفس الزاوية التي يميل بهـا محور دوران الأرض حول نفسهـا مع مستوى دورانهـا حول الشمس، و يأتي من هذا التطابق في الزاويتين تطابق مستويي أفلاك الأرض وأفلاك القمر، و لهذا فإن مساحة الجزء المعرض من القمر لضوء الشمس، و الذي يعكس ضوء الشمس و ينير الأرض في المساء ويحدد شكل القمر من الهلال إلى البدر والعكس، يعتمد فقط على ما تحجبه الأرض عن الوصول إليه من ضوء الشمس، ولتطابق الزوايا فإن كل سكان الأرض تراه بنفس الشكل، ولو اختلفت هاتين الزاويتين عن بعضهما ولو بأقل الكسور من الدرجة لمـا حدث هذا التطابق في أشكال القمر بالنسبة لكل سكان الأرض، و لرأى أهل الشمال القمر بدراً بينما يرى أهل الجنوب القمر هلالا، وسنظل أياماً نرى القمر كاملا، و أياما لا نراه، و الشهر القمري يبلغ 29.5 يوما وهو يزيد عن مدة دورة القمر حول الأرض بأكثر من يومين حيث تشارك الأرض في الحركة حول القمر أثنـاء تحركه حولهـا، إنه انضباط في الزوايا والتحركات يتوه في حساباته فقط أعظم العلمـاء، فمـا بالك بالتحكم فيه وتدبير أمر مساري هذين الكوكبين التي لا تقل أقطـارهما عن بضعة آلاف من الكيلومترات، مسارات معقدة و منضبطة.. ينشأ عنهـا هذا الانضباط في الشهور القمرية و أشكال القمر المتتابعة، التي لا تتبدل و لا تتغير، ويتم معهـا انضباط مواقيت و حركة الأحياء عليهـا.
هكذا ينبهنـا الخالق إلى تدبر هذه الحقائق بما يذكرنا بهـا في كتابه، فيشير القرآن بعبارات بسيطة أن كل ما ذكرناه عن حركة القمر حول الأرض وملازمته للأرض في حركتهـا حول الشمس، وسرعة القمر حول الأرض وسرعة الأرض حول الشمس، وأفلاك القمر وأفلاك الأرض وأفلاك الأرض والقمر معاً والمستويات والزوايا والأبعـاد والمسافات والسنة الشمسية والشهر القمري ثم السنة القمرية التي تختلف عن السنة الشمسية بمدة 11 يوما لا تزيد أو تنقص، وأن يكون للقمر هذه الأشكال المتدرجة صعوداً وهبوطـا واتساعاً وضيقـاً، فنراه هلال ثم بدرا ثم هلالا في مواقيت محددة وبحركات دقيقة وتم حسابهـا بأدق الحسابات و التحكم فيهـا بأعظم القدرات .. يشير إلى أن كل هذا لم يأتي بالصدفة أو بالطبيعة.. فأي طبيعة هذه التي تحدد السرعات و الأبعاد والمسافات و الأقطـار و الأحجـام والزوايا والحركات والسرعات وتحافظ عليهـا بهذه الدقة المتناهية طوال هذه القرون والدهور.. نعم لا يتركنا خالق الأرض والسماء نتخبط ونحتـار... و لكن يأتي بآيات القرآن معلنـاً بإعجاز أنه هو الله الذي هيأ الأبعـاد
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/3/Moon.gif
الشكل التالي يبين كيفية دوران القمر حول الأرض ومنازله وتكون البدر حتى العرجون القديم
والمسافات والزوايا وقدر للقمر وسخر له هذه الأفلاك والمسارات... فيقول الحق والقمر قدرناه منازل... أي أن كل هذا قد جـاء بتقدير إله قدير قدر لهذا القمر هذه التحركات احتوتهـا كلمة قدرناه. .. و نأتي إلى كلمة منازل.. فهذه الكلمة إشارة إلى أفلاك القمر ومنازله التي أنزلهـا الله فيهـا له كي يكون لنـا من أشكاله ما نراه عندمـا يعكس لنـا ضوء الشمس من مواقع مختلفة أمامـهـا... وقد تكون هذه الكلمة تصحيحـا للتعبير الذي شبه به بعض العلمـاء حركة القمر و قالوا أنه يراقص الأرض، فهو لا يراقصهـا ولكن التعبير الأشمل والأجمل أنه ينازلهـا.. فمن قواعد المنازله أن يواجههـا أيضاً بوجه ثابت ولكنه يجب أن يبتعد عنهـا بعداً كافيا يتيح له تسديد وصد ضوء الشمس إلى الأرض كلما حانت له انفراجة في مسار الأرض عن الشمس.. و لكن الرقص الذي أطلقه بعض العلمـاء الغرب يعنى انضمامهمـا، وهو تشبيه يجافى الحقيقة... أما المنازلة فلا تسمح بهذا، وتنطبق حقاً على من يرى حركة القمر الملزمة للأرض في دورانه معهـا حول الشمس وفي نفس الوقت يدور حولهـا ويقترب و يبتعد أثنـاء هذا الدوران وبوجه ثابت كما لو أنه ينازلهـا دون أن يحيد عنهـا..... ثم نأتي إلى تشبيه حركة القمر وهو يتحرك من يمين الأرض إلى يسارهـا ومن يسارهـا إلى يمينهـا في حركة محدودة بالنسبة لحركتهما حول الشمس، و بسرعة بطيئة بالنسبة لسرعة دورانهمـا معاً حول الشمس... وكما ذكرنا أنه يبدو لمن يراه كما لو أن القمر يتمايل حول الأرض وهو يدور معـها ويدور حولهـا أو ينازلهـا... وتأتى الآية فتطلق هذا التشبيه... عاد كالعرجون القديم... و يطلق العرب اسم العرجون على فرع شجرة التمـر... وعند تقادمه على شجرته بسبب الجفاف من تسلط أشعة الشمس عليه زمنا طويلا نجده يتمايل مع الرياح أينمـا توجهه لأنه يصير غير قادر على الثبات أمامهـا بعد قدمه... إن هذا التشبيه يقرب من رؤيتنـا حركة القمر وهو يتحرك أو يقفز في سهولة ويسر على جانبي الأرض كقفزات وحركات بمثل تقلبات العرجون على جانبي شجرته، و ينشأ من هذا التمايل المقدر والاستمرار الاعتياد عليه أشكال القمر المختلفة.... منازل إشارات إلى حكمته وقدرته وأن كل ما وجدنـاه ورأيناه وعلمنـاه جـاء بتقديره
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/moon1.jpg
الشكل التالي يبين منازله القمر حول الأرض
سبحـانه وقوله الحق والقمر قدرنـاه... منازل ... حتى عـاد... كالعرجون القديم... فنرى أن كلمة "قدرنـاه" قد جاءت بكل السمو كي تبدد حيرتنـا... لأن الخالق هو الذي قدر للقمر هذه الزوايا والسرعات والأبعـاد والمسافات والمستويات، فصـار إلى ما صار إليه من ملازمته للأرض أو منازلتهـا والقفز على جانبيهـا حتى اعتـاد هذه المنازل كما اعتاد العرجون في التحرك والتطوح على جانبي الشجرة كلما تعرض للقدم والجفاف... أي إعجـاز هذا في الخلق و القول... إنه إعلان حي من الخالق، أنه هو الذي دبر و" قدر للقمر منازله " بتقدير العزيز العليم... في دورات مستقرة وثابتة ينشأ عنهـا هذه الأشكال المتكررة للقمر من هلال إلى بدر إلى هلال تنبئ عنهـا كما ذكرنا كلمة " عاد "... فهي تفيد العودة والتكرار كما تفيد الاعتياد والاستمرار والاستقرار..... أية دقة علمية هذه في سردهـا لحقائق علمية متكاملة بأبسط العبارات وأدق التشبيهات التي تعيد كل شيء في هذا الكون لتقدير الخالق منزل القرآن على عبده بالعلم والحكمة وبما يظهر الحق و يبدد الحيرة في هذه الحركة المعقدة للقمر مع الأرض و الشمس بما قدره من قول و فعل.
ثم تأتى الآية الرابعة لتؤكد أيضاً بإعجاز شامل أن حركة كل شيء في هذا الكون تتم فعلا بانضباط كامل ومقدر بقول الحق ( لا الشمس ينبغي لهـا أن تدرك القمـر ولا الليل سابق النهار، و كل في فلك يسبحون )، هكذا جاء قول الحق عن هذا الثبات لكل شيء من حولنا في أفلاكه، فللشمس أفلاكها الثابتة وللقمر أفلاكه الثابتة و بالرغم من أن الأرض من توابع الشمس تدور حولهـا وحجم الشمس أو وزنهـا يزيد آلاف المرات عن حجم الأرض و وزنهـا، لكن لا تطغى الشمس على القمر هذا التابع الضئيل للأرض الصغيرة والتابعة لهـا، فلا تحوله إليها أو تدركه بقوتها وحجمها ووزنهـا وجذبهـا الجبار الذي يتضاءل أمامه جذب الأرض، ليس هناك سببا ألا يحدث هذا إلا أن يكون هناك التزاماً من الشمس والقمـر بالسير والسباحة أو التسبيح المحدد بالكلمات أو بالحركـات في أفلاك ثـابتة لا حيود عنهـا.
والأرض لهـا تعاقبهـا ودورانها حول نفسـهـا، ولا يختل هذا الدوران مهمـا تعاقبت السنين والقرون، فزمن الدورة أربع و عشرون سـاعة و لا يأتي ليلين أو نهـارين متعاقبين، بل ليل يعقبه نهـار، و يكونان معاً اليوم من أربع و عشرون سـاعة في ثبات تام يعجز عن تخيل أسبابه العقل البشرى، وكذلك الأرض ويصاحبهـا قمرهـا تدور دورة كاملة كل سـنة أو كل 365 يومـاً وربع اليوم حول الشمس، لا يتبدل أو يتغير زمن هذه الدورة على مدى القرون والدهور، وكذلك الشمس و معها منظومـتها الشمسية كلهـا بمـا فيهـا الأرض و الكواكب الأخرى تدور حول مركز المجرة مرة كل 200 مليون سنة، و مجرتنا البالغ عدد النجوم فيهـا أكثر من خمسة بلايين نجم و تمثل المجموعة الشمسية إحدى أفرادهـا لهـا أيضـا دورتهـا حول نفسهـا و حول مركز الكون الذي لا يعرف سـره سوى الخـالق... و الآن ... مـن يحفظ هذا الثبات والاستقرار في دورات الشمس و القمر ودورات الليل و النهـار وكل الدورات الأخرى، لقد قربنا العلم لأن نرى مسارات الشمس والأرض والقمر، ولكن هذه الرؤيا زادتنا إحساسا بالجهل عن أسرار ما رأيناه أو علمنـاه... وزدنا يقينا أنه لا تعليل لهذا إلا أن كل هذه السباحة لكل كوكب أو نجم ما هي إلا نوعـاً من أنواع التـســابيح يسبح بهـا هذا الكون لخـالقه كمـا جـاءت الآية الكريمة (و إن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) ... إنــه تسبيح دائم و مستمـر لكل مـا في هذا الكون... و( كل قد علم صـلاته و تسبيحه ) ...و( إن من شيء إلا يسبح بحمده، و لكن لا تفقهون تسبيحهم ).
هكذا جاءت كلمات الله معبرة بكل إعجاز عما يعجز الإنسان عن فهم أسبابه في هذا الكون، فتتبدد حيرته عندما يكون القائل هو خالق هذا الإعجاز الذي أرسل إليه هذا الكتاب رحمة من عنده لهدايتنـا و الخروج بنـا من الحيرة و الضلال ، و إذا أمعنـا التدبر في كلمة يسبحون بالباء المفتوحة و يسبحون بالبـاء المشددة و المكسورة ، فسنجد أن القرآن قد جـاء بهذه الكلمة الجـامعة لمـا تؤديـه الكواكب و النجوم و الشمس و القمر من سباحة منتظمة في أفلاك ثـابتة و أن هذا ليس إلا تسبيح أو طـاعة ملزمة لكل الكواكب و النجوم لخـالقهـا ومسيرهـا.
و السؤال الآن: هل نستطيع كبشر بعد أن علمنا عن الأرض و القمر و الشمس و الليل و النهـار و الأفلاك و المسارات أن نعبر عن معجزات هذه الأشياء و دلالاتها في بضعة سطـور يفهمها العالم المتعمق بقدر علمه والإنسان البسيط بقدر نقائه، و هذا على مر العصور دون توقف، و بهذا الإعجاز التام دون أن يأتيهـا الباطل في أي من هذه الأزمـان، لقد عرضت هذه الآيات الحركات و الأفلاك التي تتحرك فيها الأرض و الشمس و القمر و أعطت التشبيهـات التي لا يستطيع أن يأتي بمثلهـا سوى خالقهـا و محددهـا و محدد أبعـادهـا و حركاتهـا... إنهـا جميعـا تدور بإعجـاز إلـه عـزيز عليم تسبيحا له و طاعة و التزاما و انصياعا لأوامره، فلـه وحده النهـار و الليل و الحركات و السكنات و الأقدار و المصائر، إنهـا آيـات إلــه يـرى الكون الذي خلقه كله بإمداده و جمـاله و إعجـازه وإبداعه، ثم يـركز أبصـارنـا على ما يمكن أن نراه من هذه الآيات التي تدل كلهـا على جلاله و عظمية ... آيات يراهـا الناس في كل العصور و لا يستطيعون إنكار صانعهـأ مهمـا بلغ علمهم و رؤاهم، و لهذا تبدأ الآية بـقول الحق و آيــة لهـم ... إنهـا فقط إحدى الآيـات التي يبصـرنـا بهـا لخالق في الكون الذي خلقه و سيره بقدرته و تقديره.. و لكن في الكون آيـات و آيــات يجب أن نتدبرها حتى نستحق مـا أنعم الله به علينـا من نعمـة العقل والعلم.. ويكفى هذه الإشــارة من الخـالق التي جـاءت بهذه السمو وهذا الإعجـاز...
و الآن نتوقف ثانية أمام آيات أخرى جاءت قرب نهـاية هذه السورة الكريمة بقول الحق:( أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين، و ضرب لنا مثلا و نسى خلقه، قال من يحيى العظام و هي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة و هو بكل خلق عليم ، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون، أوليس الذي خلق السموات و الأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ، بلى و هو الخلاق العليم )
هناك من يجرأ و يدعى أنه ليس هناك بعث بحجج مختلفة، و في هذه الآيات يناقش الحق بالحجة و المنطق هؤلاء المتنطعون، فيأتي باستفسـارات منطقية و يسأل هؤلاء المنكرون أسئلة منطقية و يستشهد الخالق في إثارة تفكيرهم من واقع ما يبصرونه في مختلف الأزمنة... و يأتي السؤال الأول... هل من لديه القدرة على خلق الأجسـام لا تكون لديه أيضا القدرة إعادة هذه الأجسام مرة أخرى بعد أن تتحول إلى رميم و تراب... سؤال منطقي و رباني... و لا شك أن هؤلاء المتنطعون كما كانوا في عصر الرسول صلى الله عليه و سلم، نراهم أيضـا في عصرنا هذا ينكرون البعث باسم العلمانية و العلم... و لكننا كمسلمون نرى أن التقدم البشرى و العلمي يجعل الرؤية التي طالبنا بهـا الخالق في بدأ هذه الآيات تكون أقوى و أوضح و أظهر، فالخـالق يذكرنـا بعد هذا الاستفسـار أن بدأ خلقنـا كان من نطفة.... و قد أثبت العلم الحديث أن بداية تكوين الجنين في بطن الأم تكون بتخصيب بويضة الأم، و تمثل هذه البويضة نصف خلية من خلايا جسمها وتحمل جميع صفاتها الوراثية، ويتم تخصيب هذه البويضة بالحيوان المنوي للأب، وهذا الحيوان يمثل أيضاً نصف خلية من خلايا جسم الأب، ويحمل أيضا كل الصفات الوراثية للأب... ومن هذا التخصيب تأتى النطفة أو أول خلية كاملة تحمل صفات وراثية مشتركة من الأب والأم لمخلوق جديد... هذا ما نراه الآن في معاملنا بالمجهر وبالصورة و تعرضه أفلام علمية و طبية و ثقافية... والآن لا ندرى بالرغم من ادعائنا العلم و الفهم.. من علم هذه النطفة ورتب لها هذا التحول من نطفة أو خلية واحدة إلى إنسان كامل عبر أطوار وأطوار داخل رحم الأم، لا تدرى الأم منها شيئا وليس لها أي تدخل أو تداخل فيهـا، كيف استطاعت هذه الخلية الواحدة أن تتكاثر إلى بلايين من الخلايا المتطابقة للخلية الأولى صفاتا ونوعا و شكلاً في منظومات هائلة مكونة الأنسجة والأجهزة والأعضاء، كيف استطاعت أن تستمد غذائها وهوائها وهي داخل ظلمات ثلاث، من صمم لها هذه الأطوار كي يكون لها خياشيم في أحدى الأطوار كي تحصل على الأكسيجين من داخل السائل الذي تسبح فيه في داخل الرحم، و كيف جاء لها هذا التكوين الفريد في الحبل السري الذي يمد جسم هذه النطفة بكل ما تحتاجه من غذاء في كل لحظة ومن مرحلة إلى مرحلة أخرى، من الذي أودع الأسرار في مجموعة من الخلايا أن تتحول إلى عظام ومجموعة أخرى أن تتحول إلى عضلات، ومجموعة أخرى أن تتحول إلى دماء أو جلد أو أغشية أو شعر... وكل له وظيفة محددة وأعمال مرتبة وأهداف ثابتة تختلف شكلا وموضوعاً عن الخلايا الأخرى وإن اتحدت في كروموزماتهـا وجيناتهـا التي تميز كل إنسان عن أخيه وعن سائر المخلوقات... من رتب لها هذا التكوين وعلمها هذه الوظائف وقرر لها هذه الأعمال و بين لهـا هذه الأهداف... من الذي جعل القاعدة العامة هي الانتظام في هذا الترتيب وجعل هناك القليل الذي يشذ حتى نرى قدرة الله في خلقه وأن العملية ليست عملية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/human211528.jpg
صورة للجنين البشري في أشهره الأولى
ميكانيكية ولكن كل شيء بقدر معلوم، فنرى التصاق قلبين أو جسمين أو رأسين، و نرى ما لا يكتمل نموه ونرى من يولد بعد 7 أشهر ومن يولد بعد 9 أشهر و نرى من يموت في رحم الأم ومن يكتب له الحياة الممتدة، ونرى قدرة الله وحكمته في أن يجعل هذه النطفة ذكرا أو أنثى في إحدى هذه الأطوار ثم نرى الاتزان بين عدد الذكور والنساء في الجنس البشرى خاصة، ونرى حكمة الله وقدرته في أن يهبة نعمة السمع والبصر والعقل خلال هذه الأطوار كي يتحول هذا المخلوق الحيواني، الذي وهبه الله الحياة منذ أن كان نطفة لينمو داخل رحم الأم كأي حيوان ثديي، إلى إنسان عاقل يدرك ويعي ما يراه بعينيه أو يسمعه بأذنيه، بميز الأصوات و الألوان و الحروف و الكلمات و الصور و الظلالات، ثم يميز بين الخير و الشر وبين النور والظلام، بفطرة فطر الله عليها هذه النطفة منذ أن بدأها و وهب لهـا الحياة و الاستمرار.
