[أبو جمال]

الشائعة

شيء يهابهُ الجميع ويخشون من أثره خاصة الخلوقين من الناس والذين يخشون على سمعتهم وسمعة ذويهم
ولكن ليس منا من لم يتعرض في حياته لشائعة ألحقت به الضرر من مغرض خبيث أو من أحمق يمتلك حسن النية
وأشاع الشيء أي نشره فجعله ينتشر بين الناس
وليس من ينشر الشائعة هو موجدها فقط بل يساعده في ترويجها الكثيرون بقصد وبدون قصد فيسمى كل منهم مروج للشائعة لأنهم يساعدوا موجدها المغرض في نشرها بين الناس بترويجهم لها
وفي الأغلب الأعم مروجي الشائعات هم من الناس سيئي النية فاسدي الطوية متجردي الأخلاق والتربية مضمري الشر للغير سواء بالحسد أو بالحقد أو بالكراهية
فمؤداها كلها واحد وهو إضمار الشر والتنفيس عن كمد القلب وإيغار الصدر بترويج الشائعة المغرضة والتي غرضها الأول هو تكدير صفو عيش الآمنين وترويعهم وإفساد سعادتهم ولخبطة أمور حياتهم وشغلهم فيما كانوا هم في غناً عنه بالتصدي للشائعة وإحاطتها ومحاولة تلافي آثارها وعلاج الأمور المترتبة عليها والتي في بعض الأحيان قد تكون مدمرة كالفتن والمحن ويخسر ـ مع ترويجها ـ من ابتلي بها الكثير والكثير دون ذنبٍ منه يذكر أو جرم قد اقترفه فإن هي إلا حقد أحد الحاقدين ووشاية واشيٍ وحسد حاسد
فالشائعة جمعت في نفس مروجها بين سوء الظن والفسوق
قال تعالى : " ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين "وقال تعالى : " ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم "
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث "
ولكي لايوقع المرء نفسه في الشائعات المغرضة ومواطنها العفنة ويسلم من رزايا الحاقدين الحسدي عليه بالتبيان والبينة والتزام الوضوح والسلامة في كل خطوة من حياته يخطوها في كل شيء بحيث لايضع نفسه موضع الريبة والشك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه "
فإذا كانت كل أفعال المرء في النور واضحة بينة صعب على حساده أن يوقعوه في الشائعة يروجونها ضده ولإن روجوها أمكنه بسهولة التصدي لها وتفنيدها وضحدها
ولكن الإنسان إن وضع نفسه في مواضع الريبة والشك مطمئن إلى حسن نيته وسلامة طويته فمن أدراك أن كل الناس مثلك حسني النية سليمي الطوية ؟
ومن أدراك أنه ليس هناك الكثيرون من يتربصون بك ليوقعوك في الشرك لحقدهم عليك وكرههم لك ولسعادتك ليوقعوك فيما لاترغب فيه بغية إعاقتك عن السير قدماً في درب نجاحاتك فلا تكن ساذجاً ويتم التغرير بك لتضع نفسك موضع الشبهات والشائعات فتتقاذفك العبارات وتلوكك الألسن وتتغامزك الأعين ثم تعود لتنادي أنني مظلوم وبريء وتتلمس الخروج من تلك الورطة التي هي ورطتك وتلتمس المعاذير والمبررات والحجج والحق أنك نقيٌ وطاهر وبراء من كل مالفق إليك ولكن لم تلتفت لما قاله سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه : " أنا لست بالخب ولاالخب يخدعني "
لمح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقف مع إحدى زوجاته صحابياً قرب منهما ثم عاد قافلاً لكي لايضع رسول الله في حرج فناداه صلى الله عليه وسلم قائلاً : " يافلان على رسلك هذه زوجتي فلانة "
وكلٌ منا قد علم ماحدث لأم المؤمنين الطاهرة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما في حادثة الإفك لمجرد أنها وُضعت ـ رغماً عنها ـ في موضع الريبة
هكذا الشائعة تبدأ بكلمة يطلقها من لايلقي لها بالاً أو يطلقها الخبيث عديم المروءة في حق الأبرياء الأطهار فتستشري وتنتشر ويستفحل أمرها ويعظم خطرها فإذا هي بلاء ومحنة لمن ابتلي بها تتقاذفه الأعين المرتابة وتلوكه الألسن المتجنية ويجرح صباح مساء بالنظرات والهمسات والهمهمات والغمز واللمز من القريب ومن البعيد بغير ذنبٍ جناه
ويتوجب علينا إن كنا بعيدين عن مركز الشائعة أن لانساعد من أطلقها بأن نروج نحن لها فنعينه على تحقيق مآربه من وراء فعلته النكراء
بل علينا أن نكف عن ذلك ونبحث عن الحقيقة في روية وتؤدة ولنتبين الحق أينما كان وبالسبل المشروعة وبالأدلة القاطعة الدامغة وليس بالشائعات التي لاتستند إلى أركان الحكمة والتعقل والبينة والروية
وبذلك تذهب غائظة من أطلقها وأراد لها أن تروج أدراج الرياح بذهابها وانعدام أثرها وانكشاف مآرب من أطلقها من الحاقدين فاسدي الأخلاق
فالشائعة هي مثلت ذو ثلاثة أركان
1 ـ مطلق الشائعة يبغي ترويجها بين الناس
2 ـ من تخصه الشائعة وقيلت في حقه
3 ـ الأخرون من حوله المستمعين لها وقد يعملوا على ترويجها
فإذا كف الآخرون عن تردادها وتناقلها ماتت في مهدها وجنى مطلقها الحسرة والندامة والغيظ والكمد بسبابهم له وتقريعهم إياه وطلبهم البينة منه وحسن ظنهم فيمن قيلت بحقه وإلا حصل مروجها ومطلقها على مبتغاه إن هم تناولوها بألسنتهم وأذاعوها بغبائهم ولو كان من باب نقل الخبر ليس إلا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بما سمع "
والدعي ومروج الإشاعة هو جرثومة ووباء ينخر في جسد المجتمع يفكك أوصاله ولابد لنا من أن نستأصله منه لينجو المجتمع من فتن هؤلاء الأدعياء ولابد أن يكون الصالحون والمصلحون في كل مجتمع لهؤلاء بالمرصاد يطلبوا منهم البينة فور سماعهم لما يروجون حتى يميتوا شائعاتهم في مهدها قبل أن تنطلق كالمارد فتدمر وتدمر فلا تستفحل وتعظم
وإن تبينوا منهم سوء النية وفساد الطوية عاقبوهم بالزجر والإهمال والنبذ والاستبعاد من كل تفاعل وفعالية اجتماعية حتى يفصلوهم عن المجتمع ونشاطاته وتفاعلات الأفراد فيه فيهمشونهم حتى يستشعروا خطر فعلتهم وقبح صنيعهم علهم يستفيقون من غيهم ويتوقفوا عن كلام باطل به لي ألسنتهم بما ليس في الآخرين ويكرهونه
وقد يكون الدعي مريضاً مبتلاً بما يدعيه على غيره ويسقط عليه ذلك فكل إناءٍ ينضح بما فيه وهذا الإسقاط هم من أخطر الأمراض النفسية التي تصاب بها المجتمعات في أفرادها فتفسد أخلاقهم وتدمر أعمالهم وشئونهم
وتعرض الآخرين الأبرياء إلى القذف بالتهم الجائرة والبلاءات الكاسرة
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }النور19
والسؤال المطروح للحوار الآن هو :

هل تعرضت يوماً ما لشائعة في حقك أقضت مضجعك ؟ اذكرها لنا
وماهي الوسائل التي استخدمتها للزود عن حياضك ورد الشائعة عنك ؟
بارك الله لي ولكم ونفعنا بما نعلم وعلمنا ماينفعنا
وتقبلوا تحياتي وتقديري