ذكر الحيوانات في محكم الآيات

[ميارى]

{الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً }النساء76
{إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ }الجاثية19
{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً }النساء139
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }النساء144
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }المائدة51
والعنكبوت حيوان صغيرة لها ثمانية أرجل ، وخيوطها التى تفرزها تشبه الحرير ، وهذه الخيوط شراك لصيد الحشرات لتتغذى عليها .
ولجميع أنواع العناكب أنياب ولمعظمها لها غدد سامة لأنها تستخدمها فى صيد الحيوانات ، ولدغة العناكب تقتل الحشرات والحيوانات الصغيرة ، والقليل منها يضر بالإنسان لأنه عادة لايلدغ الإنسان إلا إذا أثاره بشدة .
والعناكب ليست حشرات ، ويصنفها العلماء من (( العنكبيات )) فهى تختلف عن الحشرات من حيث عدد الأرجل فللها ثمانية أرجل ، وليست لها أجنحة أو قرون استشعار .
ويُطلق لفظ (( العنكبوت )) على المفرد والجمع ، والمذكر والمؤنث ، وجاء فى كتاب (حياة الحيوان الكبرى ) للدُمينى (( العنكبوت دويبة تنسج فى الهواء ، وجمعها عناكب ، والذكر عنكب وكنيته أبو خثيمة ، وأبو قشم ، والأنثى أم قشعم ، ووزنه (( فعللوت )) .
وهى قصار الأرجل ، كبار العيون ، للواحد ثمانية أرجل وست عيون ، فإذا أراد صيد الذباب لطأ بالأرض ، وسكن أطرافه وجمع نفسه ، ثم وثب على الذباب فلايخطئه ))
والواو والتاء في﴿الْعَنْكَبُوتِ ﴾زائدتان‏؛‏ كما في طاغوت‏، وطالوت.‏ فأصله على هذا:عنكب، ووزنه: فعلل، ونونه أصلية. وقيل: زائدة، ووزنه: فنعل، فأصله على هذا: عكَب، بمعنى الشدَّة في السير؛ فكأنه لشدة وثبه لصيد الذباب، أو لشدة حركته عند فراره، أطلق عليه اسم: العنكبوت. وقد ذكر سيبويه القولين، والمشهور منهما الأول. والعنكب الذكر، ويجمع على: عناكب، وعناكيب، والأنثى منه عنكبة، وتجمع على: عنكبات. أما العنكبوت فيجمع على: عنكبوتات.
وقال الفراء : العنكبوت أنثى ، وقد يُذكرها بعض العرب ، وأنشد قوله :

على هطَّالهم منهم بيوت *** كأن العنكبوت هو ابتناها

وقال : والتأنيث فى العنكبوت أكثر ، والجمع : العنكبوتات ، وعناكب ، وعناكيب ، وأراد بـ (( هطّالهم )) جبالهم .
فثبت بذلك أن لفظ ( العنكبوت ) فى الآية الكريمة مؤنث ، أما قوله تعالى ( اتخذت بيتا ) . أصل البيت مأوى للإنسان فى الليل ، وجمعه : أبيات ، وبيوت . وقد يُطلق لفظ البيت ويراد به امرأة الرجل وأولاده .
وكلمة البيت التى وردت فى الآيات تعنى ماتنسجه العنكبوت لتلتقى فيه بالذكر ، وتصطاد به الحشرات ، ويسمى بيت العنكبوت (( العكدبة )) وذُكرت ( بيتا ) بصيغة الندرة لأن العنكبوت من طبعها الترحال والتنقل ونادراً ماتتخذ بيتاً .
7* ماهى العنكبوت ؟
العناكب لها أكثر من ثلاثين ألف نوع ، تتفاوت فى أحجامها وأشكالها ، ونمط معيشتها . وهناك عناكب مائية ، ومنها من يعيش على قمة الجبال مثل جبل إيفرست ، ومنها من يعيش داخل المنازل ومختلف المبانى ، ومنها من تختبئ فى الشقوق الصخرية ( عنكبوت الصيادة البنية ) وهى تعيش منفردة ، وتكون عدوانية مع بعضها البعض .
* الإعجاز العلمى فى الآية الكريمة :
يؤكد العلماء أن فى قوله تعالى ( اتخذت بيتا ) حقيقة وإعجازاً علمياً ، وهى :
أن أنثى العنكبوت تحمل غدداً فى جسدها لإفراز الخيوط وليس الذكر ، وهذه حقيقة بيولوجية مؤكدة ، والإعجاز هنا أن هذه الحقيقة لم تكن معروفة وقت نزول القرآن ، وهذه الحقيقة ذكرها علماء المسلمين قديماً ، ودونوها فى كتبهم ونأخذ قول ابن عبد ربه يقول فى كتابه العقد الفريد : (( وليس ينسج من العناكب إلا الأنثى ، وهى الخدرنق ، وولد العنكبوت ينسج ساعة يولد ))
ويقول الجاحظ فى كتابه الحيوان : (( ولد العنكبوت يقوى على النسيج ساعة يولد ، وذلك من غير تلقين ، ولا تعليم ، وأول مايولد دوداً صغاراً ، ثم يتغير ويصير عنكبوتاً ، وهو يطاول فى السفَاد ، ومنه ماهو كبير ونسجه ردئ ، ومنه ماهو دقيق ، وهو يمدُ السُدى ، ثم يعمل اللحمة ، ويبتدئ من الوسط ، ويهيئ موضعاً لما يصيده ، يكون له كالخزانة ، والأنثى منه هى التى تنسج ، والذكر يحل وينقض ))

ونلاحظ قوله ( والأنثى منه هى التى تنسج والذكر يحل وينقض ) وقول ابن عبد ربه أيضاً ( وليس ينسج من العناكب إلا الأنثى ) أن الأنثى هى التى تقوم بالغزل بما يتوافق مع الحقيقة العلمية .
وقد جاء فى الموسوعة العربية العالمية : (( تغزل جميع العناكب الخيوط ؛ لكن بعض أنواعها لاتبنى شراكاً ، فعلى سبيل المثال يغزل العنكبوت المسلح خيطاً واحداً فى نهايته قطرة لزجة من الحرير ، فعندما تطير حشرة بالقرب منه ، تجذب العنكبوت هذا الخيط تجاهها ؛ لتلتصق الحشرة بطرفه اللزج ))
ويقسم العلماء العناكب إلى عناكب حقيقية وعناكب الرتيلا ، ويكون هذا التقسيم تبعاً لطريقة حياتها والفروق فى أجسامها مثل حركتها وطريقة توجيه أنيابها ، وأيضاً طريقة غزل النسيج فهناك عناكب تغزل لصيد الحشرات ، وهناك عناكب صيادة تتربص بالفريسة .
* التزاوج عند العناكب :
يقوم ذكر العنكبوت مثل التزاوج بغزل منصة من خيوط الحرير تسمى : النسيج النطفى ؛ ويصب عليها قطرة من الحيوانات المنوية ( النطاف ) يُخرجها من بطنه ، ويقوم بملئ طرفى الرجلين الملمسيَتين بسائله المنوى ؛ ليستعملهما فى نقل حيواناته المنوية فى جسمها ، وبعد وضع البيض يُخصب ذلك البيض بتلك الحيوانات المنوية التى خزنتها الأنثى فى جسمها بعد التزواج .
أما التزاوج فى عناكب (( الأرملة السوداء )) بعد أن يبنى خيوطاً حريرية ويخرج من جسمه مادة للتزاوج ويلصقها على هذا النسيج ، وعندما يرى الأنثى يبدأ فى تحريك يديه وتبادله الأنثى الحركات نفسها ، ويتناول بعد ذلك بيديه مادة التزاوج ، ويضعها تحت جانبها ثم يفعل ذلك مرة أخرى فى الجانب الآخر .
ويؤكد أعداء الإسلام أن ذكر العنكبوت يبنى البيت كالأنثى ولكن يُكذب إدعائهم قول الله تعالى ( اتخذت ) ، وللأسف هناك من ينكر الإعجاز العلمى فى الآية الكريمة كما قالت الدكتورة بنت الشاطئ : (( يجرى على لغة العرب الذين أنثوا لفظ العنكبوت من قديم جاهليتهم الوثنية ، كما أنثوا مفرد النمل ، والنحل ، والدود ، فلم يقولوا فى الواحد منها إلا نملة ، ونحلة ، ودودة ، وهو تأنيث لغوى لاعلاقة له بالتأنيث البيولوجى )) .
ويجيب الأستاذ محمد إسماعيل على هذا التعليق ، ويقول : (( الإعجاز فى الآية الكريمة هو فى إسناد بيت العنكبوت إلى الأنثى دون الذكر . وهذا ما أغفلته الدكتورة بنت الشاطئ . ومثل هذا المثل أيضاً إسناد بيت النحل إلى الأنثى كما أخبر الله تعالى فى الآية الكريمة :{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ }النحل68

فالخطاب موجه للأنثى دون الذكر ، وهى النحلة الشغالة التى تجمع الرحيق وتصنعه عسلاً ، بدلي قوله تعالى فى الآية لهذه الآية :{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }النحل69
فذكور النحل عددها قليل ، يُلقح أحدها الملكة قبل وضع البيض ثم يموت
ولا ننكر أن هذه الآية لاتزال محيرة للعلماء والباحثين ، فقد أخبر القرآن الكريم أن أوهن البيوت بيت العنكبوت

ثم قرنها بقوله تعالى ( لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } .
فنأتى لما أثبته العلم الحديث عن بيت العنكبوت ، فنجده من الناحية الشكلية منسوج من أقوى الخيوط تقاوم الرياح ، وتصطاد بها فرائسها من الحشرات دون أن يتمزق . وخيوط بيت العنكبوت دقيقة جداً يبلغ سمك الخيط الواحد ، واحد من المليون من البوصة المربعة ، ويتمدد إلى خمسة أضعاف طول قبل أن ينقطع وهو أقوى من الفولاذ المعدنى العادى بعشرين مرة ، ومن الألمونيوم بتسع وعشرين مرة ، وتبلغ قوة احتماله ثلاثمائة ألف رطل للبوصة المربعة . فإذا قُدر وجود حبل سميك بحجم إصبع الإبهام من خيوط العنكبوت ، فيُمكنه حمل طائرة ركاب كبيرة بكل سهولة . ولذلك أطلق عليه العلماء اسم : الفولاذ الحيوى – الفولاذ البيولوجى – البيوصلب .
ونتطرق لأقوال العلماء فى هذا الصدد : يقول الدكتور محمد الفار (1) : } نجح العلماء أخيراً فى استخدام طرق الهندسة الوراثية لإنتاج خيوط العنكبوت عن طريق جينات مستخرجة من العنكبون نفسه ، وهى أقوى من خيوط الحرير . ولذلك فإن هذه الطريقة ستتيح لهم التوسع فى استخدام تلك الخيوط العنكبوتية لصناعة سُترات واقية من الرَصاص من نسيجه ، وخيوط جراحية بمواصفات جيدة { .
فهنا نجد عدة تساؤلات :
- هل كان القرآن الكريم يجهل هذه الحقائق العلمية عن طبيعة هذا الخيط . كما يدعى أعداء الإسلام ؟
- هل الكفار كانوا يجهلون أن بيت العنكبوت من أوهن البيوت ؟

- وإذا كانوا يعلمون ، لماذا نفى الله سبحانه وتعالى عنهم هذا العلم ؟
ويجيب الأستاذ محمد عتوك عن هذه التساؤلات ويقول : السؤال الأول ليست له إجابة فى كتب التفاسير .
قلت : إن الله الخالق ، المصور ، المبدع ، العليم يأتى فى القرآن الكريم بالحقائق العلمية التى لايعلمها إلا هو ، والتى يتم الكشف عنها يوماً بعد يوم ، والتى تؤكد الإعجاز اللغوى أولاً ، ثم الإعجاز العلمى ثانياً للقرآن الكريم والذى يتأكد أنه كلام الله تعالى وليس كلام بشر ، وصدق الله العظيم حيث يقول فى آياته المحكمات :


{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7
وتفسير الآية من التفسير الميسر : ((هو وحده الذي أنزل عليك القرآن: منه آيات واضحات الدلالة, هن أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند الاشتباه, ويُرَدُّ ما خالفه إليه, ومنه آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعاني, لا يتعيَّن المراد منها إلا بضمها إلى المحكم, فأصحاب القلوب المريضة الزائغة, لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها; ليثيروا الشبهات عند الناس, كي يضلوهم, ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة. ولا يعلم حقيقة معاني هذه الآيات إلا الله. والمتمكنون في العلم يقولون: آمنا بهذا القرآن, كله قد جاءنا من عند ربنا على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, ويردُّون متشابهه إلى محكمه, وإنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة )) .
وقد أثبتت الآيات الكريمة أن العلماء ( وهذا حث من الله تعالى على التعلم وعلو مرتبة العلماء ) هم أقرب إلى الله تعالى من الإنسان الجاهل ، فيقول الله تعالى :
}إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }فاطر28
ونعود إلى بحث الأستاذ محمد عتوك ويجيب على التساؤل الثانى ، فالإجابة أن الكفار كانوا يعلمون أن بيت العنكبوت من أوهن البيوت ولكن الله نفى علمهم بأن اتخاذهم أولياء من دونه كالعنكبوت اتخذت بيتاً ؛ ظناً منهم أن هؤلاء من دون الله يزيدهم عزاً وقوة .
وعلماء التفسير يذهبون إلى قول الله تعالى : ( وإن أوهن البيوت ) جملة حالية ؛ لأنه من تتمة التشبيه . أو جملة اعتراضية بين قوله : ( كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ) وقوله ( لو كانوا يعلمون ) . وإلى كونها جملة اعتراضية ذهب الزمخشرى . وإلى كونها جملة حالية ذهب الطيبى .
وعليه فإن (لو) شرطية متعلقة بقوله تعالى ( مثل الذين ) وجوابها محذوف تقديره لو كانوا يعلمون شيئاً من الأشياء ؛ والمعنى : أنهم لو كانوا يعلمون أن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن ، لما اتخذوه دينا .
ويتابع الدكتور التحليل اللغوى للآيات ويقول : أنه قد ذكر أن هذه جملة استثنائية ، جيئ بها لبيان صفة العنكبوت ، الذى يدور عليها أمر التشبيه وهى جملة خبرية مفيدة بالعبارة الشرطية ( لو كانوا يعلمون ) ، ويبين
82
أن الأصل فى ( لو ) أنها آداة تمن ، ثم نقلت إلى الشرط ؛ ؛ ومن خواصها فرض ماليس بواقع واقعاً ، وتستعمل فيما لايتوقع حدوثه ، أو فيما هو محال ، سواء كانت فى عبارة شرطية ، كقوله تعالى :}وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ }التوبة81 ، أو كانت فى جملة شرطية تامة كفى قوله تعالى : {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال63.
وكما ذكر الباحث فى أول بحثه على أن خيط العنكبوت من أقوى الخيوط ، فقد رُوى عن سكان جزر السلمون أنهم كانوا يقومون قديما بصنع شباك صيد الأسماك من خيوط العنكبوت ، والسؤال الذى يطرح نفسه : كيف يكون بيت العنكبوت أوهن البيوت على الإطلاق ، وأكثها مرونة ؟
ولابد أن تشير إلى أن الآية الكريمة نصت على وهن بيت العنكبوت وليس على وهن الخيط ، وهذه إشارة دقيقة نرد بها على المتشككين الذين يقولون بأن العلم أثبت أن خيوط العنكبوت إنها قوية ، والقرآن يقول أنها ضعيفة وصدق الله تعالى عندما وصفهم فى كتابه العزيز :}ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }التوبة30 وتدل الآية على أن بيت العنكبوت من أوهن البيوت برغم قوة خيوطه والعبرة والعظة والإعجاز فى هذا التشبيه القرآنى نجده فيما توصل إليه العلماء ، فالضعف من فعل الله تعالى ، أما الوهن من فعل المخلوق فإن ( وهن بيت العنكبوت ) من الناحية المادية فلأنه مكون من مجموعة خيوط حريرية دقيقة جداً متماسكة فيها مسافات بينية ، ولذلك فهو لايقى من حر ولا برد .
والوهن من الناحية المعنوية فلأنه بيت محروم من معانى السكن والمودة والرحمة ، التى يقوم على أسسها كل بيت سعيد ، وهنا نرى الفرق بين كلمة البيت فى الآية الكريمة ، وبما عبر عنه الله تعالى بالمسكن فى قوله

تعالى : {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }النمل18 . لأن المسكن سكناً لصاحبه . وبيت العنكبوت لايجيرا مجيرا ، ولايريح متعبا ، ولا طمأنينة فيه ، والسبب أنه أُعد أصلا ليكون مصيدة لكل فريسة تحاول القرب منه .
وقد جاء في الموسوعة العربية العالمية:” وتقبع بعض أنواعالعناكب غازلة النسيج الدائريفي وسط النسيج، مترقبةلفرائسها، بينما تلصق أنواع أخرىخيطًا إشاريًّاوسط النسيج. ويختبىءالعنكبوتفي عشه قرب النسيج، ممسكًا بالخيط الإشاري. وعندما تسقط حشرة في النسيج، يهتز الخيط الإشاري منبهًاالعنكبوت، الذي يندفع إلى خارج عشه بسرعة كبيرة، للإمساكبالحشرة. وتنسج تلك العناكب نسيجًا دائريًا كل ليلة، يستغرق بناؤه ما يقرب من ساعة، وتأكل النسيج القديم للمحافظة على الحرير. بينما تصلح أنواع أخرى من تلك العناكب، أو تغير أي جزء تالف من نسيجها “.
* الصيد عند العناكب :
للعناكب طرق خاصة فى اصطياد فرائسها ونذكر منها :
- عنكبوت الصيادة الرمادية ، وهى تخرج للصيد ليلاً كما تفعل العقارب .
- عنكبوت الصيادة البنية فتعيش فى جحور تحفرها ، أو تختبئ فى الشئون الصخرية ، وحياتها حياة إنفرادية ، والغريب أنها لاتتردد من أكل العناكب أيضاً ، وهى عنكبوت شرسة فبعد أن تصيد فريستها تفتح فيها فتحات ، ثم تمتص السوائل التى بداخلها لتتركها ناشفة من الداخل .
- بعد نمو الذكر ،يبدأ فى البحث عن أنثى للتزاوج ، وأحياناً يفقد الذكر حياته إذا ما أعتقدت الأنثى أنه فريسة فتلتهمه وهذا عندما يقترب الذكر من الخيوط التى تنسجها رغبة فى التزواج فيقع فى تلك الخيوط ويصبح فريسة .
- وبعد المجامعة يعمد الذكر إلى الهرب بعد أن يلقح أنثاه خوفاً على نفسه من افتراس الأنثى له ، لأنها أكبر منه حجماً ، وأكثر شراسة .وتقوم الإناث بوضع بيضها فى كيس أبيض ورقى ، تنسجه بخيوطهاوتجره خلفها اينما ذهبت ، وهناك أنواع تموت الأنثى بعد إخصاب البيض ، ومنها من تمكث فوق البيض حتى يفقس .
وعندما يفقس البيض تخرج صغار العنكبوت ، فتجد نفسها فى مكان شديد الإزدحام داخل كيس البيض ، فيبدأ الأخوة فى الإقتتال من أجل الطعام أو من أجل المكان أو كليهما ، وتنتهى المعركة ببقاء عدد قليل
- من العناكب وتبدأ العناكب حياتها بنفس القصة التعيسة وتتجدد المأساة التى تؤكد أن بيت العنكبوت أكثر شراسة ووحشية .
وتقول الدكتورة هاموند : (( العنكبوت يأكل بعضه البعض ‘ إذا وضعت عنكبوتين فى قفص فسيأكل واحداً منهما الآخر ))
وكذلك يقول الدكتور تيرنر رئيس شركة نكسيا للتكنولوجيا الحيوية : (( إن الناس بدءوا يتساءلون عن إمكانية إنتاج المادة البروتينية تماما ؛ كما يتم مع دودة القز لإنتاج الحرير . لكن المشكلة هى أن العناكب من الحشرات التى يصعب السيطرة عليها ، وهى حشرات فردية وعدوانية ، وعندما تضع عشرة آلاف منها فى حجرة واحدة ، سنجد بعد فترة أن واحداً قبيحاً قوياً منها هو الذى يبقى ، ويموت الكل من شدة المنافسة والصراع بينهما ))
هذا هو بيت العنكبوت الذى وصفه الله تعالى بأصدق وصف له يحوى الإعجاز العلمى واللغوى فى آياته المحكمات حيث أنه تعالى وصفه بأنه أوهن البيوت ، لأنه يفتقد إلى العلاقات الأسرية ، والعاطفة ، ويقوم على المصالح والمنافع المادية الدنيوية المؤقتة .
ومع ذلك نجد أعداء الإسلام والدين والمتربصين إلى آيات الله المحكمات ، ويقولون : (( أن بيت العنكبوت من أقوى البيوت ، والقرآن مُخطئ بوصفه بالوهن ، ومع هذا يعترفون أن بيت العنكبوت أصلا بٌنى ليكون مصيدة لصيد الفرائس .
قلت : أى بيت هذا .. وأى سكن هذا .. الذى يعتمد على الإفتراس والقتل .. أين الطمأنينة والسكن والمودة والرحمة . إننا نرى فى باقى الحشرات ولنقل النحل مثلاً كيف تعتنى بالبيض وتهتم به ، وأيضاً كيفية اهتمامها بالملكة ... ونجد فى النمل روح التعاون فى مجتمعه ، كيف أن الفرد أهم عضو فى الجماعة ، والجماعة هى أساس المجتمع .. بعد كل هذا لانقول سوى سبحان الله على خلقه .. سبحان الله على الإعجاز فى القرآن الكريم ( العودة للأبحاث فى هذا الكتاب )
بعد هذا السياق القرآنى الحكيم ، والحقائق العلمية التى اُكتشفت على يد العلماء والتى تؤكد إعجاز القرآن الكريم . نجد أن بيت العنكبوت أوهى البيوت من الناحية الإجتماعية والأخلاقية ، وتأكيداً لوصف لمن اتخذ من دون الله أولياء ، حيث الصلات واهية ، والروابط متقطعة ، فينتج على ذلك الغدر وعدم الطمأنينة .
وهؤلاء خدعتهم قوة أولياءهم الظاهرة ، ناسين القوة الكبرى لله تعالى التى خلقت هذه القوة الصغيرة ، ويوضح لهم أنهم لاحماية لهم ، وليس هنالك سوى حماية الله ، وذلك تأكيد أن قوة الله تعالى وحدها هى القوة ، وولاية الله وحده هى الولاية ، وما عداها واهن ضئيل