نعم... لقد رأينا في معاملنا هذه الخلية الأولى أو النطفة التي أودعها الله في رحم الأم ثم نمت بقدرة الله التي وهبتها الحياة وبحكمته التي أودعها الله في هذه النطفة حتى تخوض في هذه الأطوار وبإرادته التي تجعل هذا ذكراً أو أنثى أو لا شيء على الإطلاق أو أن تصير هذا الإنسان الكامل العاقل القادر ... و بالرغم من هذا فيأتي هذا الإنسان بعد أن زاد شعوره بالجهل في عصر العلم متبجحـاً أن أصله جاء نبتاً من هذه الخلية الواحدة عندما أراد لها خالقها الحياة والنمو وكتب لهـا هذه الأطوار... جاء يقول من هو القادر على أن يعيد عظمه أتى بهـا إلى رسول الله لتصير بشراً مرة أخرى... أنه بهذا التصرف الأبله وهذا القول الساذج يصير خصماً لله سبحانه و تعالى الذي أخذ على نفسه هذا العهد و قرره في آيات القرآن الكريم بلسان عربي مبين ... كم تحوي هذه العظمة من الخلايا... إنهـا بلايين الخلايا وقد جاء خلق الإنسان من نطفة أو من خلية واحدة فقط من هذه الخلايا... إن العلم الحديث يقرر أنه يمكن من خلية واحدة استنساخ حيوان هو صورة طبق الأصل من الحيوان الأصلي.. فكيف بخالق الإنسان نفسه... أو ننكر له هذه القدرة... و من هنا جاء هذا الرد الرباني العجز على هذا الاستفسار الإنساني الجاحد و الجاهل بقدرات الله عز و جل: (أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين، و ضرب لنا مثلا و نسى خلقه، قال من يحيى العظام و هي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة و هو بكل خلق عليم ).
ثم يأتي البيان الثاني...الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون... كيف ننكر قدرة الخالق الذي دبر شئون هذا الكون و دبر عمارته على أن يحيي العظام و هي رميم... أشار الله في هذه الآية إلى قدرته التي عمر بها هذا الكون وأعطى بها الإنسان والحيوان القدرة على الحركة والانطلاق... إن من ينظر إلى هذا الكون وقدرة الإنسان على السعي فيه وعمارته، يجد أنهـا جاءت من هذا الشجر الأخضـر، فالشمس تطلق طاقتهـا.. ولكن هل يستطيع الإنسان أن يمتص هذه الطاقة كي يتحرك بهـا... إن أعضـاء المملكة الحيوانية كلهـا ومنهـا الإنسان لا يستطيعون الاستمرار والحركة بدون مصدر للطاقة.. كمـا أن السيارات والمحركات لا تستطيع أيضـاً أن تتحرك بدون مصدر للطـاقة... ومن أين تتأتى لهم هذه الطاقة التي سيتحرك بهـا الإنسان و من ثم تتحرك بهـا دوابه و أنعـامه ثم تحركان عرباته وآلاته ... هل سأل أحدنا نفسه مرة كيف تأتـيه هذه الطاقة ومن أين تأتيه... الجواب في هذه الكلمات المحددة في الآية التي بين أيدينـا... إن هذه الطاقة تأتى من الشمس التي جـاء ذكرهـا في منتصف هذه السورة.. ثم من الذي يعد ويجهز لنا هذه الطاقة كي نستفيد منهـا ولتبعث الدفء والطـاقة في أجسادنا عند احترقهـا ناراً، و هي التي تدفع الطاقة أيضاً في أجساد دوابنـا عند احتراقهـا ناراً، و هي التي تطهي لنـا الطعام عند احتراقهـا ناراً، وهي التي تدفع عرباتنا عندما تتحول في باطن الأرض إلى بترول وغـاز طبيعي ثم تحترق في عرباتنا ناراً... إنهـا هذا الشجر الأخضر... إن هذه المقابلة في الآية الكريمة التي صاغهـا الحق بين النار والشجر الأخضر مقابلة معجزة، تستوعب كل دروسنا في الطاقة ... حيث يقوم الشجر من خلال اخضراره واخضرار أوراقه بدوره ومهـامه في تخزين وإعداد هذه الطاقة في طعام ذو مذاق جميل وفي نفس الوقت في الصورة التي يمكن امتصاصهـا داخل جسم الإنسان أو الحيوان... إن من يتعمق في الكيفية التي يمتص بهـا هذا الشجر الأخضر من خلال أوراقه الخضراء طاقة الشمس، لا يسعه إلا أن يسجد للخالق الذي قدر هذا الصنع و أبلغ عنه بأعظم الكلمـات و أدق العبارات، في مقابلة معجزة و متكاملة... لقد حاول العلمـاء محاكاة ما يحدث في هذا الورق الأخضر.. فوجدوا أنه يتم في هذه الورقة أكثر من ثلاثة آلف تفاعل كهرو فوتو كيميائي كي يمتص أشعة الشمس الفوتونية ويخزنهـا كطاقة كيميائية في المواد الكربوهيدراتية في عملية حيوية تسمى بعملية التمثيل الكلوروفيللى أو الأخضر نسبة لاعتمادها على ورقة الشجرة الخضـراء.. و لو حاول هؤلاء العلمـاء تنفيذ هذا التفاعل في معامل يعدونهـا، فإنهم يحتاجون إلى معمل يعادل حجمه عشرة أضعاف حجم عمارة المجمع كي يؤدى
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/fire.jpg
سبحان الذي خلق من الشجر الأخضر ناراً
فيه هذه التفاعلات و يصنع ويخزن الطاقة التي تخزنهـا ورقة نبات خضراء في اليوم الواحد، و لكنه سوف يستهلك في تخزين هذه الطاقة طاقة أخرى تعادل طاقة طلمبات منخفض توشكا بأكملهـا... و تأتى كلمة "جعل لكم" لتبلغ حقيقة أخرى، فلن تكون للنبات الأخضر هذه القدرة بذاته... حيث أنه بدون أشعة الشمس التي يمتصهـا وبدون الهواء الذي يستخلص منه غـاز ثاني أكسيد الكربون، وبدون الظروف الجوية المواتية من ضغط ودرجة حرارة ودرجة رطوبة لن يستطيع النبات أن يقدم لنـا هذه الطاقة التي باحتراقها ناراً تسير عجلة الأحياء والحياة على وجه الأرض... و لهذا جاءت كلمة جعل.. ولم تأتى كلمة خلق.. إن من يتابع كيف تنطلق نار هذه الشجر الأخضر في أجسامنا، فسيرى أن الله أعد في خلايا الجسم القدرة على استعادة هذه الطاقة بثلاثة آلاف تفاعل في عكس تفاعلات الشجر الأخضـر... من علم هذه الورقة القيام بهذه التفاعلات.. ومن علم خلايا الإنسان والحيوان هذه التفاعلات... الرد هو أن ما علمناه وما نعلمه يزيدنا يقينـا أننا أكثر جهلا بكل شيء وأن هناك خالقـاً هو الذي جعل هذا... فعلومنا تقربناً من معرفة قدرة الله، و تقدم لنـا الدليل المؤكد لقدرته وعزته.. و أنه سخر لنـا كل هذا الكون بعلمه و قدرته... ثم يتطاول الخلق ويسألون.. من يعيد هذه العظام وهي رميم.. هل من أعد هذه التفاعلات وسير هذه العمليات كي نحيا ونستمتع بطاقتنا غير قادر على أن يعيد هذا الخلق.. وهذا المنطق الثاني كي يبطل الله حجج المنكرين الذين لا يفكرون و يتدبرون.
ثم نأتى إلى الدليل الثالث .. و فيه يذكر الحق بكل الدقة و القوة دليلا لا يمكن إنكـاره ... أو ليس الذي خلق السموات و الأرض بقـادر على أن يخلق مثلهم ... فإذا عقدنا مقارنة بين خلق السموات و الأرض و خلق الإنسان فهي محسومة حقا لخالق السموات و الأرض.. و لن نعيد تأملات قول الحق في سورة النازعات، ففيهـا مقارنة كافية لدحض حجج الكافرين... و لكن هناك وقفة أمام كلمة واحدة في هذه الآية، وهى كلمة " مثلهم "... فإذا كان الخالق جاء بخلق السموات والأرض وخلقهم من لا شيء.. ألا يكون قادراً على أن يأتي بخلق مثلهم... أي ألا يكون قادراً على استنساخهم بلغة العصـر... هل يمكن لخالق الإنسان من نطفة ثم الذي جعل له من الشجر الأخضر ناراً ألا يقدر على أن يفعل ما مكن البشر من فعله ليكون عليهم دليلاً.. ألا يستطيع خالق السموات والأرض على أن يستنسخ مثلهم من خلية يبقيهـا من عظامهم هذه بعد أن تصير رميم... يستنسخهـا كما مكن البشر أن يستنسخوا مثل النعجة التي أخذوا منهـا خلية من جلدهـا... ألا يقدر خالق الأصل أن يخلق الصورة... أي مثلهم.. سؤال لا مرد له إلا أن هؤلاء المنكرون متنطعون ومفضوحون... و لكن هذا الاستنساخ الذي مكنهم الله منه وإن كان في ظاهره العلم، إلا أن باطنه يكشف قدرة الخالق... فكل ما فعلوه عند الاستنساخ أنهم أخذوا خلية كاملة من جسم ذكر أو أنثى في أي حيوان ووضعوهـا في بويضة أنثى داخل رحم أنثى هذا الحيوان.. وهو موضع النطفة الأولى لأي جنين يتكون بالصورة الطبيعية من نصف خلية من الذكر ونصف خلية من الأنثى، فيتم الانتخاب الطبيعي للصفات التي تورث في الجنين الطبيعي، فرأوا أن بويضة الأنثى التي وضعوا فيهـا هذه الخلية، معدة لتلقين الخلية الموضوعة أو المستنسخ صاحبهـا طرق الانقسام داخل الرحم لتكوين الأنسجة و العضلات والأجهزة والصفات التي تحملهـا هذه الخلية، و أيقنوا أن خلق هذا المثل ممكنـا بما أودعه الله في بويضة أنثى كل حيوان من أسرار، كالأسرار التي وضعهـا فيهـا كي تخرج من النطفة الأولى أو الخلية الأولى من هذا المخلوق، و كالأسرار التي أودعهـا في الشجر الأخضر كي تنتج ناراً كما بين الله في الآيات السابقة... هكذا يأتي قول الحق ويأتي بالرد القاطع له... بلى ..(أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم.. بلى ... وهو الخلاق العليم... إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)... صدق الله العظيم... أيوجد منطق أعظم وأبدع وأعلم وأقوى وأمتع من هذا المنطق القرآني كي تقنع به من لا يؤمن بالبعث و قدرة الخالق على أنه سيعيد نشأتنـا من هذه العظام أعظم... إنه سرد لثلاث حقائق نراهـا بأعيننا و أبصارنا و منطقنـا الإنساني.. لهذا كان أول هذه الآيات (أو لم ير الإنسان... ثم كان في أوسطهـا.. أوليس الذي خلق السموات و الأرض بقادر على أن يخلق مثلهم)... هل يمكن ألا يكون ردنا على هذه الآية الكريمة كما قال سبحانه وتعالى.. نعم. هو الخلاق العليم.. نعم .. بلى و ربنـا الحق.. لقد رأينـا و آمنا أن الله قادر على أن يخلق مثلنـا و ينصر أمتنـا بإذنه و هدايته وكتابه و آياته.. فبأي حديث بعده يؤمنون...
هناك لازمة أحب أن أضيفهـا... فالخالق أراد للمسلمين أن يكون تقويمهم للشهور والسنوات معتمدا على حركة القمر و ليس على حركة الشمس... ولو تدبرنـا في فلك القمر.. فسنجد أن القمر تابعـا للأرض و يلازمهـا... و لأن الخالق سخر هذا الكون للإنسان... فقد أراد له أن يقوم السنوات بشيء تابع للأرض التي سخرها الخالق لهذا الإنسان وسخر ما في الكون لخدمته... و نحن عندما نعد شهور الحمل في الجنس الآدمي أو الحيواني، نجد التقويم أدق بالشهور القمرية، و في اختيار الخالق هذا التقويم لنـا يجعل الأرض و أهلهـا متبوعين بما في هذا الكون ومشاركين و ليسوا متبعين.. و الله أعلم .

أرب جمـال 12 - 8 - 2010 05:07 AM

تأملات إيمانية فى سورة النازعات





بقلم الدكتور سلامة عبد الهادي محمد

القرآن... كتاب عظيم فصلت آياته من لدن حكيم عليم لتخاطب كل البشر فى كل العصور على اختلاف حضاراتاهم و ثقافاتهم و علومهم بالبراهين العلمية و العقلانية و المنطقية كي تؤكد بما يبصرونه و يدركونه و يعلمونه أن الله سبحانه و تعالى هو الخالق الحق لكل شيء فى هذا الكون... و أنه هو الله الذي لا إله إلا هو.. بناهـا، هذه التأملات أمام سبع آيات من سورة النازعات، حيث نتدبر فيهـا بعض من فيض العلم الرباني و الهدى الإلهي الجلي فى كل كلمة و كل حرف منها، حيث يقول الحق فى الآيات من الآية 27 و حتى الآية 32 (ءأنتم أشد خلقا أم السماء.. بناهـا، رفع سمكهـا .. فسواهـا، و أغطش ليلهـا... وأخرج ضحاهـا، والأرض بعد ذلك.. دحاهـا، أخرج منها ماءهـا... ومرعـاهـا، والجبـال أرساهـا، متاعا لكم... ولأنعامكم ) هكذا تدحض هذه الآيات بأبلغ الكلمات والعبارات وبأدق الأدلة العلمية والعقلانية حجج من ينكرون قدرة الله الحق على إعادة نشأة الإنسان، هؤلاء الذين يجادلون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير... فيعقد الحق مقارنة بين إنشاء هذا المخلوق الضعيف أو شدة نشأته مع نشأة هذا الكون المتسع الفسيح.
