[الغريب]

الأحزاب السياسية.. النشأة والمهام


كنا نعيب على الحياة السياسية والحزبية في مصر قبل ثورة 25 يناير، أنها شاخت وتم تجفيف منابعها وانكفأت على نفسها وأفكارها وبرامجها دون الجماهير، وارتضت ان لا تعبر عن نفسها أو تكتفي برخصة وجودها عن طريق مقر إداري في العاصمة ربما ليس له فروع في المحافظات الأخرى، وإصدار جريدة أسبوعية أو حتى يومية ترصد من خلالها الأحداث وتصيغ مواقفها منها، واستسلمت لتوابع قانون وحالة الطوارئ التي حالت بين التنظيم والاجتماع وعقد المؤتمرات والتي وقفت بالمرصاد لحرية الرأي والتعبير.. بل إن بعض الأحزاب استسلمت لاختراق من الحزب الحاكم باستخدام العصا (الجهاز الأمني)، أو الجزرة (الصفقات السياسية وبعض المقاعد في البرلمان) من هنا حدثت حالة احتقان في الحياة السياسية في مصر كانت الركيزة الأولى لانطلاق ثورة 25 يناير.
لكن رغم ذلك لا يستطيع باحث أن ينكر أهمية النظام الحزبي وأهمية وجود حياة حزبية وضرورة إطلاق حرية إنشاء وتكوين أحزاب سياسية تنطلق من اتفاق مجموعات من الجماهير على أفكار محددة أو برامج وأيدلوجيات تريد تحقيق الخير من ورائها لبلدها.. ومن هنا تبرز أهمية ان نتعرف على مفهوم الأحزاب ونشأتها ومهامها.

تعريف الأحزاب السياسية

رغم تعدد التعريفات المختلفة للأحزاب السياسية، لكن يمكن الإشارة إلى أي حزب سياسي أنه: "اتحاد بين مجموعة من الأفراد، بغرض العمل معاً لتحقيق مصلحة عامة معينة، وفقاً لمبادئ خاصة متفقين عليها.. وللحزب لائحة تنظم هيكله التنظيمي وعلاقاته الداخلية بين قادته وأعضاءه، وله جهاز إداري معاون، ويسعى الحزب إلى توسيع دائرة أنصاره بين أفراد الشعب من الذين يناصرون أفكاره وبرنامجه".
والأحزاب السياسية بهذا المفهوم إحدى أدوات التنمية السياسية في العصر الحديث، وكان لها أدوار في عملية التداول السلمي للسلطة طبعا في الدول الديمقراطية، لكن تأتي أزمة الأحزاب المصرية في مناخ الطوارئ وتجفيف منابع العمل السياسي، وارتضاء معظمها بحالة من الركون والانفصال عن الجماهير فاكتفى معظمها بمجرد المقر والجريدة وساهم تدخل الحزب الحاكم في نشأة الأحزاب على هذا الوضع المزري، فضلا عن نجاح الجهاز الأمني في اختراق صفوفها واستئناس بعض الأحزاب لتلعب ادوار مساندة لفساد الحزب الحاكم.

أسباب نشأة الأحزاب السياسية

الأحزاب السياسية في العالم وفي مصر لم تنشأ نشأة واحدة ولكن تعددت أسباب وظروف النشأة ومن أهمها:
1- نشأة الأحزاب السياسية بالبرلمانات وظهور ما سمي بالكتل النيابية أو البرلمانية، التي كانت النواة لبزوغ بعض الأحزاب، حيث أصبح هناك تعاون بين أعضاء البرلمانات المتشابهين في الأفكار والإيديولوجيات أو المصالح، ثم بدأ نشاط تلك الكتل البرلمانية يظهر خارج البرلمانات من أجل التأثير في الرأي العام، ومن أمثلة هذا النوع حزب الحرية والائتلاف العثماني الذي كان في الأصل مجرد كتلة للنواب العرب في البرلمان التركي عام 1911.
2- نشأة الأحزاب السياسية بسبب التجارب الانتخابية وعمليات الاقتراع في العديد من بلدان العالم، حيث سعى المرشحون متحدي الفكر والبرامج لاجتذاب الكتل التصويتية، عن طريق تشكيل لجان انتخابية التي تشكل في كل منطقة من المناطق الانتخابية بغرض الدعاية للمرشحين الذين أصبحوا آلياً يتعاونون لمجرد الاتحاد في الفكر والهدف.. أي أن بداية التواجد هنا كان خارج البرلمان، ثم أصبح الحزب يتواجد داخله.
3- نشأة الأحزاب السياسية بتحول منظمات المجتمع المدني (الشبابية والفكرية والهيئات الدينية والنقابات)، بهدف تنظيم نفسها بشكل أكبر من كونها جماعات مصالح تحقق الخدمة لأعضائها. وأبرز الأمثلة على ذلك حزب العمال البريطاني ، الذي نشأ بداية في كنف نقابات العمال.
4- نشأة الأحزاب السياسية نتيجة وجود أزمات سياسية أو قانونية أو مجتمعية.. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى الأحزاب العربية التي جعلت من الوحدة العربية والفكرة القومية هدفاً لها.
5- نشأة الأحزاب السياسية نتيجة لمواجهة ومقاومة الاستعمار والتحرر من الاحتلال الأجنبي، وهو الأمر الذي يمكن تلمسه على وجه الخصوص في الأحزاب والكيانات الفلسطينية.

تصنيف الأحزاب السياسية

هناك ثلاثة أنواع من الأحزاب: أحزاب إيديولوجية، وأحزاب برجماتية، وأحزاب أشخاص:
أولا: الأحزاب الإيديولوجية أو أحزاب البرامج: وهي الأحزاب التي تتمسك بمبادئ أو إيديولوجيات وأفكار محددة ومميزة.. ويعد التمسك بها وما ينتج عنها من برامج أهم شروط عضوية الحزب. ولابد لهذه الأحزاب أن تصدر برامجها السياسية والتي تعكس رؤاها الأيدلوجية سواء كانت يسارية أو وسطية أو يمينية ويمكن الإشارة في الشأن المصري لأحزاب انطلقت بعد ثورة 25 يناير ذات برامج وانطلاقات أيدلوجية مثل حزب الحرية والعدالة (المرجعية الإسلامية)، حزب المصريون الأحرار تحت التأسيس (المرجعية الليبرالية) .
ثانيا: الأحزاب البرجماتية: يتسم هذا النوع من الأحزاب بوجود تنظيم حزبي له برنامج يتصف بالمرونة مع متغيرات الواقع.. بمعنى إمكانية تغيير هذا البرنامج أو تغيير الخط العام للحزب وفقاً لتطور الظروف، ويمكن أن نصفها بأنها أحزاب سياسات عامة وليس برامج أيدلوجية.. ويمكن للإشارة على محاولات طلعت السادات في إنشاء حزب يعكس هذا النوع فبعد أن انطلق من حزب الأحرار ثم فشله في إحياء الحزب الوطني الجديد بعد صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب الوطني الذي أفسد الحياة السياسية طوال ثلاثين عاما، يتجه الآن لإنشاء حزب جديد.
ثالثا: أحزاب الأشخاص: هي التي ترتبط بشخص أو زعيم.. فالزعيم هو الذي ينشئ الحزب ويقوده ويحدد مساره ويغير هذا المسار، دون خشية من نقص ولاء بعض الأعضاء له.. ومرد ذلك إلى المقدرة الكاريزمية أو الطابع القبلي أو الطبقي الذي يمثله الزعيم.. وتظهر تلك الأحزاب في بعض بلدان الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، حيث انتشار البيئة القبلية، وتدني مستوى التعليم، وأميل لضم الأحزاب التي ينشئها أصحاب رؤوس الأموال والأثرياء إلى هذا النوع من الأحزاب ونحن نرى محاولات حثيثة لبعض رجال الأعمال لإنشاء أحزاب مهما تسمت أو ادعت مرجعيات أيدلوجية فإنها تدور حول شخصية صاحب رأس المال (القابض على التمويل).

مهام ووظائف الحزب السياسي

تقوم الأحزاب السياسية بمهام ووظائف رئيسية في الحياة العامة، يعد من أهمها:
1- تنظيم إرادة قطاعات من الشعب وبلورتها.
2– توفير قنوات للمشاركة الشعبية والصعود بمستوى هذه المشاركة إلى درجة من الرقي والتنظيم الفاعل، بشكل يسهل للأفراد طرح أفكار واختيار البدائل للتفاعل السياسي.. وتوفير قنوات اتصال بين الهيئة الناخبة مع السلطة الحاكمة.
3 - الحصول على تأييد الجماعات والأفراد، بغية تسهيل الهدف المركزي من وجود الحزب وهو الوصول إلى السلطة والاستيلاء على الحكم بالوسائل السلمية.. وفي هذا الشأن تقوم الأحزاب باختيار مرشحين لها في الانتخابات لتمثيلها وتحقيق مبادئ محددة، وإدارة كيفية الرقابة على الحكومة، وتشريع ما تريده من قوانين، لأن الأفراد لا يستطيعون بمفردهم القيام بهذا العمل، لا عن عجز ولكن لعدم توافر التنظيم والمعلومات اللازمة للقيام بذلك.
وهذه المهام لو أحسن توظيفها ستكون دافعة للتقدم والتنمية على كافة الأصعدة، وستساهم الأحزاب بهذا المفهوم في زيادة الوعي ومساحات التعبير وبلورة الأفكار وتركيز الأهداف، والانطلاق من مربعات متأخرة إلى مربعات متقدمة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفي مجال العلاقات الدولية أيضا.

م/ن