[أحمد غنيم]

جــمـــر مــــن الــــورق* شعر أحمد غنيم

مِــنْ لائـــمٍ مــاكــر للـبـوح مـســتــــــرقِ
أكــتـــم الـــوجـــد فــي صـمـتـي فـلم يطقِ

حـــتــى حـمـلـت يـــراعــا جـاء مـنـدفــعـا
بــوابـــل مــن نـــزيــف الـحـس مـنـدفــق

حـــبــر مـــن الـنــار يــبــدي كــل نـائــبـة
فـــوق الـسـطــور عـلـي جـمـر من الورق

بـعـــض الـغــيـــوم بـدت في جـو غاديتـي
الـغــيــث فـيـهـا لـظـىً والـصـب في حـدق

والـعـيــن في غــســق والـقـلـب في ملــق
والجـسـم فـي نـزقٍ والـنـفـس في زهــق1

والـمـوت أمــســى بـلا مــوت يـخـلـصـني
والـصـبــر أمــســى بــلا صــبـر من القلق

والــوجــــد يـحـرق أزهــاري بــلا وجــــل
والـصـمـــت يـحـرق أغــصــاني بلا شفق

صـــوت الأنــيـــن كـرعـــد بان مـخـتـنـقـا
بـيــن الـرواعــد فـــي أرضـي وفي أفـقي

واللـيـل مــثــل غــطــاء فـــوق أزمــنـتـي
والــفــجــر مـثــل كـسـاء ذاب فـي حـرقي

مــمــــزق لا أرى حــلـــمـــا يـخـلـصـنـــي
فـالــحــس مـــنـــكـســر والـفـكـر في أرق

يـا قــاتــلــي بـيـــدٍ فـيـــهـــا الـزمـان بــدا
سـيـــفـــا غــدا ظــالــمـا والطعن في نسق

لـمـا بــدوتَ مــن الـطــعــنــات مـنـتـشـيــا
بــدا كـــذلـك قــلــبــي لـحـظـــة الــغــــرق

حــتــى عـــلــمــتُ بــــأن الــنـائـبـات لـهـا
فـعـــل الـخــمـــور بـحـــرّ بــات لم يـفـــق

كانت له مـثـــل ضــعـف الشمس في سـعة
والآن مـثــل بــريــق غــــاب فــي نــفـــق

يـُكــبــل اللـيــلُ طـلـع الـحـرف فـي لغـتـي
حـتــى غـدا طـمـطـمـا في أسـطـر اللـبـق2

تــاهــت بــه حــركـــاتٌ بــدت أنـظـمــهـــا
فـصــار غـيـر بـسـيــــطٍ مــــاج فـي حنـق

وغـــاب لـحـــن بــه مــــازال يـمــلــكــنـي
وغـاب ســحــر بــه مــذ مـسّـني غـسـقـي

يــا لـيـل دع عـنــك مــكــرا بـتّ أرقــــبـــه
وامــضـــي بـجـهـلـك حـلـمـي غير مفترق

ما الــبـــيــد إلا جـــنـــانٌ مــســهــا ألــمي
ما الـجـــــود إلا جـــهـــامٌ مـسـهـا رمـقـي

ما الــبـــدر إلا صــخــــورٌ مـسـهــا قـلـمي
ما الـشـمـس إلا شــمـوعٌ مـسـهـا حـرقـي

هـــذا يـــراعـــي بـــدا أصـــل الـذكـــاء به
ســـاق الـخــيـالَ لـنـا من مـجلــس عـبــق

قـــد كـــان يُـــكــرم فــي الـتــاريــخ حامله
مـــذ كـــان يُــحــمـل للأهــرام مــن فــرق

كــنــخـلــة بضــفــــاف الـنـيـل مذ خلـقــت
فـالــحــبــر من مـائـه والـحــرف من ألـق

تــخــط ســحـــرا بـــدا لـلـسـحــر مـنـبـعـه
يــروي الـســمـالق مثل الـهـاطـل الـغــدق

لا لــن يـهــون ولـــن تــفـنــى مـحـاسـنــه
إن ضِــقـْتُ ذرعـا فـظــني فـيـه لـم يـضـق

(1) الملق/ الود واللطف الشديد والدعاء والتضرع. نزق/ عجلة في كل أمر .
(2) طمطم / الأعجم الذي لايفصح الكلام.