![]() |
المغرب والأندلس
المغرب والأندلس المغرب العربي قبل الاسلام أطلق المؤرخون المسلمون اسم المغرب على الاراضي الواقعة في شمال افريقيا . وهي أراضٍ تمتد على طول سواحل البحر المتوسط بين طرابلس وشواطىء المحيط الاطلسي . وحدود هذه المنطقة الشاسعة هي البحر الابيض المتوسط شمالاً والمحيط الاطلسي غرباً والصحراء الكبرى جنوباً . وقد درج المؤرخون على تقسيمها الى ثلاث مناطق كبيرة هي : 1 – المغرب الادنى ويمتد من طرابلس غرباً حتى الحدود الجزائرية الشرقية . واطلق قديماً على هذا القسم من المغرب اسم " ولاية أفريقيا ". 2 - المغرب الاوسط ويضم كل الاراضي الجزائرية الحديثة حتى نهر ملوية . 3 – المغرب الاقصى ويضم أكثر الاراضي التابعة الآن للمملكة المغربية . قلما توافقت هذه التقسيمات الاصطلاحية مع الواقع السياسي والعسكري . فالمغرب العربي بكامله يشكل وحدة جغرافية طبيعية على مدى اربعة الاف كيلومتر ، تخترقها سلسلتان متوازيتان من الجبال . ففي الشمال ، وعلى محاذاة البحر المتوسط تمتد جبال الاطلس الشمالية الغربية من الاطلس حتى تلمسان . وفي الجنوب تمتد جبال اطلس الصحارى من مدينة اغادير حتى تونس رابطة البلدان الافريقية الشمالية بعضها ببعض . وتتكون قي بعض منخفضات هذه الجبال سهول طويلة شديدة الخصوبة وفيرة المياه. تبعت بلدان المغرب ، منذ سقوط دولة قرطاجة ، الامبراطورية الرومانية الى ان غزاها الفندال وحلوا فيها في القرن الخامس ميلادي . وبزوال دولة الفندال جاء البيزنطيون واقاموا على الشواطىء الشمالية مرافىء حربية وقواعد عسكرية . وكان نفوذ البيزنطيين قوياً في السهول الساحلية بينما ضعف واختفى في الداخل وعلى الجبال وظل البربر بشكل عام يشكلون السواد الاعظم من سكان المغرب على طول امتداده . البربر ، برأي ابن خلدون ، قوم من اصول سامية . وكانوا ينقسمون الى مجموعتين رئيستين: 1 – البربر البرانسة الذين انتشروا على السواحل وفي المدن الكبرى واعتمدوا بصورة اساسية على الزراعة. 2 – البربر البتر وهم سكان المناطق الداخلية . وكان يغلب عليهم الطابع البدوي. كانت كل مجموعة تضم عدداً كبيراً من القبائل . وكانت قبيلة صنهاجة أهم وأكبر القبائل البرانسة . وبالمقابل كانت زنانة بفروعها العديدة أهم قبائل البتر . ورحل كثيرون من قبائل البتر مع وصول الاسلام الى شبه الجزيرة الايبرية واندمجوا مع البيئة الاندلسية . إندمج البربر مع العرب عند وصول هؤلاء الى المغرب واعتنقت غالبيتهم الدين الاسلامي ، بينما ظلت المسيحية سائدة بين الجاليات البيزنطية في المدن الكبرى والسواحل الشمالية ، واعتنق بعض البربر من البرانسة هذه الديانة . ولكن الوجود المسيحي المنقسم على نفسه لم يتمكن من الصمود امام المد الاسلامي الجديد . وفي الداخل المغربي ، فان الوثنية كانت هي السائدة بين عامة السكان ، وهي وثنية على كثير من البدائية ارتكزت على عبادة بعض الظواهر الطبيعية او القوى الخارقة . فتح المغرب سقطت مدينة الاسكندرية بأيدي المسلمين العرب سنة 642 م بقيادة عمرو بن العاص . وكانت الاسكندرية آنذاك ثاني أكبر مدن الدولة البيزنطية . وسار ابن العاص في السنة التالية بجيشه غرباً متجهاً نحو مدينة طرابلس الغرب التي سقطت بعد حصار دام حوالى الشهر . وكانت الجيوش العربية قد فتحت زويلة وبرقة بقيادة عقبة بن نافع . وقد أغرت هذه الانتصارات ابن العاص ليكمل طريقه لفتح " أفريقية " ، أي بلاد المغرب قاطبة .غير أن الخليفة عمر بن الخطاب منعه من ذلك . ومع مجيء الخليفة عثمان بن عفان حدث تبديل في سياسة الدولة الاسلامية تجاه مصر وافريقية . فالخليفة الجديد ، بخبرته الطويلة في شؤون التجارة الدولية ، فهم أهمية وقيمة ومردود هذا التوسع على طول الشواطىء الجنوبية من البحر الابيض المتوسط وبالتالي اتخذ قراراً جريئاً بفتح المغرب بأكمله . تجمع جيش العرب المسلمين في مصر وسار بقيادة عبد الله بن ابي سراح باتجاه برقة بليبيا حيث انضم اليه عقبة بن نافع بمن كان معه من المسلمين وبمن انضم اليهم من البربر الذين اعتنقوا الاسلام . وفي سنة 27 هـ ( 647 – 648 م ) سار حشد كبير باتجاه تونس الحالية . ولما وصل الجيش العربي الى قابس وجدها محصنة فتجاوزها ودخل " أفريقية " وجرت معركة فاصلة مع البيزنطيين بقيادة غريغوريس او جرجير كما تدعوه المصادر الاسلامية حول مدينة سبيطلة التي سقطت بسهولة بعد مقتل جرجير المذكور. واتجه الجيش بعدها الى مدينة قفصة . لكن الهجوم العربي الاسلامي توقف عن الزحف غرباً بعد ان تخلى القائد المصري ابن ابي سراح عن القتال وعاد بجنوده الى مصر مكتفياً بالغنائم التي جمعها . مع قيام دولة بني أمية في دمشق قرر معاوية إكمال الفتوحات الافريقية فعيّن ابن حديج على "ولاية المغرب" بعد ان ربطها بالخلافة مباشرة . ولما تبين لمعاوية ضعف ابن حديج أقاله وعين مكانه عقبة بن نافع ، رائد الفتوحات الاسلامية في شمال افريقيا . وكان عقبة هذا رجلاً شجاعاً ومحارباً شديد البأس قوي الايمان بالاسلام كبير الرغبة في نشره ولو بالقوة . صمم عقبة بن نافع على بناء مقرثابت ليقنع أهل البلاد ان وجود المسلمين هو أمر دائم وليُفهم البيزنطيين ان لا تراجع عن فتح الشمال الافريقي . ولما كان البيزنطيون يقيمون على طول السواحل فقد قرر ابن نافع ان يجعل مقره مدينة وان تقوم هذه المدينة في الداخل بعيدة عن الساحل ، فبنى القيروان . وكان له في ذلك هدف آخر هو مراقبة البربر ورصد تحركاتهم . تحولت القيروان الى مدينة كبيرة وقاعدة حربية والى مركز ديني بعد ان بنى فيها ابن نافع المساكن والمساجد ، واتخذت لنفسها بدءاً من سنة 55 هـ ( 674 م ) مكانة بارزة بين مدن دولة الاسلام وأصبحت مقراً للولاة والعمال والجيوش التي كانت تخرج منها وتعود اليها بالغنائم. ومن