على اعتاب المخيم كنا وكانو

[وفاء بنت غزة]

خبز ، وزيت ، وزعتر
شمس تمُدّ رأسها خجلى
غسيل على الحبال التالفة يُنشر
لهو أطفال في الأزقة ،
بائع الكعك ،
بنات تُعارك الفتيّة على سدر العنبر
سبعيني يروي حكايا عن البلاد ،
عن نضالاتهِ ،
عن زيّهِ القديم ، وعن هنديتهِ والخنجر
موظف المؤن السمين
وقد أغمي عليه من شدةِ ما ثرثر
هو المخيّم ،
هو المخيّم ،
قامة تكبر في دمي كل يوم ،
حتى صارت الأرض بكل اتساعها وانفتاحها
من حجمهِ في داخلي ، أصغر ..
مما راق لي

[وفاء بنت غزة]

زمان ،
أذكر يا أمي زمان ،
حين كنت تأخذين بيدك (( التنكة ))
وما يسمى الطرحة
وهي على شكل كعكة دائرية مصنوعة
من القماش والخيوط
وتذهبين الى (( حنفيات الوكالة )) هناك
تملأين الماء بعد زحام طويل مع النساء الأخريات
اللواتي حضرن للسقاية ،
إذكرك وأنت تحملين تلك التنكة على رأسك ،
وتضعين بينها وبين رأسك الطرحة
كي لا تؤذيك حواف التنكة ،
وأنا أتعلق بذيل ثوبك طفل باكٍ ،
لم أكن أجد سبباً لبكائي في ذاك الوقت
لكني الآن أدرك
كم كنت يا أمي عظيمة ، وما زلتِ
وكم أنتن يا نساء فلسطين عظيمات بصبركم
وقلوبكن أوسع من الأرض ..

[وفاء بنت غزة]

في مخيمي
للهواء نكهة خاصة
لانه يحمل رائحة الوطن

[وفاء بنت غزة]

كتب يقول
قال لي: أنظري ,, انها المقبرة
نظرت في الأفق فلم أرى سوى بيوت المخيم تتراصف من دون نسق
إلتفت اليه ,, قال: نعم ; هنا دفنونا ودفنوا أحلامنا بالعودة للوطن
قلت له: بل هنا سندفن اوهامهم بأن ننسى الوطن ونحيا فوق قبورهم دوالي تزحف الى هناك

[وفاء بنت غزة]

لم يجدوا مكاناً أوسع ,, ولا أرضاً أنظف
لكنهم وجدوا جدران المخيم تحتضنهم ,, وتشاركهم اللعب بكل شغف ,,

[وفاء بنت غزة]

تَجلِسُ على رَصيفِ المُخيَم ,, بِثوبِها الذي طَرزتهُ بِيدها هُناكَ في بيارة والدها في يافا
تكَفكِفُ دَمعها الحزين الذي يكوي وجنتيها الملتهبتين من الغربة ,,
ليمر من جانبها أخي الصغير ,, يسألها بكل حنان ,, || خير يا حجة في إشي ,, بقدر اساعدك باشي ؟؟ ||
ليكون جوابها القاتل : || آآآخ يا ابنية ,, ضحكوا علينا العرب ,, كالولنا يومين بنقضي عليهم وبترجعوا ,, وهي صارلنا 60 سنة ولسة ما رجعنا ||
آآآه يا مخيم ,, كم أحتفظت لنا منهم من قصص ما زالت تجرعهم الالم ,, وتسقينا ذكرى الوطن

[وفاء بنت غزة]

اليوم الجمعة ،
وهو يوم الحمام الاجباري تماما
الكل يستحم
الماء يغلي في التنكة الكبيرة على بابور الكاز
وأُمنا تقوم بكسر الماء الساخن بالبارد
حتى يصير فاترا ،
اليوم كل الأطفال جميلون ،
ورائحتهم جميعاً مدهشة تماما
رائحة الصابون النابلسي الأبيض المربع
(( صابون المفتاحين ))
والغسيل يملأ الشوارع في المخيّم
جميع الأزقة تستحيل الى نهر من الماء والصابون
أيّ فرح هو اليوم ، وأيّ جنون
شيء من الحياة رغم أنف الموت
وولادة الورة من ضلع حجر صوّاني ،، وسكون ..

[وفاء بنت غزة]

(( المؤن ))
ذاك المكان المستطيل والكبير جداً
كان يجمعنا كل يوم ثلاثاء
أولاد مدارس وكالة الغوث لإغاثة وتشغيل اللاجئين
وطابور طويل لا آخر له ،
كل واحد منا يحمل صحناً مُقشراً من كل جوانبه
إثر السقوط الكثير
وحال الوصول الى الموَّزع ،
يغرف لنا من طنجرة كبيرة جداً بمغرفة كبيرة أيضا
(( المجدّرة ))
وهي عبارة عن شيء من الأرز والعدس يطهوان مع بعضهما
وآخر يضع لنا بعض اللبن
وثالث يناولنا حبّة من زيت السمك الأصفر
قالوا حينها أنها تُطيل النظر
آهِ يا أيها المؤن ،
يا أيها الزمن ،
كم كنت تشبهنا ، وما زلت
وكم تشبّه الجرح بنا مليّاً ،كي نشبه الوطن ...

[وفاء بنت غزة]

مهلاً تمهل ،
وأنت تمشي في المخيّم
أبطيء الخطوة ، وتأمل
كيف يصافح الناس بعضهم
وذاك عن ذاك يسأل
الطبيب ، والعامل
الشاعر ، والأُميّ ، والمؤجل
قف ، تأمل
ستجد قلبك في صدرك صار أخصب
وصار أجمل .....

[shreeata]

جميل ورائع ماقرات وشاهدت هنا
رائعة انت عزيزتي وفاء
في رسم معالم المخيم
هنا وهناك وفي كل الازقة
سلمت لنا بعطائك وروعتك
تحيات لك