تبدأ الآيات بسؤال يوجهه الخالق إلى من ينكرون قدرة الخالق على نشأتهم مرة أخرى، باستفهام يثير الفكر ويختبر المعلومة ويطرح المشكلة فى الإطار الذي لا مرد له ولا قدرة على إنكاره... ثم يأتي بالمعلومة الصادقة والمنطق العلمي والعقلاني الحق ليدحض كل حجج الكافرين والمتبجحين و المنكرين... إن من ينكرون قدرة الخالق على بعث أجسادهم مرة أخرى يستحقون أن ينظر إلى كيانهم كمنشأ مـادي فقط و لا ينظر إلى كيانهم الآدمي الذي أكرمه الله... فلهذا تعقد الآيات مقارنة بين القدرة المطلوبة لإعادة هذا المنشأ الآدمي بشدته المحدودة، والقدرة التي أنشأت وسخرت هذا الكون الفسيح كي يحيا ويستمتع فيه الإنسان... هذا الكون بسمائه وأرضه و ليله و نهـاره وجباله وأنهـاره وسهوله ومراعيه... فجاالسماء.استفسار المنطقي والبلاغي فى كل كلمة بل كل حرف: ءأنتم أشد خلقـا... أم السماء ... هذه السماء فى امتدادها اللانهائي الذي تعجز أبصارنا وعقولنـا عن تخيل امتدادهـا... هذه السماء فى انتظامهـا و بروجهـا ونجومهـا و حاراتهـا ... هذه السماء فى جمالهـا و بهـائهـا... هل قارنا حجم الأرض التي نحيا عليهـا بحجم الشمس إلى نراها على هيئة كرة لا يزيد قطرها عن ¼ متر ... إن حجمهـا الحقيقي قدر حجم الأرض أكثر من مليون مرة.... هل تخيلنـا أن حجم الأرض قياسا لحجم السماء التي نبصرها حولنا يعادل حجم حبة رمل واحدة بالنسبة لحجم صحراء إفريقيا بأكملهـا... هذه الأرض التي يحيا عليهـا كل هؤلاء البشر ببحارها ومحيطاتها و جبالها وقاراتهـا مجرد حبة رمل فى صحراء كبرى قياسا بحجم الأرض بالنسبة للسماء... من أشد خلقـا وأكبر حجمـا و أعظم بنيانا... ثم يضع الخالق أمامنا هذه الحقيقة القاطعة، إن هذه السماء التي نراها أشد خلقـا هو وحده الذي وضع لبناتهـا و نظم بنيانهـا بأمره بكلمة واحدة واضحة .بنـا... حتى لا تتيه العقول ولا تنحرف الأفكـار فى نظريات... يعلن الحق أنه هو الذي خلقهـا من العدم و وزع لبناتهـا فى الكون بكل الدقة والانتظام فجاء بنيانها شديداً متراصاً بانتظام لا يتغير و لا يتبدل... بناهـا.نظريات العلمية فإن هذا الكون قد ابتدأ محدوداً للغـاية ثم جاءت إرادة خالق قدير وضعت لبناته الأساسية بهذا الأمر البين... بناهـا ... ثم أخذ هذا البنيان يتمدد ويتوسع ليملأ هذا الامتداد اللانهائي... وتسمى هذه النظرية بتمدد الكون... ولا تجد هذه النظرية العلمية مفراً من الاعتراف أن هذا التمدد تم بيد وإرادة خالق واحد لأنه جاء موحداً بنفس اللبنات و القوانين والذرات والعناصر والمركبات.. خامات واحدة نشأت منهـا جميع النجوم... مجرات متشابهة وحارات متكررة وقوانين ثابتة ونماذج مقلدة... وهكذا صاغ الله هذه الحقيقة بوضوح كامل و دقة فائقة... جاءت بقول الحق... رفع سمكهـا... أي أن الله هو الذي زاد ومد ورفع سمك هذه السماء أو عرضهـا بقدرته و حكمته و أمره... وعلى قدر علومنا فإن هذا الامتداد قد جاء من توسع المدارات والمجرات والحارات فى هذا الكون الفسيح... وكي يحتفظ هذا التمدد الكوني بثباته واستقراره، فلابد أن تتزن وتتساوى قوى الجذب والتنافر أو الطرد والشد بين مكوناته من نجوم وكواكب ومجموعات ومجرات وأبراج، كي تصير حركة الأفلاك فى السماء إلى ما صارت إليه من انتظام دون إخلال... ومن ينظر إلى الحسابات الفلكية التي تقوم بهـا الشهور والفصول والمدارات، فيجد أنهـا جميعاً تعتمد على استقرار و ثبات هذه الأفلاك ، لا بد وأن يشعر أن هناك ميزاناً إلهيـاً قد ساوى بين هذه القوى وأحكم إخضاعهـا للقوانين التي سنهـا فاستوت على ما حدد لهـا من أفلاك والتزمت على ما يسر لهـا من مسارات وما هديت إليه من مجريات ... فصار للسمـاء هذا الكمال و الاتزان... فسواهـا.اء القرآن بما يقر ما ذهبت إليه فطرتنا وعلومنا واعترافنا بوجود هذا الميزان الإلهي فى كل أرجـاء هذه السماء بهذا القول الفصل.. فسواهـا ... نعم، لم يحفظ لسمائنا هذا الاستقرار والكمال بالرغم من اتساعها و امتدادها إلا أن الخالق غمرها برحمته و حكمته و قدرته... .. فسواهـا... فسواهـا.يحفظ لسمائنا هذه الأمن فى أرجـائهـا والاستواء فى أركانهـا بالرغم من لانهائيتها إلا أن الله غمرهـا بعدله وسننه ولطفه... فسواهـا ... و الآن... ءأنتم أشد خلقـا ؟
ننتقل الآن إلى ما اكتشفه العلم الحديث من حقيقة هذه النجوم الصغيرة التي نراها مساءً في السماوات الصافية، حيث تبين أنهـا شموس يصل حجم البعض منهـا إلى ملايين المرات ضعف حجم شمسنا التي تنير كل بقعة فى أرضنـا أوقات سطوعهـا عليهـا منذ ساعات الضحى إلى ساعات الغروب... لو تخيلنا اقتراب أي نجم من هذه النجوم العملاقة من أرضناًَ ، لمـا نعمنـا بليل نسكن فيه و راحة ننعم بهـا عندما يرخى الليل بسدوله ... و لو اقتربت أي من هذه النجوم منا لاحترقت الأرض بقمرهـا بل بشمسهـا المحدودة فى حجمهـا و شكلهـا... إن الأبعـاد التي تبعد بهـا أقرب هذه النجوم عن أرضنا و عن شمسنا تقدر بملايين السنين الضوئية... و السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعهـا الضوء فى سنة كاملة بسرعته التي تبلغ 33.000 كم فى الثانية الواحدة ... أي أن أقرب هذه النجوم إلينـا قد بعثت إلينا بأشعتهـا وضوئـهـا منذ عدة ملايين من هذه السنين لبعدهـا عنا هذه المسافات، لهذا لا نشعر بطغيان هذا الضوء والإشعاع على هدوء و استقرار وظلام ليلنـا، و لا تشارك شمسنـا فى الدفء القاصر عليهـا والذي تبعثه إلينا فى ساعات سطوعهـا.... من الذي أبعد عن الأرض التي نحيا عليهـا هذه البلايين من النجوم العملاقة فى السماء كل هذه المسافات و الأبعاد حتى لا تبدد ظلمة ليلنــا... من يكون سوى خالق واحد أراد لهذه الأرض الحياة و الوجود و الاستقرار فى ليل تنعم به بالهدوء و السكينة... لقد أعلن الخالق عن هذا الفضـل كما عبرت عنه الآية التالية حيث يقول الحق بكلمات محددة تصف بكل الدقة فضل رب العالمين... أغطش ليلهـا... أي أظلم ليلهـا وغطى وأغطش كل ما يمكن أن يبدد هذه الظلمة... كما نضع الستائر فوق النوافذ لتحول وصول الضوء إلى أعيننا... كذلك أبعد الله عن الأرض النجوم الأخرى لتحول وصول ضوئهـا الكاسح إلينا وكي لا تبدد ظلمة ليلنـا، و حتى تكون لنا سماءً خاصة بنـا ننعم فيهـا بسكوننا و هدوءنا و نومنا.
هكذا بقدرة الله وحكمته وعظمته و لطفه ومحبته ومودته أبعد عنا هذه النجوم أو الشموس الأخرى بأشعتهـا و ضيائهـا و لم يبقى لنـا غير شمسا أو منبعا واحدا للدفء والطاقة والضياء... مصدر واحد أخرجه الله من هذه البلايين من الشموس التي أبعدهـا... أخرجه و أوجده لنا الخالق كي ننعم بالضياء ساعات الضحى... منبع واحد لا يبعد عن أرضنا سوى دقائق ضوئية معدودة وليست ملايين من السنوات الضوئية كتلك النجوم التي أغطش الخالق عنا لهيبهـا وأقصاهـا عنا برحمته... منبع واحد محدود يحترق من أجلنـا ويتحول جزء من كتلته إلى طاقة تبعث دفء و ضياء ينير الأرض... إن التفاعل الذي يحدث فى الشمس كي تخرج منهـا الطاقة المطلوبة للأرض يسمى بالاندماج النووي، حيث تندمج ذرتي الهيدروجين، و هو الغاز الذي يمثل كتلة الشمس، و تتحولا إلى ذرة جديدة بكتلة تقل عن الكتلة الأصلية لذريتي الهيدروجين، و يحترق هذا الفرق فى الكتلة أو يتحول إلى طاقة تخرجهـا الشمس بقدر محدد لو زاد لاحترقت الأرض و لو نقص لتجمدت الأرض، إن هذا النوع من الاندماج النووي الذي يحدث فى الشمس وتحترق أثناءه ملايين الأطنان فى كل لحظة، يعجز البشر حتى يومنا هذا عن محاكاته و لو لدمج أقل عدد من الجرامات من الهيدروجين، حيث أن كم الانفجار الذي يحدث عند تحويل هذه الجرامات إلى طاقة، أضخم من أن يسيطر عليهـا البشر فى أي مفاعل مهما بلغ تقدمهم العلمي، و كل ما تمكنوا منه هو استخدام هذه الطاقة فى التدمير عند إلقـاء قنبلة هيدروجينية... و الآن من الذي اختار للأرض وأخرج لهـا هذا النجم دون سائر النجوم الأخرى و سيطر على تفاعلاته و تحكم فى درجات حرارته و مقدراته حتى يخرج لنـا منه ما يضحى به من أجل بقاء الأرض بهذا الثبات أو المعدلات الثابتة التي تحتاجهـا من هذا الاحتراق و التي لا تتغير و لا تتبدل... شمس يتوافق ما تبعثه لنا من طاقة مع ما تحتاجه الأرض وأهلهـا و زرعهـا و بحارهـا و سهولهـا.. بل تتوافق أطوال موجات ما تبعثه لنـا مع قدرة عيوننا على رؤية ضحاهـا و نورهـا فنرى بهذا الضياء ما يبدد ظلمة الكون الذي يغلف سماءنا فى ساعات النهار... فبدونهـا لن ترى الأرض نورا فى نهـارهـا أو دفء فى جوهـا.... لقد رأى العلمـاء أن بقاء استقرار الأرض و حياتهـا التي تقدر بملايين السنوات ما كانت لتستمر لو أن لنـا شمسا تختلف عن شمسنا هذه فى الحجم أو الكتلة أو المعدلات أو الأبعاد... فهناك نجوم أكبر من الشمس تنهـار بمعدل أسرع من الشمس و كذلك أقل فتتمدد بدون حدود... و درجة الحرارة فى باطن الشمس تصل إلى 16 مليون درجة مئوية، و لو زادت هذه الدرجة بمليون أخرى لتضاعفت كمية الطاقة الصادرة منهـا أربعة مرات و هذا يكفى لأن يحرق الأرض
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/7/sun.jpg
درجة الحرارة فى باطن الشمس تصل إلى 16 مليون درجة مئوية، و لو زادت هذه الدرجة بمليون أخرى لتضاعفت كمية الطاقة الصادرة منهـا أربعة مرات و هذا يكفى لأن يحرق الأرض
أيضا أربعة مرات.. و العكس صحيح إذا قلت هذه الدرجة... إن نصيب أرضنـا من هذه الطاقة التي تخرج من الشمس كل لحظة لا يعادل أكثر من 1 على عشرة أمامهـا عشرة أصفار على الأقل.. و بالرغم من هذا فإن تأثرهـا بهذه المعدلات يفوق كل خيال... من وراء هذا الانضباط و التحكم و الحكمة و العلم و الإيداع... إن الخالق يضع أمامنا أسرار هذا الكون العظيم فى خياراته و أقداره و مقدراته بعلم إلهي و كلمات بالغة الكمال و الجمال، حكمة لا يستطيع أن يصل إلى أعماقها إلا هو... فهو وحده الذي يعلم تأويلهـا الحق... و لكن عندمـا تحتـار العقول و تتيه الأبصـار تجد الرد كاملا فى خاتم كتبه.. نص نقصر عن أن نلم بمحتواه ولكنه يضع الرد على ما يجيش فى رؤوسنـا وقلوبنـا... فيقول الحق أنه هو الذي... أخرج ضحاهـا... و هذا استكمالا للشطر الأول من الآية الذي يذكر فيه أنه هو الذي ... أغطش ليلهـا... و الآن ألا يستطيع الخالق الذي يخرج من الشمس هذا القدر الهائل من الطاقة ليغمر سمائنا بهذا الضياء أن يخرجنـا و يعيد نشأة البشر من الأرض... هل يستطيع المنكرون أن يجدوا ردا على هذا الاستفسار... ءأنتم أشد خلقـا ؟؟؟ أم السماء و خلقهـا و ما فيهـا
ثم تسترسل الآيات فى تسلسل منطقي و منهج رباني لتسرد علينا الكثير من أسرار هذا الكون و مراحل خلقه... فبعد أن خلق الله لبنات السماء وبناهـا ثم قدر لهـا هذا التمدد والتوسع... ثم أنعم على الأرض بشمس واحدة تضحى بما يخرجه الحق منهـا و أبعد عنهـا باقي الشموس التي يمكن أن تعكر ظلمة ليلهـا...تأتى الآيات إلى خلق الأرض نفسهـا... و لا أتطاول و ادعى أن العلم هو الذي أثبت أن هذه هي مراحل الخلق، فالقرآن هو المرجع الحق و كل ما عداه يجب أن يستشهد به... و لكن النظريات العلمية وجدت حقا أن السموات أقدم من الأرض و أن شمسنا نجم حديث السن بالنسبة لباقي النجوم التي نراهـا فى السماء... و أن خلق أرضنـا جاء بعد خلق الشمس كما توحي به تسلسل هذه الآيات ... حيث وجد العلماء أن أرضنـا هي كوكب انفصل عن الشمس و يدور حولهـا وحول نفسه وقد تجمدت قشرتهـا الخارجية بفعل برودة الكون... و لكي نقرب من خيالنا الأبعاد التي تفصل بين الأرض و الشمس فى دورانهـا حول الشمس.. فلو مثلنـا الشمس بكرة كبيرة قطرهـا مترا، فإن الأرض سوف تكون كرة صغيرة أو كما نسميهـا بعاميتنا بلية صغيرة لا يزيد قطرهـا عن 0.9 سم أو 9 مم ... و تدور هذه الكرة الصغيرة حول الشمس فى دائرة نصف قطرهـا 120 مترا كل 365.25 يوما و تدور حول نفسهـا كل 24 ساعة ... لو تخيلنـا أي خلل فى الأبعاد أو الأزمنة لانتهت الحياة على الأرض... فلو أن هذه المسافة بين الأرض و الشمس زادت أو قلت بأقل النسب... فستزداد قدر الطاقة الساقطة من الشمس على الأرض أو تقل... و لتبخرت المياه كلهـا من الأرض أو تجمدت، و لتوقفت مناحي الحياة عليهـا... و كذلك دورة الأرض حول نفسهـا 24 ساعة لا تزيد و لا تنقص بأقل القليل على مدى الأيام و الفصول و السنوات و القرون، بالرغم من أن هذه الكرة الأرضية منبعجة و غير منتظمة الشكل... و لو حدثت أي زيادة أو نقصـان فى ساعات الليل و النهـار و بأقل النسب لاحترقت الأرض أيضا أو تجمدت.. و كذلك دورة الأرض حول االاستقرار، تستغرق كما ذكرنا 365.25 يوما بكل الانضباط و الاستقرار، و فى دورانهـا يميل محور دورانهـا حول نفسهـا بالنسبة لمستوى دورانهـا حول الشمس بزاوية قدرهـا 23.5 درجة لا تزيد أو تقل، و لو اختلف زمن دورات الأرض أو زواياهـا لاختلت فصول السنة و المناخ و خريطة الرياح و السحاب و لاضطربت كل مناحي الحياة على
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/solar_2.jpg وجد العلماء أن أرضنـا هي كوكب انفصل عن الشمس و يدور حولهـا وحول نفسه