مساجدها ومدارسها تخرج العلماء والرسل والفقهاء ليدعموا وجود الاسلام في تلك الاصقاع . وبصورة مدهشة عمرت بالدور وبالمنشآت العامة وأقبل كثيرون ممن أسلموا من البربر على الاقامة فيها ، يختلطون بالعرب ويتعايشون ويتآلفون معهم . غير أن هذا النجاح الباهر أغرى عقبة بن نافع باتباع سياسة مستقلة عن مركز الخلافة في دمشق فأمر الخليفة بابعاده وعيّن مكانه مسلمة بن مخلد واليًا على مصر وأفريقية . وقيل إن من بين الاسباب التي حدت بمعاوية لاقصاء ابن نافع كون السياسة التي اتبعها هذا الاخير كانت متشددة لم تتوافق مع طبيعة الخليفة في دمشق الذي عُرف بمرونته ودهائه ودبلوماسيته . أحلّ مسلمة بن مخلد مكانه في ولاية مصر وأفريقية الي ابي المهاجر دينار الذي كان ، مع حماسه للغزو والفتح ، صاحب نظرية في التعامل مع السكان المحليين أعطت في المدى الطويل نتائج مذهلة . فقد آمن بأن وجود دولة الاسلام في تلك الاصقاع النائية سيظل ضعيفاً ما لم يرتكز الى قواعد متينة تقوم على ولاء الناس وحبهم . فسعى الى التقرب من البربر وتمكن من إسلام " كسيلة " زعيم قبائل البربر البرانس الذي كان نصرانياً وحليفاً للبيزنطيين ، فساعده هذا الزعيم في التوسع غرباً حتى مدينة تلمسان في المغرب الاوسط. توفي معاوية بن أبي سفيان سنة 60 هـ ( 680 م ) وآلت الخلافة الى ابنه يزيد الذي أعاد عقبة بن نافع مجدداً الى ولاية أفريقية" ( 62 هـ / 682 م ) وكلّفه متابعة التوسع والفتح . فانطلق عقبة بسرعة الى مدينة القيروان وتسلم السلطة من أبي المهاجر دينار وأنزل فيها حامية من جنوده . واعتمد عقبة في تعامله مع البربر ، على خلاف سلفه ، سياسة القوة والعنف وتجاهل زعيمهم كسيلة واندفع في حملة سريعة غلبت عليها روح المغامرة والحماس فحاصر مدينة بغاية وافتتحها وقتل عدداً كبيراً من الروم فيها . غير ان هؤلاء عادوا الى المدينة وتحصنوا فيها فأهملها عقبة وتوجه الى مدينة ممس حيث حارب أهلها من الروم من دون ان يحتل المدينة . ومن هناك توجه الى مدينة تاهرت حيث تغلب على قبائل البربر التي كانت قد تجمعت فيها . وهكذا تمكن القائد العربي من احتلال أكثر مناطق المغرب الاوسط من دون ان يحتل مدناً بصورة دائمة . سار عقبة بن نافع بعد انتصاراته في المغرب الاوسط باتجاه المغرب الاقصى حتى وصل الى مدينة طنجة التي تسلمها سلماً من صاحبها يوليان ، ثم انتقل بجيشه الى حيث تقوم مدينة فاس اليوم وهزم البربر ووصل حتى سواحل المحيط الاطلسي ، ساحقاً كل مقاومة واجهته من البيزنطيين والبربر . بعدها اتجه نحو جبال اوراس سالكاً الطريق التي تقوده الى مدينة تهوده التي كانت تشهد آنذاك تجمعاً كبيراً لمحاربي البربر والبيزنطيين ، وفيها أصيب بهزيمة نكراء وقتل هو ومساعده ابو المهاجر دينار . أحدثت هذه الهزيمة ( 64 هـ / 683 م ) دوياً كبيراً بين المسلمين ، خصوصاً وان بطل الفتوحات الافريقية عقبة بن نافع استشهد فيها . وبدا وكأن الوضع بكامله قد بدأ يميل الى غير صالح المسلمين وظهرت دلائل تشتت داخل الجيوش الاسلامية بعد أن دخل كسيلة مدينة القيروان ظافراً باسطاً سلطانه على ولاية أفريقية كلها معطياً الامان لكل من طلب من المسلمين . مع وصول عبد الملك بن مروان الى سدة الخلافة في دمشق عادت الرغبة شديدة في الشام لاستئناف الفتوح ، فوجه الخليفة أمراً الى القائد زهير بن قيس البلوي المتمركز مع جنوده في برقة باستعادة القيروان . وفي سنة 69 هـ ( 688 م ) سار هذا القائد الى القيروان . ومع وصول اخبار الحملة الى كسيلة قرر إخلاء المدينة والتراجع مع جيشه الكبير الى مكان قريب من مدينة ممس ، وهو مكان يقع على طريق المسلمين الى مصادر الماء ليحرج وضعهم ، من جهة ، ولقرب المكان من الجبال والصحراء التي يمكن ان يلجأ اليها الخاسر ، من جهة اخرى . مالت كفة القتال بسرعة الى صالح القائد الاموي وهُزم جيش كسيلة وقتل هذا الاخير، ولاحق الجيش الاموي فلول جنود كسيلة حتى نهر ملوية عند حدود المغرب الاقصى. حقق هذا النصر للأمويين وللمسلميين عامة مبتغاهم في فتح المغرب وزالت كل مقاومة بيزنطية او بربرية ، بخاصة بربر البرانس . لكن هذا الانتصار شابته نكسة اذ هاجم البيزنطيون جيش زهير بن قيس البلوي العائد الى برقة بمراكب كثيرة وقوة عظيمة وتمكنوا من ان يقتلوا البلوي وان يهزموا جيشه ، فتوقفت الفتوح إثر الهزيمة لسنوات جمع خلالها الخليفة عبد الملك جيشاً جديداً في مصر واختار له قائداً جديداً هو حسان بن النعمان الغساني . وكان هذا الرجل قائداً بارعاً وسياسياً منفتحاً فقرر مهادنة البربر واستمالتهم وتجيشهم للانقلاب على البيزنطيين . ومن الوجهة العسكرية قرر فتح المناطق الداخلية وترك البيزنطيين في مناطقهم الساحلية . إتخذ الغساني من القيروان قاعدة لجيشه ومنطلقاً لغزواته وتقرب من البربر البرانس وصالحهم وضم بعضهم الى جيشه فزحفوا معه الى مدينة قرطاجة التي اخلاها الروم بعد قتال قصير وانتقل بعضهم الى جزيرة صقلية والبعض الآخر الى اسبانيا . ثم توجه الى بنزرت وصفطوره ( في تونس الحالية ) وطرد البيزنطيين منهما . وتحقق بذلك للمسلمين ، ولأول مرة ، السيطرة على مناطق ساحلية ، خصوصاً ان الأمويين كانوا قد بدأوا بانشاء اسطول بحري أرسل بعضه الى المرافىء الافريقية الشمالية . تخللت هذه الانتصارات نكسة جديدة جاءت على يد بربر البتر في جبال الاوراس ، وكانت تقودهم امراة قوية تدعى الكاهنة . وقد تمكن هؤلاء من انزال هزيمة كبيرة بالجيش الاسلامي أدت الى تراجعه الى برقة حيث استقر حوالى خمس سنوات استبدت خلالها الكاهنة بالمناطق الافريقية الشمالية الداخلية . وكان ما فعلته بالناس وممتلكاتهم مريعاً مما أفقدها الكثيرين من الانصار واستعدى عليها السكان المسيحيين ، وخاصة بربر البرانس . ولما أعادت القوات