في منزل التاريخ والتراث الفلسطيني:أبو ابراهيم الكباريتي

**ابو فداء** · 22 - 4 - 2012, 01:41 AM

إن التراث والثقافة لأي أمه هي ذاتها وقيمتها فلا ذات اعتبارية ومعنوية من غير ثقافة وتراث, وتتجسد الثقافة في عمقها التاريخي وهو الدليل على أصالتها وصمودها وقدرتها على التجدد وعلى قدرة أبنائها على التفاعل الايجابي معها ومع ماضيها.

التراث هو رمز مجد الأمة وعزتها. فالأمة التي ليس لها تراث ليس لها كيان أو وجود ومن ليس له وجود ليس له عنوان وبالتالي ليس له مكان تحت الشمس.

حيث أن التاريخ لا يكرر نفسه ولكن سنن الله التي مضت في الذين خلو من قبل تظل فاعلة ومهيمنة في حياة الناس اليوم وغداً ومن خلال ذلك نستطيع صياغة المستقبل وفهم الحاضر واستخلاص العبر.

إن التراث الثقافي والشعبي يرتكز على محورين أساسيين " الأول هو صياغة وحفظ الموروث الثقافي والفكري والمادي من الاندثار لأن الشعوب لا تفنى جسدياً ومادياً ولكنها تفنى ثقافياً وشعبنا من أكثر الشعوب تعرضاً للازمات ومن صفاته انه قادر على النهوض من جديد وأنه شاهد على العصر مؤثراً في الآخرين .

أما المحور الثاني فهو صناعة الوعي والثقافة التي تحقق الإرادة والعزيمة لتقديم الحصانة المنيعة فتحفظ للشعب هويته الثقافية ووجوده من خلال الاعتزاز بالذات والتمايز عن الآخرين .

أبو إبراهيم الكباريتي الذي أفنى حياته في جمع حضارته وجمع آثار قضيته يقول لدنيا الوطن في حديث خاص " كانت بدايتي في جمع الآثار بين عامي 1975 و 1974 عندما وجدت صباب قهوة نحاسي معروض للبيع بأحد الأسواق الغزاوية,فقمت بشرائها , و تعددت المرات ولكن ليس بالشكل الكبير والمطلوب ,فلم يكن بمقدور أبو إبراهيم أن يأتي بكل قطعة لان هذا كان يحتاج إلى مبلغ من المال ولم تكن الأحوال جيدة في ذلك الوقت , فترك هذه الهواية بسبب ذهابه للدراسة في جامعات جمهورية مصر العربية ,وبعد أن أنهى تعليمه في تخصص التربية في جامعة الزقازيق عاد أبو إبراهيم إلى هوايته القديمة وهي جمع القطع الأثرية ولكن بشكل أوسع واكبر, ليبدأ بالبحث عن كل قطعة أثرية موجودة في السوق أو أي مكان يسمع عنه خبر بوجود قطع أثرية فيه ويقوم بشرائها,وأصبحت هوايته متشعبة في جمع كل أنواع القطع ولم تكن مخصصة في نوع ما ,فإذا ذهبت لبيت أبو إبراهيم تجد القطع النحاسية والملابس التراثية والفخار والسيوف والراديو القديم والعملات والخناجر وكل ما هو متعلق بهذا الموضوع. يقول أبو إبراهيم دافعه الرئيسي للتوجه لهذه المهنة" يعتبر التراث جزءا لا يتجزأ من كيان الأمة وعندي إيمان مطلق بأن الشعب الذي ليس لديه تراث أو حضارة أو ثقافة واضحة فهو شعب ليس له وجود وبالتالي ليس له عنوان ومن ليس له عنوان في تقديري لا يستحق أن يعيش على سطح هذا الكوكب, وان الشعب الفلسطيني بشكل خاص له خصوصيته معينة من خلال الصراع مع المحتل ,فلا بد علينا أن نحتفظ بتراثنا أكثر من أي شعب في العالم ,لان التراث العنوان الرئيسي الذي نستطيع من خلال أن نثبت جذورنا الممتدة على هذه الأرض .
يضيف أبو إبراهيم قائلا " كثيرا من الناس والمؤسسات التي قدمت لي العروض بمبالغ كبيرة حتى أقوم ببيع هذه المقتنيات وكل المحاولات قابلها الرفض التام لانى أفضل أن أقدمها هدية لشعبنا بغض النظر عن الجهة لكن في المقابل أن يستفيد منها أهل فلسطين لان من خلال هذه المقتنيات نعيد المجد للماضي .

كأنه يفقد احد أبناءه ..

في ذات يوم أعجبني صندوق من النحاس المطرز بالطريقة البدوية ,فقمت بالتوجه إلى مالكه طالبا شراء هذا الصندوق , فكان الرد بالرفض على هذا الطلب ولكن قدم له خيارا بأن يبادله على (طبنجة) عثمانية قديمة يعود عمرها إلى 200 عام تقريبا , وفي الحقيقة قضية البيع لم تكن واردة عندي إطلاقا , ولكن صاحب الصندوق أصر على أن الطريقة الوحيدة لامتلاكي الصندوق هي المبادلة, وفي النهاية وافقت على المبادلة و توجهن إليه في عصر اليوم الثاني حاملا ل (طبنجة), وعند وصولي عرض صاحب الصندوق مالا لان الطبنجة كانت أغلى ثمنا ولكن لم أوافق على هذا الشئ وقمت بالمبادلة بدون مالا ,ولكن في طريق عدتي إلى البيت أصابني شعور بأني فقد ابن لي , وكانت هذه اللحظة من أكثر الأوقات المؤثرة عندي.

إن المستقبل هو امتداد للحاضر والماضي لذلك يجب علينا ان نعمل على صياغة الماضي بأسلوب متميز ورؤية واضحة تتلاءم مع عمق تاريخنا وجذورنا الراسخة في هذه الأرض رسوخ الجبال والباقية بقاء الزمن

وأخيرا مامن حق إلا ويقابله واجب فمن فرط في الحقوق قصر في الواجبات ... فنحن الذين نملك وبالتالي يجب أن نحمي ونحافظ ونقف بصمود وثبات ضد من يزور التاريخ ويشوه الحضارة فالواقع يفرض علينا أن نكون أمناء مخلصين لحماية كياننا الموروث ومجدنا التليد .