حكاية الحطاب و شريرة الغاب.. لعبد الله طوقاي

[فسحة أمل]

من هو عبد الله طوقاي(1886 – 1913)؟؟

في وسط عائلة مسلمة متينة، ومتواضعة المعيشة، ولد صبي اسمه عبد الله طوقاي في السادس و العشرين أفريل (نيسان) 1886 ميلادية.

توفي أبوه قبل أن يشعر عبد الله بحنانه، وبدأت عمته تربيته بعد وفاة أمه. ثم سلّمته العمّة العجوز إلى عائلة أخرى، لينتقل للعيش مع عائلة ثالثة وهو حال اليتيم، هكذا انتقل من قرية "كوشلافوتش" في تتارستان حيث ولد إلى قرية "أتشيل" حيث نشأ، وقرية "قيرلاي" حيث عاش، إلى أن وصل إلى مدينة "قازان" التي استقر بها.

مضت حياة عبد الله طوقاي صعبة ومتقلبة. عانى من البرد حيناً ومن الجوع أحياناً و من قسوة مربيه في أغلب الأحيان.

لكن الصبي كان قوي العزيمة، فتعلم ومارس الكتابة، و أصبح صحفياً و كاتباً، وصار شاعر أمته القومي، حتى أن يوم مولده اتُخِذَ عيداً سنوياً للشعر في "تتارستان".

في السنوات الأولى تعلم الصبي عبد الله في المدرسة المتقية اللغات العربية و الروسية والتركية وأخذ ينهل من الأعمال الأدبية العالمية العظيمة، و هناك خط أولى قصائده.

كانت "تتارستان" تكتب لغتها بالحروف العربية كما هي اللّغة الفارسية اليوم.

بدأ عبد الله طوقاي حياته الصحفية في سنة 1904 بالعمل في صحف "العصر الجديد"، و"فكر" و"أولكار" وذاعت شهرته بين الناشرين وهو لم يُتِّم السابعة عشر، ثم وضع أفكاره في صحف ساخرة مثل ياشين (التنوير) ويلْط يولْط (السطوع).

خلال عمل عبد الله الصحفي تحول الشاعر من طور الصِّبا إلى مرحلة الشباب، وولد صوت غنائي يعبر عن النضال والسلام، ويمثل الحرب والحب. أخذ عبد الله الحكايات الخرافية، أو الأساطير و المرويات والأغنيات وحولها إلى أعمال أدبية.

حكاية "شورالي" هي إحدى هذه الحكايات، وقد أخذت شهرتها من إعادة كتابة عبد الله لأسطورتها، فأصبحت أسطورة خالدة يحكيها التتارستانيون لأبنائهم وعملاً شعبياً يرسمه الفنانون، وتعبر عنه أعمال على شاشة السينما وفوق خشبة المسرح

وعلى درجات السلم الموسيقي وفي عالم الباليه والأوبرا و التزلج على الجليد.

**********

حكاية الحطاب و شريرة الغاب

حكاية شورالي:

كتبها شاعر تتارستان: عبد الله طوقاوي

ترجمها وشرحها: أشرف أبو اليزيد

توجد قرية قرب قازان

تحمل اسم"قِيرلاي" الآن

نسمع فيها ديوك القرية

تصيح بلحن كالأغنية

عشت بها أيّاماً لا أنساها

مع أنّي لــم أولــد فــيها

وحرثـتُ كذلك حـقولها

وزرعتُ وحصدت غِلالها

أتذكـر أيـضاً غــابــات

سمراء بأشجار كــثيــفــات

تشبه سوراً حول القـــــرية.

أتذكر مَرْج الأعشاب الخضرا،

يستقبل بـنـعـومــته الفــجر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
قازان: مدينة على نهر الفولجا، تأسست قبل ألف عام، و هي اليوم عاصمة جمهورية تتارستان، إحدى جمهوريات الاتحاد الروسي.
قيرلاي: القرية التي عاش فيها الشاعر.غلالها محصولاتها الزراعية/ مرج: أرض خضراء

******

ليست "قيرلاي" كبيرة،

بل هي يا عزيزي صغيرة !

يعبر فيها ماء غدير،

ينبع من عينٍ بسرور.

تكثر فيها قِرَبُ الماء

ثمار التوت الحمراء

وبجانبها حبات الفراولة

أكثر حمرة بقاع السّلّـة

ما أجمل أرضاً قد تسحر!

تحرسها أشجار صنوبر !

ـــــــــــــــــــــ

غدير: نهر صغير. عين: نبع ماء. تسحر: جمالها شديد أخاذ.

***********

ومراراً أستلقي أدنـاهـا،

فأحس بقــوة مرآهــا!

وهنا وهناك، طحالبها،

ونبات الحُمَيْضِ يقاربها.

وبراعم الأزهار طالعة،

كالحور الرجراج الرائعة.

وهواء شـــافٍيتبخـتـر،

بنسيم الأزهار معطر !

ألوان زرقاء وصفراء وحمراء

و اللَّيْلَكُ باقاتٌ وردية و بيضاء !

وفراشات زاهية الألوان،

تتقافز تحت الأغصان.

تبتعد فتسلك كل طريقٍ،

وتعود فشرب كل رحيقٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

أدناها: يقصد يستلق تحت الأشجار/ مرآها: منظرها/ شافٍ: نقي/ يتبختر: يزهو

وطيور الجنة، أرسلها الله،

تملأ غابتنا بنشيد ما أحلاه.

لحن يطرب وتر القلب,

فتحلق روحك في حب.

بمكان واحد يجتمع الشمل بلا نقص؛

والمسرح: شدوٌ، موسيقى، مع الرقص !

هي ساحة سيركٍ، وفنون،

تسكنها أشجار و غصون.

مثل محيط من غير بداية،

تمتد الغابة دون نهاية.

تشبه جيش جينكيز خان المحارب،

أو هي عملاق، بألف رأس يحارب !

أتذكر قصصاً وأساطير وروايات قديمة،

يحكيها جدٌ حكيمٌ، ترويها جدة عليمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

جينكيز خان: محارب أسس إمبراطورية المغول/ الأساطير: حكايات خيالية لا يعرف قائلها تحكي صراع الإنسان مع كل المخلوقات من حوله ومع قوى الطبيعة.

*******

عن أسماء منسية، في القصص المنسوبة،

صنعتْ أمجاداً، أو تركت آثار محبوبة.

وعلى المسرح، نعيد رفع الستار،

لنشاهد قصص رائعة الأفكار !

نتساءل: لماذا لم نعد كما كنّا؟ !

ثم ندعو الله أن يرحمنا !

وصَفْتُ الصَّيْف، ولكن، هناك الشتاء،

وبينهما الخريف، وربيع، دون استثناء.

ولاحقاً ستأتي فتيات صغيرات،

بعيون سمراء، وجنات ورديات.

ولكنني، لو ذكرت ما جرى بالمروج،

يوم"السابانتوي"؛ عيد الحصاد البهيج،

ـــــــــــــــــــــــــــ

وجنات: خدود/ السابانتوي: يوم الحصاد البهيج

لانْطلقتُ في كــل اتـجــاه،

ولا ضاع مني القلم،وتاه !

فانتظروا أيّها القراء, انتظروا !

فإن نسيتُ كل ما يفرح و يَسُرُّ،

كيف أنسى عنوان قصتي:

"شورالي"، و هي قصيدتي !

فاصبروا لتعرفوا الحكاية أيّها القراء،

فقد تذكرت قــريتي يا أحِــبَّــاء.

واعذروني لأنني حين أذكر"قيرلاي" مرة،

أتذكر صورتها الجميلة ألف مرة !

في هذه الغابة السوداء الكثيفة،

نلتقي بكائنات، مفترسة، ومخيفة !

ـــــــــــــــــــــ

شورالي: اسم الوحش، أو الكائن الشرير أو الغولة أو البعبع، في الحكاية الشعبية.

فالغابة دار الثعلب، و الذئب،

مثلما هي وطنٌ أيضاً للدب !

وطبيعي أن يرى صياد الغابة السناجب

وأن تقفز حوله، في خفة، غزلان و أرانب.

كما تقول الحكاية عن الغابة الدّاكنة

أنه بممراتها السرية، كائنات كامنة:

البعبع، والجنية، و الغولة،

شورالي، وحكاياتها مهولة !

لما لا، والسماء تكون كالغابات البارحة،

تملأها العجائب و الغرائب الواضحة !

بـعـد بـداية لطيفة لقصتي

وصفت بها قريتي، كعادتي،

سأكتب عن ليلة مقمرة ساحرة,

و النجوم خلف السحاب ساهرة.

ــــــــــــــــ

الداكنة: المظلمة/ الكامنة المختبئة/ البارحة: الواسعة

*****

فوق جواد، خرج القرَوِيُّ الشّاب،

ومضى بهدوء في قلب الغاب.

يحمل فأساً يستخدمها لقطع الأخشاب,

فوظيفته يا قرائي: "حطاب" !

بدأ الحطاب الشاب العمل بجد ورويَّة

وانهال بفأسه فوق الجذع الخشبية

شقّت دقّات الفأس سكون الليل،

حتى أنتبه الحطاب لصوت عويل!

يتصاعد صوت يتردد،

والحطاب توقف يرتعــد!.

هَلَّ عليه المشهد فتجمد:

إنسانٌ هذا؟ لصٌّ؟ أم وحشٌ أمْرد؟

كان الكائن أقبح مخلوق يُشْهَد،

يبعث الخوف في أي شجاع يصمد.

ــــــــــــــــــــــــــ

روية:هدوء و تأنٍ/ عويل:صراخ وبكاء/ يرتعد: يرتجف من الخوف/ أمرد: وجه ليس فيه شعر اللحية/ يصمد يقاوم.

*****

أنفٌ متقوّس, كالصنارة،

يتحدب فوق الأسنان الضارة.

أمّا الساقان فمُعْوَجَّتان،

ولأظافره يدان مخفيان !

عينان تضيئان بنظرات الشّرّ،

وجبين أسود مثل القار.

سيُخيفُ نهاراً، وما أكثر الأسباب،

لكنه في قلب الليل يظهر للحطاب.

جسدٌ عارٍ، لكنّه كثيف الشعر،

رأسٌ، في جبهته قرن الثور !

وأصابعه الطويلة، النحيفة،

تـمتـد مـن يـده المـخـيـفـة.

ـــــــــــــــــــــــــ

القار: مادة سوداء ترصف بها الطرقات وتسمى في بعض اللهجات الزفت.

شزراً، حملق كلٌّ في الآخر، دهراً،

كانت عينا الكائن تتأجج شرراً.

بشجاعته سأله الحطاب النَّابِه:

"ماذا تريدين مني يا بنت الغابة؟"

قالت:"لا تخشاني يا أيّها الحطاب،

أنا لست قاطعة طريق بالغاب"

"لكنني أحذرك، فلست ملاكاً أيضاً ،

و أنا مخلوق أوزع فسادي أرضاً".

"لقد فرحت حين شاهدتك تأتي كالسهم،

فأنا تعودت قتل الناسبدغدغتهم !"

"لقد رأيت الحزن في عينيك

وأود أن أبث الفرح في جنبيك !"

ــــــــــــــــــــــ

شزراً: نظر شذراً أي بغضب/ دهراً: وقتاً طويلاً/ تتأجج: تشتعل/ قاطعة طريق: لصة/ أبث: أرسل وأبعث، جنبيك: الجنب الأيمن الأيمن و الأيسر.

********

"كل إصبع من أصابعي الطويلة

مخلوق كي يزيد ألم الدغدغة الجميلة ! "

تعال، أيها الفتى، نتبادل،

دغدغة بأصابعنا، نتقاتل.

"سيثور المرح بنفسي ونفسك !

وتزيح الحزن وتنسى بؤسك! "

"عندي شرط"، قال الحطاب الشاب:

"إن وافقت عليه، سأشارك بالألعاب !"

قالت:" أسرع هيّا، هيّا أقبل !

ولكل شروطك عندي أقبل".

سأل الحطاب و هو يشير لأضخم أشجار الغاب:

"فلنحمل تلك الشجرة للعربة قبل الألعاب".

ــــــــــــــــــــــ

يثور: يتحرك بشدة/ تزيح: تحرك بعيداً/ بؤس: قنوط و أسى

"هذا الشق المفتوح بقلب الجذع

إن أمسكت الشجرة منه أحسنت الصنع".

أترى أيها القارئ الكريم،

فيما يفكر الشاب الحطاب الحكيم؟

أدخلت الغولة الحمقاء أصابعها في شق الشجرة

غافلة عن مرأى الفأس

بطرف الشق ومغزى الفكرة!

وبلمح البصر سحب الحطاب الفأس من الهُوَّة،

فالتأم الشق على أصابع غولتنا بقوة.

صاحت غولتنا صارخة من هول الألم،

نادت للنجدة سكّاناً ناموا في الحلم !

بدأت تبكي نادمة تعترف بآثام الأمس،

وتقول لساجنها لينقذها من هذا البؤس.

ـــــــــــــــــــــــــــ

الحمقاء: التي لا تجيد التفكير السليم/ الشق: فتحة في الشجرة/ مغزى القصة: المعنى من وراء ما فعلت/ بلمح البصر: بسرعة/ الهُوَّة: فتحة في الشجرة أو الشق/ هول: شدة/ آثام: ذنوب.

*****

قالت، واعدة، لن أرجع يوماً للشرِّ

وأقول لأهلي أن يدعوك تمرّ بلا أسر.

و نؤمِّن لك، و لأهلك، والبشر،

طريق سلام، في الغابة، للدهر.

لكن أنقذني فأصابعي تؤلمني،

أخذت تتوجع، تهتز من الوهن!

ويكاد العقل من الألم يضيع،

وشورالي تصرخ مثل رضيع !

أمّا الحطاب فأخذ يلملم أغراضه،

ليودع تلك الغابة، ويعود لأرضه.

لا يزعجه أو يلفته صوت الغولة،

وهي توزع صرخاتها اللّيل بطوله.

ـــــــــــــــــــــــــــ

أسر: سجن/ نُؤَمِّن: نوفر/ يلملم: يجمع.

سألت وهي تراه سيرحل: ما اسمك؟

حتى أخبر عائلتي عنك و عن رسمك؟

قال الحطاب الشاب: اسمي "العام الماضي" !

و الغولة تصرخ من قبض الشجر القاضي.

تتمنى السوء لساجن يدها في قلب الشجر،

وتنادي كي ينقذها قبل طلوع الفجر.

من ينققذني؟ من ينقذني؟

"العام الماضي" أهلكني !

بعد طلوع الشمس، كل وحوش الغابة جاؤوا

سألوها، مـنـزعـجـيـن لمنظرها،

فـيـما صـراخـــك يـــا بــلـهــاء؟

قالت: أصرخ من أفعال "العام الماضي" فيّ !

رَدوا: كفي ! يا حمقاء الغابة، كفي !

لو كان "العام الماضي" عذبك ليالي !

فلماذا صراخك في "العام الحالي"؟

ــــــــــــــ

رسمك: شكلك/ قبض: قبض على الشيء امسكه بقوة/ القاضي: القاتل/ السوء: الضرر/ بلهاء: غبية.

انتهى..

عن كتاب العربي الصغير

العدد 210 مارس 2010

[ملك القلوب]

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه على الطرح الموفق
بارك الله فيكي

[قلب.,]

حكاية رائعه وفيها عبره

اشكرك اختي على هذا الموضوع الرائع

لك تحياتي وتقديري

[فسحة أمل]

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملك القلوب [ مشاهدة المشاركة ]

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه على الطرح الموفق بارك الله فيكي

شكراً أيّها الملك..
مرورك العطر أسعدني..
تقديري واحترامي..

[فسحة أمل]

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لألألأ [ مشاهدة المشاركة ]

حكاية رائعه وفيها عبره اشكرك اختي على هذا الموضوع الرائع لك تحياتي وتقديري

الأخت الغالية..
مرورك أسعدني..
محبتي واحترامي..

[تهاني]

يسلموووووووووووووووو كثيرررررررررررررر
حلوه حبيبتي
يسلمو كمان مره

[ميارى]

راقت لي كثيرا فسحة, أسلوبها سلس وشيق ومناسبة فعلا للأطفال ,شكرا للشاعر على هذا الأشلوب المشوق والذي يهمنا فعلا أن يرغب الأطفال في المطالعة في زمن الحاسوب والانترنات, وشكرا لك فسحة على الذوق الرفيع

[فسحة أمل]

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الملكة الصغيرة [ مشاهدة المشاركة ]

يسلموووووووووووووووو كثيرررررررررررررر حلوه حبيبتي يسلمو كمان مره

تسلملي الطلة من أحلى ملكة..
الحلو مرورك العسلي..
محبتي

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميارى [ مشاهدة المشاركة ]

راقت لي كثيرا فسحة, أسلوبها سلس وشيق ومناسبة فعلا للأطفال ,شكرا للشاعر على هذا الأشلوب المشوق والذي يهمنا فعلا أن يرغب الأطفال في المطالعة في زمن الحاسوب والانترنات, وشكرا لك فسحة على الذوق الرفيع

الغالية مياري..
ذوقك هو الأرفع..
لو تعلمين كم يحب الأطفال المطالعة على الرغم من كونه زمناً للنت و الكمبيوتر و التصفح السريع...
شكراً لكرم مرورك الأكثر من رائع ولكلماتك الطيبة..
محبتي