الاسلامية هجومها لاقت ترحيباً ومساندة من السكان فانتهت المعارك بانهزام الكاهنة وقطع رأسها فوق بئر لا يزال يعرف ببئر الكاهنة . فتح هذا النصر الباب امام تركيز اقدام دولة الامويين في المغربين الادنى والاقصى وبقي امامهم إخضاع بلاد المغرب الاقصى . فقام بهذه المهمة موسى بن نصير . وكانت العملية سهلت بعد ان استسلمت القبائل البربرية لضعفها بعد ما اصابها واصاب سائر قبائل البربر في المغرب الاوسط من قتل وارهاب ، بخاصة قبائل هواره وزنانة وكتامة . وليّ طارق بن زياد على طنجة واحوازها بعد ان هدأت حروب العرب المسلمين مع البربر والبيزنطيين ودخلت اعداد كبيرة من البربر في الاسلام . وبدخولهم هذا ومساندتهم نجح طارق من تركيز دعائم دولة الاسلام في كل بلدان المغرب الاقصى وصولاً الى شواطىء المحيط وتخوم الصحراء الكبرى ولم يبق خارج الدولة سوى مدينة سبتة التي صمدت بوجه الفتح بعناد . ومن المغرب الكبير تطلعت عينا طارق بن زياد شمالاً نحو شبه جزير أيبيريا وبدأ التخطيط لفتحها . فتح شبه جزيرة أيبيريا بدأ القتال الجدي لفتح شبه جزيرة أيبيريا سنة 711 م ( 92 هـ ) عند نهر صغير يدعى "وادي لكه" حيث سجلت الجيوش المسلمة انتصارها الاول والكبير على القوط وفُتحت أمامها أبواب أيبيريا . كانت القوات المسلمة بقيادة طارق بن زياد . وكان هذا بربرياً من قبائل تعزة إعتنق أبوه الاسلام وانضم هو الى صفوف المسلمين حيث عمل باخلاص وصدق وامتاز بالشجاعة والاقدام وحسن تعامله مع الجنود البربر . وهذا ما جعله مقرباً من والي أفريقية موسى بن نصير الذي كان قد إستأذن الخليفة الاموي في دمشق الوليد بن عبد الملك بفتح أيبيريا . وعيّن بن نصير لهذه المهمة الكبيرة طارق بن زياد قائداً على جيش الغزو الذي تألف من سبعة الاف جندي بربري وخمسة الاف عربي على رأسهم بعض أشراف العرب وقادتهم مثل رائد الفتوح طريف بن مالك ، بالاضافة الى جيش يوليان حاكم سبتة المسيحي . وكان يوليان على خلاف مع نظام اسبانيا مما حمله على التقرب من المسلمين واقامة اتصالات واسعة معهم . وكان من اكبر من شجع العرب على غزو اسبانيا . إجتازت قوات طارق بن زياد المضيق الذي يفصل بين المغرب واسبانيا بسهولة سنة 92 هـ (711 م ) على دفعات وعلى متن اربع سفن قدمها يوليان بالاضافة الى سفن الاسطول الاموي المتمركز في القاعدة البحرية الجديدة بتونس . نزل المسلمون عند صخرة على الشاطىء الاسباني الجنوبي صارت تعرف منذذاك باسم جبل طارق . وهناك اقام بن زياد قاعدته ومرفأ يصله بالشاطىء المغربي وبنى سوراً عرف " بسور العرب " . ومن رأس الجسر العسكري هذا تمددت القوات لتستولي على الساحل الاسباني حتى أقصى الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة الايبيرية . وساهم انصار يوليان مساهمة فاعلة في هذه الحملة . حشد صاحب اسبانيا القوطي لذريق جيشاً عظيماً في منطقة بنبلونة ودعا ولاته على الامصار لموافاته بالمؤن والجند والاغذية وسار الى مدينة قرطبة ليكون قريباً من مسرح الاحداث . بدأ القتال عند نهر وادي لكه ودام ثمانية أيام وانتهى بهزيمة الاسبان وفتحت أمام طارق أبواب شبه الجزيرة الايبيرية فصمم متابعة السير نحو قرطبة . غير أن يوليان نصحه باحتلال بعض المدن القريبة المهمة وأن يترك له هذه المهمة . فقبل طارق بن زياد النصيحة وتوجه الى طليطلة ، عاصمة القوط ، تاركاً لحليفه يوليان مهمة احتلال المدن التي نصح باحتلالها. مر بن زياد في طريقه نحو العاصمة بجيان عابراً الطريق الروماني القديم المعروف بطريق "هنيبعل " القائد القرطاجي الذي زحف باتجاه روما مستخدماً هذا الطريق . إحتل بن زياد مدينة بجيان بسهولة وتابع طريقه فدخل وادي الحجارة ومدينة المائدة القريبة من قلعة هنارس. اما طليطلة فسقطة من دون مقاومة . كان مغيث الرومي ، مولىّ الوليد بن عبد الملك يسير هو الاخر ، بهذا الوقت ، بجيشه العربي نحو الوادي الكبير قرب قرطبة ، ونزل على الضفة اليسرى من النهر ورابط هناك بعض الوقت يستطلع أخبار قرطبة القريبة فعلم أن معظم كبرائها وأغنيائها قد غادروها وترامى اليه ان سور المدينة القديم ضعيف البناء وأن فيه ثغرة فوق باب القنطرة . وفي ليلة ممطرة تسلق رجال من جيشه الحائط عند الثغرة ودخلوا المدينة بعد فتح الباب . تراجع المدافعون الى كنيسة في القسم الغربي من مدينتهم ، وكان عددهم لا يتجاوز الاربعمئة مقاتل ، حيث ظلوا محاصرين مدة ثلاثة أشهر وانتهى الامر بهم ان قتل قائدهم واسروا جميعاً وقتلوا . وبذلك تم للمسلمين احتلال قرطبة . وكانت مساهمة يهود المدينة فعّالة في مساعدة المسلمين كرهاً بالقوط المسيحيين . هكذا تم للمسلمين رفع لواء دولة الاسلام في طليطلة ، عاصمة القوط واحتلال قرطبة واجزاء اخرى واسعة من اسبانيا . وعندما ظن بعض الاسبان ان الفتح العربي سيكون موقتاً ، وأن المسلمين جاؤوا وراء الغنائم فحسب ، اوضح لهم طارق بن زياد ، بالترتيبات الادارية والسياسية والعسكرية ، انه جاء أيبيريا بأمر من الخليفة الاموي في دمشق معبراً عن سياسة الخلافة بتوسيع حدود الدولة الاسلامية والدعوة للدين الجديد . سارع موسى بن نصير ، والي شمال أفريقيا ، لدعم حملة طارق بن زياد فعبر البحر سنة 712 م ( 93 هـ ) على رأس جيش يضم ثمانية عشر الف جندي من خيرة مقاتلي العرب ونزل عند صخرة جبل طارق في المواقع والمعسكرات التي كان قد أقامها بن زياد هناك . وعرف موسى ان طارق قد أوغل في السير شمالاً متجاوزاً ما كان لديه من اوامر وتعليمات، مخاطراً بجنوده الذين كان عليهم المرور داخل او قرب مدن معادية ومحصنة واقعة على جانبي طريق طليطلة . وعليه إختار موسى بن نصير طريقاً يقع غربي مسار طارق فافتتح مدينة شذونة عنوة ومنها سار الى قرمونة ذات الحصون القوية والقدرة الدفاعية ، دافعاً بفريق من جنود يوليان المسيحيين ليدخلوا المدينة نهاراً بموافقة أهلها . لكن هؤلاء الجنود غدروا بالمدافعين وفتحوا ابواب المدينة ليلاً ومكّنوا جيش موسى من الاستلاء على قرمونة من دون قتال . تابع بن نصير تقدمه باتجاه اشبيلية ، كبرى مدن الاندلس آنذاك ، فحاصرها حتى استسلمت . وهنا ايضاً تعاون يهود المدينة مع الجيش الاسلامي فكافأهم بن نصير بضمهم الى بعض اتباعه وأوكل اليهم جميعاً حماية المدينة وإدارة شؤونها ، وسار هو الى المدينة الرومانية القديمة مارده ، أهم حصون غرب الاندلس ، التي ضرب حولها حصاراً دام بضعة أشهر وانتهى بأن عقد مع أهلها اتفاقاً سهل له دخولها يوم عيد الفطر سنة 94 هـ ( 713 م ). ومنها توجه لملاقاة طارق بن زياد في طليطلة وتصالح الرجلان على ما كان من خلاف وجفاء بينهما وقضى موسى بن نصير شتاء ذلك العام في مدينة طليطلة . ومن هناك ارسل الرسل ومنهم مغيث الرومي الى دمشق ليزف الى الخليفة الوليد بن عبد الملك إتمام القسم الاكبر من احتلال شبه الجزيرة الايبيرية . بعد فترة راحة واعادة تنظيم للجيوش المسلمة في اسبانيا سار موسى ومعه طارق باتجاه اراضي الشمال الاسباني فدخلا مدينة سرغوسة الكبيرة من دون عناء ، ومنها سارا الى مدن وشقة ولارده وطركونة التي سقطت بدورها اما سلماً او بقتال محدود . عاد في هذا الوقت ، مغيث الرومي قادماً من دمشق ، حاملاً أمراً من الخليفة الى نصير وطارق بالعودة الى العاصمة الاموية لتقديم حساب عما أنجزوه . فسر البعض آنذاك ان الخليفة كان يخشى تهور موسى وميله للقتال وتخطيطه لاجتياز جبال البيرنيه باتجاه فرنسا . فعمل موسى بن نصير على اقناع رسول الخليفة باعطائه فسحة من الوقت لانجاز احتلال اراضي جليقية لعظيم قيمتها الاستراتجية في المحافظة على ما حققه المسلمون من مكتسبات. وكانت اراضي جليقية كثيرة الاودية والمرتفعات يسهل على الاسبان تجميع قوات فيها للاغارة على الجيش المسلم . ولانجاز الفتح بسرعة وسهولة قسّم موسى جيشه الى قسمين ، قاد طارق بن زياد احدهما وسار من سرغوسة على يسار نهر الايبرو متوغلاً في أراضي البشكنس المعادين مخضعاً حصونها ومدنها وأهمها أمايا وأسترغة وليون . وسار موسى بن نصير بمحاذاة الضفة الاخرى لنهر الايبرو متوغلاً في اراضي قشتالة ، فارضاً الخضوع لسلطته على من فيها ، ثم إتجه نحو أراضي مقاطعة أستورسيا فأخضع حصن " لك " الكبير وتابع سيره نحو مدينة خيخون واستولى عليها . وبذلك وصل بن نصير الى أقصى الشمال الاسباني وبلغ شواطىء المحيط الاطلسي باستثناء جليقية وشعابها . بدأت رحلة عودة موسى بن نصير الى دمشق سنة 714 م ( 95 هـ ) ، فاتجه الى ليون حيث لاقى طارق بن زياد وسارا معاً الى طليطلة ومنها الى قرطبة ثم الى اشبيلية حيث ركبا البحر. وكان نصير قد عيّن ابنه عبد العزيز على امارة الاندلس وجعل اشبيلية عاصمة لها . وصل بن نصير الى دمشق سنة 715 م فوجد الخليفة الوليد بن عبد الملك على فراش المرض فقدّم له كل ما حمله من الاندلس من تحف وهدايا واموال وأسرى . وبعد اسابيع توفي الوليد وصارت الخلافة الى شقيقه سليمان الذي أبقى بن نصير في دمشق ، وما أعاده الى الاندلس ابداً . ومات موسى بن نصير في المدينة المنورة حيث دفن . وكان برفقة الخليفة سليمان في حجة الى الديار المقدسة سنة 716 م ( 97 هـ ) . أكمل عبد العزيز بن موسى بن نصير أعمال الفتح في الاندلس فضم الى الدولة الاموية الاسلامية هناك منطقة برشلونة وأحوازها وفتح عنوة غرناطة ومالقة ثم اتجه الى كورة تدمير فحاصرها زمناً ثم دخلها بعد ان وقّع معاهدة مع اهلها ترك لهم بموجبها حريتهم الدينية على ان يدفعوا ضريبة سنوية لقاء سيادتهم على ممتلكاتهم واراضيهم واشترط ان لا يتعاونوا مع أعداء الدولة الاموية وان يدينوا لها بالولاء . يتبع |
حكم الولاة في المغرب والأندلس المغرب مر المغرب بعد انتهاء اعمال الفتوح بمرحلة عرفت تاريخياً باسم " عصر الولاة " كان المغرب خلالها جزأ من الدولة الاموية تدار اموره من العاصمة المركزية دمشق بواسطة عامل اتخذ له من مدينة القيروان عاصمة . وما لبث ، بعد فتح الاندلس ، ان شمل نفوذه هذا الاقليم الجديد . وكان الوالي يفوّض امور الحكم في الاندلس الى والٍ او أمير . عمد الحكم العربي في الشمال الافريقي الى تقوية صلاته مع البربر عن طريق نشر الاسلام وتعريب الناس . وقد لاقت هذه السياسة ، في البدء ، نجاحاً كبيراً ، اذ تحول البربر بأكثريتهم الى الدين الجديد فانتشر الاسلام سريعاً بينهم وظهرت طبقة من المسلمين الجدد شديدة الحماس للدين وللغة العربية التي حلّت شيئاً فشيئاً محل اللغات المحلية واصبحت ، بفضل القرآن الكريم، اللغة الاكثر انتشاراً بين البربر . والى جانب الأسلمة والتعريب عمد الحكام العرب الى احترام عادات البلدان المفتوحة وتقاليدها ، بخاصة ما لم يتعارض مع الاسلام او مع سياسة الدولة العليا . فأبقوا على النظم الادارية السائدة وتركوا أكثر الوظائف بأيدي البربر وسواهم من سكان البلدان الاصليين . لم تستمر هذه العلاقة على سلاستها وتسامحها ، اذ بدأت تظهر باكراً بعض الاشارات المقلقة بفعل جنوح الولاة نحو تغليب مصالح العرب على سواهم مما حمل البربر على الشعور بأنهم أصبحوا أتباعاً ومحكومين . ومع ميل البربر الذين عرفوا بالانفة والكبرياء والميل للمشاكسة والقتال الى رفض هذا الواقع الجديد، وبدء ظهور صراع عربي بربري شجعته جماعات الخوارج التي توافدت الى المغرب اثر الصراع بين معاوية وعلي في المشرق، ظهرت بوادر ثورة شعبية ما لبثت ان تحولت سنة 740م ( 122 هـ) الى ثورة بربرية شاملة ضد عامل الامويين المقيم في القيروان بقيادة ميسرة المطغري ، احد زعماء قبيلة زنانة القوية التي كانت قد انحازت الى الخوارج وآمنت بتعاليمهم . وتمكن ميسرة من تحقيق نصر عسكري في معركة حاسمة قرب مدينة طنجة مما امّن له بسط سلطانه على المغرب الاقصى بكامله. غير أن هذا الثائر سرعان ما اختلف مع اتباعه فقتلوه وسلموا الزعامة لثائر آخر هو خالد بن حميد الزناتي . جمع ابن الحبحاب والي القيروان جيشاً كبيراً وعززه بقوات جاءته من جزيرة صقلية وسار به للثأر لهزيمته في طنجة . غير أن المعركة انتهت بهزيمته مرة ثانية . وكانت هذه الهزيمة مدوية أطلق عليها المؤرخون اسم " غزوة الاشراف " لكثرة من قتل فيها من أشراف العرب وسادتهم . واصابت الهزيمة صدىً واسعاً في العالم الاسلامي فعم الاضطراب الشمال الافريقي وتداعت دعائم الحكم وانتشرت الفوضى . وفي دمشق ذهل الخليفة هشام عبد الملك لهول الخسارة فأرسل على عجل جيشاً ضخماً من عرب بلاد الشام بقيادة كلثوم بن عياض القشري وانضم اليه من بقي على ولائه من البربر . جاءت المواجهة التي وقعت على ضفاف نهر سبو على غير ما تمنى وأراد الخليفة ، اذ دارت الدائرة على العرب وقتل منهم خلق كبير بينهم قائد الحملة كلثوم بن عياض وتراجعت الجيوش الاموية الى مدينة سبتة فأخضعها البربر لحصار شديد . وبذلك انحصر نفوذ الامويين لمدة طويلة وساد نفوذ البربر في المغرب الاقصى . الاندلس تولت مجموعة من الولاة حكم اسبانيا بعد سقوطها في يد العرب. وكانت البلاد تتبع سياسياً وادارياً الامارة في القيروان . غير أن هذا الواقع تفجر سنة 756 م ( 138 هـ ) عندما بدأ ما بات يعرف بعصرالامارة الاموية واصبحت البلاد تعرف رسمياً بالاندلس . وبين قيام الامارة وانتهاء ايام الفتح تولى حوالى عشرين والياً حكم اسبانيا الاسلامية . وكانت دمشق تعين هؤلاء ، نظرياً في بعض الحالات ، ذلك لأن قسماً من الولاة فرضهم جنودهم المقيمون في اسبانيا وتغاضت دمشق عن ذلك وسكتت وباركت . وكانت العاصمة الاموية تنظر الى عصر الولاة على انه انتقالي ، وكانت تحضر لاقامة حكم مركزي يربط الاندلس مباشرة بدمشق بدل المرور بطريق القيروان . كان عبد العزيز بن موسى بن نصير اول الولاة . وهو ابن موسى بن نصير والي " أفريقية" . وتبعه في الولاية من بعد اغتياله في مسجد أشبيلية ، ايوب بن حبيب اللخمي الذي نقل العاصمة من أشبيلية الى قرطبة . وجاء بعده الحر بن عبد الرحمن الثقفي فالسمح بن مالك الخولاني فعبد الرحمن بن عبد الله الفافقي فعنبسة بن سحيم الكلبي الذي كان اطول الولاة حكماً اذ اقترب عهده من خمس سنوات . وخلفه عذرة بن عبد الله الفهري فيحيى بن سلمة الكلبي فحذيفة بن الاحوص الأشجعي فعثمان بن ابي نسعة الخثعمي فهيثم بن عبد الله الكلابي فمحمد بن عبد الله الأشجعي فعبد الرحمن بن عبد الله الفافقي الذي قتل بعد سنة وبضع اشهر ، فعبد الملك بن قطن الفهري فعقبة بن الحجاج السلولي الذي تصدى للثائرين البربر في طنجة وهزم فخلعه أهل الاندلس واعادوا عبد الملك بن قطن الفهري الى الولاية ولكنه عندما استعان بجيش بلج بن بشر القشري لمواجهة اضطرابات كادت تودي به انجده هذا الاخير وعزله من الحكم وتولى الولاية مكانه . ثم جاء ثعلبة بن سلامة العاملي فابي الخطار بن ضرار الكلبي فثوابة بن سلامة الجذامي فيوسف بن عبد الرحمن الفهري. يتبع |
قيام الامارة الاموية في الاندلس بعد سقوط الخلافة الاموية في دمشق على يد العباسيين هرب كثيرون من وجوه بني أمية في كل اتجاه على أثر تنكيل العباسسن بهم وموت العديدين . ومن بين الذين نجوا من امراء الامويين أمير شاب عرف بالطموح والجرأة هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم المولود في احدى قرى قنسرين سنة 731 م ( 113 هـ ). وكان هذا الشاب قد لجأ اولاً الى دار يملكها في قرية على ضفاف نهر الفرات ومنها فر سباحة عابراً النهر قبل لحظات من وصول القوات العباسية التي كانت قد تعرفت الى مخبئه وواصل طريقه الى كورة فلسطين ومنها الى البلاد المصرية حيث الولاء للامويين كان لا يزال قوياً . أقام عبد الرحمن فيمصر بعض الوقت ثم قصد القيروان ، عاصمة الشمال الافريقي ، حيث وجد ان الوالي عبد الرحمن بن حبيب الفهري قد بدل موقفه من الامويين وأعلن تأييده للعباسيين ، فأكمل طريقه الى اراضي البربر حيث رحب به شيخ قبيلة مكناسة فأقام لديه مدة غير قصيرة توجه بعدها الى مدينة طنجة حيث نزل بين أهله واقاربه . فأم عبد الرحمن كانت بربرية من قبيلة نفزة الضاربة في احواز المدينة . حلّ عبد الرحمن في اواخر اقامته في شمال افريقيا بين مدينتي طنجه وسبته . وكانت الاخبار تصله من الاندلس عن الاوضاع المضطربة هناك مما افسح في الامال امام هذا الامير الاموي الذي ضاع ملك آبائه في المشرق لبعث هذا المُلك في المغرب . وكان يعرف ان في الاندلس جالية عالية المكانة من موالي بني أمية قدّرها بعض المؤرخين ببضع الآف . وكان هؤلاء يتمركزون في كورتي البيرة وجيان وفي مناطق اخرى قريبة حيث جمعوا ايام الدولة الاموية ثروات كبيرة ودخلوا الادارة والقضاء وعملوا في التجارة . وكانوا بصورة خاصة على علاقة جيدة مع يوسف الفهري ، آخر ولاة الاندلس وصديقه زعيم القيسية ورجل الاندلس القوي الصميل بن حاتم . توجه عبد الرحمن الى هؤلاء الموالي برسالة عبر حاجبه بدر يشكو فيها ما حلّ بالامويين ويطلب مساعدتهم ، فرحبوا ، إنما نصحوه ، نظراً لقلة عددهم ، ان يتصل بالعصبيتين الكبيرتين في البلاد : القيسية واليمنية او باحداهما . أجرى بدر اتصالاَ بزعيم القيسية الصميل الذي رحب في بادىء الامر ثم غيّر رأيه وموقفه ورفض التعاون . عندها توجه رسول عبد الرحمن الى اليمنية ، التي كانت على عداء مستفحل مع القيسية فلاقى منهم ترحيباً وأقام معهم حلفاً عرف بالتحالف الاموي _ اليمني . ورحب بهذا التعاون الكثير من البربر أملاً بتحقيق مكاسب . وعندما تأكد للرسول الاموي ان مهمته في الاندلس قد إنتهت الى نجاح عاد إلى المغرب يخبر عبد الرحمن بما فعل وبما حقق . صمم عبد الرحمن على الانتقال فوراً الى الاندلس فعبر مضيق جبل طارق ونزل في "المنكب"، وهو مرفأ اندلسي صغير. وكان في استقباله موالي بني أمية ابو عثمان بن عبيد الله وانتقلا معاً الى قرية طرش حيث نزل عبد الرحمن في دار ابي الحجاج يوسف بن بخت (ايلول / سبتمبر 755م – ربيع الثاني 138 هـ) واتخذ من القرية مقراً يستقبل فيه وفود المؤيدين ، وتجمع حوله الجنود والفرسان . وانضم اليه عامل كورة رية وعامل مورور ويمنية قرطبة ، فضلاً عن جماعات اليمنيين من أهل اجناد فلسطين وحمص . كان الصميل ويوسف الفهري المعاديين لعبد الرحمن منشغلين في قمع تمرد في مدينة سرغوسة . وفي طريق العودة ، بعد ان اخمدا التمرد ، توقفا مع قواتهما، في مكان قريب من طليطلة للراحة . وهنا وصلتهما رسالة تعلمهما بنزول عبد الرحمن بن معاوية في طرش وان مجموعات كبيرة تتحلق حوله ، فقررا التصدي له والقضاء عليه قبل ان تنتشر دعوته وتكتمل عدته . الا ان الخبر شاع بين الجنود فترك اليمنيون الجيش وفروا للحاق بالامير وأهلهم . قرر عندها الفهري والصميل الانتظار لاعادة لم شمل جيشهم ولتحاشي حرباً في موسم البرد القارس. عرض امير الاندلس يوسف الفهري في هذه الاثناء التنازل عن الامارة وتسليم الحكم لعبد الرحمن ، ولكن هذا الاخير رفض العرض نزولاً عند نصيحة اعوانه لأن لا احد يثق بيوسف الفهري وعروضه . وفي ايار / مايو 756 م - ذو الحجة 138 هـ كانت الحشود العسكرية المؤيدة للفهري والصميل قد تجمعت قرب كورة البيرة ، مقر قيادة عبد الرحمن . وعند اكتمال كل الترتيبات تواجه الجيشان عند قرية " المصادرة " في اقليم طشانة ، يفصل بينهما نهر الوادي الكبير . وفي يوم الخميس التاسع من ذي الحجة عندما انحسرت مياه النهر بعض الشيء وصار بالامكان العبور ، فاجأ عبد الرحمن غريميه بعرض لتفادي القتال واقامة حل سلمي يرضي الناس . وكانت تلك حيلة قصد منها الامير الاموي ربح الوقت لعبور النهر بجيشه . لقي الاقتراح ترحيباً من الفهري فترك جيش عدوه يعبر النهر اليه وأولم لهم وأطعمهم وأمدهم بما يحتاجون اليه . لكن عبد الرحمن فاجأ ضيفه في صبيحة اليوم التالي ، وصادف اول ايام عيد الاضحى ، بهجوم كاسح فر على أثره يوسف الفهري ناجياً بنفسه الى نواحي طليطلة وفر الصميل الى جهات جيان . وهكذا فتح هذا النصر لعبد الرحمن ابواب العاصمة الاندلسية فدخلها في اول ايام عيد الاضحى سنة 138 هـ . وصلى في جامعها ونودي به اميراً على الاندلس . كان عبد الرحمن ، الذي اصبح يعرف بالداخل في السادسة والعشرين من عمره عندما اعلن قيام دولته الاموية في الاندلس ، مستقلة عن باقي دولة الاسلام ومنفصلة تمام الانفصال عن دولة العباسيين في الشرق ، ونصّب نفسه اميراً عليها . وحقق بذلك نبوءة حكيم بني امية مسلمة بن عبد الملك عندما رأى الصبي عبد الرحمن لاول مرة في دمشق فبكى بكاءً شديداً وأوصى به جده وكافله هشام بن عبد الملك امير المؤمنين قائلاً : " إنه صاحب بني أمية ومحي دولتهم بعد زوالها ". تعاقب على كرسي الامارة ، التي عمّرت حوالى القرنين ( 756 – 929 م ) قبل ان تتحول الى خلافة اموية جديدة في المغرب ثمانية امراء هم : عبد الرحمن بن معاوية المعروف عند المؤرخين باسم عبد الرحمن الداخل ، هشام بن عبد الرحمن ، الحكم بن هشام ، عبد الرحمن الاوسط ، محمد بن عبد الرحمن ، المنذر بن محمد ، عبد الله بن محمد، واخيراً عبد الرحمن الناصر الذي حول الامارة الى خلافة عندما أعلن في كتاب ارسله إلى عماله في الكور والحواضر الكبرى جاء فيه : " أما بعد فأنا أحق من استوفى حقه ، وأجدر من استكمل حظه ولبس من كرامة الله ما ألبسه ...... قد رأينا ان تكون الدعوة لنا بأمير المؤمنين وخروج الكتب عنا وورودها علينا بذلك ، اذ كل مدعو بهذا الاسم غيرنا منتحل له ودخيل فيه ومتسم بما لا يستحقه ..... فأمر الخطيب بموضعك أن يقول به وأجر مخاطبتك لنا عليه إن شاء الله، والله المستعان " . أطلق المسلمون على الاقسام التي خضعت لسلطتهم من شبه جزيرة أيبيريا " بلاد الاندلس". فكلمات اسبانيا او شبه الجزيرة الاسبانية او ايبريا كانت شائعة عند القوط الغربيين قبل وصول العرب المسلمين الذين لم يستعملوا هذه التسميات اطلاقاً مكتفين بالاندلس . ويعتقد أن اصل الكلمة يعود الى كلمة فانداليسيا، وهي لفظة سبق أن أطلقها الجرمان الفندال على مقاطعة بيتيكا التي نزلوا فيها . قيام الخلافة الاموية في الاندلس تقبل المسلمون في الاندلس تحول الامارة لديهم الى خلافة مستقلة بطيبة خاطر . ويعيد المؤرخون هذا الموقف الى ثلاثة عوامل وتطورات حدثت في قلب العالم العربي واطرافه ، سهلّت لعبد الرحمن الثالث اعلان الخلافة في قرطبة سنة 929 م ( 316 هـ ). ومع ان الخلافة ، كما فهمها المسلمون آنذاك وكما عرّفها فقهاؤهم بأنها رياسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي وبالتالي لا يجوز ان يتولى هذا الامر أكثر من خليفة واحد ، الا ان اموراً ادت بعد سقوط خلافة الامويين في دمشق وقيام حكم العباسيين الى تزعزع وحدة الامة، فظهرت في الاندلس مفاهيم جديدة للخلافة ونظرة مستجدة لنظام الحكم . فالانجازات العسكرية والتنظيمية التي حققها الامير عبد الرحمن الثالث جعلته يبدو في اعين الاندلسيين وكأنه الضمانة الوحيدة لاستمرار وجود دولتهم وتعزيز مكانتهم . وربما كان هذا التطور الاول الذي دفع باتجاه قيام خلافة مستقلة في قرطبة . فالناس على ما بدا لدى المؤرخين هم الذين رغبوا في رفع الامير الى سدة الخلافة . الامر الثاني الذي عزز قيام هذه الخلافة المستقلة هو ان العلماء والفقهاء المسلمين ما عادوا يصرون على ضرورة مركزية الخلافة بعد ان اتسعت رقعة ارض الاسلام وامتدادها الواسع في القارات الثلاث المعروفة آنذاك . فقد أدركوا ان المشاكل التي يواجهونها الان قد اصبحت اكثر واكبر من ان تحلها او تضبطها سلطة واحدة مركزية . العامل الثالث الذي كان له تأثيره الافعل والابعد كان سقوط دولة الامويين في دمشق وقيام دولة بني عباس في بغداد وما رافق هذا الانتقال من طغيان الفرس ، عنصراً وفكراً وثقافة على الحياة العامة ، وبصورة خاصة على السياسة . فقد فقدت الخلافة العباسية الطابع القرشي الذي كانت تتسلح به الخلافة الاموية في المشرق والمغرب . ثم ان العناصر الموالية للترك بدأت تتسلط على مراكز القوة وتتحكم بسياسة الخلفاء بعد المعتصم ، مما افقد كرسي الخلافة قدسيته وهيبته . فمنذ ذلك الوقت ما عاد الخليفة العباسي يقدر ان يجسّد وحدة العالم الاسلامي وتضامن المسلمين في ظل دولة واحدة موحدة . وذهب بعض المؤرخين الى القول إن معاني الخلافة قد ذهبت ولم يبق الا إسمها وصار الامر ملكاً بحتاً. هذه العوامل الثلاثة سهلت قيام الخلافة الاموية المستقلة في الاندلس وعاصمتها قرطبة . اما ما شدد من عزيمتها وقدم لها الدفع الكبير كان قيام الفاطميين باعلان خلافة شيعية في بلاد المغرب عاصمتها القيروان . فالاندلسيون كانوا شديدي التمسك بالمذهب السني ، متعلقين بتقاليد واعراف ورثوها عن الدولة الاموية في دمشق . لذلك رأوا في قيام هذه الخلافة في القيروان تهديداً لمذهبهم ، اولاً ، ولعلاقتهم وتواصلهم مع المشرق ثانياً . فقد شعروا ولأول مرة انهم أصبحوا معزولين عن سنة الشرق . كان للعامل الشيعي هذا ، المتمثل بالفاطميين ، تأثيره الكبير في المغرب والاندلس . مؤسس الفاطميين في المغرب كان عبد الله الاسماعيلي الذي حلّ في الشمال الافريقي سنة 280 هـ. ونزل في ضيافة وحماية قبائل كتامة البربرية المنتشرة في الاراضي الواقعة بين منحدرات جبال أوراس والشواطيء الشرقية للجزائر . وتعرف هذه المنطقة الان باسم بلاد القبيل . وكانت هذه القبائل ، ومعها قبائل بربرية اخرى ، قد سبق ان اعتنقت المذهب الشيعي الاسماعيلي . لذلك تمكن ابو عبد الله من الاعتماد عليها لارساء اسس دولة مستقلة ، فانطلق في حملات عسكرية لاخضاع الدويلات الصغيرة التي كانت قد نشأت بعد سقوط الحكم المركزي بدمشق . ومن هذه الدويلات : دولة الاغالبة في المغرب الادنى وعاصمتها القيروان ، ودولة الرستميين في المغرب الاوسط وعاصمتها مدينة تاهرت ، والادارسة في مدينة فاس . أما في الجنوب ، فكانت تقوم دولة بني واسول او الدولة المدرارية وعاصمتها مدينة سجلماسة . إتخذ ابو عبد الله الاسماعيلي منطقة قسنطينية منطلقاً لتحركه العسكري وخرج منها مع اتباعه من بربر كتامة ليدخل في اعماق دولة الاغالبة. فدخل سنة 909 م عاصمتهم القيروان وازال دولتهم من الخريطة السياسية للعالم الاسلامي . ومن هناك هاجم دولة الرستميين فقضى عليها واستولى على عاصمتها تاهرت . ثم عاد الى القيروان وأعلن نفسه سنة 909 خليفة وارسل الرسل الى جميع مناطق الشمال الافريقي وجزيرة صقلية ليعلنوا للناس قيام الدولة الفاطمية والخلافة الشيعية الجديدة . كان عبد الرحمن يراقب هذه التطورات من عاصمته قرطبة بكثير من الاهتمام والخوف والحذر . فقيام دولة شيعية في الشمال الافريقي سيؤسس لصراع دموي رهيب وسيقف حاجزاً بينه وبين الشرق . فعمد على الفور الى تجميع قواته العسكرية ، وبنوع خاص ، القوات البحرية في الجنوب الاسباني ، وسعي في الوقت نفسه الى إقامة تحالفات مع سكان المغرب الذين كانوا في غالبيتهم يدينون بالمذهب المالكي السني . وتمكن بفضل هذه التحالفات من ارسال قواته بامان الى المغرب واحتلال مدينة سبتة واقامة قاعدة للحكم الاموي فيها. ومنها وسع اتصالاته مع القبائل البربرية الذين كانوا على ولاء سابق لدولة الاغالبة ، فانضموا اليه . ومن هناك توسع شرقاً لاخضاع الادارسة وسواهم . إمتد حكم عبد الرحمن حوالى خمسين سنة ، ثبت خلالها ركائز الدولة الاندلسية واعطاها فترة طويلة من الاستقرار السياسي مما أثمر نهضة عمرانية واقتصادية ما عرفت لها مثيلاً من قبل، حيث ازدهرت الصناعة والتجارة والزراعة وعمرت خزانة الدولة في قرطبة بالاموال بعد ان كانت تشكو فراغاً مزمناً . نمت قرطبة خلال هذه الفترة بصورة مدهشة ، وبلغ تعداد سكانها حوالى نصف مليون نسمة ، وكثرت حولها الضواحي حتى وصلت الى اشبيلية وجيان . واقام الخليفة مدينة الزهراءلتكون مركز اقامته وحكمه . تولى الحكم بعد الخليفة عبد الرحمن الناصر ، الذي توفي سنة 961 م ( 350 هـ ) ابنه وولي عهده المستنصر . جاء بعده هشام الثاني المؤيد بالله سنة 976م ( 366 هـ ) الذي انفجرت في ايام خلافته جميع المتناقضات العنصرية والحساسيات القبلية والانقسامات السياسية والطبقية . وبوصول المهدي الى سدة الخلافة بدأت مرحلة من الفوضى والاضطراب امتدت على مدى ثلاثة وعشرين سنة واطاحت في النهاية بالدولة الاموية بالاندلس . http://www.al-hakawati.net/arabic/Ci...s/andalus6.jpg يتبع |
الاندلس : بدء العمران في عهد الناصر ما ان استتب الحكم لعبد الرحمن الناصر في الاندلس وأقام لدولته قواعد مهمة في مناطق عديدة من المغرب الاقصى وأضعف النفوذ الفاطمي هناك حتى بدأ يعمل على تثبيت حكمه داخلياً وخارجياً . فأقام على الصعيد الخارجي شبكة من الاتصالات الواسعة مع الممالك الاوروبية والشرقية ، واكثرها ممالك مسيحية . فجاءته الوفود، بعضها بقيادة الملوك انفسهم ، من الدول الاوروبية ، كبيرها وصغيرها . من كبيرها دول عظمى مثل الامبراطورية البيزنطية والامبراطورية الرومانية المقدسة . وتبادل السفراء مع أكثر هذه الدول وبنوع خاص مع الامبراطورية البيزنطية . فقد أشارت المصادر البيزنطية الى وجود بعثة دبلوماسية للخليفة في القسطنطينية سنة 949 م . كما جاءت بعثة بيزنطية في آب / اغسطس من ذلك العام مبعوثة من قبل الامبراطور قسطنطين السابع حاملة هدايا نفيسة لخليفة قرطبة . حلّت البعثة في مرفأ بجاية حيث استقبلت استقبالاً حافلاً ، انتقلت بعدها الى قرطبة فاستقبلها الناصر بمراسم غاية في العظمة والاسراف . ولما رجعت البعثة الى القسطنطينية كان يرافقها المستعرب هشام بن هذيل ، رسولاً من قبل الخليفة ، محملاً بالهدايا الثمينة للامبراطور تعبيراً عن المودة والصداقة . أهدى امبراطور بيزنطية الخليفة الاندلسي نسخة أصلية من كتاب ديسقوريدس "مصدر الحشائش بالتصوير الرومي " ، وكان الكتاب مكتوباً باليونانية . وكذلك أهداه كتاب بولوس هروسيوس عن تاريخ الروم وفيه اخبار الدهور وقصص الملوك الاول . وكان الكتاب مكتوباً باللاتينية . ووصل راهب بيزنطي يدعى نيقولا ليتعاون مع مجموعة من الاطباء والباحثين ، في مقدمتهم طبيب الخليفة حسداي بن شبروط لنقل كتاب ديسقوريدس الى العربية ولاستخراج عقاقير كثيرة منه . وكان هذا الكتاب قد ترجمه حنين بن اسحق في بغداد لكن اسماء النباتات ظلت باليونانية مما صعب على العرب والمسلمين فهمها والاستفادة من المعلومات التي تضمنها الكتاب . ذكر مؤرخون مسلمون عديدون بينهم ابن ابي اصيبعه في كتابه " عيون الانباء" اخبار هذه السفارة البيزنطية التي حلّت في قرطبة . وكذلك اشار ابن خلدون عن سفارة ثانية لبيزنطية جاءت الى قرطبة . وتتكلم المصادر التاريخية الاخرى عن سفارات من دول اخرى بينها سفارة لصاحب سردينيا حلًت سنة 942 م . كما ان الامبراطور أتون الأول الكبير ، امبراطور الامبراطرية الرومانية المقدسة ارسل بعثة الى قرطبة سنة 956 م برئاسة الراهب حنا الجورزيني الذي عرف عنه اهتمامه بالحوار المسيحي الاسلامي . وكانت بعثة قد وفدت من مملكة ليون سنة955 م للعمل على اقامة علاقة ود وصداقة مع الناصر . وكانت هذه المملكة تتزعم المعارضة العسكرية لدولة الاسلام في الاندلس . وفي سنة 958 م حلّت في قرطبة طوطة ملكة مملكة نبرة ومعها ولي عهدها غرسيه ورهط من وجهاء البشكنس واحبارها وحلوا ضيوفاً في قصور مدينة الزهراء . شهدت الاندلس في أيام حكم عبد الرحمن الناصر نهضة عمرانية واقتصادية ما عرفت لها البلاد مثيلاً من قبل . فعمرت خزانة الدولة في قرطبة بالاموال . وذكر ابن خلدون انه تجمع في خزانة الدولة من مال الاحتياط عند وفاة الخليفة الناصر ما لا حصر له . وقد أفادت العاصمة قرطبة بصورة خاصة من هذا الرفاه فنمت بشكل مدهش وسريع، فعمرت البيوت والدور العامة وصار عدد مساجدها ثلاثة الاف مسجد وحماماتها ثلاثمئة . كما ان الخليفة اراد ان يقيم في قرطبة مدينة خلافية جديدة . وفي سنة 936 م بُدء العمل على اقامة المدينة الجديدة في مكان يقع الى الجنوب الغربي من قرطبة وأشرف ولي العهد ، وهو الامير الحكم ابن الخليفة الناصر ، على الاعمال . وقام باعداد التصاميم المهندس مسلمة بن عبد الله الذي حشد،لأعمال التنفيذ والبناء ، العمال والصناع المهرة من كل انحاء اسبانيا . سميت هذه المدينة الزهراء واستمر بناءها الى حكم الحكم المستنصر . وصف ابن حيان الزهراء بقوله : "جُلب اليها الرخام الابيض من المرية والمجزع من رية والوردي والاخضر من اسفافس وقرطاجنة ، والحوض المنقوش المذهب من الشام ... وبني في قصرها المجلس المسمى بقصر الخلافة . وكان سمكه من الذهب والرخام الغليظ ... وكانت حيطان هذا المجلس مثل ذلك ... وكانت قراميد القصر من الذهب والفضة . وكان في كل جانب من هذا المجلس ثمانية ابواب قد انعقدت في حنايا من العاج والآبنوس المرصع بالذهب واصناف الجواهر ، قامت على سواري من الرخام الملون والبلور الصافي ". أقيمت مدينة الزهراء ، كما يبدو من بقاياها اليوم ، على امتداد الف وخمسمئة متر طولاً وسبعمئة وخمسين متر عرضاً . ونقلت اليها المياه في قناة امتدت على بعد ثمانين كيلومتراً ، حفرت في عمق الجبل المطل على الزهراء . كانت المدينة على شكل مدرج من ثلاث طبقات وكأنها مدينة فوق مدينة . وأمر الناصر ببناء مسجد الزهراء فجاء غاية في الاتقان والبهاء . وكانت له صومعة ارتفاعها 40 ذراعاً ومنبر هو نهاية من الحسن . ويقول المقري في كتاب "نفح الطيب" ان تكاليف بناء هذه المدينة قد اتت على جزء كبير من واردات الدولة على امتداد ربع القرن الاخير من حكم الخليفة الناصر ، إذ كانت تبلغ سنوياً حوالى 300 الف دينار. إهتم الناصر بمسجد قرطبة ، فهدم منارته القديمة واقام مكانها سنة 951 م منارة اخرى أكثر إرتفاعاً ، حيث ارتفعت حوالى 73 ذراعاً ، وبلغ عرض قاعدتها في كل تربيع 18 ذراعاً . وفي " اعلى ذروتها " ، كما كتب المقري ، " ثلاث شمسات يسمونها رمانات ملصقة في السفود البارز في اعلاها من النحاس : اثنتان منها ذهب ابريز ، والثالثة منها وسطى بينهما من فضة أكسير ... وفوقها سوسنة من ذهب مسدس فوقها رمانة ذهب صغيرة " . وجدد الناصر واجهة المسجد وزاد في مساحته . يعود الى الناصر ، الذي حكم حوالى نصف قرن ، الفضل في اعادة بناء وتحصين مدينة سالم بعد ان تخربت في ايام الفتنة . وقصد من ذلك ان يجعلها موقعاً متقدماً لرد هجمات الاسبان المفاجئة . فأقام لها الابراج المرتفعة واسكن فيها اناساً كثيرين . |
شكرا لك يا الأماكن على الطرح وبارك الله فيك
|
مجهود رائع وموضوع قيّم استمتعت بتواجدي بصفحتك بانتظار المزيد من هذا العطاء لك مني ارقّ تحية وأعذبها دمت بخير |
مشكور على الموضوع المتميز والجهد المبذول
بارك الله فيك |
http://vb.eyesweb1.net/images/smilie...rum2/eye76.gif
موضوع مميّز من يدِ مميّزه بارك الله فيك تقديري لك ولجهودك |
[grade="00008b ff1493 800080 4b0082"]مشكور جدا اخي الاماكن على هذا الطرح لك مني اجمل تحية. [/grade]
|
الساعة الآن 10:09 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |