[أرب جمـال]

فارس الإغريق ومقتله على يد سيدة عجوز !

كبار فرسان وأبطال التاريخ كانوا يأملون بالموت في ساحات الحرب وسيوفهم بأيديهم والمجد يكللهم ، فارس اليونان الأول وملكهم بيروس الملقب
بالنسر ( بسبب طريقة إنقضاضه على خصومه) لم يحظى بمثل تلك الميتة المشرفة .. ففي سنة 272 قبل الميلاد تمكنت إمرأة عجوز من إسقاط
الملك النسر عن صهوة جواده ومن ثم تم قتله .. كيف حصل ذلك وأين ؟ للإجابة علينا أولا أن نلقي نظرة موجزة سريعة على بعض معارك بيروس ،
لا يهمني في هذا الموضوع كتابة تاريخ هذا الملك بل وضع أمثلة حية وصورة واضحة تبين لنا فروسيته وصولا إلى طريقة قتله المخزية ! ..
ومع أن العديد منا قد لا يعرفون بيروس ، إلا أنه يكفيه أن قائد أسطوري مثل هانيبال فضله على نفسه في مجال العبقرية العسكرية ..

----------------------------------



ولد بيروس سنة 319 ق.م أي بعد 4 سنوات من وفاة الرجل الذي طالما إعتبره معاصريه شبيها له بالشكل وبالصفات وهو الإسكندر الأكبر ، بدأت شهرته
كمحارب وهو في عمر صغير جدا لا يتجاوز ال 17 .. كان هذا الملك يعشق المخاطر والدخول في مغامرات دموية ، فمرة يقاتل الجاليين في الشمال وثانية يشتبك
مع الروم في حروب كبيرة ينتصر فيها بصعوبة ، وثالثة مع القرطاجيين ورابعة مع المقدونيين وخامسة مع الصقليين وسادسة مع الصناديد الإسبارتيين وهكذا هي
حياته سلسلة لا تنتهي من الحروب المتواصلة .. في كل تلك الحروب كان بيروس ما يمكن أن يطلق عليه لدى الغرب حاليا بطل أفلام الأكشن !! ..

289 : الملك بيروس في طريقه لغزو مقدونيا ، يلتقي مع الجيش المقدوني بقيادة أشهر وأشجع قادتهم بنتاوخوس الذي كان طول قامته وقوته الجسدية وبطولته
مضرب الأمثال في اليونان بذلك الوقت ، أثناء المعركة يتقدم القائد بنتاوخوس ويدعو بيروس للمبارزة ، إستجاب الملك من فوره للتحدي ، فتبارزا بالرماح حتى
تكسرت فسل كل منهما سيفه وتقارعا بشراسة وأبدى كل منهما براعة قتالية عالية ولكن تمكن الخبير بنتاوخوس من جرح الملك الشاب بسيفه وسط صيحات الفرح
من الجيش المقدوني لأن قائدهم على وشك قتل عدوهم ، ولكن كان لبيروس رأي آخر فإحتمل جرحه وواصل القتال حتى تمكن من جرح رجل خصمه ثم بسرعة البرق
طعنه بسيفه مرة أخرى ولكن هذه المرة برقبته فوقع العملاق بنتاوخوس وسط ذهول الجيشان وإنتصر بيروس بالمعركة وإحتل مقدونيا ..

277 : في هذه السنة كان بيروس يقاتل في صقلية والتي كانت تحت الإحتلال القرطاجي ، توغل بصعوبة بإتجاه غرب الجزيرة ليحاصر الحصن المنيع ايريكس الذي يقع
على أرض بإرتفاع يفوق ال 700 متر ، كانت مقاومة الحامية القرطاجية عنيفة مما أثار حنق بيروس فهاجم بنفسه الأسوار وتسلقها قبل بقية جنوده فهاجمه القرطاجيون
وقاتلهم منفردا حتى ظل واقفا وحده تحيط به جثث قتلاه و لعل الأغرب هو إجماع كل من أرخ لهذا الحصار أن بيروس لم يصب ولا حتى بخدش !! .. بالطبع سقط الحصن
بعد أن إقتحمه بقية الجنود اليونانيين الذين ألهمتهم شجاعة ملكهم ..

276 : إنسحب بيروس بجيشه من صقلية ليقاتل الروم ، وحين عبروا المضيق ووصل الملك النسر مع جيشه إلى جنوب إيطاليا وأثناء تقدمه بممر ضيق كان في إنتظاره
كمين محكم أعده المامرتيين أشجع قبيلة في صقلية ، فخرجوا من كمينهم وهاجموا بصيحاتهم المرعبة مؤخرة الجيش اليوناني وكادوا أن يبيدوه واضطر بيروس للرجوع
ومهاجمتهم فأصبح هو الهدف الرئيسي بسبب دروعه الملكية وفي معمعة القتال أحاط ببيروس أكثر من واحد من الصقليين ونجح أحدهم بجرحه على رأسه فتراجع إلى خلف
صفوف الجيش لتلقي العلاج ، أثناء ذلك خرج بطل مامرتيني ضخم وصرخ بصوت أجش على الملك :
" بيروس .. بيروس .. أين تختبيء خلف جيشك ؟ أخرج إلي وقاتلني ، هذا في حال ما زلت حيا ! "
ما إن سمع بيروس هذه الكلمات حتى جن جنونه فنزع الضمادات التي وضعت على مكان الجرح برأسه ودفع طبيبه بعنف وتقدم راكضا إلى أرض المعركة وحين حاول بعض
قادته إيقافه ليكمل علاجه سل سيفه وهددهم بالقتل فتركوه ، يقول المؤرخ القدير بلوتارخ أن دم رأس بيروس بدأ يسيل على وجهه بينما هو يجري على قدميه بكل سرعته
بإتجاه المامريتي الذي تحداه ، ودون أي مقارعة أو مصاولة علا بيروس بسيفه الثقيل على رأس خصمه مخترقا وجهه وصدره حتى لامس الأرض ، لقد شطره لنصفين ! ..


272 : الآن وصلنا إلى النهاية لنكمل ما بدأنا به موضوعنا ، وبالتأكيد بعد أن قرأتم تلك الأمثلة الحية ومقاطع " الأكشن " لهذا الرجل فإن فضولكم يدعوكم لمعرفة كيف
تمكنت عجوز من قتله .. إليكم بقية القصة :
فرغ بيروس من قتال الاسبارتيين بعد أن جندل أبطالهم وتركهم صرعى ، وتوجه إلى المدينة المجاورة آرجوس ، طالما كانت جرأة الملك النسر وجسارته التي لا حد لها
نقطة قوته وسبب رئيسي في تحقيقه للعديد من الإنتصارات ، ولكن هذه المرة ستكون هذه هي نقطة ضعفه .. كما فعل في الحصن القرطاجي ايريكس حين إقتحمه كذلك
فعل في آرجوس وهذه المرة توغل مع عدد قليل من فرسانه إلى قلب المدينة فدار قتال عنيف على ظهر الخيل ، أثناء إندفاع بيروس بجواده تمكن شاب صغير من جرحه
بالرمح على صدره ، كان جرحا طفيفا ولكن توقف بيروس وإستدار بإتجاه هذا الشاب ، كان الملك هائجا والشرر يتطاير من عينيه ، فوقهم بعدة أمتار كانت تراقبهم سيدة
عجوز ، ولاحظت بخوف أن ذلك الشاب الصغير على وشك أن يصرع ، كانت هذه العجوز المسكينة أمه وكان ذلك الفتى إبنها الوحيد .. إستجمعت كل قوتها وحملت حجرا
كان موجودا على الشرفة وأوقعته على رأس الملك النسر الذي سقط من على جواده مغشيا عليه ، تردد الفرسان الآرجوسيين ولكنهم إرتاعوا حين لاحظوا أن النسر بدأ
يستعيد وعيه قليلا فتقدموا بسرعة وقطعوا رأسه .. حين بعثوا برأس بيروس إلى عدوه اللدود انتيجونوس ، جثى الأخير على ركبتيه والدموع تنهمر من عينيه وأمر بأن
يدفن الرأس مع الجثة بكل المراسم التي تليق بفارس اليونان الأول .. كان عمر الملك بيروس حين قتل 47 سنة ...



المصادر :
1) Plutarchs Lives
2) Pyrrhus Of Epirus . By Jeff Champion