الأرض... ما زال العلم يقف عاجزا عن تحليل أسباب و مقومات ثبات كل هذه الأبعاد و الأزمنة و الزوايا الدورات... فالطبيعة لا يمكن أن تكون لديهـا كل هذه الدقة و القدرة و العلم و الحكمة و الحسابات و التقديرات و الإبداع و الكمال و الجمال فى ضبط ساعات اليوم و الفصول و السنوات... و حتى لا تتيه عقولنا نرى الخالق يخاطبنا بالقول الفصل أنه هو بحكمته و قدرته وراء كل هذا... فتأتى الآية التالية بكل هذه المعاني فى نص معجز، حيث يقول الحق.. و الأرض بعد ذلك دحـاهـا.. إن كلمة دحـاهـا التي احتواهـا هذا النص القرآني أو احتوتهـا هذه الآية تقدم الرد الكامل على ما سبق بل تقدم أيضا رسالة كاملة عمـا اكتشفته علومنا الحديثة فى خلق الأرض... فقد اعتقد العلماء فى الماضي أن الأرض كروية و لهذا سميت بالكرة الأرضية... ثم تبين للعلمـاء قصور نظرتهم و نظرياتهم عندما تمكنوا من قياس قطري الأرض عند خط الاستواء و عند القطبين و وجدوا اختلافهما البين... لهذا أعلنوا أن الأرض بيضاوية الشكل و ليست كروية... و هكذا تنص الآية الكريمة فى كلمة دحاهـا... أي صورهـا على شكل دحيـة أو بيضة... كما وجدوا أن هذه الكلمة كما عبرت عن شكل الأرض، فإنهـا تعبر أيضـا عن حركة الأرض فى دحوهـا حول نفسهـا و حول الشمس، كي يتعاقب الليل و النهـار و تتعاقب فصول السنة... حيث تبدو الأرض لمن يراهـا من مكان بعيد أن الخالق قد دفعهـا فى السماء لتدور حول نفسها و فى مسار بيضاوي حول الشمس و جعلهـا فى حركتهـا تتدحرج كما تتدحرج البيضة إذا دحيت على الأرض... أو كمثل حركة الجعران عندما يدحيه أحد فيأخذ فى الدوران حول نفسه و فى دوائر ملتفة حول بعضهـا... فالدحو شكل و حركة و كما أن الدحية فى دحوهـا تراها تدور حول محور غير عمودي على مستوى دورانها.. نجد أيضا أن محور دوران لأرض حول نفسهـا يميل كما ذكرنا حول مستوى دائرة دورانهـا حول الشمس بزاوية ثابتة لا تتبدل و لا تتغير كي تتعاقب الفصول فى ثبات و تنتظم حركة الرياح و السحب و الأمطار كما ذكرنا... هكذا ينبأنا الحق أن ما نراه من انتظام الليل و النهـار و انتظام الفصول و انتظام الحرارة و الضياء جاء بالقدرة الإلهية كما تنبأنا هذه الآية.. و الأرض بعد ذلك دحـاهـا... قدرة يمكن رؤيتهـا فى كل لحظة و ساعة و صباح و نهار و مساء و يوم و شهر و فصل و سنة و ضوء و ظلام و سكون و حركة فى هذا الكون البديع... و الآن هل نجد حقا إجابة لهذا الاستفسار... ءأنتم أشد خلقـا ؟؟؟
ثم تتعاقب الآيات فى تسلسل منطقي كي تشير إلى أن قدرة الله التي أخرجت لنـا من الشمس ما تحتاجه الأرض من ضياء و طاقة، أخرجت لنـا من الأرض ما تحتاجه الحياة عليهـا... المـاء و المرعى... فيقول الحق استكمالا للآية السابقة عن الأرض.. أخرج منهـا ماءهـا و مرعاهـا... من كان يدرى أن المـاء لا يأتي من خـارج الأرض و لكن من داخلهـا... لم يكتشف العلم هذه الحقيقة إلا فى عصرنـا الحديث... لقد أودع الخالق فى الأرض مخزونا ثابتا و هائلا من المياه المالحة فى البحار و المحيطات التي تغطى 60 % من سطح الأرض... إن هذه المياه بما تحتويه من نسبة حددهـا الخالق من الأملاح يمكن أن تحتفظ بنضارتهـا و نقاوتهـا مهمـا طالت فترة تخزينهـا دون حركة.. و هذا على عكس المياه العذبة التي تتعطن إذا خزنت دون حركة أياما قليلة... فأملاح مياه البحـار لا تسمح للطفيليات و البكتيريا و الجراثيم أن تعبث بهـا، كما تتحلل بملوحتهـا أي أجسام ميتة فلا تفسد و تتلوث كما يحدث فى مياه الأنهـار... إنهـا حكمة الله فى حفظ هذا المخزون الهائل من المياه المالحة كي تستمر الحياة على الأرض ما شاء الخالق لهـا فى الاستمرار... ثم قدر الله للشمس بأن تبعث من حرارتهـا و أشعتهـا و ضحاهـا ما يكفى لبخر قدر معلوم من هذه المياه المالحة بما يكفى الحياة على الأرض فيتجمع هذا البخار على هيئة سحب من قطرات الماء العذب الذي يسقطه الخالق أينما يشاء و وقتما يشاء على هيئة أمطار تملأ الأنهـار و العيون و الآبار بالماء العذب المطلوب لقدر معلوم من الحياة و الأحياء... هكذا نجد أن الله حفظ لنا معينا لا ينضب و مخزونا لا ينتهي و يتجدد دائما مع طلعة كل شمس كي يخرج لنا منه هذا القدر المطلوب من ماء الحياة... إن انضباط مقادير الطاقة التي تبعثهـا الشمس مع مساحة سطح المياه التي تمتص هذه الطاقة من الشمس مع مقادير الماء التي تحتاجهـا الأرض مع طرق تخزين الماء الذي يخرج منهـا ثم يعود إليهـا بالصورة التي تحتاجهـا الحياة على الأرض لا بد و أن تكون من صنع إله واحد عظيم حكيم عليم قدير بديع السموات و الأرض... خاطبنا بأعظم عبارات و أدق الكلمات وأحكم النصوص عن آياته فى خلقه كي لا يكون لنا حجة يوم القيامة.. هل هناك نصا أبلغ من هذا... أخرج منهـا ماءهـا و مرعاهـا.... أن الخالق هو الذي أعد لهذا الخروج أسبابه ومقوماته... أو هل يتصور أبلهـا أن هناك طبيعة بهذا العقل والرشاد بدون إله واحد أحد وقدرة فائقة خططت و أملحت وخزنت وأخرجت... ثم نستكمل تدبر قول الحق فى الآية الكريمة التي تذكر إخراج المرعى تاليا لإخراج الماء... فالمـاء سبباً فى خروج المرعى أو النبات الذي تحيا عليه أنعامنا و نحيا نحن به و لا حياة على الأرض من دونه... فهو الذي يدخل فى صنع الغذاء الذي به ننمو و نتحرك و نحيا... و إذا تدبرنا كيف أخرج الخالق لنـا المرعى من هذه الأرض فسنجد أنه كما احتفظ لنا بمخزون من الماء احتفظ لنا أيضا فى الأرض بمخزون هائل من العناصر الأولية و من المعادن و الأملاح التي لا تنضب و تتجدد دائما فى دورات محكمة التدبير و الحساب... كي تمد النبات بما يحتاجه لصناعة الغذاء لكل الأحياء على الأرض... كما أن فى طبقة الهواء الذي يحيط بالكرة الأرضية غاز النيتروجين ويمثل أيضا عنصرا رئيسيا فى تكوين غذاء النبات ويصل إلى النبات من خلال مياه الأمطار التي تذيبه بداخلهـا عند سقوطهـا من السمـاء... و تستكمل العناصر التي تشكلمرعاهـا أثناء عملية التمثيل الضوئي كي يعد لنـا النبات الطاقة المطلوبة لحركتنا بما يختزنه من ضحاها أي من طاقة الشمس أثناء هذه العملية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/earth.jpg
و إذا تدبرنا كيف أخرج الخالق لنـا المرعى من هذه الأرض فسنجد أنه كما احتفظ لنا بمخزون من الماء احتفظ لنا أيضا فى الأرض بمخزون هائل من العناصر الأولية و من المعادن و الأملاح التي لا تنضب
الأساسية لحياة جميع الأحياء على الأرض بما فيهم الإنسان بل و النبات أيضـا... فلن تقوم بالحركة أو بذل أي مجهود بدون مصدر للطاقة، و هذا لمصدر يأتي من الطاقة التي يختزنهـا النبات من الشمس وتحترق داخل أجسام المخلوقات الحية بمساعدة أكسيجين الهواء... هل هناك أبلغ من قول الحق بهذه الكلمات و النصوص البديعة والتي تعبر عن هذه الحكمة البديعة فى هذا الكون البديع و التي لا بد أن تكون صنعت و كتبت بيد خالق هو بديع السموات و الأرض... فكانت آياته المقروءة فى هذا الكون و هذا القرآن أبدع دليل على إبداعه و كمال صنعه و حكمته و قرآنه... و الآن أليس الله الذي أخرج هذه الطاقة من الشمس و أخرج منهـا هذا الماء و المرعى بهذا القدر و الانضباط بقادر على أن يخرج منهـا الإنسان و يعيد بناء هذا المنشأ الآدمي المحدود جدا جدا مرة أخرى... هل نجد ردا آخر على قوله سبحانه و تعالى... ءأنتم أشد خلقـا ؟؟؟
ثم نأتي بعد ذلك إلى الآية التالية فى ترتيب هذه الآيات و أيضا فى ترتيب خلق هذا الكون... بداية من بناء السماء حتى دحي الأرض ثم أودع الخالق فيهـا ما يبقى الحياة على وجههـا حتى تقوم الساعة من ماء و مرعى... تأتى الآية التالية حيث تضع أمام أبصارنا سراً آخر من أسرار هذا الكون الممتد بحكمته... فيقول الحق فى الآية التالية والجبالأرسـاهـا ... إن الجبال أتى خلقهـا الله بهذا الشموخ و الارتفاع لهـا جذورا تمتد فى الأرض بقدر ارتفاعهـا عشرات المرات فتشكل مع الجبال أوتادا تتماسك عندهـا و بهـا القشرة الأرضية المغلفة للأرض عند بعد ثابت عن مركز الأرض... عند هذا البعد الذي أرسى به الخالق هذه الجبال على سطح الكرة الأرضية يتساوى جذب الأرض للقشرة الأرضية التي تحفظ للجبال رسوهـا مع قوة الطرد المركزي المؤثرة عليهـا نتيجة دوران الأرض حول نفسهـا.. فلا تهبط هذه القشرة أو الجبال الراسية عند هذا البعد تحت تأثير جذب الأرض لهـا و لا ترتفع تحت تأثير قوة الطرد المركزي... و لو تخيلنـا أن زاد بعد الجبال عن مركز الكرة الأرضية بمقدار 200 ميل فقط، و هو بعد أقل من 1 % من نصف قطر الكرة الأرضية، لاختل توازن القشرة الأرضية نتيجة طغيان قوة الطرد المركزي على قوة جذب الأرض... و لتغير و تمددت الأرض عاما بعد عام حتى تفنى الحياة من عليهـا... ثم لتغيرت نسبتا غازي الأكسيجين و النيتروجين لاختلاف كثافتيهما و اعتمادهما على قدر جاذبية كل منهما عند هذا الارتفاع... و لاختلفت أيضا ظروف الهواء الذي نحيا عليه من ضغط و درجة حرارة بما لا يناسب ضغط الدم الذي يندفع فى عروقنا و فى أجسام كل الأحياء من نبات و حيوان و لاختلفت كذلك درجة الحرارة التي تناسب أجسامنا و أجسام كل المخلوقات الحية على الأرض... ثم لاختلفت قدرة جذب الأرض لمـا عليهـا من مخلوقات و مياه و سحب و أنهـار... فما استطعنا أن نسير بأنفسنا و دوابنا و عرباتنا بهذا القدر من الحرية و الانطلاق، حيث ستكون حركتنا فى قفزات كمثل حركة رواد الفضاء فوق القمر... و ستتطاير المياه من البحـار و تدور فى حلقات حول الأرض كما تدور المياه فى حلقات فوق بعض الكواكب الأقل جذبا... ستكون حياة بلا سيطرة أو تحكم فى شيء بل بلا حياة أصلا لفقد كل المقومات المناسبة للحياة ... و كي لا أطيل و أكرر ما سيحدث لو هبطت الجبال عن هذا البعد بنفس النسبة السابقة، ما ذا سيحدث فى الأرض.. و لكن القارئ يتفق معي أن هذه الآية الكريمة التي ينبأنا فيهـا الخالق إن إرسـاء الجبال عند هذا البعد و عند هذا السطح جاء بحكمته و قدرته و تقديره و لطفه كي يتوافق هذا الرسو بهذه الأوتاد مع كل المخلوقات التي أراد الله لهـا أن تستمتع بنعمة الحياة عليهـا و التي تتناسب مع أجسادهـا و ضغوطها و حرارتهـا و خلقهـا... و جاءت كلمة رسو الجبال على الأبعاد الآمنة لتقوم الحياة الآمنة على سطح الأرض مرادفا لرسو السفن على الشواطئ الآمنة كي ينعم الراسين بنعمة الأمن و الأمان على هذه الشواطئ...
ثم تأتى الآية الأخيرة فى سلسلة الآيات التي نقف أمامهـا لينبأنا الخالق أنه سبحانه و تعالى أعد بناء هذا السماء التي أغطش ليلهـا و أخرج ضحاهـا ثم أعد هذه الأرض التي أحكم خلقهـا و حركتهـا و أودع فيهـا أرزاقهـا من ماء و مرعى، ثم أرسى الحياة عليـها بكل عظمة و اقتدار بأدق الموازين و أحكم المقاييس، كل هذا جاء نعمة و فضلا للإنسان كي ينعم بنعمة الحياة هو و من يساعده من النعم الأخرى أو الأنعام على الأرض بحياة مستقرة و مستدامة و كريمة... أي فضل هذا و أي عظمة و أي كرم هذا من إله كريم ذو فضل عظيم.. عبرت عن فضله هذه الآية الكريمة بهذه الكلمات العظيمة.. متاعا لكم و لأنعامكم... أي أن كل هذا التوافق و الانسجام الذي انضبطت به أبعاد السماء و الشمس و الأرض و حركاتهم و نبضاتهم مع نبضات الإنسان و أبعاده و حركاته و متطلباته من طاقة و ماء و غذاء و هواء و جاذبية و ضغط و درجة حرارة و نوم و يقظة و نشاط و استقرار و ثبات و نعم أو أنعام لا تحصى جاء بتدبير رب كل شيء متاعا لنا... هل يتأتى هذا إلا من خالق واحد كريم يملك بين يديه مقادير و أقدار كل شيء... هل هناك من يدعى أن الله القادر على كل هذا الخلق و التدبير لا يقدر أن يعيد خلق هذا الجسد الضئيل و ينشأه مرة أخرى... أو هل هناك من يدعى القدرة على صياغة كل ما احتوت عليه هذه الآيات من أسرار و علوم لم نستطع فى هذه السطور المعدودة أن نحيط سوى بالقدر اليسير منها بما تعيه علوم غير متخصص فى كل أوجه الإعجاز التي احتوت عليهـا هذه الآيات.. إعجاز بلاغي و أدبي و موسيقى... إعجاز فى بساطتهـا و دقتهـا و ترتيبهـا و احتوائهـا و كلماتها و حروفهـا بما لا و لن يأتيه الباطل من بعيد أو قريب... سوالآن.عصرنا هذا الذي ندعى أنه عصر العلم أو حتى تقوم الساعة... و الآن .. فبأي حديث بعده يؤمنون... صدق الله العظيم

أرب جمـال 12 - 8 - 2010 05:08 AM

تأملات إيمانية من سورة تبارك ج2

و تعالوا نستكمل تأملاتنا أمام آية أخرى من هذه السورة الكريمة، التي لهـا فضل كبير بين سور القرآن الكريم، فهي الواقية و هي المنجية، كما أخبر عنهـا سيد المرسلين، و نسأل الله أن ينجينـا بهـا بإذن الله.
نقف أمام الآية 19 و التي يأتي فيهـا قول الحق: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات و يقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن، إنه بكل شيء بصير).
لقد بدأت الآية الكريمة بهذا السؤال الاستهجاني الذي لا يستطيع أي إنسان لديه القدرة عل الرؤية والتبصر أن يحجب الحقيقة الناصعة بكفره أو أن ينكر الحق وهو ماثل أمامه... كيف لهذا الجسم الذي له وزن أن يقاوم قوانين الجاذبية دون أن يهوى إلى الأرض... ثم يخبرنا الحق أن ما يحقق للطير هذا الاتزان والاستقرار فى الطيران ويمسكهـا عن السقوط، هي رحمة الله و بصيرته وقدرته... ليست الطبيعة، و لكنهـا حكمة الخالق التي سخرت الطبيعة... إنهـا قوانين رحمة الله الخالق البصير التي فرضهـا وأخضع لهـا الطبيعة أو تمسكت بهـا الطبيعة طائعة مستجيبة، فالتزم بهـا الهواء فى دفعه ورفعه للطير وأمسكت الطير فى تحليقه فى أجواء السمـاء، فحفظ له استقراره واتزانه، إن هذه الكلمة التي وضعهـا الخالق بقوله تعالى: "ما يمسكهن" تدل على أن كل ما يجرى فى هذا الكون من حركات وسكنات وصعود وهبوط و دوران وانطلاق هو من منطلق خضوع كل شيء لقدرة الله ورحمته وحكمته... وإن اختص بهـا الحق فى هذا القول الطير... ولكنهـا سارية فى كل ما نراه حولنا من إمساك السمك فى الماء والنحل فى الجبال وكل مخلوق من حولنا فى حياته وأحواله.
تصف الآية أيضاً وضعين متمايزين للطيور أثناء تحليقها، الوضع الأول عندمـا تطير صافات أي باسطات أجنحتهن وسابحات فى أسراب متناسقة وصفوف منتظمة، تستغل فى اندفاعهـا ما يسره الله لهـا من قدرة على تقوس أجنحتهـا والميل بهـا للمناورة فى الحركة وتوجيه ذيلهـا وخفض رأسهـا وخفة وزنهـا وانسيابية جسمهـا فتظل سابحة فى الهواء الذي فرض الله عليه قوانين رحمته، وإذا نظرنا على سبيل المثال إلى اختلاف درجة تقوس السطح العلوي لجناح الطير عن سطحه السفلى عنددما تبسط أجنحتهـا، حيث يؤدى هذا الاختلاف إلى زيادة ضغط الهواء أسفل الجناح عن الضغط أعلى الجناح، فيتمكن الهواء من رفع الطير إلى أعلى بقوة تفوق وزنه، و كذلك عندمـا ننظر كيف يخفض الطائر رأسه تحت مستوى جناحيه كي يقلل مقاومة الهواء لحركته أثناء اندفاعه، فسنرى حقـاً أن ما يمسك الطيور وهي صافات هو من صنع إله رحيم وهداية رب بصير كما تنص هذه الآية الكريمة بأدق وأصدق الكلمات.
ثم تصف الآية بالرغم من كلماتهـا المحدودة وضعـاً ثانياً أثناء حركة الطير، عندما يقبضن أجنحتهن، و ذلك بما هيأه الله لهذه الطيور من قدرات على الإحساس باتجاهات وقوة التيارات الهوائية من حولهـا، فما أن تشعر بريح مواتية قادرة على رفعهـا، تقبض أجنحتهـا للاستراحة والاستعانة بهذه الرياح لرفعهـا، و لأن الغالب هو بسط الجناحين فعبرت الآية الكريمة عنه بصيغة اسم الفاعل "صافات" ... ولأن القبض يأتي متجدداً بحسب ظروف طيرانها جاء ذكره بصيغة الفعل لقلته بقوله سبحانه وتعالى... " و يقبضن"
و إذا عدنا مرة أخرى إلى بداية الآية الكريمة للرد على هذا الاستفسار الرباني بقول الحق "أو لم يروا "... نجد أن الإنسان عندما تدبر أيضا جسم الطائر من أسرار، اكتشف الأسرار والأشكال الهندسية التي مكنته من الطيران، فصنع طائرة لهـا جسم يحاكى جسم الطائر فى انسيابيته لتقلل مقاومة الهواء، ومن مواد خفيفة مفرغة كجسم الطائر وريشه كي يتمكن الهواء من حملها، وجناحين تحاكى جناحي الطائر لتستقر حركتها فى الهواء وذو زعانف تحاكى قدرة الطير على تقوس أجنحته عند الطيران للارتفاع والهبوط... و زعانف تحاكى ذيل الطائر لتوجه حركتها فى الطيران، و اكتشف علوم الديناميكا الهوائية وأسرار وخواص الهواء الذي ألزم الخالق الهواء بهـا حتى تمكنه من حمل الطير وإمساكه، ولكن من علم الطير أسرار هذه السباحة الواعية المستقرة التي يعجز عن تنفيذهـا كل البشر بهذه الدقة المتناهية وبهذه القدرة المبدعة وبهذا الاتزان الكامل والاستقرار التام... إن العرب المسلمين هم أول من حاول من خلال طاعته لأمر الله بالنظر إلى الطير أن يحاكى الطير فى طيرانه... و جاء العلماء بعد هذا واخترعوا الطيران الشراعي الذي حاكى أيضا الطير فى طيرانه عندما يطير باسطاً جناحيه بدون محركات تدفعه... حيث تستغل الطائرة الشراعية اندفاعهـا فى تيارات هواء صاعدة فتصعد بهـا إلى أعلى عندما تريد الارتفاع.. والعكس عندما تريد الهبوط... إذا نظرنا إلى حركة الطائرة الشراعية التي اجتهدت عقول البشر كي تصممهـا حتى يمسكهـا الهواء الذي سخره الله وألزمه بالطاعة ونظرنا إلى حركة الطير.. نجد أن الطائرة الشراعية تحتاج إلى معدات تجرهـا على الأرض حتى تكتسب السرعة التي تمكن الهواء من حملهـا ولا تتركهـا هذه المعدات إلا بعد أن تصل إلى الارتفاع المناسب لحركتهـا... و بالرغم منها فكثيرا ما نسمع عن أحداث تحطم الطائرات الشراعية و وفاة قائدهـا... أما الطير فهو ينتقل من الثبات إلى الحركة ومن الحركة إلى الثبات فى سهولة ويسر دون أن يعجز أي طير مهما قل عمره وحجمه عن أداء هذه المهمة.. وتعتمد الطائرة الشراعية على الكثير من المعدات كي تحدد اتجاه حركة الهواء كي تستغله فى دفعهـا وتحركهـا، و بالرغم من كثرة هذه المعدات فإن الطيران الشراعي يسترشد بحركة الطيور فى السماء.. فالطيور هي التي تدلهم بما لديهـا من حواس أودعهـا الخالق بهـا كي يمسكهـا فى طيرانهـا فتقودهم إلى أماكن تيارات الرفع
http://www.quran-m.com/firas/ar_phot...al_soaring.jpg الطيور تدل الطيارين من خلال حواس أودعها الخالق بها إلى أماكن تيارات الرفع الحرارية التي تنشأ في الهواء الساخن
الحرارية التي تنشأ من ارتفاع الهواء الساخن إلى أعلى أو من تدفقات الهواء الدوامية على سفوح الجبال والوديان، فإذا تابع قائد الطائرة الشراعية أماكن حركات أسراب الطيور إلى أعلى عندما تكون أقرب إلى القبض، أدرك أن هذا المكان هو مركز للتيارات الصاعدة فيحاول التوجه إليه للصعود إلى أعلى... ما هي هذه الأجهزة المعقدة داخل الطير التي يعي بهـا و يحدد بهـا حركته و اتزانه... إن علومنا و مداركنا ودراستنا تقف عاجزة عن أن تحاكى ما وهبة الخالق لهذا الطير البسيط من قدرات... إنهـا قدرة الخالق الذي يتحدى كل من له رؤية و بصيرة جاء فى هذه الآية عن أن يسجد و يقر برحمته و قدرته وبصيرته... وعندما ندقق الرؤية التي وجهنا الخالق إليهـا ونظرنا إلى الطير كيف يمد ساقيه إذا اقترب من الأرض ثم يرفعهـا ويخفيهـا داخل جسمه عندما يحلق فى السماء كي يقلل مقاومة الهواء لحركته... ثم نظرنا إليه كيف يحدد الارتفاع الذي يستقر عنده فى طيرانه باستخدام قوانين الطفو فى الهواء التي لم يكتشف الإنسان بعد معظم أسرارهـا... ولكن ما تمكن من فهمه ومعرفته ومحاكاته حقق له أن يرتاد الهواء بالطائرات و المناطيد و سفن الهواء التي تحمل معدات ووسائل غاية فى التعقيد لتحقق بعض ما وهبه الخالق لهذه الطيور من قدرات وحركات... سنصل حتما إلى أن وراء هذا الخلق إله عظيم حكيم أعدت كل شيء بالحكمة والرحمة والبصيرة، حقا " ما يمسكهن إلا الرحمن، إنه بكل شيء بصير".
إن ما يميز الطائرة الهليوكبتر عن باقي الطائرات قدرتهـا على الصعود عمودياً، فهي تستخدم مروحة رأسية تدور بمحركات هائلة القدرة تمكنهـا من هذا الصعود العمودي أو الرأسي حتى لا تحتاج إلى مطارات أو مسارات صعود، و تصدر محركاتهـا أزيزاً هائلاً و تطلق غازات ملوثات وعوادم تضر بالبيئة والبشر، ولكن الطير أيضاً يصعد إلى أعلى رأسيا وعمودياً دون الحاجة إلى مطارات، ودون أن يحتاج أيضاً إلى محركات هائلة ودون أن يصدر أزيزاً أو يلوث الهواء بغازات وعوادم.. كيف هذا ؟ إن الرد واضح من هذه الآية المتكاملة: إنها رحمة الإله الرحمن البصير بكل شيء.
أننا نرى الطيور عندمـا تنتقل بين القارات وتصعد إلى طبقات الجو العليا حيث يقل الضغط ودرجة الحرارة، بسبب برودة الجو وانخفاض الضغط فى هذه الطبقات، فإننا نزود الطائرات بمعدات معقدة لتحافظ على الضغط الجوى ودرجات الحرارة المناسبة داخل الطائرة كي لا تتجمد أو تنفجر أجساد ركاب الطائرة، فكيف يتأتى للطيور ذلك الثبات عندما تطير "فوقنا" ؟ ما الذي يمسكهـا مستقرة ثابتة عند هذه الارتفاعات ؟ ، أو ما الذي يحتويه جسم الطائر بحيث يتوازن الضغط داخله ودرجة حرارة جسمه مع هذه المتغيرات ؟ ... تقف علومنا عاجزة حقاً عن سبر هذه الأسرار، و كل ما لدينا من رد أنهـا حقا رحمة الخالق البصير بكل شيء الذي اقتضت إرادته أن يمسكها برحمته كما ينص على هذا قوله الحق فى محكم كتابه.
إننا أيضا إذا اشتملت رؤيتنا تلك الطائرات العادية التي تستخدم عدداً لا يحصى من الوسائل الملاحية كي تهتدي فى مسارهـا، بوصلات وخرائط وأجهزة استقبال وتوجيه ومحطات إرسال وأبراج مراقبة وأقمار صناعية وحاسبات الكترونية و تأمينات، وإذا تحركت فى أسراب فهناك قائد سرب له خبرة شاسعة كي ينظم حركة سربه الذي لا يتعدى بضع طائرات كي لا تصطدم ببعضهـا و فى وقت محدود لا يتعدى الساعات ومسافة محدودة، وهو مزود فى طائرة القيادة بأعقد الوسائل والمعدات، و كثيراً ما نسمع عن حوادث اصطدام وسقوط وارتطام... و لكن من يقود و يوجه أسراب الطير وهي سابحة بأعداد كبيرة يصل بعضهـا إلى الآلاف وفى صفوف متراصة بكل الانتظام والكمال و الجمال، البعض منهـا عند هجرتهـا تعبر القارات والمحيطات فى فترات تتعدى الأسابيع أو الشهور... إذن ملاحين أرضيين أو محطات تبث الإشارات أو تحدد المسافات.. وبالرغم من هذا فلم نسمع عن طيور ضلت الطريق، كما نسمع عن طائرات انحرفت عن مسارهـا و كان الحطام نهـايتهـا... كيف هذا و لديهـا ما لديهـا وهذه الطيور ليس لديها كل هذه التعقيدات... إنهـا رحمة الخالق البصير بكل شيء..
و إذا نظرنا إلى الطاقة التي يحتاجهـا الطير كي يحلق فوق رؤوسنا و يقطع بهـا هذه المسافات، و قارناهـا بما تحتاجه الطائرة لقطع نفس المسافات من وقود وزيوت وشحوم، ووضعنا قوانين النسبة والتناسب، لوجدنـا قدرة وحكمة الخالق الرحمن البصير بكل شيء... فما يحتاجه الطائر ليس أكثر من بعض الحبوب الصغيرة التي سخر الخالق الأرض أن تنبتهـا له، فلا تنوء بحملهـا و هي طائرة... أما الطائرة فتمتلأ خزانات الوقود بما يرهقهـا صعودا وطيرانا حتى تجد ما يمكنهـا من الحركة لقطع أقل المسافات...
هل أمامنا بعد هذا الاستفسار إلا الشهادة بالله الواحد الأحد، الذي يخبرنا فى كتابه بأدق الكلمات أن نرى كيف سخر الهواء ليكون قادراً على حمل الطير، وخلق الطير بحيث يتوافق فى خلقه مع القوانين التي ألزم بهـا الهواء، وخلق الأرض التي تعد للطائر هذا الغذاء والوقود لحركته... وهدى الطير لأن يؤدى حركات لا يقدر أن يؤديهـا أعظم الطيارين بعد تدريبهم فى أعرق الكليات ومعرفتهم لعلوم ديناميكا الطيران والديناميكا الهوائية... هكذا يمسكهن الرحمن برحمته والبصير بقدرته والمرسل الكتاب بعلمه وحكمته، وهكذا نرى الله الواحد الرحمن البصير فى كل شيء عندما نحاول أن نرد على استفساره البليغ فى صدر الآية: أو لم يروا إلى الطير ؟؟؟؟؟.
ثم تعالوا نقف وقفة أخرى أمام آية كريمة قرب نهـاية هذه السورة العظيمة تذكرنا بفضل الله الذي أكرمنا بهذا الخلق... قامة مشدودة و قدرات فريدة ميزتنا عن كل ما حولنا من حيوانات وحشرات وغيرهـا من سلالات الأرض، و بالرغم من هذا لا نوافى حق الكريم الذي أكرمنا بما يليق بكرمه ونعمه من الشكر... حيث يقول الحق فى كتابه " قل هو الذي أنشأكم و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة، قليلا ما تشكرون"... تبدأ الآية بكلمة معجزة لم نعرف شمولهـا إلا بعد أن دخل جامعاتنا علم الإنشاءات... فعندما يقف الإنسان منتصباً على قدميه في أي بقعة من بقاع الأرض ولا يمشى منبطحـاً على أربع كمثل باقي الحيوانات والحشرات من حوله، ألا يثير هذا فضوله، ألا يحاول أن يبحث عمن أتاح له هذا الفضل كي يتوجه إليه بالشكر، ألا يثير فضوله عندما يرى المباني المنشأة بطراز فريد فى أن يتعرف على من وضع تصميمهـا وقام بحساب هيكلهـا الخرساني أو الحديدي حتى يمكن أن تتحمل الأحمال الواقعة عليهـا والإجهـادات التي تتعرض لهـا فتحفظ لهـا ثباتها و استقرارها... ألا يعلم أن قامته المشدودة هكذا تعتمد أيضاً على هيكل خرساني أو عظمى شبيه بالهيكل الخرساني لأي منشأة ويتكون من 206 عظمة بينهـا 365 مفصل، بحيث تجد أن كل عظمة أو مفصل قد صمم بالصلابة و الأبعاد التي تحقق لأي منهـا مقومات الحركة وتحمل الأحمال الواقعة عليهـا فى كل مستوى و التي تتناسب مع ضخامة الجسم و وزنه .... ألا ينظر إلى عظام القدم و كيف تتصل بباقي المنشأ العظمى بأضخم مفصل يتيح له الوقوف منتصباً وهو مفصل الحرقفة الذي يخرج منه خمس عظمات على شكل مجموعة من الجسور تنتهي بخمس نقاط للارتكاز على الأرض.. حيث تشكل نقاط الارتكاز مع المفصل مثلث اتزان بديع الصنع والتصميم والقدرة على التحمل بحيث تعطى هذا الإنشاء أو الهيكل العظمى القدرة على الوقوف ثم الحركة المتزنة فوق الأرض... أنه أشبه بالأساس الخرساني الذي يصب داخل الأرض ليتحمل وزن المنشأة من فوقه، و لكنه قادر أيضـا على أن يتحرك بما عليه من أحمال دون أن ينهـار... ويعقب القدم عظام الساق ثم الفخدين ثم عظام الحوض التي تحمل العمود الفقري، الذي يحمل بدوره عظام الأكتاف (الترقوة) و القفص الصدري والرقبة ثم الرأس فى تسلسل إنشائي بديع الصنع والكمال والجمال والإتقان، عظام ترتبت ونشزت أنسجتهـا فى اتجاهات تتحمل الإجهـادات العمودية والالتوائية والمماسيه بدقة كاملة وحسابات دقيقة بالأبعاد والصلابة والقوة المطلوبة لكافة الإجهادات والمقاومات.. http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/bone.jpgإنه أعظم إنشاء هندسي يمكن أن يتخيله البشر شيده أعظم وأحسن الخالقين... كل فقرة وعظمة ومفصل جاء بحكمة بالغة و دقة كاملة ونظام بديع... ثم يشتمل هذا الإنشاء أو المنشأ أيضا على مجموعة هائلة من العضلات و لأربطة التي تعطينا القدرة على التحكم فى كل عظمة ومفصل ونحركها كيفما نشاء فى سلاسة ويسر وفى كافة الأعمال.. وكل عضلة أيضا بالقوة والأبعاد المناسبة لما تؤديه من أعمال... ثم نأتي إلى ما يمكن هذا الإنشاء فى الحركة من طاقة ثم القدرة على التكيف مع الظروف الخارجية من ضغط ودرجة حرارة ورطوبة ثم الصيانة ليستمر فى القيام بعمله ثم تمد الجسم بصفة منتظمة بقطع الغيار المطلوبة عندما يحين أوانهـا فى التغيير ثم الزيوت والشحوم المطلوبة لحركة المفاصل والخامات المطلوبة لترميم أي كسر أو اعوجاج... هكذا أمد الله هذا الإنشاء بالجهـاز الهضمي الذي يعد له الوقود والزيوت والشحوم ومواد البناء والاستعراض والترميم، ثم جهـاز تنفسي يحقق له حرق الغذاء داخل العضلات ليمد الجسم بالطاقة المطلوبة والقوة التي تمكنه من هذه الحركة بنظام يعجز العقل البشرى عن تخيله، ثم الجلد البشرى الذي يعد أعظم جهـاز تكييف فى العالم لكي يتكيف المنشأ مع الظروف الخارجية، إنهـا أجهزة ومعدات ونظم أعجز عن سردهـا بالدقة المطلوبة والكمال الذي يعطيها حقها من الشرح، فكل له تخصصه وحدوده من العلم، و لكن لو استرسلنا فى الحديث بما يدركه كل منا لعجزنا عن أن نحيط بفضل الله و لأيقنا أن مهمـا توجهنـا بالشكر للخالق الذي أكرمنا بهذا الإنشاء بديع الصنع، فلن نوافيه حقه من الشكر كما تنص الآية الكريمة.
يكفى أن نعلم أن هذا المنشأ الذي أنشأه الخالق بعلمه وقدرته كما يذكرنا فى هذه الآية يحتوى على آلاف البلايين من الخلايا وكل خلية تختلف فى وظيفتهـا عن الخلية المجاورة لهـا وإن اتحدت فى أشكالهـا وعدد كروموزوماتهـا، تؤدى جميعا وظائفهـا فى تكامل وتنسيق تسبيحاً لله الذي خلقهـا دون أن يكون لنا أي دخل فى إدارتهـا ... لقد علمت أو تعلمت حقا كل خلية كيفية لتسبيحها و صلاتها كما تذكر الآية الكريمة من سورة ( ! ) هذا القول ( كل قد علم صلاته وتسبيحه )... لقد وهبنا الله جهاز فى رؤؤسنا كي يؤدى هذا المنشأ أو هذه البلايين من الخلايا وظائفهـا فى تناسق و إبداع بإدارة محكمة كما أمرهـا الله من خلال الجهـاز العصبي، جهـاز يعمل بالإشارات الكهربية والكهرومغناطيسية بطاقة كهربية محدودة لا تتعدت بعض الواتات فى الرأس، جهـاز يراقب و يتابع و يسجل و يرصد و يصحح و يبلغ... ولو حاول البشر محاكاة نظام كهذا يقوم ويؤدى ما يؤديه جهـازنا العصبي لما أكفته طاقة السد العالي بأكملهـا...
هكذا بدأت هذه الآية بقول الحق " قل هو الذي أنشأكم "، قل لهم يا خاتم المرسلين فى خاتم الكتب السماوية أنه "هو" الله الخالق البارئ المصور الذي أعطى هذا الإنشاء خلقه ثم هدى.
ثم تتعاقب كلمات الآية بفضل الله فى خلقنـا... فيقول الحق: وجعل لكم السمع، و نقف أولا عند كلمة " جعل "... ونحاول أن نتدبر... لماذا لم يقول الحق " و خلق لكم السمع " أو يقول "و أنشأ لكم السمع "، و يكفى أن كلمة أنشأكم فى بداية الآية الكريمة أن هذا الإنشـاء يتضمن أيضـاً إنشاء أجهزة السمع ... الرد لم نعلمه إلا بعد أن صعد الإنسان فوق القمر، ووجد أن لا أحد يمكن أن يسمع أحدا هناك ... فالأذن تتوقف قدرتهـا عن السمع إذا لم يكون الوسط الذي ينتقل فيه الصوت هو الهواء الجوى... فأنت فى غير جو الأرض لك آذان ولكن لن تسمع بهـا... فبهذا الهواء الذي سخره الله بمجموعة من الخواص "جعل" لك بجهازك السمعي قدرة على السمع، وبدون ما أنشأه الله فى جسمك وبدون الهواء الذي سخره لك فى جو الأرض لن تستمع و لن تشعر بنعمة السمع... هكذا جاءت كلمة "جعل " بإعجاز فريد لا يذكره بهذه الدقة غيره "هو"... تعالوا نفهم بهدوء كيف يعمل جهاز السمع فى الإنسان ... أن الصوت ينتقل من حنجرة الإنسان من خلال اهتزازات الحبال الصوتية، فتهتز حبيبات الهواء الملاصقة لهـا فى الحنجرة وتنتقل هذه الاهتزازات التي نسميهـا بالموجات الصوتية من خلال الهواء لتصل إلى طبلة إذن إنسان آخر، و قد هيأ الخالق الهواء من حولنا بقدر من التماسك بين جزيئاته بما يتيح له المرونة المطلوبة لنقل هذه الموجات من حنجرة المتكلم إلى أذن السامع... وتعتمد مرونة الهواء التي ينشأ عنهـا انتقال الموجات على خواص الهواء من حيث الضغط ودرجة الحرارة والكثافة... ولو اختلفت هذه المقادير عن نسب معينة، لن تتمكن الموجات الصوتية من الانتقال من خلالهـا ولن يستمع أي منا للآخر... ولكن هذه الخواص انضبطت بفضل الله وحكمته لتنقل هذه الموجات بالقوة والسرعة المطلوبة التي يمكن أن تتأثر بهـا طبلة الأذن، فتسجيب لاهتزازاتهـا وتهتز معهـا بقدر محدود... فطبلة الأذن أيضا لهـا سمك ومرونة و أبعاد لا تستجيب سوى لهذه الترددات والشدة التي تصدرهـا الحنجرة والقوة والسرعة التي ينقلهـا الهواء... ويقصد بالتردد عدد الاهتزازات التي تنشأ من الجسم المهتز فى الثانية الواحدة، و هناك أصوات تنشأ من اهتزازات لا تستطيع الأذن أن تسمعهـا، لأن ترددها أو قوتهـا خارج نطاق إحساس الأذن مثل الموجات فوق الصوتية... و عندما تستجيب طبلة الأذن للموجات الواقعة فى نطاق حساسهـا، تهتز الطبلة وتنتقل هذه الاهتزازات منهـا من خلال نظم هندسية داخل تجويف الأذن تعد غاية فى الإبداع و الكمال والإبهـار بحيث تتضاعف حجم هذا الاهتزازات ثم تتحول داخلها من نبضات و طرقات إلى ومضات كهربية و كهرومغناطيسية ينقلهـا العصب السمعي إلى مراكز السمع داخل المخ... إن ما يحدث داخل المركز السمعي أو ما فهمه من نطلق عليه بلغة العصر الحالية micro-processor تعجز علومنا حتى يومنا عن إدراكه وفهمه ... فقد " جعله " الخالق هكذا... أن هذا المركز منطقة محدودة جداً فى القشرة الصدغية العليا... ولكن ما يحدث فيهـا من ترجمة هذه النبضات إلى حروف و تمييز كل حرف عن الآخر بحسب تردده وتجميع هذه الحروف فى كلمات... وكل المراكز فى جميع البشر لهم قانون واحد يترجم الترددات والاهتزازات إلى نفس الحروف فى توحد تام بحيث يفهم كل منا حديث الآخر... حديث تستوعبه عقولنا... هل يمكن ألا نعترف أن هذا من "جعل" خالق واحد أحد... و لا قدرة لنـا مهما شكرنا واهب هذه النعمة أن نوفيه حقه من الشكر...
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/eye.jpg
العين من أهم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان
و مما "جعله" الخالق لنـا أيضا من نعم تستحق الشكر كما تذكر الآية الكريمة نعمة البصر... ولم يذكر الحق أيضا هذه النعمة بنص مثل هذا " وخلق لكم البصر" أو " أنشأ لكم البصر" ، فهذا القول لا ليتفق مع الحقائق التي اكتشفتها علومنا الحديثة ... فالعين لا ترى بدون "الضوء" الذي "جعله الله" فى نطاق قدرة خلايا الشبكية فى قاع العين... وقد ظن العلماء قديما أن العين ترسل أشعة ترى بهـا، إلى أن جاء العلم الحديث وأتضح أن العين ترى بالأشعة التي تشعهـا مصادر الضوء فتنعكس على الأجسام التي حولنا فتكون لنا القدرة على رؤيتها بهذه الأشعة... وتسمى هذه الأشعة بالموجات الكهرومغناطيسية، وهي موجات كموجات الصوت ولكن تسير بسرعات عالية جدا و لهذا نرى الضوء الناشئ عن تصادم السحاب المشحون الذي نسميه بالبرق قبل أن نسمع صوت هذا التصادم الذي نسميه بالرعد، حيث تفوق سرعة الضوء آلاف المرات سرعة الصوت... و الموجات الكهرومغناطيسية لهـا ترددات أو أطوال مختلفة.. فموجات الراديو والأشعة السينية والإشعاع الحراري موجات كهرومغناطيسية تختلف عن بعضهـا البعض بطول موجاتهـا... وينحصر إدراك خلايا شبكية العين فى الموجات الكهرومغناطيسية التي ينحصر طول موجاتهـا فى المدى من 0.39 ميكرون حتى 0.70 مبكرون... ولهذا يطلق على الموجات فى هذا المدى "الضوء"..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/human_eye.jpg
مقطع في العين البشرية
ولا تدرك عيون البشر أي موجات خارج هذا النطاق... ومن آيات الله و فضله و رحمته أن "جعل" معظم أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض تشتمل على موجات كهرومغناطيسية فى مدى رؤية عيوننا... أي على هيئة ما نسميه بالضوء... بالإضافة إلى ما تحدثه هذه الأشعة من دفء لأجسامنا... فقد سخر الخالق معدلات احتراق الشمس وأبعادهـا عن الأرض بحيث تصل إلى الأرض أشعة الشمس فى المدى الذي تبصر به عيوننا و يفيد أجسامنا.. ثم جعل فى السماء طبقات تمنع الضار منها من الوصول إلى أعيننـا وأرضنا مثل طبقة الأوزون.... هكذا "جعلنا" الخالق نستمتع بنعمة البصر عندما تشرق الشمس فيأتي الضوء الذي ينير حياتنا.. و لو اختلفت درجة حرارة الشمس أو معدلات احتراقهـا أو أبعادهـا لأصبحنا وأمسينا فى ظلام تام لا ندرك فيه شيئا... فهناك المخلوقات التي لا ترى فى النهـار كالخفاش والعقرب... ولكنهـا نعمة الخالق الذي "جعلهـا " لنا هكذا... وحقا لن نوف الخالق حقه مهما شكرناه على هذه النعمة التي جعلهـا... و كما جاء فى الآية الكريمة... "قليلا ما تشكرون". لكن تعالوا أيضا نتدبر كيف ترى العين...
إن الضوء عندما ينعكس على الأشياء... تمر أشعته من خلال حدقة العين... و تصل الصورة إلى شبكية العين مقلوبة كما تنبأنا بهذا علوم الضوء... و خلايا الشبكية التي تقع عليهـا الصورة خلقها الله على هيئة أعمدة و مخروطات... و تنقسم هذه المخروطات ثلاثة أقسام، بعضها يمتص موجات الضوء الطويلة و "يجعلنا" الخالق نميز الأجسام القادرة على إن تعكس الموجات التي لها هذه الأطوال إلى أعيننا أنهـا أجسام حمراء... و البعض الآخر من خلايا الشبكية يمتص موجات الضوء المتوسطة الطول و "يجعلنا" الخالق نميز بهـا الأجسام التي عكستهـا و لم تمتصهـا أنهـا خضراء، و البعض الأخير من هذه الأشِكال المخروطية يمتص فقط موجات الضوء القصيرة و"يجعلنا الخالق نميز بهـا الأجسام التي عكستهـا أنهـا زرقاء... هذه الأسماء وهذه الألوان من "جعل" الخالق، فلا وجود لأحمر ولا لأخضر أو أزرق... ولكنه الخالق "المصور" هو الذي أراد أن "يصور" الأشياء والألوان داخل عيوننا بهذه الكيفية و بهذه الموجات.. أي أن "يجعلهـا" هكذا.... وباقي الألوان تنشأ من اختلاط هذه الألوان كما سنرى بواسطة مركز الإبصار فى المخ... ويأتي الآن دور العصب البصري الذي ينقل هذه الطاقات و الموجات التي امتصتهـا خلايا الشبكية، كل عصب ينقل الومضات من مكان سقوط محدد داخل الشبكية و بتردد محدد و شدة محددة... إنهـا ملايين من الخلايا والمخروطات داخل الشبكية لنقل دقائق الصورة التي تراهـا العين إلى مركز الإبصار... فتنعدل الصورة و تتجمع النقاط و تترجم الموجات الكهرومغناطيسية إلى ألوان وتتكامل هذه الألوان لتعطى العقل صورة متكاملة بالحجم الطبيعي كي يدركهـا الإنسان و يتعامل ببصره مع من حوله... مالذى يحدث داخل مركز الإبصـار أو ما يمكن أن نطلق عليهmicroprocessor آخر فى العقل البشرى... سر لم يصل البشر إلى معرفته... ولا وسيلة إلى هذه المعرفة إلا أن نؤمن أنه "هو" الذي "جعلهـا" هكذا... فحقـا قليلا ما تشكرون...
ولنـا وقفة أو تدبر آخر أمام قول الله سبحانه و تعالى فى هذه الآية عن السمع الذي جاء مفردا.. وعن البصر الذي جاء على صورة جمع... هناك أقوال تعلل هذا وإن اختلفت... ولكن ألا يبصرنا الخالق فى هذا الجمع أن للإنسان ملكات أخرى يبصر بهـا بالإضافة إلى العينين... تلك الأبصار التي تختزن و ترتب و تشغل و تحول ما رأيناه و ما سمعناه إلى معلومات ومعارف ومدارك... إن وراء الآذان والعيون أجهزة لا نعى من أمرهـا شيئا، تجعل لكل منا بصيرته وأبصاره التي تعجز علومنا عن فهمهـا و "تجعلنا" قادرين على أن نسجل الصور والأشخاص والأماكن والكلمات والأصوات ... إن أجهزة التسجيل فى العالم بأجمعه تعجز عن أن تسجل ما يمكن أن يتذكره أي منا من أحداث و بلاد ومعارف... أين هذه الأبصار التي جعلهـا الخالق لنا... الحمد لله الذي "جعل" لنا هذه الأبصار التي لا يصيبها فيروس ولا ندرى من أمرهـا شيئا..
ثم تتوالى نعم الخالق فى خلقنـا... فقد "جعل" لنـا أيضا "الأفئدة" ... وتنبئنا قواميس اللغة بأن مفرد الأفئدة هو "الفؤاد" بمعنى القلب... و توقف القلب معناه الموت... فهو الذي يبعث الغذاء والهواء و الدفء والطاقة إلى كل خلايا الجسم من خلال الشرايين ويعود بهـا من خلال الأوردة كي يخلصهـا من المخلفات كغاز ثاني أكسيد الكربون و السموم الأخرى... وقد حفظ الله لنا هذا القلب داخل قفص صدري من العظام الصلبة لحمايته ثم أحاطه بوسادة هوائية تتيح له التمدد والتقلص وهي الرئة وأودعه فى غرفة محاطة بالحجاب الحاجز لتمنع عنه تقلصات الجهاز الهضمى ... هذا القلب "جعله " الخالق قادراً على النبض 80 مره فى الدقيقة قبل أن نولد بعدة شهور وبعد أن نولد لمدة قد تتجاوز 60 عاما... يدفع القلب أثناءهـا كمية تصل إلى 65 مليون جالون من الدماء بضغط يزيد بمقدار الخمس عن الضغط الجوى و يسير مسافة تزيد عشرات المرات عن محيط الكرة الأرضية... إنه يعمل كمضخة مستمرة العمل بلا توقف... فتوقفها معناه الوفاة، و فى عملهـا تحتاج إلى قدر من الطاقة تعادل الطاقة المطلوبة لدفع عربة متوسطة ( 4 ركاب ) لتدور دورة كاملة حول الأرض... إنهـا مهمة لا تصدق.. يساعد القلب فى هذه المهمة الكبد و الكليتين و البنكرياس و كثير من الأجهزة التي يصعب حصرهـا بما أدركه من علوم... لكن الآن من الذي أنشأ هذا القلب ثم "جعله" لنـا يؤدى هذا الأداء الرائع بهذه الدقة و الكمال و النظام كي تستمر حياتنا... ... الرد جاء فى خاتم كتبه بأبسط الكلمات و أدق العبارات و أكمل المعاني، أنه "هو"... و لا إله إلا "هو"... و حقا" قليلا ما تشكرون".
و نقف أيضا أمام كلمة "الأفئدة" التي جاءت بصيغة الجمع... بالرغم من لكل كنا قلبا واحدا.. إن الله يبلغنا أن هناك أيضا أفئدة أخرى تفضل بهـا علينـا... أفئدة قد نعرف بعضهـا و لا نعرف الآخر... فأين تكمن المشاعر الإنسانية الفياضة التي تميزنا و تزكى قيمتنا... أين تكمن القيم الإنسانية التي تسمو بالإنسان.. الحب و العطف و الحنان و الحياء و الجود و الكرم و البر و الشجاعة و الإقدام... الفرح و الرضا و الصدق و القناعة و الصبر... هل كل منهـا له فؤاد... يقف العلم البشرى عاجزا عن تحديد أين تكون هذه الأفئدة... و الآن نرى فى آية واحدة صياغة لكل من ينظر إلى إنشائه و مداركه إلى قول الحق.. قل يا محمد صلى الله عليه و سلم لكل هؤلاء أنه "هو" صاحب كل هذه النعم... فليوفوه حقه من الشكر إن كانوا يعلمون

أرب جمـال 12 - 8 - 2010 05:10 AM

تأملات إسلامية ـ خلق الجنين


د/ حسين رضوان اللبيدي


لكل قضية دعوى ودعوى قضية الإسلام هي:
إن القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد الباقي المحفوظ ليدين به الجميع وليكون دستوراً للعالمين لمن شاء منهم أن يستقيم .
وحيثيات الدعوة هي خلاصة علوم مقارنة الأديان والكتب المقدسة بجميع نواحيها في العقيدة والتوحيد والتاريخ والعلوم الإنسانية والكونية والتي بينت.
1- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الخالي من التناقض والاختلاف والتحريف والتصحيف.
2- إن القرآن هو الكتاب الوحيد المعجز في معانيه ومبانيه من أول كلمة إلى آخر كلمة فيه.
3- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ينزه الألوهية مما لا يليق بكمالها.
4- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ينزه الرسل المكرمين من كبائر الإثم والفواحش .
5- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الباقي كما أنزل والذي يرجع إسناده إلى المصدر مباشرة.
6- إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نجد منه نسخة وحيدة متطابقة في أي زمان ومكان.
7- إن القرآن الكريم عالمي في منهاجه فهو يحقق التوازن والعدل بين الإنسان ونفسه، والإنسان وأخيه الإنسان ، والإنسان والكون من حوله.
8- إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نجد فيه إشارات علمية من الذرة إلى المجرة ومن النطفة إلى المخ البشري تتطابق مع الحقائق العلمية المكتشفة بأدق وسائل التقنية.
وعلى العموم فالقرآن كلام الله يشعر المستمع إليه أنه يأتي من السماء .
ولقد أفردنا في شرح ذلك كتاباً أسميناه -لماذا القرآن - ليكون رأساً لسلسلة -لماذا القرآن ولماذا الإسلام ؟ والذي منها هذا العمل الذي سنتناول فيه قضية علم الأجنة وما ترتب عليها من قضايا أخرى كقضية التلقيح الصناعي وطفل الأنابيب ، والاستنساخ وسيكون تناولنا للجانب العلمي والعقائدي لهذه القضايا ، أما الجانب الشرعي ( الحلال والحرام ) فهو متروك للفقهاء.
فالقضية العلمية المعملية قضية مجردة تهدف إلى كشف سر من أسرار الكون ، ولكن عندما تدخل للتطبيق الواسع بين البشر فقد ينشأ من جراء ذلك أخطار ومشاكل تحتاج إلى توجيه أو تقنين ، ومثال ذلك اكتشاف أسرار الانشطار النووي والطاقة الذرية ، كان في البداية كشفاً علمياً عن أسرار الذرة وطاقات الكون الكامنة التي تقدم للبشرية خيراً كثيراً من خلال الاستفادة من الطاقة المتولدة عنها ، ولكن عندما دخل استخدامها إلى أسلحة الدمار الشامل كان لا بد من تدخل المشرع ليدلي بدلوه في هذا الاتجاه الذي ينشر الفساد والدمار في الأرض .
فلا حجر ولا زجر على الأبحاث العلمية التي تكشف أسرار الكون ما دامت محدودة في المعامل ، ولكن عندما تدخل إلى حيز التطبيق فلا بد من تدخل المشرع لتقنيتها ووضع القواعد والضوابط والضمانات الشرعية لها.
خلق الجنين
عندما كان العقل لا يملك من وسائل التقنية ما يمكنه من معرفة أسرار تكون الجنين من البداية، وضع نظريات عن نشأة الجنين كالآتي :
1- الجنين من لا شيء عن طريق التولد الذاتي بالصدفة.
2- الجنين ينشأ من بذور تخرج من الرجل وتحمل صورة مصغرة وكاملة للطفل وما الزوجة إلا مكان ينمو فيه (بمعنى يزداد في الحجم)
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/sperm8.jpg
رسم قديم يصور الإنسان القزم الذي يخرج من بذور من الرجل وينمو في رحم الزوجة وهو رأي أرسطو
3- الجنين ينشأ من الأم وما السائل الذكري إلا خميرة تعمل كعامل مساعد فقط .
وعندما أُكتشف المجهر وتطورت وسائل التقنية عرف العلماء أن النظريات السابقة لتكون الجنين لا أساس لها من الصحة، وفي القرن التاسع عشر وما بعده عُرفت الأطوار الحقيقية للجنين كما يأتي :
أ- يبدأ تكون الجنين باتحاد النطفة المذكرة ( الحيوان المنوي ) وهو يحمل نصف صفات الجنين مع النطفة المؤنثة ( البويضة ) وهي تحمل النصف الآخر للصفات وينشأ عن هذا الاتحاد نطفة أمشاج وهي الخلية الأولى التي تحتوي على صفات الجنين كلها وتسمى (الزيجوت ) .
ومن هذه الخلية الأمشاج يتكون الجنين مرحلة من بعد مرحلة بتوالي الانقسامات لتكوين أعداد متزايدة من الخلايا المتشابهة في طور حر الحركة يتجه نحو تجويف الرحم وعند ذلك يكتسب خاصية العلوق وهنا يبدأ الطور التالي :
ب- طور العلقة : وفيها يتعلق الجنين بالرحم وتبدأ عملية تمايزه إلى طبقات ثلاثة مسطحة ليبدأ بعده طور المضغة .
ج- طور المضغة :وفي هذا الطور تظهر على الجنين مرتفعات ومنخفضات فيشبه بذلك قطعة اللحم أو اللبان الممضوغ وهو ما يسمى طور الأجسام البدنية والتي تتمايز إلى عظام وعضلات وغير ذلك.
د- طور ظهور الهيكل العظمي وكساءه بالعضلات :
في هذا الطور يبدأ ظهور العظام والعضلات من منطقتين متجاورتين بعدها تكسوا العضلات هيكلها العظمي وبعد انقضاء 120 يوم يظهر الشكل الآدمي لوجه الطفل .
• وكان الكشف العلمي الحديث لمراحل الجنين الحقيقية أحد الأدلة على صدق القرآن الكريم وإعجازه وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وعالمية الإسلام .
فقد لخص القرآن الكريم في إعجاز علمي باهر مراحل الجنين من النطفة إلى الخلق الآخر في آية واحدة كما يأتي :
يقول الحق في سورة المؤمنون (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين).
وتشير هذه الآية في إعجاز إلى الحقائق التالية
1- الجنين لا يكون كامل من البداية بل يبدأ بمرحلة بسيطة تزداد في التعقيد مرحله بعد مرحلة وطور بعد طور .
2- الطور الأول بعد النطفة يشبه العلقة لأنه شكلاً مثل دودة العلق الطبي ولأنه اكتسب خاصية التعلق بعد أن كان قطرة حرة الحركة .
3- الطور التالي يشبه قطعة اللحم الممضوغ لظهور تغضنات عليه في بداية التمايز الجنيني .
4- تظهر بدايات العظام واللحم ويتحدد للهيكل العظمي هيئته البنائية .
5- يتم كساء الهيكل باللحم ( العضلات ).
6- يتشكل في النهاية الشكل الآدمي المميز.
ولأن هذه الحقائق لم تكن معروفة حتى بعد نزول القرآن بأكثر من ألف عام فإن وجودها في القرآن يعتبر دليلاً يقينياً وعالمياً على صدق الرسالة وصدق الرسول وهذا ما دفع أحد أكبر علماء الأجنة في العالم بالقول " أشهد أن هذا الكلام (عن الأجنة ) الذي ذكره القرآن لابد وأن يكون قد نزل على محمد من عند الله " وكان ذلك في التليفزيون الكندي وعندما وجه إليه السؤال التالي : لماذا تقول ذلك ؟
فأجاب : لأن هذه المعلومات عن مراحل الجنين لم يعرفها العلماء إلا بعد أكثر من ألف عام من نزول القرآن فلابد وأن تكون هذه المعلومات من عند الله .
وكان هذا العالم الجليل هوأ . د/ كث المور وهو من أكبر علماء الأجنة في العالم
ولم يقتصر تفكير العلماء على معرفة خطوات الجنين ومراحله ، بل لاحظوا ظاهرة محيرة هي :كيف أمكن للخلية الواحدة أن تعطي خلايا مختلفة متميزة ؟
وبمعنى آخر : متى وكيف يحدث التمايز الخلوي ؟
وكان العلماء يعلمون أن مرحلة النطفة الأمشاج لها بداية ونهاية.
أما البداية : فهي خلية واحدة تسمى الزيجوت .
وأما النهاية : فهي مجموعة من الخلايا المتشابهة تماماً نشأت من انقسامات متتالية للخلية الأولى وكان العلماء أيضاً يعلمون أن المرحلة التالية هي مرحلة العلقة، وفيها يبدأ التمايز الخلوي بظهور خلايا متخصصة في طبقات ثلاثة .
الخارجة ، والوسطي ، والداخلية ، وهي مسطحات من الخلايا لا نجد فيها عوجاً ولا صدعاً ، وبعدها يظهر في الجنين مزيداً من التمايز الخلوي بظهور الأجسام البدنية في طور المضغة والتي تتمايز بعد ذلك إلى العظام والعضلات وغيرها ويتم التمايز حتى ينشأ الجنين في أحسن تقويم وهنا ظهرت أسئلة محيرة :
كيف تحولت خلايا النطفة المتشابهة إلى ثلاثة أنواع من الخلايا المتمايزة في كائن العلقة ؟
وكيف تمايزت العلقة ذات الثلاثة طبقات وذات الأسطح المستوية إلى كائن متغضن عليه نتوءات وثنيات ويحفه على الجانبين عقد من البروزات المحددة في كائن المضغة ؟
ثم من الذي حول تلك البروزات إلى عظام وعضلات ؟
وبمعنى آخر : من أين جاء ذلك التمايز والأصل خلية واحدة متجانسة ؟
فيكون الجواب المنطقي :
لا بد وأن تكون هناك أوامر تصدر للخلية لكي تتمايز، فيكون السؤال التالي :
من أين تأتي هذه الأوامر ؟
والجواب العلمي على ذلك : إنه لا يوجد إلا ثلاث طرق محتملة تأتي منها تلك الأوامر هي :
1- من نواة الخلية .
2- من المادة حول النواة .
3- من خارج الخلية .
وقبل أن ندلي بدلونا ونقدم اجتهادنا في هذا المجال هيا بنا في جولة علمية رائعة مع أسرار التمايز الخلوي .
أولاً : أبحاث على النواة :
تمكن د . جوردون ، د . لاسكي من إكسفورد من تنشئة ضفدعة بالغة عادية قادرة على التكاثر من بيضة غير مخصبة تحوي نواة خلية معوية متميزة ليرقة ضفدع وكان ذلك في الخمسينات ، وحديثاً قام بهذه التجارب د . مورون ومعاونوه في إنجلترا مؤكداً ما سبق ، وأن أي خلية حتى التي تمايزت تحتوي على كل الجينوم أو كل الصفات ولكن بعضها كامن والآخر عامل .
ثانياً : أبحاث على السيتوبلازم :
وجد العلماء هذه الظواهر الهامة :
1 - عند إزالة النواة من بيضة المنشطة فإن البويضة الخالية من النواة تتفلج (تنقسم) بصورة عادية ويقف التفلج عند بدأ مرحلة التبطين GASTRLATIONوهنا لابد من تدخل النواة بمعلومات وأوامر لاستكمال مشروع الجنين الكامل .
2- تجربة الهلال السنجابي :
في بعض بويضات الحيوانات الدنيا يظهر في السيتوبلازم هلال سنجابي بعد التلقيح ، فلو قمنا بفصل البيضة الملقحة فصلاً غير تام ، بحيث تبقى النواة في قطب ويبقى الهلال السنجابي في القطب الآخر ، ثم بعد عدة انقسامات من النواة سمحنا لنواة واحدة بالمرور إلى القسم الذي فيه الهلال السنجابي فإن القسم الذي فيه الهلال السنجابي يتكون منه جنين كامل والقسم الآخر الخالي من الهلال السنجابي لا يتكون منه جنين .
ثالثاً : التعويض :
من الملاحظ أن الحيوانات الدنيا تستطيع تعويض ما يفقد منها من أجزاء الجسم المختلفة بل إن بعض الحيوانات العليا تستطيع ذلك وفي الحقيقة أن عملية التعويض على المستوى الخلوي أمر شائع في الحياة وحتى في الإنسان يمكن تعويض كثيراً من الخلايا كبطانة الجسم وخلايا الكبد وغير ذلك .
ويكون السؤال الأول في هذا المجال هو ، كيف تتم عملية التعويض ؟
الجواب : يوجد طريقتان لذلك هما :
1- طريقة انقسام الخلايا المجاورة للمنطقة المفقودة وانتشارها لتغطي المنطقة المفقودة وهو أمر يحدث عند تعويض قطعة من الكبد أو الجلد مثلاً .
2- تكوين كتلة لها سمك من الخلايا غير متمايزة تسمى بلاستيما (Blastema)
والتي تتمايز وتتحرك فراغياً لتكوين المفقود وهي مشهورة في حالة تعويض ذيل أو رجل مثلاً في بعض الحيوانات الدنيا
فيكون السؤال التالي : من أين جاءت هذه البلاستيما ؟
الإجابة ربما جاءت من خلايا حافة الجزء المقطوع أو من أنواع خاصة من الخلايا الاحتياطية والتي تعتبر (كامنة) في الظروف العادية وتتحرك مهاجرة عند الضرورة لتذهب للمكان الذي حدث فيه القطع حيث تتراكم وتتمايز في الفراغ ، وتسمى هذه الخلايا (Neoblast)أو(Interstitial) ويسمى التعويض بواسطة البلاستيما (Epimorphosis).
هذا في الظاهر ولكن على المستوى الخلوي كيف تتم عملية التعويض ؟
وفي بداية البحث في هذه القضية سأل العلماء هذا السؤال : هل عملية التعويض نتيجة لأمر عام من الجسم أم أمر محلي في مكان القسم المفقود ؟
ولأجل كشف السر عن هذه المشكلة قام العلماء ببتر طرف من أطراف حيوان معين ثم قاموا بتعريض كل جسم الحيوان قيد التجربة للإشعاعات المتأينة وشمل التعريض المنطقة المبتورة ، وراقبوا عملية التعويض فلم تحدث .
فقاموا في تجربة ثانية بتعريض منطقة البتر فقط فلم تحدث عملية التعويض أيضاً وفي تجربة ثالثة عرضوا الجسم ولم يعرضوا منطقة البتر فحدث التعويض ، مما يوحي بأن جهاز التعويض أو خلاياه العاملة موجودة في منطقة البتر أو القطع .
ولكن بقيت مشكلة هامة وهي نوعية الخلايا المستخدمة في التعويض ، هل هي من الأنواع المحلية المتمايزة والتي تقع على حافة القطع كالعضلات والعظام ، أم هي من خلايا أخرى كامنة غير متمايزة ؟
وللإجابة العلمية عن هذه المعضلة كانت هذه التجربة الرائعة والتي أجراها العلماء على حيوان بر مائي يشبه السحالي اسمه ( سَمنَدَل الماء ) وأجريت التجربة على إحدى أطراف السمندل كما يأتي :
بعد قطع جزء معين من طرف الحيوان :
1- قطع العلماء عظام الجزء الباقي ( غير المقطوع ) وعندما تمت عملية التعويض بنمو جزء بديل عن المقطوع لاحظ العلماء أن الجزء الذي نما حديثاً كاملاً حتى بعظامه بينما الجزء الموجود والملتصق بجسم الحيوان لم تنمو فيه العظام التي أزيلت وبقي خالياً من العظام فمن أين جاءت عظام الجزء النامي مع أنه ينمو من منطقة ما زالت بلا عظام ؟
يقول العلماء لا يوجد إلا طريقين لما حدث :
1- إن الأنسجة الغير عظيمة ( العضلات مثلاً ) تفقد تمايزها ثم تتمايز مرة أخرى إلى عظام مثلاً لتعوض ما فقد .
إن هناك خلايا كامنة غير متمايزة تنشط وتتمايز تحت هذه الظروف .
ولكن كيف يرجح العلماء هذا الطريق أو ذلك ؟
هذا ما سوف نراه في الأبحاث التالية :
استخدم العلماء وسائل ضرب النسيج الحي بجرعة مُشعة غير قاتلة للحياة وإن كانت معطلة لقدرة التعويض وقاموا بعد ذلك باستئصال أنسجة وزرع أخرى غير مشعة (سليمة) وراقبوا عملية النمو للتعويض ، وإذا بالمفاجأة المذهلة :
كثيراً من الأنسجة المزروعة في الطرف المبتور كقطعة عظم أو قطعة غضروف أو جلد سرعان ما فقدت تمايزها لتعود وتعطي أنسجة أخرى (غيرها) متعددة التمايز وتسمى هذه العملية (de /deffrentlation) أو تسمى (re /deffrentiation) .
وأيضاً وجد العلماء أن هناك داخل العضلات المتمايزة توجد خلايا بدائية تسمى (MUSCLE- SATELLITE) يمكنها عند الضرورة أن تتمايز إلى خلايا عضلية عاملة .
وتشير هذه الظاهرة إلى : أن التمايز في السيتوبلازم عكوسي بمعنى أنه قابل للنقض أي أنه ليس صفة ثابتة واصليه وهي ظاهرة تخص الحيوانات الدنيا، أما الحيوانات العليا فلم تُشاهد هذه الظاهرة فيها إلا في حالات نادرة وفي أماكن ضيقة كسلامية إصبع اليد .
ربعاً : مزج الأجنة :
من الممكن دمج جنينين من الثدييات معاً ليكون جنيناً عملاقاً ينمو بصورة عادية ، وحديثاً تمت تربية الفئران من ثلاث أجنة مدمجة تمثل ستة آباء !
وتشير هذه الظاهرة إلى : أنه في المراحل الأولى للجنين لا يوجد تمايز للنواة أو لما حولها وإنما يظهر التمايز بعد فترة .
خامساً : ولادة التوائم :
المقصود هنا التوائم ذات المشيمة الواحدة التي تنشأ من انقسام في الكتلة الداخلية بعد التعليق بجدار الرحم أي في طور العلقة .
http://www.quran-m.com/firas/ar_phot...blastocyst.jpg
صورة حقيقة للجنين في طور العلقة وهو منغرس في جدار الرحم فتبارك الله أحسن الخالقين
وهذا يعني أن خلايا الكتلة الداخلية للعلقه لو انقسمت إلى عدة أقسام فإنها يمكن أن تعطي عدة أجنة لها مشيمة واحدة ، وهذه ظاهرة ملحوظة في الثدييات والإنسان ، وتشير هذه الظاهرة إلى أن التمايز يبدأ حول مرحلة العلقة في الثدييات والإنسان .
بعد هذه الجولة العلمية الراقية يمكن أن نخلص إلى ما يأتي :
1- إن السيتوبلازم يمكن أن ينقسم في المراحل المبكرة حتى بدون النواة .
2- إن النواة لازمة لتكملة إنشاء الجنين .
3- إن النواة المتمايزة تحتفظ بكل الجينوم (الصفات) التي تتمتع به النطفة الأمشاج أو الخلية الأولى (الزيجوت) بمعنى أن تمايزها يمكن أن يتوقف لتعود إلى مرحلة ما قبل التمايز.
4- إن السيتوبلازم المتمايز يمكن أن يعود إلى مرحلة ما قبل التمايز (التعويض) .
5- في الثدييات والإنسان يتأخر تمايز النواة وما حولها إلى مرحلة حول مرحلة العلوق ، أي في نهاية مرحلة النطفة .
وهنا نعود إلى الأسئلة السابقة :
هل أوامر النواة هي المسئولة عن التمايز الخلوي من البداية ؟ أم هو السيتوبلازم ؟ أم هو أمر قادم من خارج الخلية ؟
مستحيل أن يكون أمراً قادماً من خارج الخلية لأن الأمر القادم من الخارج يؤثر في كل الخلايا بنفس الدرجة لأن كل الخلايا متشابهة في الصفات والظروف والأحوال .
وغير جائز أن يكون الأمر المبكر صادراً عن النواة لأن النواة إذا أصدرت أمر التمايز فإنها إما تصدره لغيرها أو لنفسها استحالة أن تصدر الأمر لغيرها ؛ لأن أمر كل نواة ينتهي في السيتوبلازم الخاص بها وغير جائز أن تصدره لنفسها فكيف تأمر النواة نفسها إن توقف بعضها وكل الصفات في نواتها ممكنة بنفس الدرجة ، بمعنى لا ترجيح لصفة على صفة بالإضافة إلى أن الوسط الذي يحيط بالنواة لا تمايز فيه في ذلك الوقت ، ولو كان الأمر متأصلاً في النواة من البداية ما عادت لكامل تشكيلها الجيني الأول عند تهيئة الوسط الأولى لها ، فهي محتفظة بحياة كل الجينوم من البداية إلى النهاية.
فلا يبقى إلا أن يكون الأمر قادماً من المنطقة حول النواة (السيتوبلازم، والقشرة) ولكن عندما قام العلماء بشفط نسبة كبيرة من السيتوبلازم لم يؤثر ذلك على كفاءة الانقسام ، إذن لم يبقى إلا منطقة القشرة حول السيتوبلازم.
ولقد شاهد العلماء أدلة تؤكد ذلك ، وذلك لأن في قشرة البويضات اللافقارية مناطق مختلفة هي المسئولة عن تمايز الجهة المقابلة لها من النواة ، بمعنى أن هذه البويضات (الزيجوت) عندما تنقسم فإن كل قسم من القشرة يحوي عاملاً مختلفاً عن القسم الآخر فتتمايز النواة تبعاً لذلك.
ووجد العلماء أيضاً أن التمايز في القشرة يبدأ مبكراً بعد الإخصاب مباشرة بحيث أن أي انقسام يتم بعد الإخصاب يتخلف عنه فلجات (الخلايا) تشكل كل فلجة من البداية جزء من كل وأي فقد لأي خلية مبكراً يؤدي إلى فقد قسم من مشروع الجنين ينقص قسم من بنائه .
وأوحت هذه الأبحاث بأن عامل التحديد في السيتوبلازم أو في القشرة عامل أصيل ونهائي بمعنى أنه غير عكوسي (ثابت) ولكن ملاحظات لظواهر علمية نقضت هذا الاعتقاد ، وكان من هذه الظواهر التعويض وقد رأينا فيه نقض التمايز بعودة السيتوبلازم المتمايز إلى حالته الأولى الغير متمايزة وأيضاً مزج الأجنة المختلفة والذي نتج عنه جنين واحد وكل ذلك يزيح دور السيتوبلازم وقشرته عن موقع القيادة ، هذا بالنسبة للحيوانات الدنيا ، أما بالنسبة للثدييات وخصوصاً الإنسان فالقضية مختلفة إلى حد بعيد كما يأتي :
في مراحل الجنين الأول وحتى طور العلقة أو ما قبلها بقليل كل الخلايا بنواتها وما حول النواة لا تمايز فيها بحيث يمكن لأي خلية أو أي قسم من المجموع أن يعطي كائن كامل لا نقص فيه ، وإن فقد خلية أو مجموعة من الخلايا في هذه المرحلة لا يخل أو ينقص من تركيب الكائن النهائي .
وكان من الأدلة على ذلك في الإنسان ولادة التوائم المتعددة التي تزداد على الستة والذين يشتركون في مشيمة واحدة وفي هذا دليل على أن كتلة الخلايا قد تقسمت بعد عملية العلوق أي في بداية الدخول إلى طور العلقة وهذا يعني أن الخلايا حتى نهاية مرحلة النطفة وبداية مرحلة التعلق ما زالت غير متمايزة أي أن كل مجموعة من الخلايا يمكن أن تعطي إنساناً كاملاً لا نقص فيه .
إذن كيف حدث التمايز بعد ذلك ؟
أو كيف تنشأ من هذه الخلايا الغير متمايزة خلايا متمايزة ؟
وقد بينت الظواهر العلمية التي سبق أن ناقشناها ما يأتي :
1- التميز ليس أمراً من النواة ، لأن النواة فيها كل الجينوم من البداية ولا ترجيح فيه لصفة على صفة حتى مرحلة ما قبل العلوق (في الثدييات والإنسان) وبعدها يأتي الأمر للنواة بالتمايز ، بأن تبقى بعض الجينات نشطة وتكمن الأخرى .
2- التمايز ليس أمراً أصيلاً في السيتوبلازم من البداية لأن السيتوبلازم من البداية حتى نهاية النطفة غير متمايز (في الثدييات والإنسان) ويحتاج إلى أمر يُحدث له التمايز .
3- إذن لا مفّر من الإقرار بحتمية خلق أحداث لم تكن موجودة في منطقة النواة وما حولها ، وهذا الخلق يبدأ مع مرحلة العلق وفيها .
توصل العلم إلى حتمية خلق أحداث لم تكن موجودة في منطقة النواة وما حولها، وهذا الخلق يبدأ مع مرحلة العلق وفيها فتبارك الله أحسن الخالقين.
وبينما يصل العلم الحديث بأدق تقنية إلى هذه الحقيقة نسمع صوت القرآن الهادي يرتل (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ).
يا الله إني عاجز عن أن أوفي إعجاز كتابك حقه وكيف لي ذلك وأنا الفقير بذاتي لا فضل لي إلا بك ولا علم لي إلا ما علمت . هذه الآيات والتي استخدم فيها الحق سبحانه الفعل (جعل) مع النطفة والفعل (خلق) مع كل الأطوار بدءاً من العلقة لهي إشارة علمية معجزة إلى عملية التمايز ، بأنها تبدأ بعد النطفة ومن مرحلة العلقة وهو تمايز لا يتم دفعة واحدة بل على دفعات متتالية تأخذ بعضها بأعناق بعض .
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/eggg.jpg
صورتان تبينان بداية انقسام البيضة الملقحة
ولكن كيف يتم استنباط ذلك من الآيات ؟
هذا ما ستعرفه بعد جولة مع أسرار الفعل (جعل) وأسرار الفعل (خلق) .
يقول أ . د / علي اليمني دردير في كتابه الرائع : أسرار الترادف في القرآن .
ويختلف التعبير بلفظي (خلق) و (جعل) في لغة القرآن في الآية الواحدة كما في قوله تعالى : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور(1).
فالفعل (خلق) يدل في اللغة على الإيجاد بعد العدم، والتقدير والإبداع على غير مثال مسبوق ، ولهذا فهو يباشر مفعوله دفعة واحدة.
أما (جعل) فيفيد التضمين والتصيير والتحويل والانتقال ولهذا فهو فعل يباشر مفعوله حالاً بعد حال فيتعدد فيه المفعول وتتدرج فيه الأطوار .
ولما كان الشأن في خلق السموات والأرض إيجاداً بعد عدم وإبداعاً على غير مثال عبر عنه بالفعل (خلق) ليدل على أن ذلك مرحلة في الإنشاء قائمة بذاتها ولما كان الشأن في الظلمات والنور أن تأتي تابعة لغيرها مترتبة عليه مسبوقة به وأن الإيجاد فيها إيجاد تحول وانتقال وليس إنشاءً وإبداعاً، عبر عنه بالفعل (جعل) ليدل على أنه مرحلة في الظهور لاحقة لمرحلة في الخلق سابقة وطور في الوجود يتجدد ويتكرر حالاً بعد حال.
وقد ذكر الإمام / عبد العزيز يحيى الكناني المكي في كتابه القيم (الحيدة) أن (جعل) الذي هو على معنى التصيير موجود في القرآن الموصول الذي لا يدري المخاطب به حتى يصل الكلمة بكلمة بعدها فيعلم ما أراد بها ، وإن تركها مفصولة لم يصلها بغيرها من كلام لم يفهم السامع لها ما يعني بها، ولم يقف على ما أراد بها، وضرب لذلك أمثلة منها :
يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فلو قال : ( إنا جعلناك ) ولم يصلها بخليفة في الأرض، لم يعقل داود ما خاطبه به عز وجل، لأنه خاطبه وهو مخلوق فلما وصلها بخليفة، عقل داود ما أراد بخطابه.
وكذلك حين قال لأم موسى: وجاعلوه من المرسلين فلو لم يصل (جاعلوه) ب (المرسلين) لم تعقل أم موسى ما عنى الله عز وجل بقوله وجاعلوه إذا كان خلق " موسى " متقدماً لرده إليها، فلما وصل جاعلوه بالمرسلين عقلت أم موسى ما أراد الله عز وجل بخطابها.
وبعد هذه الجولة العلمية نقول أن (جعل) في الآية ثم جعلناه نطفة في قرار مكين بمعنى صيرناه أي تحول من صلب الذكر إلى رحم المرأة ، وهذا ما قاله الطبري ، وجاء في تفسير روح المعاني للألوسي : فهنا (جعل) بمعنى تحول أو نقل من مكان إلى مكان إنها عملية نقل أو تحويل فحسب ، أما الفعل (خلق) فهو يدل على الإيجاد بعد العدم والتقدير والإبداع على غير مثال مسبوق .
ولأن الآية تصف مراحل جنين الإنسان بالذات فإن استخدام (جعل) مع النطفة (وخلق) بعد مرحلة النطفة يعني أنه في مرحلة النطفة تبقى الخلايا بلا تمايز حتى إذا انتهت مرحلة النطفة لتبدأ مرحلة العلقة خلق الله أحداثاً لم تكن موجودة داخل الخلايا تدفعها للتمايز إلى علقة فمضغة وهكذا مرحلة بعد مرحلة وخلقاً من بعد خلق.
وهذا ما تأكد تماماً كما بينا في قضية التمايز الجنيني فالتمايز يبدأ مع العلقة وقدمنا الأدلة على ذلك. بل إن الفعل (جعل) المصاحب للنطفة يعطي الضوء الأخضر للعقل في بحوثه في مجالات شتى ومنها التلقيح الصناعي، وطفل الأنابيب.
فالتلقيح الصناعي مشابه للتلقيح العادي، فكما أن التلقيح العادي عبارة عن حقن السائل المنوي بواسطة آلة الذكر، فإن التلقيح الصناعي يتم فيه حقن سائل الأب بواسطة محقن خاص في رحم الزوجة ليلتقي بالبويضة مكوناً نطفة أمشاج ، فكلا العمليتين استخدم فيها طريقة الحقن ، فليس في العملية تحدي لقدرة الله أو إرادته ، فلا يكون إلا ما أراد الله وهو سبحانه خالق كل شيء ، خالق العالم والعلم والمعلوم بل وخالق أدوات العلم .
(نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ {57} أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ {58} أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ {59} نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ).
والفعل (جعل) في الآية يسمح بذلك ، فجعل بالنسبة للنطفة المذكرة هو فقط عملية نقل لها إلى الرحم ، نقل مخلوق لله إلى مكان مخلوق لله معد لذلك . وسواء تم النقل بآلة الذكر أو بآلة مصنوعة فهي داخلة تحت الفعل (جعل) لا تتعداه .
أما طفل الأنابيب فهو عبارة عن عملية جمع تتم خارج الرحم في أنبوب مجهز بسائل مناسب للحياة يتم فيه الجمع بين النطفة المذكرة المخلوقة لله مع النطفة المؤنثة المخلوقة لله ، وحتى إذا التقى الحيوان المنوي بالبويضة تكونت منهما النطفة الأمشاج التي تبدأ في الانقسام حتى مرحلة العلقة وكل خلية تنشأ عن الانقسام هي تكرار للنطفة الأمشاج ، فهي نطفة أمشاج من البداية وكل خلية تالية بعد ذلك هي أيضاً نطفة أمشاج ، وبعد تكون النطفة الأمشاج داخل الأنبوب يقوم العلماء بحقن النطفة الأمشاج داخل الرحم ولا بد أن تصل إلى الرحم مبكراً في مرحلة النطفة وإلا هلكت وفنيت .
والآية (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) تسمح بذلك، فالفعل (جعل) بمعنى صير أو نقل (ونطفة) تشمل النطفة المذكرة، والمؤنثة، والنطفة الأمشاج، ولأن النطفة الأمشاج هي الأصل لتكوين الجنين من البداية ، فالنطفة بجميع أشكالها ومراحلها تخضع للفعل (جعل) ولا مكان لتلبيس إبليس هنا ، وقد قلنا أن الحق قد أعطى الضوء الأخضر بالفعل (جعل) بالنسبة للنطفة عموماً من النطفة المذكرة إلى النطفة الأمشاج.
وتدخل قضية الاستنساخ تحت مظلة الفعل (جعل) مرتبطاً بالنطفة (الأمشاج)


الساعة الآن 07:10 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى