|
واحة الأدب والشعر العربي لكبار المشاهير من الشعراء |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 11 | ||||
|
كاتب الموضوع :
المفتش كرمبو
المنتدى :
واحة الأدب والشعر العربي
![]() كان أبو علاء، جيراننا لصق الدار، رئيس عرفاء شرطة، مأزوماً نفسياً وكئيباً غالب الوقت. كل يوم خميس يذهب عصراً الى إحدى حانات بغداد، يشرب ثم يعود الى بيته سكران فيبدأ بتكسير كل ما هو مصنوع من الزجاج، بحيث تمتلىء أرضية البيت، كل ليلة خميس، بشظايا الزجاج المتناثر في جميع الزوايا. كنا نحن، جيران أبي علاء، نراه حين يخرج من بيته عصر الخميس، وقوراً مرتدياً بدلته الرمادية، ملمعاً شعره وسابلاً شاربيه الكثين. وكنا نراه عائداً في المساء يترنح ويستند على الجدران الى أن يصل الى داره فيرفس باب بيته رفساً شديداً حتى تسارع زوجته لفتحه قبل أن يتحطم. أما نحن الجيران، شيباً وشباباً، أطفالا ونساء، فقد كنا نبقى صامتين بانتظار الزوبعة.
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 12 | ||||
|
كاتب الموضوع :
المفتش كرمبو
المنتدى :
واحة الأدب والشعر العربي
![]() أقمت، خلال الثلاثين عاماً الماضية، علاقات مع نساء كثيرات، بعضها كان مجرد صداقات عابرة، وبعضها الآخر كان أبعد من ذلك. وعلى العموم أتيح لي أن أتبادل القُبل مع غالبية من أقمت معهن علاقة عاطفية.
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 13 | ||||
|
كاتب الموضوع :
المفتش كرمبو
المنتدى :
واحة الأدب والشعر العربي
![]() في الخمسينات، وحتى الستينات لم تكن هناك آلات كتلك التي نراها اليوم لتزفيت الشوارع، ولهذا كان العبء الأساسي يقع على (القيارة) وهم عمال مفتولي العضلات يمسكون بألواح مستطيلة من الخشب، أو بلوح واحد طويل يتوزعون للإمساك به، كل من طرف، ويقومون بجرف القير، كما تفعل الآلة الضخمة الآن، حين يرمى في جوفها القير فتأخذ برصفه وتوزيعه على المساحة المطلوبة، قبل أن تمر عليه الحادلة الثقيلة لتسويته بالأرض. عندما كنا نعود من المدرسة، في تلك الأيام، كنا نتوقف طويلا لمشاهدة عمال تزفيت الشوارع، وخاصة علي القيار، أحد هؤلاء العمال وهو يقوم بعملية التزفيت بمفرده ماسكاً بلوحه الخشبي الطويل والضخم جارفاً به القير الملتهب في عز الظهيرة. ماكان يستوقفنا أمام ذلك المشهد هو عضلات علي القيار المفتولة وصدره العريض المفصّل والمجسّم، الذي كان يكاد أن يتفتق حين يقوم بجرف القير بلوحة الخشب. كان علي القيار طويلاً بعض الشيء ومهيباً بعضلاته القوية، ووسيماً في الوقت ذاته. ولهذا كان موضع إعجاب لا النساء وحدهن، بل والشباب كذلك ممن يرون فيه فتوتهم المفتقدة أو المؤملة. وكنا نحن، الذين نقف نتفرج على عضلاته، بعد خروجنا من المدرسة، أولاداً صغاراً لم نكن نفقه ذلك الحسد الدفين في قلوب شباب المدينة إزاء علي القيار، ولا كذلك افتتان النساء به.
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 14 | ||||
|
كاتب الموضوع :
المفتش كرمبو
المنتدى :
واحة الأدب والشعر العربي
![]() قبل أيام نسيت أسناني في البيت وخرجت على عجل.. ( سيفتح القاريء فمه اندهاشاً: كيف يمكن أن ينسى المرء أسنانه؟) نعم هذا الذي حصل معي وهو مزعج دون ريب، خاصة بالنسبة إلى شاعر. والأكثر إزعاجا هو أنني، عندما نسيت أسناني، كنت ذاهباً إلى أمسية شعرية لإلقاء قصيدة. المهم، قبل أن أصل مكان الأمسية (وهو يقع في شارع فخم من شوارع العاصمة) تنبهت للأمر صدفة فراعني ذلك. قلت لسائق التاكسي، بنبرة يبدو أنها كانت خشنة بعض الشيء، أن يعيدني سريعاً إلى حيث انطلق بي، ففعل بوجوم. في جوار البيت وجدت أبنتي لإنزال واقفةً، بعد أن كانت ودعتني قبل لحظات وهي منزعجة لأنها حاولتْ بإلحاح أن تذهب معي إلى الأمسية، فرفضت ذلك بذرائع شتى (فهي طويلة وأكبر من عمرها، كما كانت تقول والدتي، رحمها الله، وهذا يسبب لي الإحراج على الدوام عندما ترافقني، خصوصاً في الأماسي الشعرية!) قلت لابنتي بنبرة تشبه تلك التي انزعج منها سائق التاكسي، أذهبي سريعاً واجلبي لي أسناني من البيت، فضحكت ابنتي بوجهي بطريقة لم اعهدها منها قبلاً (فهي تكن لي احتراماً كبيراً، بل وتعتبرني أباً روحياً لمحاولاتها المتواضعة في كتابة الشعر والقصة) عادت أبنتي بالأسنان بعد أن أخفتها داخل كومة من المناديل الورقية (وكانت هذه إلتفاتة ذكية منها، فلو رأى أولاد الحارة الأسنان بيد أبنتي لكانت فضيحة) ذهبتُ أبحث عن تاكسي أخرى، وكانت الأمسية قد بدأت بالطبع حسب التوقيت المحدد في بطاقة الدعوة، لكن من حسن الحظ كان هناك شاعران يشاركاني الأمسية، وهما من أصحاب المطولات. وأنا أقبع في التاكسي مغموماً، تذكرت يوم فقدت أسناني الحقيقة، وكان ذلك بمثابة انهيار مروع لشعوري بالشباب والحيوية. كنت أتناول طعام الغداء عندما سقط شيءٌ من فمي في صحن الطعام فأحدث رنيناً خافتاً، لم أصدق الأمر أول وهلة، فمددت إصبعي في فمي لأتأكد وإذا به يلج فراغاً مخيفاً بين صف أسنان المقدمة. تذكرت في الحال أن لي ضرساً كبيراً آخر كان مرتخياً، مددت إصبعي فلم أجده هو الآخر. بحثت أمامي في كومة العظام والفضلات، فإذا به مركونٌ بإهمال يدعو الى الشفقة. صدمتُ حينها واكتأبت كثيراً، وعندما سألتني زوجتي لماذا كففت عن الأكل صمًتُ برهةً ثم بكيت بصمت، لكن دمعة سقطت، بصخب، في صينية الطعام، نبهت زوجتي للأمر. وبعد أن عرفت بالقصة واستني بشيء من المزاح البريء، لكنَ كآبتي بقيت مسيطرة عليّ، خاصة عندما ذهبتُ لأرى شكلي الجديد. وقفت أمام المرآة وابتسمت بانزعاج. كانت ابتسامة باكية في الواقع فقد شعرت حينها وكأن دهراً قد مضى على شبابي. كان شكلي مروعاً. وفي الحال شغلتني فكرة مزعجة: كيف يمكن أن يكون الشاعر بدون أسنان؟. ذهبت الى غرفة النوم، ارتديت ثيابي بسرعة ووضعت منديلاً على فمي وخرجت قاصداً طبيب الأسنان.
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 15 | ||||
|
كاتب الموضوع :
المفتش كرمبو
المنتدى :
واحة الأدب والشعر العربي
![]() في قاعة الأمسية استقبلني عريف الحفل بترحاب كبير وأعلن على الجمهور وصولي بعد تأخر. جلست في مقدمة الصفوف حزيناً جراء تذكري لقصة سقوط أسناني، حتى أن كأس العرق الكبيرة، التي شربتها قبل أن أخرج من البيت، تبخرت من رأسي فعادت صحوتي القاتلة تحركُ فيَّ الخجل والتردد. لم أصغ لحرف واحد مما كان يقرأه الشاعر الأول في الأمسية، فقد انشغلت مجدداً بالفكرة المزعجة إياها: كيف يمكن أن يكون الشاعر بدون أسنان؟ أدرت الفكرة في رأسي مراراً وتكراراً وحاولت تخفيف وطأتها على نفسي (خاصة عندما نبهني صديق جالس بجانبي الى أن الشاعر الأول أنهى قصيدته ولم يبق غير الشاعر الثاني وبعده سيأتي دوري في القراءة) فتذكرت صديقاً، يُعد من أفضل المغنين الشباب، كان هذا الصديق المغني يعاني من مشكلتي ذاتها، لكن الفارق أن له ضرساً اصطناعياً واحداً فقط. وقد أخبرني ذات يوم بأن هذا الضرس سقط من فمه مرة وهو يغني في احتفال كبير ومهيب. ومن شدة فزعه وخوفه من أن يكتشف الجمهور ذلك، مد يده وقطع سلك الكهرباء المربوط بجهاز الميكرفون، وفي الحال بدأ صفير وصراخ الجمهور، وبينما انشغل عمال الإنارة بإصلاح السلك الكهربائي، مد صديقي المغني يده وألتقط ضرسه من الأرض، وبحركة فنية بارعة، (كما وصفها!) أعاده الى فمه دون أن يشعر به أحد. كنت ساهماً عندما نبهني الصديق الجالس الى جانبي أن دوري قد جاء وأن لغط الجمهور بدأ يتعالى لأنني تأخرت في النهوض عندما أعلن عريف الحفل عن اسمي. نهضت، بعد أن تلمستُ أسناني بحركة لا إرادية. وقفت أمام الميكرفون وفي ذهني الفكرة المزعجة إياها: كيف يمكن أن يكون الشاعر بدون أسنان؟ تصورت الأمر من زوايا مختلفة، قلت، ربما لن يكون الشاعر مقبولاً من قبل الجمهور إذا لم يكن على شيء من الجمال أو الأناقة في أقل تقدير، وهذا من حق الجمهور دون ريب، فشكل الشاعر وأناقته وطريقة إلقائه لقصيدته، كلها مكملات لقوة وجمال القصيدة، حتى أن معاصري بدر شاكر السياب يقولون أنه كان يتجنب المشاركة في المهرجانات الشعرية لأنه لم يكن وسيماً مثل أدونيس أو أنسي الحاج. وإن محمد الفيتوري أيضاً كان يتردد هو الآخر في قبول دعوات المهرجانات للسبب ذاته. هذا من جانب، ومن جانب آخر تصورت أن الشاعر عندما يكون بدون أسنان قد لا يستطيع إلقاء قصيدته إطلاقاً لأنه سيظل يلثغ بكل الحروف تقريباً، إلى درجة، تخيلت معها، أن القصيدة يمكن أن تسقط من فم الشاعر دون صوت، مثل طفو السيجارة. بل الأكثر مأساة أن يتصور الشاعر إياه، عندما تسقط القصيدة من فمه مثل طفو السيجارة، إنه قد ألقى قصيدته، لذلك سيتساءل مع نفسه: لماذا لم يصفق له الجمهور؟ في حين سيتساءل الجمهور أيضاً: لماذا لم يقرأ الشاعر قصيدته؟
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 16 | ||||
|
كاتب الموضوع :
المفتش كرمبو
المنتدى :
واحة الأدب والشعر العربي
![]() أنتظر على الرصيف بملل وحرج، طوال نحو عشرين دقيقة، حتى نقل العمال آخر كيس من تلك الأكياس الكبيرة المحشوة بالرسائل، إلى داخل مؤسسة البريد . همَّ بصعود الدرجات القليلة المتآكلة المؤدية إلى باب المؤسسة الداخلي، ثم توقف فجأة وكأنه تذكر شيئاً (من شبه المستحيل أن يتمكن العمال، خلال هذه الدقائق، التي مضت للتو، من تفريغ كل هذه الأكياس، ومن تصنيف الرسائل ومن ثم إيداعها العلب البريدية!) كان يفكر بملل زائد وبانزعاج (ثم مَن يضمن أن تلك الرسالة الموعودة، التي انتظرها منذ أشهر، وربما سنوات، موجودة مع هذه الشحنة من أكياس الرسائل؟)
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 17 | ||||
|
كاتب الموضوع :
المفتش كرمبو
المنتدى :
واحة الأدب والشعر العربي
![]() ولأن أسباب عدم تسديده دين البقالية، ضعيفة، أو غير مبررة في الأقل، بسبب مظهره الأنيق ولغته المهذبة والمثقفة في التعامل مع الآخرين، فقد كان يتجنب، طوال الأسابيع الماضية، المرور في الشارع الذي تقع فيه «بقالية الأمل» فيضطر لقطع مسافة التفافية مرهقة وموحلة، من أجل بلوغ غرفته في الأزبكية . تصادف مرة مع صاحب البقالية وجهاً لوجه، وكان مشهداً كئيباً، فقد حاول الإفلات دون جدوى، إذ لم يجد أمامه غير حل واحد هو عبور الشارع، بسرعة فائقة، إلى الجهة الأخرى. لكن سوء الحظ كان بانتظاره هناك أيضاً، فبعد هذه المخاطرة، وجد "أبو أمل" صاحب البقالية نفسه، يقف قبالته بالضبط، فهو الآخر كان قد قطع الشارع في اللحظة ذاتها، لأن بيته يقع في الجهة الثانية . انتهت المقابلة بسلام إذ لم يفتح "أبو أمل" أي حديث عن الدين واكتفى بسؤاله عن أحواله وعما إذا كانت الرسالة التي ينتظرها قد وصلته، بعد كل هذا الانتظار .
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 18 | ||||
|
كاتب الموضوع :
المفتش كرمبو
المنتدى :
واحة الأدب والشعر العربي
![]() كان يستدعي، في العادة، واحدة من صاحبات الصور، كلما عزم على تهييج نفسه، لكنه قرر الليلة (أو هكذا جرى الأمر) أن يسهر مع صاحبة الجينز الأبيض وتكويرتها المغرية. هدأ ضجيج السيارات في الشوارع المحيطة بغرفته، مع هدوء أعصابه المتوترة، فانزلق، رويداً رويداً، في حوض الماء الدافئ المليء برغوة الشامبو، حتى بلغ الماء رقبته. مرت لحظات غائمة، اختلطت فيها الألوان والأضواء والأصوات والأمكنة. حطت حَمامات، بلا حركة، على حافة حوض الماء الدافئ، فلمح قصاصات ملونة تسقط من أرجل الحمامات، فتتطاير مثل أوراق شجر في الخريف . حاول أن يلتقط واحدة من تلك القصاصات، فانزلقت في حوض الماء وترسبت في القاع . حاول التقاط واحدة أخرى، كانت أشبه بمظروف رسالة ملونة، مد يده، فاستحالت شيئاً صلباً ساخناً ولزجاً، استهوته مداعبة ذلك الشيء، فطارت الحمامات من حافة الحوض وحطت على حافة السرير، لكنه ظل يحاول الإمساك بتلك الرسالة ليفك مظروفها الملون .
|
||||
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|